الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً ابا عادل، ستبقى في القلب منا

كمال جبار

2022 / 5 / 21
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


قبل أيام أكملت 3 سنوات على وجودي في بلد غريب و بعيد عن العراق. 3 سنوات حاولت خلالها التخلص من السيء من عادات الغربة و لباسها الثقيل، و كان حلمي العودة الى ما يسميه النواب (الجرح النازف) و ما أسميه الوطن، أما عزائي و سلواني، فهو وجود عراقيين مثلي في هذا البلد البعيد البعيد و الغريب عن العراق.

كنت أهرع الى هؤلاء "العراقيين " خلال تلك السنوات الثلاثة في أية مناسبة أو أمسية تجمعهم عسى و لعلي أجد فيهم ما أفتقدت في كل الخيرين حين غادرت العراق.

لا أخفي عليكم بأني كنت أعود مثقلاً بالهم لأني كنت أرى الفرقة بينهم. كانوا يركبون عربات تجرها خيول مختلفة لأقدار مجهولة و كل جماعة تدافع عن قائدها ضريراً كان أم بصيراً، و عن وجهة نظرها رغم خطأها و قصورها الظاهر…، تاركين الوطن يئن تحت الحصار و مطامع العدو و الصديق. كانت مشاركتهم أحياناً غير قليلة تسيء الى الوطن النازف كالجرح بالرغم من انعقادها تحت شعار ( نصرة الوطن ).. و أحياناً أخرى تقسم الوطن رغم رفعها لشعار ( وحدة الوطن و لحمة الصف )… لم أجد في تجمعاتهم "الاتحاد" الذي أشار اليه نذير الشؤوم البراك في كتابه [ اتحاد الاضداد ].. و بقت كلمات "التلاحم و التعاون و العمل للخلاص من الدكتاتورية" مجرد كلمات جميلة في البيانات و البلاغات الختامية و أوراق الصحف…و كنت في كل مرة أتركهم فيها، أهرع الى الورقة و القلم و أبدأ بشتمهم بنفس مفردات النواب "أولاد….".

و هكذا مرت 3 سنوات الى أن جاءت أمسية 29 أكتوبر في تورنتو.

رغم الإرهاق جراء اسبوع عمل طويل و رغم ڤايروسات الإنفلونزا التي أبت أن تتركني خلال ذلك الأسبوع، وجدت نفسي وراء مقود السيارة متجاوزاً السرعة النظامية لكي أصل لأمسية النواب.

منذ البدء، بدا لي كل شيء مختلفاً عما حضرت من أمسيات و تجمعات خلال سنوات الغربة. فرحت لرؤية عراقيين أعرفهم من الوطن لم أراهم في أمسيات و نشاطات سابقة في كندا، و حين سألتهم عن السبب، كان جوابهم ؛ إلتزامات الدين أو السياسة أو القومية…
فرحت لرؤية أياد عراقية تشد على بعضها البعض مصافحة و محيية بحرارة لتقول : لقد افتقدناك يا صاحبي العزيز.
يومها رأيت وجوهاً طيبة من مدن أمريكية و كندية بعيدة جميعهم جاؤوا الى تورنتو و كأنه الحجيج الى مكة.
يومها، تعمدت دخولي الى الصالة
متأخراً لكي أرى حجم الحضور، و فرحت لأنه كان حضوراً كبيراً، و في التقديم كان عصام شريدة محقاً و مؤثراً حين قال " لقد جاء الوطن الحبيب إليكم بشخص النواب"، و وقف الجميع مصفقاً حين دخل
" الوطن" الى القاعة، و صفقت أكثر الحاضرين حين رأيته بشعره الأبيض بسيطاً بدون بدلة و ربطة عنق.

لا أعرف كيف إنقضت الساعات الثلاث للأمسية بتلك السرعة، ولكم تمنيت أن تطول. لقد أضحكني فيها النواب مرة، لكنه أبكاني فيها مرات، بكاءاً مراً حاولت أن أكتمه، بكاءاً مراً ذكرني بكل الطيبين الذين ضحوا للوطن حين حاربوا بجيش مهزوم.

لم أكن الوحيد في فورة المشاعر، لقد شاركني جميع الحضور ضحكاً و بكاءاً.
لقد رأيت أكراد و تركمان يصفقون للنواب بعد إلقائه قصائد عن فلسطين و العروبة، و مسلمين يمسحون دموعهم بعد قصيدة إستشهاد سلام عادل، و شيوعيين يتركون الدموع تسيل على قصيدة شهيد من شهداء الحركة الاسلامية.

لقد رأيت و عشت و بعد 3 سنوات تجمعاً عراقياً طيباً يترك الخلافات و القيادات و البطولات و الهزائم و أحقاد كتب التاريخ… تجمعاً يتقاسم الضحك و الدمع و يصفق لوطن يجمعهم، يصفق للعراق.

عزيزنا أبا عادل: منذ زمن طويل كنا بحاجة الى أمسية مثل هذه. لقد أنستنا خلافاتنا حتى و لو لساعات، و ربطت بين قلوبنا أفراداً و أحزاباً و جماعات. أما البكاء، فأحسسته يجمعنا و يذيب شيئاً من صدأ الغربة العالق فينا، ثم يغسل قلوبنا و من جديد كعراقيين يحيينا.

كانت أمسية عراقية جميلة لن أنساها. شكراً للنواب و سعدي و لكل من أحياها.

تشرين الثاني 1995








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام