الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحب تحرر من الانانية؟

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 5 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عقل الانسان مصمم على حب الانا (الذات) كأولوية مطلقة، يجري ويسعى وراء ما يمتعه ويحقق مصالحه.. والسؤال الذي يتبادر للذهن " هل يستطيع هكذا عقل ان يحب الاخر؟" هذا العقل الطموح الذي ينافس في كل مجالات الحياة، متطلعا الى البروز والشهرة وصدارة الصفوف، وشغفه لإبراز قدراته بأساليب جديدة، متطلعا الى مكافئة وتقدير الاخرين، هل يمكن لهكذا عقل ان يحب الاخر! الحب في العقل متعة له علاقة بالجنس، يمكن ان يحب الجنس، لكن هل حب الجنس هو الشيء الوحيد؟ إذا كان حب الجنس هو غاية الحب في العلاقة بين الرجل والمرأة، فان اغلب قصص الحب في الروايات والأفلام يدور حول الجنس في الواقع والباقي مجرد كلام! لماذا نعير شأن الجنس كل هذه الأهمية القصوى؟ إذا استخدمنا كلمة الحب كمرآة، لان اولوية الانسان في الواقع هي لذاته، سيبرز الينا عبارة المتعة والسعادة. أي سعيه لإمتاع ذاته، ما معنى تلك العبارة بأشكالها المتعددة؟ هل يستطيع الانسان ان يتمتع في ظل حياة صاخبة، شاقة وصعبة تستهلك مشاعره، ان يدرك معنى الحب بجوارحه اي بتلك المشاعر المستهلكة؟
يدعي رجل الدين في هذه البيئة المعقدة والشاقة حبه لنبيه، لكنه في الواقع انما يسعى للحصول على حظوة للجلوس بجانبه في جنةٍ يحقق فيها كل المتعة والسعادة لنفسه! انه ليس حبا بل مجرد كلام. وكذا حب المرؤوس لرئيسه، انما يهدف للشهرة والحصول على حظوة الترقي لنفسه. إذا أردنا معرفة معنى الحب يفترض غض النظر عن الاقاويل والسرد التقليدي وفهم معنى المتعة والسعادة الذاتية. ان طلب او حب المعرفة متعة، وان حب المنصب والمكانة متعة، وحب الله وسيلة للوصول الى المتعة في الجنة، وما الأحاديث والروايات التاريخية بهذا الصدد الا كلام فارغ ومجرد من المعاني.. الحب لا يمكن ان يتواجد في هكذا ازمة وبيئة تناقض مدلول الكلمة، لكن الانسان تكيف الى الاشكال الاجتماعية الذي يفسر الحب بكلمات ليست لها معنى. الحب لدى الأوروبيين يتعلق بالجنس، وحين يفشل او لا يسعد لن يبقى في ذهنه شيء عن الحب!!
الكلام عن الجنس في مجتمعاتنا الشرقية يعتبر عيبا مخدشا للحياء او غير مستساغا، ويتجاوزون الحديث عنه، لذلك لا يجوز في المجتمع ان تتحدث عن الجنس الا في السر بين الأزواج وباستحياء!! حين تبحث عن المتعة الذاتية يصبح الحب شفقة بالنفس، أنانية محضة.
اما الحب المتحرر من الذات، يأتي متى أصبح احساسك بالنفس والانا مفقودا مع المقابل، فإنك واقع في الحب، فالحب الحقيقي هو إحساس فقدان الانا كليا. ان تنسى وتتجاوز في ذلك الحب طموحك وانانيتك وغرورك وكل ما يُكون الانا في الانسان. لا أقول ان تستأصله بل تتجاوزه بالإدراك والفهم. الحب هو احدى تعابير الحياة. الفكر الذكي هو تعبير اخر للحياة. الوعي، الضغوط البدنية، وتعابير اخرى عديدة، كلها تعابير عن الحياة. الحب هو عاطفة بشرية لا علاقة له بالكون! الحب هو مُحلي العواطف، نحن نلتقي ليضيف كل منا الى حياة الاخر شيئا، ولو لم يكن كذلك فمن الافضل ان لا نلتقي، فأحيانا ترفع شيئا من حياة انسان وأحيانا يرفع هو شيئا من حياتك أيضا.
تعتبر الديانات الشرقية النظر الى الطرف الاخر بهدف الرغبة الجنسية زنىً. منع الأديان النظر في النساء وغض البصر عنهن، بعكس الواقع التصميمي المبرمج للبشر. المفاهيم الدينية تفيد بان الله لا يقبل النظر اليهن او الزنا بهن والناظر ملعون ابدا، تلك المفاهيم في الواقع ادعاء ظاهري، لا يتعدى ظاهر الانسان، اما باطنه يحترق شوقاً للنظر اليهن، مولدا في الواقع شخصية مزدوجة، يكيل بمعيارين، أولها ادعاء ظاهري ينصح بها الاخرين، والثاني باطني يتجاوز ذلك الادعاء لذاته. لقد شوهت الاديان هذه العاطفة الرومانسية، بهدف تشريع أسهل الطرق لتنظيم المجتمع دون إدراك فكري عميق لمكنون هذه العاطفة، وعواقب التسامي عليها، وجاء التشريع بسبب الشلل الفكري لصاحب تلك الفكرة سواء ان كان فيلسوفا او نبيا او داعية، وأصبحنا نحن البشر نتداول تلك الفكرة ونتوارثها، كما نتوارث الملابس العتيقة، ننظم حياتنا على غرار ما جاء به ارسطوا وبوذا والانبياء.. ليست لنا القدرة على التحرر من عبودية الأفكار المفروضة علينا، الأفكار التي رافقتنا بالفرض، دون تمحيص وتأمل حر، فخلق منا بشرا بوجهين، عاطفي رومانسي وفكري مستعبد يقاوم خوارزمية العاطفة..
في الممارسة الجنسية قدر مطلق من الحرية والراحة النفسية إذا كان الطرفان متفقان. حياة الانسان هي عبودية للحاجة في تفاصيلها، تعمل كماكنة في المعمل وعبدا اسيرا في المكتب، وفي تعاملاتك البيتية والتسويقية، ذاتك الاناني مرهون لكل تلك الامور، والجنس القائم على الرضا بين طرفين، هو النجاة الوحيد من الانا، يتنفس من خلاله الاغلبية، من الكادحين وطبقة الفقراء في العالم، يبدو بان هذه هي الوسيلة الوحيدة للتحرر والنجاة من الانا، وليست هناك حرية في المجالات الاخرى سواء في العمل او خارجه كأن تواظب على الدوام او تذهب للسينما وغيرها...في النهاية الانسان (سواء ان كان رجلا او امرأة) يصرف عمرا في الجنس ليشعره بالمتعة والسعادة المطلقة غير المقيدة، ليذوب ذاته فيمن يحب، وينسيه انانيته.
الأديان أعطت انطباعا سيئا عن الجنس، واعتبرته شيئا معيبا. على سبيل المثال، يدعي البوذيين ان ام بوذا جاءت من رحم لم يمارس الجنس!! وكذلك المسيح، هل الجميع يخشى من الجنس؟ او لا يريدون تلطيخ الدين بالجنس!! في الوقت الذي يولد كل الناس في العالم عن طريق ممارسة الجنس!! ولكنهم يتبركون بالعزوبية!
العزوبية ليست بوقف التزاوج كما يفعل القساوسة، العزوبية هي العقل الذي يبحث ويستقصي ولا ينتمي تحت تأثير اجتماعي الى فكر مفروض بالترغيب والترهيب الاجتماعي (كتلطيخ السمعة!). فانت أعزب حين يكون فكرك أعزبا غير مقترن بفكر الاخرين. الفكر الذي يبحث بعمق مفاهيم الخطيئة التي جاءت بها النظم الاجتماعية والأديان التي عاصرت زمنا لم يعد قائما. وتحاول تنظيف العقل من هذه الصور الفكرية.
نعود لنتساءل.. هل يمكن السعي لتنظيف العقل من الصور الفكرية؟ نحن نسعى الى الرغبة لأننا نولد مع الرغبة، ولكن لا نولد مع اسمائنا او دين او قومية! هل هناك عقل لا يسعى؟ مثلا ليس له صور فكرية عن نفسه، شهيته.. وغيرها.. هل يوجد في العالم هكذا عقل؟ ان وجدت هكذا عقل فان الحب غير موجود.. ولكن حب المسيح، الانجيل، القران، التوراة، الهوية الوطنية والقومية، هي صور فكرية لم تولد معنا.. الحب كفعل وليس كوسيلة.. فهل الحب سعادة ومتعة؟ في السعادة هناك دائما انقسام لكن الحب ليس كذلك.. المتعة ليس فيها انقسام او لا يقسم البشر لكن السعادة تفعل ذلك...
لا يوجد شيء اسمه حب الرجل للمرأة او للحيوان او للمقتنيات او للعبة، ان الحب هو تحلية المشاعر، الحب عاطفة، الطريقة التي تتداول بها تلك العاطفة، يبدأ حين تلتقي انسان ترغب في علاقة معه (الرغبة) ثم تبدأ بالفكر (بناء الصورة الفكرية)، تفكر لتزرع الطريقة للتعرف عليها، ثم تتدرج الى مراحل اخرى عاطفية وجنسية. الحب للمرأة مستمد من الطبيعة، وغير مستند على الطبيعة. في الانواع الاخرى من الحب كحب الهوايات وغيرها كلها في ظاهرك وليست من الطبيعة، بإمكانك التحكم بها، الا حب المرأة فهي مسندة كيمياويا بالهرمونات من الباطن. حين تخطف تلك الهرمونات الذكاء في مرحلة من مراحل الحياة، حسب حاجاته المرحلية، ترى فجأة قد تغيرت نظرتك، بعد ان كنت ساكنا عاطفيا في الطفولة، تصبح مندفعا الى الحب عند المراهقة، فلا يمكن دفع الشخص للحب، هو الذي يفترض ان يشعر بمتعته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو