الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 57

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تِلكَ أُمَّةٌ قَد خَلَت لَها ما كَسَبَت وَلَكُم مّا كَسَبتُم وَلا تُسأَلونَ عَمّا كانوا يَعمَلونَ (141)
بكل تأكيد تلك أمم قد خلت ومضى زمانها، سواء كانت أمة موسى، أو أمة عيسى، أو أمة محمد نفسه، لكن البشرية دفعت ثمنا غاليا منذ نشوء أول دين، ثم تتابع الأديان، ثم تفرع كل دين إلى كنائس ومذاهب ومدارس وفرق واجتهادات واتجاهات وملل، اختلفت في العقائد، وفي الأحكام، وفي أحداث التاريخ، فبقيت معارك ما قبل ألف وألفي سنة حية تنزف من أجلها الدماء، فلو نظرنا إلى حال المسلمين، فما قيمة أن تثبت فرقة شرعية خلافة من سموا بالخلفاء الراشدين بعد وفاة نبيهم، أو تثبت فرقة أخرى أحقية الر ابع وذريته من بعده دون الثلاثة الذين سبقوه في الخلافة. نعم، تلك أمم وملل وفرق قد خلت، لها ما كسبت ولشعوب عصرنا هذا ما كسبت، ولسنا مسؤولين عما فعلوا. ويخطئ من يقول إنه التاريخ الذي يجب علينا أن نتعلم من دروسه، لكن من محاولات استلهام الدروس من ثمة تاريخ، ما يكون ضرره أكثر بكثير من نفعه، لاسيما إذا أضفيت على أحداث وأشخاص هالة من القداسة المطلقة عند فريق دون الآخر، مما يجعل من الصعوبة بمكان دراسة تلك الأحداث وشخوصها دراسة موضوعية متجردة، فيكون مثل ذلك التاريخ عامل بث أو إدامة لروح العداوة والبغضاء بين الناس.
سَيَقولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما وَلّاهم عَن قِبلَتِهِمُ الَّتي كانوا عَلَيها قُل للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ يَهدي مَن يَّشاءُ إِلى صِراطٍ مُّستَقيمٍ (142)
ليس من مبرر معقول لمواجهة الأسئلة بتسفيه السائلين، فعندما يفاجأ الناس بتحويل المسلمين قبلتهم من المقدس التي اعتمدت حتى قبل الهجرة إلى مكة، فمن الطبيعي أن يتساءلوا عن سبب هذا التحول الغريب والمفاجئ، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين لم يؤمنوا بنبوة محمد، حتى يعتبروا كل قرار منه، رغم كل غرابته، أمرا إلهيا، ما عليهم إلا أن يذعنوا له ويسلموا تسليما. وعلى أي حال، فبعد وصم السائلين بحق أو بدون حق بالسفاهة، يأتي الجواب أغرب بكثير من السؤال، على فرض وجود غرابة في السؤال، فيأتي الجواب: «قُل للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ»، وهذه الحقيقة كانت سارية أيضا أثناء اعتماد المسلمين المقدس قبلة لهم في صلاتهم ولعله في دفن موتاهم، وغيرهما من المناسك الواجب أو المستحب فيها التوجه إلى القبلة، ثم لماذا فرض قبلة للصلاة، مازال «للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ»، ولم لم يعتمدوا قاعدة «أَينَما تُوَلّوا فَثَمَّ وَجهُ الله»؟ وعلى أي حال بقي السؤال غير مجاب عليه، سوى وصم السائلين بالسفاهة وتقرير حقيقة أن «للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ»، ثم تقرير أمر آخر هو إن الله «يَهدي مَن يَّشاءُ إِلى صِراطٍ مُّستَقيمٍ»، ولا ندري هل كونه «يَهدي مَن يَّشاءُ»، كما «يُضِلُّ مَن يَّشاءُ» أمرا مزاجيا، تعالى الله عن المزاجية علوا كبيرا، أم لها معنى آخر، هذا ما سنتناوله في محله.
وَكَذالِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَّسَطًا لِّتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيدًا [...]
هذا المقطع من الآية 143 ذو معنى جميل، لو كان فعلا يمثل الحقيقة، وفي حال إن المؤلف قد عنى هذا المعنى الجميل الذي نتناوله هنا. فإن أي شعب وأي أمة وأي مجموعة، وأي ثقافة أو حضارة، عندما تحقق الوسطية، فالوسطية تؤهلها لتكون شاهدة على بقية الشعوب والأمم، هذا إذا فهمنا الوسطية الاستقامة مع الاعتدال، وعدم التطرف إفراطا أو تفريطا في كل القضايا، وإذا فهمنا الشهادة بأن تكون الأمة الشاهدة رقيبة على بقية الأمم، لتصحيح ما يبتعد عن كل من الاستقامة والوسطية، كما وتكون قدوة يقتدى بها من قبل الأمم، وهذا الدور، يمكن أن نتصوره بما ينبغي أن تضطلع به منظمة دولية كالأمم المتحدة، أو دولة عظمى تعتمد الوسطية لتكون شاهدة على بقية الأمم، لتصحيح ما يبتعد عن الديمقراطية والمساواة ومراعاة حقوق الإنسان وما يمس العدالة أو ما يعرض السلام للخطر. ثم على فرض تحقق الوسطية والشهادة في أمة من الأمم، فمن الطبيعي ألا يكون ذلك متحققا في كل فرد وكل مجموعة من أفراد ومجموعات تلك الأمة، لذلك يجب أن تكون القيادة متحلية بأعلى درجات الوسطية، لتكون القيادة السياسية والاجتماعية والفكرية هي المجسدة لأعلى درجات الوسطية، فتكون في ذروة موقع مسؤولية الشهادة، وهذا ما عبرت عنه الآية في عبارة «وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيدًا»، في حال كان حقا إنسانا مصطفى ورسولا مرسلا من الله. لكن الظاهر إن للموضوع علاقة بتغيير القبلة، فلا ندري ما علاقة الوسطية والشهادة بالقبلة سواء كانت تجاه المقدس، أو تجاه مكة، أو تجاه أي بقعة على كوكب الأرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah