الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 58

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَما جَعَلنَا القِبلَةَ الَّتي كُنتَ عَلَيها إِلّا لِنَعلَمَ مَن يَّتَّبِعُ الرَّسولَ مِمَّن يَّنقَلِبُ عَلى عَقِبَيهِ وَإِن كانَت لَكَبيرَةً إِلّا عَلَى الَّذينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضيعَ إيمانَكُم إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤوفٌ رَّحيمٌ (143)
إذن حسب تكملة الآية هنا، فكأن الله كان منذ البداية قد اتخذ قرار أن تكون مكة هي قبلة المسلمين، ولم يكن توجيهه المسلمين من قبل إلى القدس إلا اختبارا أراد الله به أن يختبرهم، ليرى «مَن يَّتَّبِعُ الرَّسولَ»، ويرى «مَن يَّنقَلِبُ عَلى عَقِبَيهِ»، ثم يقرر الله هنا إن هذا الاختبار صعب «وَإِن كانَت لَكَبيرَةً»، لكنه ليس صعبا «عَلَى الَّذينَ هَدَى اللهُ» أي الذين صدقوا بمحمد، ثم نجد إن الله يرأف بالمسلمين، لأنه (ما كانَ لِيُضيعَ إيمانَهُم)، بإسقاطهم في هذا الامتحان، ذلك لأن «اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤوفٌ رَّحيمٌ»، وهذه الرأفة والرحمة هي خاصة بالمسلمين، وإلا فما علاقة بقية الناس بهذا الاختبار، ولا ندري لماذا استخدم المؤلف هنا (الناس) ولم يقل «إِنَّ اللهَ بِالَّذينَ آمَنوا لَرَؤوفٌ رَّحيمٌ»، كما هو واضح فيما تقصده الآية
قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضاها فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ وَحَيثُ ما كُنتُم فَوَلّوا وُجوهَكُم شَطرَهُ وَإِنَّ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ لَيَعلَمونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعمَلونَ (144)
(فَأَينَما تُوَلّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَليمٌ) هو القرار الفلسفي المنسجم مع العقل، بينما (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضاها فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ) هي رغبة محمد، و(وَحَيثُ ما كُنتُم فَوَلّوا وُجوهَكُم شَطرَهُ) يعني وجوب اتباع المسلمين لرغبة وهوى نبيهم. إذن كانت هناك رغبة وميل عند نبي المسلمين نحو تحويل القبلة باتجاه مكة. ومن الناحية الإنسانية يمكن أن نتفهم الحنين للوطن الأول (مكة)، حيث الأهل والعشيرة وذكريات الطفولة والشباب، علاوة على التطلع للعودة وفتح مكة (الوطن) المطرود منه، لإعادة الاعتبار، حيث سيكون سيد وطنه الذي هُجِّرَ منه، فيشفي غليله من الذين طردوه. أو لعل التحول عن القدس كان بعد اليأس من يهود المدينة الذين كان يتطلع إلى إسلامهم، ومن هنا جاءت عبارة «قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ فِي السَّماءِ»، تعبر عن رغبته في تغيير القبلة، ثم تأتي عبارة «فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضاها»، لتخبر عن صدور قرار الله بالاستجابة إلى رغبة نبيه، بجعل القبلة مطابقة لرغبته وهواه، بقول «فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ»، ثم تقرر الآية بأن القرار شامل لكل المسلمين، حيث تحول إلى فرض من فرائض الإسلام، أو شرطا لفرض واجب هو (الصلاة)، عملا بمبدأ (مقدمة الواجب واجبة)، ولذا فيا أيها المسلمون، من وقت (نزول) الآية حتى يومنا هذا، وإلى نهاية العالم، أو نهاية عصر الأديان، وفي كل أنحاء كوكب الأرض «حَيثُ ما كُنتُم فَوَلّوا وُجوهَكُم شَطرَهُ». والغريب إن القرآن يفترض بأن «الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ لَيَعلَمونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم»، فلا أحد يعرف وجود أي إشارة في العهد القديم (التوراة) أو العهد الجديد (الإنجيل) إلى مكة. طبعا يعتقد المسلمون أن هناك توراة غير التي بيد اليهود، وإنجيلا غير الذي بيد المسيحيين، يحتويان على خبر أن الله سيجعل الكعبة في مكة في شبه الجزيرة العربية قبلة للذين سيؤمنون بالنبي الذي سيأتي بعد المسيح «اسمُهُ أَحمَدُ»، وكأننا بالقرآن يفترض أن الأسماء المشتقة من نفس الجذر هي اسم لنفس الشخص، فيكون كل من (أحمَد) و(مُحَمَّد) و(مَحمود) و(حَميد) و(حَمْد) و(حامِد) و(حَمّاد) و(حمّودي) و(حَمادة) و(مُحَيميد) اسما لشخص واحد. فهل يا ترى لا فرق عندما نتكلم عن الخليفة الثاني أن نقول (عُمَر) أو (عَمْر) أو (عامِر) أو (عَمّار) أو (عُمَير). لا يتصور أحد إن هذا يمكن أن يكون مقبولا. أما ذيل الآية «وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعمَلونَ»، فعلاقتها بما قبلها شبه معدومة، أو ضعيفة جدا، أو مما لا يُتَوَصَّل إليها إلا بتأويل وتكلف.
وَلَئِن أَتَيتَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مّا تَبِعوا قِبلَتَكَ وَما أَنتَ بِتابِعٍ قِبلَتَهُم وَما بَعضُهُم بِتابِعٍ قِبلَةَ بَعضٍ وَّلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم مِّن مبَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ إِنَّكَ إِذَن لَّمِنَ الظّالِمينَ (145)
تقرر هذه الآية أن محمدا لو أتى بكل الأدلة على صحة قبلته، فلن يتبع أهل الكتاب (اليهود والمسيحيون قبلته)، ومن الطبيعي أنه كرسول يتلقى خبر السماء لن يتبع قبلتهم، ولا هم (اليهود والمسيحيون) يمكن أن يتبعوا قبلة بعض. فقبلة اليهود بيت المقدس، والتي اتخذها محمد في البداية قبلة له ولتابعيه، أما المسيحيون، فلم يعرف عنهم أنهم يستقبلون قبلة خاصة في صلاتهم. وهذه الآية لم تأت بجديد، فعدم اتباع هذه الأديان الثلاثة قبلة بعضها البعض، هو بسبب أن أتباعها باقون كل على دينه، المسلمون على إسلامهم، والمسيحيون على مسيحيتهم، واليهود على يهوديتهم، وبالتالي يلتزم كل بشرائع دينه، فإذا اتبع أتباع دين منهم قبلة دين آخر، فيفترض أنه اقتنع بذلك الدين وتحول إليه، ولم يعد عندها اليهودي يهوديا والمسيحي مسيحيا إذا اتبعوا قبلة المسلمين، بل أصبحوا مسلمين، أو لم يعد المسلم مسلما والمسيحي مسيحيا، إذا اتبعوا قبلة اليهود بعدما أمروا بتغيير قبلتهم إلى مكة، بل أصبح كلاهما يهودا، وهكذا لو ترك كل من المسلمين واليهود قبلة كل منهما، وفعلوا كالمسيحيين بعدم اعتماد قبلة خاصة، لأصبحوا مسيحيين. ثم ما معنى تهديد الآية لمحمد «وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم مِّن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ إِنَّكَ إِذَن لَّمِنَ الظّالِمينَ»، فهل يريد مؤلف القرآن تأكيد إن هذا الكلام هو كلام الله، وإلا فمن غير المعقول أن يوجه هو تهديدا إلى نفسه أو يشكك بطاعته لله، وإمكان اتباعه لأهواء أهل الكتاب، أم لأنه كان فعلا مترددا بين إرضائه لليهود من جهة، طمعا في كسب قسم منهم، أو اتباعه لهواه وميله إلى موطنه مكة. ومثل هذه التهديدات والإنذارات الموجهة إلى محمد، وكذلك الكلام عن شكه في الوحي، تتكرر في القرآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah