الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاق الدنيا و أخلاق الدين

مصطفى عبداللاه
باحث

(Mustafa)

2022 / 5 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعرف الأخلاق في أبسط تعريف لها بأنها مجموعة القيم والقواعد التي يتبعها البشر بغرض تنظيم حياتهم وتحقيق السعادة والخير ، وإذا نظرنا الى تاريخ الجنس البشري ككل لا نجد مجتمع واحد قام في يوماً ما دون مقومات أخلاقية فضلاً عن قيام الحضارات والأمم ، فحتى مجتمع الحيوان لديهم مجموعة من القواعد المتفق عليها بين أبناء الجنس الواحد ، ولا شك
أن الأخلاق اختلفت باختلاف الزمان والمكان ، فلا يمكن مقارنة أخلاق اليوم بأخلاق العصور البائدة ولكن هناك سمة تضع خطاً واضحاً بين أخلاق العالم الحديث وأخلاق الحضارات والأمم السابقة و أن اختلفت فيما بينها ، فالسمة البارزة والمميزة لأخلاق العصور القديمة أن الدين هو منبع الخلق وهو من يحدد الخير من الشر والصواب من الخطأ فالأخلاق هي من صنع الإلهة ، فنجد مثلا أن خلق المصري القديم والقواعد المنظمة لحياته هي أخلاق دينية يسأل عليها المرء بعد موته أمام الهة الحق ماعت ويتضح هذا وضوح الشمس في متون النصوص والتعاويذ المنقوشة على جدران المقابر والمسلات و هذا ليس حصراً على مصر القديمة بل نجد هذا أيضاً في جميع الحضارات الأخرى فمثلا نجد في حضارات بلاد الرافدين التعاليم الدينية الأخلاقية منقوشة على الألواح الطينية باللغة المسمارية و الأكدية فالخير والشر هو ما تحدده الآلهة تلك السمة التي لم تقف عند الأديان التعددية وحسب بل انتقلت بدورها إلى الأديان التوحيدية فيما بعد فنجد أن اليهودية أولى الديانات التوحيدية تقر بمبدأ التشريع الإلهي ، فالإله اليهودي يهوه هو من يشرع ويسن القوانين فهو من أعطى للنبى موسى ألواح الشريعة التي يجب أن يسير على دربها الشعب اليهودي بأكمله ،وبالرغم أن الأخلاق في تلك العصور والأزمنة كانت أخلاق دينية إلا أن الإنسان اليوناني بدأ يتساءل عن ماهية الخير والشر بصرف النظر عن القوانين الدينية وهل للأنسان أن يعرف الخير من الشر بطريقة موضوعية ، أبتدأ أول الأمر مع سقراط بالسؤال عن ما هيئة الأخلاق فذهب الى أن الخير هو ما يحقق سعادة الأنسان و أن الشر هو ما يجلب عليه الشقاء و أن للأنسان أن يعرف الخير من الشر ، وتعددت المدارس والأراء بعد ذلك في ماهيئة الأخلاق فظهرت مدرسة السفسطائيون والمدرسة الرواقية وغيرهم من المدارس الفلسفية التى دأب بينهم الخلاف و الأختلاف ألا أنهم أتفقوا أن مصدر الأخلاق هو العقل البشري الوحيد القدر على تميز الخير من الشر ومعرفة ما هيئة الأخلاق ، وبالرغم من الأنسان في تلك الفترة من القرون الأخيرة قبل الميلاد بدأ في الأجابة عن سؤال ما هيئة الأخلاق الا أنه تعثر بسبب ظهور الديانة المسيحية التي تبنت فكرة الأخلاق الدينية والتشريع السماوي ومع أعتناق الامبراطورية الرومانية للديانة المسيحية أصبح السؤال عن ما هيئة الأخلاق بعيداً عن الدين سؤالاً محرماً يأثم ويعاقب من يسأله فمن الممكن القول أن مع اعتناق روما للمسيحية دخلت البشرية في عصور الظلام وعادت مرة أخرى إلى فكرة الأخلاق الدينية ، ومع ظهور الإسلام وتوسع الدولة الإسلامية ازداد الأمر تعقيداً خصوصاً أن للإسلام شريعته ومنهجه فضلاً عن الخلاف بين الأخلاق الدينية الإسلامية والأخلاق الدينية المسيحية هذا الخلاف الذي تسبب في حروب طاحنة استمرت لقرون طويلة ، في تلك العصور المظلمة التي عاش فيها العالم يعاني مرارة الأخلاق الدينية أدرك الإنسان الغربي ضرورة العودة إلى ميراث أجداده من فلاسفة اليونان وتطويره مما تسبب في ثورة معرفية و إدراكية استوعب الإنسان فيها من أن الأخلاق يجب أن تكون من الإنسان وللإنسان وليس للتشريع الديني دخل فيها ، ومع ظهور فلاسفة عصر الأنوار وخصوصاً أن تحدثنا عن الفيلسوف جيرمي بتنام ومن أتى بعده من الفلاسفة مثل جون ميل وديفيد هيوم ظهر ما يعرف بالأخلاق النفعية أو الأخلاق الليبرالية التي تبدأ حجتها بأن هدف الإنسان الأعظم هو السعادة والبعد عن الالم وبما أن المجتمعات البشرية ماهي إلا مجموعة أفراد هدف كلاً منهم هو السعادة والسعي إليها أصبح من الواجب تعميم هذه القاعدة و أعتبرها هي بوصلة الأخلاق وأن أي فعل يوسع من دائرة السعادة للبشر ويقلل مستوى معاناتهم هو فعل أخلاقي وأن ما يزيد من معاناة البشر هو فعل غير أخلاقي بالضرورة وأن ليس للدين أن يتدخل في الشأن العام والأخلاق خاصة مع الوضع في الأعتبار أن النصوص الدينية هي بنت أزمان ضاربة في القدم لا يمكن أن تصلح لليوم و أن النصوص الدينية تهدف الى خدمة البشر وليس العكس وأنما جعل السبت من أجل الأنسان وليس العكس ، ومن تلك الفلسفة أستطاعت اوروبا أن تخرج من عصور ظلمها وأن تدخل عصر الأنسان والأنسانية عصر الحرية والعدل وحقوق الأنسان وحقوق المرأة والطفل بل وحتى المنجازات العلمية هي بنت تلك الرؤية وبنت تلك الفلسفة لأن هدف العلم هو تحسين جودة حياة الأنسان وزيادة مستوى سعادته وتقليل معاناته ، وبينما ينطلق العالم الأول نحو عالم أكثر سعادة وحرية و أنصاف أنحدر عالمنا نحن في صراعات طاحنة تسببت فيها الأخلاق الدينية وبأتت كل فرقة دينية تحارب وتكفر الأخرى من أجل سيطرة ما يرونه صواب ، فأصبح شرقنا ساحة من القتال والأقتتال تسبب فيه التمسك برؤية الأسلاف ، الأمر الذي لن يتوقف الا بدخولنا عصر أخلاق الأنسان وهذا لا يعني أن نلقي بالحلال والحرام خلف الظهور بل أنه يعني أن الحلال والحرام أمر شخصي بين الإنسان وربه وليس أمر مجتمعي نحدد به أخلاقنا فليست من مهمة الدين أن يحدد لنا ماهية الأخلاق لأنها متغيرة بالزمان والمكان بل مهمة الدين هي صيانة النفس والروح فالدين أمر شخصي لا يمكن أن يصبح شأن عام وعليه فإن الخروج من النفق المظلم لن يحدث إلا بأن نتبنى أخلاق الإنسان والإنسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال