الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاتل الأستراليين

واصف شنون

2006 / 9 / 15
المجتمع المدني


خسرت استراليا في الاسبوع الماضي رجلان يعدهم الاستراليون رموزاً وطنية و شعبية بل حظيا بسمعة عالمية واسعة ،ولهما أهمية حضارية أكثر من السياسيين ورجال الأعمال والقانون،وهما مختلفان تمام الاختلاف في الإختصاص،لكنهما يجتمعان في ندرة إختصاص ومهنة وموهبة كل منهما حيث المغامرة القصوى هي الغالبة، كما إن طريقتي موتيهما (قتلا ً ) تثير الدهشة والاستغراب لبساطة الظروف التي تقرر مصيريهما فيها ،فقد قتلت سمكة سامّة لكنها غير مؤذية صائد التماسيح (ستيف أروين )،بينما قتلت شجرة على جبل (بيتر بروك) بطل سباقات السيارات على مدى ثلاثة عقود .

الأول ومنذ صغره صارع وإصطاد التماسيح والأفاعي وعشق الحيوانات الاسترالية التي تعيش في البرية بكل أنواعها في اليابسة حيث الغابات والأحراش والصحارى وتحت سطح الماء حيث البحار والمستنقعات ،واستطاع بموهبة وجرأة ومرح وشجاعة أن يمزج بين مهنته الخطرة المثيرة في التعامل مع كائنات هجومية الطبع مع حبه العميق وإفتتانه بالحياة البرية وحيواناتها الغريبة ،فقدم عروضا ً هي في غاية المتعة للصغار والكبار ،ومالبث حتى سطع نجمه لماعا ً في اميركا أرض الفرص الذهبية فاشتهر فيها قبل أن يكون معروفاً لدى الاستراليين حتى فاقت أعداد من يشاهد عروضه وافلامه حول المعمورة الخمسمئة مليون مشاهد ومتمتع،لم نر َ ستيف أروين الذي أصبح ثريا ً بشكل خيالي إلا وهو يلاعب الأفاعي ويتلوى مع التماسيح بكل إندفاع وحذر فهو ليس بهلوانا ً غرضه حلب الدولارات من المشاهدين فقط ،إنه يحب تلك الحيوانات الفتاكة من كل قلبه كما يقول ،لذا فقد شاهدناه وهو ُيقبل تماسيحه العملاقة وافاعية المخيفة العملاقة ،لم نر َ ستيف أروين إلا وهو يرتدي الشورت والقميص في كل الاوقات والفصول وفي مختلف العروض ،كان أروين لايتناول القهوة ولا الكحول ولا يدخن ولا يسهر وكأنه مولود من رحم الطبيعة وليس من رحم الإنسان ،لقد كان رمزا ً حقيقيا ً لثقافة استرالية غزت العالم بسببه وحققت سمعة وايرادات هائلة سياحية لوطنه الاسترالي ،يقول اروين في رده على سؤال ماذا يفعل بالملايين التي حصل عليها "انه سوف يستمر بشراء اراض برية لكي يحافظ على حيواناتها التي تعيش فيها "،ويهيأ الي ّ اني أرى في شخصية اروين شخصية كل استرالي بسيط ومتواضع في طريقة كلامه وحركاته وعفويته الشديدة لكنه من الصعب تعويضه ،فالأستراليون يعشقون الطبيعة بكل مواصفاتهاوحيواناتها الوحشية والأليفة من التماسيح والأفاعي المختلفة حتى الكلاب والقطط والطيور وصولا ً للأزاهير والورود والأشجار وما في أسفل المحيطات ،انها ثقافة متأصلة تجعل الأنسان اكثر إنسجاما ً مع نفسه وتسامحا ً مع الأخرين بشر وحيوانات واشجار وحشرات بل كل الكائنات .
كنت على موعد عائلي مع صديقة استرالية إتفقت معي قبل اسبوع على الزيارة ،لكنها إعتذرت عن المجيء قبل ساعتين من الموعد لأن أحد طيورها المنزلية قد بدى عليه الوهن وبدأ بالتقيأ ورفض الطعام مما إستوجب عليها أخذه مباشرة للطبيب الذي عالجه ودفعت لعيادته خمسمئة دولار ...طبعا ً الأمر ليس طريفا ً لها ،لكنه طريف ومفيد في آن لمخيلتي الشرق أوسطية ،ومن هذا يمكننا أن نتحسس الحزن الذي تركه ستيف أروين في نفوس محبي الطبيعة والحياة البرية وسوف لن يكون مستغربا ً أن يتم تشييع جنازنه في أكبر ملاعب ولاية كوينزلاند التي ولد فيها .
أما الثاني فهو عملاق سباق السيارات بيتر بروك ،وسباق السيارات هي رياضة نادرة ومكلفة وخطرة جدا ً في طبيعة الحال ،لكن بروك فاز في أول سباق له أوائل سبعينيات القرن المنصرم بسيارة قام هو بصناعتها ،ثم توالت إنجازاته العالمية والمحلية طوال ثلاثين عاما ً ،أصبح بطلا ً عالميا في سباق السيارات فيما حقق الفوز بسباق (باثريست )الاسترالي الشهير تسع مرات ..
بيتر بروك ليس مجرد سائق مجازف مغامر لايهاب الموت في حوادث السباقات المثيرة للغاية ،لكنه صانع سيارات وخبير فيها ،إضافة الى مساهماته الاجتماعية الواسعة النطاق ،ُقتل بروك بعد أن إصتدمت سيارته بشجرة وبعد خمسة أيام من مقتل مواطنه المغامر أروين ،وبذا كان الاسبوع الماضي داميا ً حقا ً لأستراليا كما وصفته الميديا ،فقد خرج علينا هاورد وبيزلي والحزن قد غلبهما ، إن فقدان أروين وبروك يشكل خسارة ليست هيّنة لكل مواطن استرالي ،وكما قلت في البداية فهذان الاستراليان هما أهم من السياسيين ورجال الأعمال والقانون لندرة موهبتيهما الفائقة ،وهذا هو نتاج الديمقراطية الوضّاح لشعوب تستحقها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحيفة لومانيتيه: -لا وجود للجمهورية الفرنسية دون المهاجرين-


.. السلطات الجزائرية تدرس إمكانية إشراك المجتمع المدني كمراقب م




.. جلسة مفتوحة في مجلس الأمن لمناقشة الوضع الإنساني في غزة وإيج


.. أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وفرض إجراءات أمنية إثر اع




.. المغرب.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يصدر تقريره لعام 2023