الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين ابو عاقلة واختراق الجدار الحديدي

عصمت منصور

2022 / 5 / 21
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


عصمت منصور*
ظاهرتان لافتتان للعيان، تعكسان الذهنية والسلوك الاسرائيلي، ترافقتا مع جريمة اغتيال الصحفية شيرين ابو عاقلة برصاص قوات الاحتلال في الحادي عشر من أيار على مدخل مخيم جنين شمال الضفة المحتلة أثناء قيامها بواجبها الصحفي.
الأولى، تكمن في الاستخفاف الذي تعاملت به قوات الاحتلال، من خلال البيان الأول للناطق باسم جيش الاحتلال، والذي جاء بعد دقائق من إعلان استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، حينما حاول أن يلصق التهمة بالمقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا يتصدون للاجتياح الإسرائيلي في المخيم ، اما الثانية ففي التلاعب في الروايات، وتعديلها المرة تلو الأخرى بعد اتضاح حجم الحدث وضخامته وأبعاده الإنسانية والدولية.
كلتا الظاهرتان متلازمتان وجذورهما عميقة في الثقافة السياسية والأمنية والايديولوجية لدى المؤسسة الاسرائيلية بغض النظر عن الاشخاص الموجودين في سدة الحكم ومواقع المسؤولية والقائمين عليها.
الأولى تعكس النظرة المتعالية التي تنظر بدونية الى الآخر-غير اليهودي-الواقع تحت الاحتلال، و تعتبر ان قتله، سواء كان ذلك بشكل مقصود أو عن طريق الخطأ، لا يستدعي أكثر من بيان توضيحي يصوغه ضابط مبتدئ، ويلقي به في وجه الإعلام، على أنه هو الحقيقة.
ينبع جذر هذه النظرة من عقلية المستوطن، الذي يغذي ذاته على خطابه، ولا يقيم أي وزن للآخر، ويفترض ان على كل العالم ان يصدقه.
اما التلاعب في الروايات، والذي هدف الى تعويم الجريمة، وإلقاء ظلال من الشك حول الجهة التي تقف خلفها، وبخاصة بعد التغطية الهائلة التي اعقبتها، وردة الفعل المصدومة دولية من هولها، واتخاذها هذه الابعاد الدولية، فهو يعكس حالة الغطرسة والغرور، واستعداد اسرائيل إلى قول أي شيء سوى قول الحقيقة، بناء على فرضية ان وسائل الاعلام الناطقة باللغات الاجنبية الرئيسية، مردوعة مسبقا من إدانتها، وسوف تظل تبحث عن صيغة محايدة تحقق شكلا من اتوازن بين المجرم والضحية.
بهذا السلوك، وعلى مدار عقود، استطاعت اسرائيل ان تبني جدارا حديديا، وان تنصّبه سدا منيعا غير قابل للاختراق، أمام الإعلام العالمي والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية والرأي العام، وأن تكرس انطباعا قويا، أنها، ومن موقع احتكارها لدور الضحية، ومن واقع نفوذها، وقوة خطابها الإعلامي، وأدواتها، بما في ذلك وسائل الإعلام العالمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، واللوبيات امؤثر في العواصم العالمية الكبرى، كل ذلك يجعلها محصّنة من الإدانة، والمحاسبة، وأنه حتى في أسوأ الأحوال، لا يمكن تجاهل سرديتها (مظلوميتها التاريخية) التي ينبغي على العالم أخذها بعين الاعتبار والتعامل معها كخلفية مخفّفة ومبرّرة تسوِّغ بشاعة جرائمها.
الجدار الحديدي
فكرة الجدار الحديدي، المستوحاة من فكر وتنظيرات زئيف جابوتنسكي، قائد التيار الإصلاحي في الحركة الصهيونية (المنبع الفكري والأيديولوجي لحزب الليكود)، والذي يتم تشييده بالقوة ومراكمة عوامل الردع، الى درجة تسليم الخصم مسبقا باستحالة إلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل، ما يمهد للاعتراف بوجودها وتقبله، امتد عبر ادوات الشيطنة للآخر، والترويع الاعلامي، والنفوذ الدولي، وشركات العلاقات العامة، الى مجالي الاعلام وتهيُّبه من إدانة اسرائيل على جرائمها، مهما بدت واضحة وحتى لو كانت ضد الصحفيين أو المواطنين العزل من نساء وأطفال وسائر فئات المدنيين ، وتوخّي الحذر عند الحديث عنها، وتبني مصطلحاتها وروايتها، وهو ما قادها الى هذا الاستخفاف وتأليف روايات والتراجع عنها، او تعديلها، دون أدنى رقابة.
هذا الجدار ينتصب أمامنا، ونلمس أثره، في التعامل الدولي، ومحاولات تجريم قادة الاحتلال ومقاضاتهم في المؤسسات الدولية، لدرجة ان أصحاب القضية، باتوا يشككون بإمكانية محاكمة قادة دولة الاحتلال، وبدأوا يظهرون علامات الاستسلام مسبقا، ويعتبرون ان هذه المعركة محسومة سلفا لصالح اسرائيل.
يقف خلف التعنت الاسرائيلي، وتشييد هذا الجدار الحديدي في وجه كل من ينتقدها، أو يحاول أن يشق طريقا يفضي الى إدانتها ومحاكمة قادتها، حالة من عدم الثقة، والضعف، التي لا تتيح لها التراخي حتى في أكثر القضايا هامشية، او التساهل في إصدار بيان، مجرد بيان إدانة من مؤسسة دولية هامشية.
فكما ان على جيشها ان يبقي يده على الزناد، لحماية وجوده غير الشرعي، وصيانة الجدار الحديدي، كل فترة من الزمن، وكلمت ظهر عدو جديد، كذلك الحال فيما يتعلق بالساحة الإعلامية والقانونية، التي تدار بها المنازلة على قاعدة صفرية (كل شيء او لا شيء) والتي ستعني الخسارة فيها ولو لمرة واحدة، إحداث ثغرة في الجدار الحديدي، ستؤدي الى انهياره كليا، وانهيار سرديتها المؤسسة لوجودها.
هستيريا قمع المشيعين
غني عن القول ان الهستيريا، وفائض القوة، والقمع غير المسبوق، الذي تعاملت به قوات حرس الحدود وشرطة الاحتلال مع موكب تشييع جثمان الصحافية شيرين ابو عاقلة في القدس المحتلة، والذي تخلله اعتداء على التابوت الذي يحمل نعشها، والمشيعين، واقتحام المشفى الفرنسي والمقبرة، لا يأتي متناسبا مع الحدث، وانه شكل فضيحة من العيار الثقيل، مست بصورة اسرائيل بشكل عميق لدى الرأي العام الدولي الذي كان يتابع عن كثب عبر عشرات وسائل الاعلام الدولية، وبحضور عدد كبير من الدبلوماسيين.
القناة الثانية عشرة، اعتبرت ان الضرر الذي لحق بصورة اسرائيل خلال قمعها وتنكيلها بالمشيعين، الذين جاءوا بشكل سلمي، يعبرون عن حزن عميق وصادق تجاه الفقيدة، ورغبة حقيقية وانسانية في مرافقتها الى مثواها الاخير والقاء نظرة الوداع عليها، وهو ما أفقد التعاطف الدولي الذي راكمته عبر شهور من خلال استثمار العمليات التي وقعت في مدن الداخل، وفق تعبير القناة.
هذه الهستيريا، ورغم الفضيحة العالمية التي أحدثتها، لا تعد حدثا استثنائيا، ولا هي مجرد ارتجال قام به ضابط محلي صغير الرتبة، بل ترجمة مرة اخرى لذهنية المستوطن، المستخف بغيره، وغير الواثق من نفسه، والمطمئن لفاعلية الجدار الحديدي في تحييد وتبريد رد الفعل الدولي.
لم يحدث في تاريخ دولة الاحتلال، هذا التماهي بين الذهنية، ومن يمارسها. ذلك ان شخصية رئيس الحكومة الاسرائيلية نفتالي بينت، كضابط سابق، ومدير عام سابق لمجلس المستوطنات في الضفة، والطاقم الذي يجلس معه حول طاولة الحكومة التي تتكون رغم تعدد انتماءات اعضائها، من عدد من الضباط الذين قادوا وحدات مختارة (سيريت متكال) في جيش الاحتلال وربما أبرزهم وزير الامن الداخلي عمر بار ليف الذي يتولى المسؤولية والإشراف المباشرين عن قوات حرس الحدود والشرطة التي نكلت بالمشيعين.
روح القائد لدى بار ليف، ونفتالي بينت وجانتس، سرت على شكل خوف وجودي من احداث اختراق في السردية/ الجدار بسبب حدث تراجيدي عالمي، باتوا يشعرون معه بفقدان السيطرة وقرب النهاية.
شيرين ابو عاقلة، الصحفية الشجاعة، المرموقة والمهنية، ارتقت دون اي استعراض للبطولة، دون صراخ او استعطاف، بصمت ودون خيار، مضت الى نهايتها على يد القتلة.
ليس مطلوبا من شيرين ان تكون بطلة، الرصاصة التي قطفت روحها جاءتها من الخلف، بشكل مباغت، لتقول بذلك انها اختارت ان تعيش، وان تربتها الخصبة التي تغذي شغفها هي البحث عن الحقيقة ونقلها كما هي.
الحقيقة على بساطتها ووضوحها، كانت الصدع الأول الذي هز هذا الجدار الحديدي، انها حقيقة الضحية والجلاد التي فضحتها شيرين وكانت بشهادتها المأساوية تحدد المكان الذي يليق بكل واحد منهما في هذا العالم.
لن ينهار الجدار الحديدي بسهولة، لكنه لم يعد كما كان قبل استشهاد شيرين.
الدبق اللاصق لهذا الصدعرفي الجدار هو الخوف والتراخي أمام الحقيقة، والمساومات، والتساهل مع الخط الفاصل الذي رسم بالدم بين القاتل والقتيل.
كما ان شيرين لم تختر لحظة موتها، التي أعدت لها كل الاسباب، وهذا الحضور الآسر من الانسانية والرقة والأداء المهني الرفيع والانحياز للحقيقة، وان تتحول بموتها المباغت والغادر الى أيقونة وطنية وعالمية من جهة، وإلى فضيحة وثغرة في جدار دعاية الاحتلال وحصانته من العقاب، لن تجدوا لدى شيرين ابو عاقلة وصية تقول لكم ما هو المطلوب.
قضية اغتيال شيرين تحتاج الى صفات تفسر سر هذا الحب والقوة التي ميزت لحظة قطفها مثل زهرة برية: وضوح الاشياء، بساطتها، حقيقتها كما هي، والشفافية.
بهذه الأدوات يمكن للفلسطينيين أن يحدثوا الاختراق، بتذكر أية قوى يملكون،وحين يرون حقيقة ضعف وارتجاف يد القاتل، وهوس قادته وعدم ثقتهم بأنفسهم وروايتهم.
*كاتب وصحفي متخصص في الشأن الإسرائيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم