الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 59

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَهُ كَما يَعرِفونَ أَبناءَهُم وَإِنَّ فَريقًا مِّنهُم لَيَكتُمونَ الحَقَّ وَهُم يَعلَمونَ (146)
لا ندري على من تعود هاء «يَعرِفونَهُ»، أتعني أنهم يعرفون محمدا، ويعلمون من خلال كتبهم أنه رسول الله، أم يعرفون أن موضوع القبلة إلى مكة هو حق، ولكن لو قصدت القبلة، لقيل (يَعرِفونَها)، ومن هنا فالأرجح أن محمدا ونبوته ورسوليته هو المقصود هنا. ثم يدعي القرآن أن هذه المعرفة بديهية ويقينية لديهم، إذ جعل معرفتهم بذلك تماما «كَما يَعرِفونَ أَبناءَهُم»، ثم بين أن «فَريقًا مِّنهُم لَيَكتُمونَ الحَقَّ»، لم يخبرنا عن البقية من غير هذا الفريق الكاتم للحق، فهل هناك من أقر به، وهل الذين أقروا به أسلموا، أم بقوا على دينهم، رغم معرفتهم وإقرارهم بهذا الحق المفترض. ثم أكد على كون هذا الإنكار حصل من هذا الفريق «وَهُم يَعلَمونَ»، ولم يكن عن جهل قد يكونون معذورين به، ولو إن القرآن لا يعذر من لم يلتحق بالإسلام جهلا منه، مع فرض صدق إلهية الإسلام وعدم قدرة البعض على استيعاب هذه (الحقيقة) جهلا منه وليس عنادا.
الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكونَنَّ مِنَ المُمتَرينَ (147)
ومرة أخرى، وستلي مرات، ينهى القرآن محمدا عن الشك بكون ما يوحى إليه حقا من ربه، ولا نفهم كيف يصطفيه الله لهذه المهمة الخطيرة بتبليغ آخر رسالاته، وهو العليم الخبير بمن يصطفي، ثم يطرح احتمال شك محمد بكونه رسولا يوحي إليه الله الحق.
وَلِكُلٍّ وِّجهَةٌ هُوَ مُوَلّيها فَاستَبِقُوا الخَيراتِ أَينَ ما كُنتُم يأتِ بِكُمُ اللهُ جَميعًا إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (148)
وهذه من الآيات القليلة جدا، التي تتحدث بلغة الانفتاح على الآخر وقبوله، وتدعو إلى التعددية، التي يرفضها عادة الإسلام، كما ترفضها كل الأديان. إذن لكل وجهته، ولكل قبلته، ولكل شريعته، ولكل قناعاته، وتبقى القضية الجوهرية، هي أن يتسابق الجميع ويتنافسوا في أعمال الخير، والتحلي بالنزعة الإنسانية والمثل الأخلاقية. كم كان جميلا لو سار القرآن وسارت سائر الأديان على طول الخط على هذا النهج العقلاني والإنساني.
وَمِن حَيثُ خَرَجتَ فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ وَإِنَّهُ لَلحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ (149) وَمِن حَيثُ خَرَجتَ فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ وَحَيثُ ما كُنتُم فَوَلّوا وُجوهَكُم شَطرَهُ لِئَلّا يَكونَ لِلنّاس عَلَيكُم حُجَّةٌ إِلَّا الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم فَلا تَخشَوهُم وَاخشَوني وَلِأُتِمَّ نِعمَتي عَلَيكُم وَلَعَلَّكُم تَهتَدونَ (150)
ترجع هاتان الآيتان إلى موضوع القبلة، وتؤكد كونه قرارا إلهيا حقا، وتلزم النبي وجميع المسلمين أن يستقبلوا القبلة التي فرضت عليهم، بقطع النظر عن المكان الذي يتواجدون فيه على الكرة الأرضية (التي لم يعلموا بكرويتها)، وراح بعض الفقهاء اليوم يحاول حل مشكلة استقبال القبلة من على القمر أو من على كوكب آخر أو من الفضاء عموما. ومن أسباب التأكيد على المسلمين بالالتزام باستقبال مكة، هو «لِئَلّا يَكونَ لِلنّاس (عَلَيهِم) حُجَّةٌ»، طبعا الناس هنا من غير المسلمين، ومن غير «الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم»، وكأن ثبوت حجج الإسلام وعدم إمكان دحضها متوقف بشكل كبير على قضية القبلة، ثم لا نعرف معنى الاستثناء بقول «إِلَّا الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم»، وكأن الإسلام لا يعتبر جميع من لم يستجب لدعوة الإسلام من «الَّذينَ ظَلَموا»، بل من «الَّذينَ كَفَروا»، مع العلم إن مجرد الكفر ينعته القرآن بالظلم. ثم يطلب الله - هكذا القرآن - من المسلمين ألّا يخشَوا هؤلاء، بل أن تكون خشيتهم لله وحده، فإن فعلوا يعدهم عندها أن (يُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيهِم»، وكل هذا «لَعَلَّكُم يَهتَدونَ»، أي مع كل ذلك فالاهتداء يبقى غير مضمون. وهذا كلام معقول، فمع فرض إلهية وحقية الإسلام، يبقى أمر الاهتداء الحقيقي والاستقامة غير متوقف حصرا على الالتزام الشكلي بلوازم الشريعة، والواقع يرينا أن الكثير جدا من الملتزمين بضوابط الوضوء والطهارة والصلاة والقبلة وغيرها من الأحكام الشرعية، والمدققين كثيرا بالشروط الفقهية على اختلاف الاجتهادات فيها لكل العبادات ومقدماتها وشروطها وأركانها، يمارسون كل المحرمات، من كذب وتزوير وغش واحتيال ورشوة، وظلم داخل الأسرة، وظلم للعاملين تحت أيديهم، وعدم الالتزام بقوانين المرور وغيرها، وعدم مراعاة مشاعر وراحة وكرامة الناس، والقائمة تطول. فإذا كان نبي الإسلام قد جاء كما في الحديث المشهور ليتمم مكارم الأخلاق، فنجد إن أكثر الملتزمين بلوازم الفقه في العبادات وشروط الطهارة وشروط الطعام ومحرماته لا يلتزمون بالحد الأدنى من مكارم الأخلاق. أم إن هذا التردد في عبارة «لَعَلَّكُم تَهتَدونَ» له معنى آخر يقصده المؤلف، فمن المسلمين من لم يهتد ببعض معاييره الأساسية تمام الاهتداء، لأن من شروط الاهتداء التام ألا يتهرب المسلم من القتال، ولا يتهرب من دفع الزكاة والخمس من مغانم الحرب، فهؤلاء مدانون أشد الإدانة، كما سنرى في الآيات التي تتناول هذه المواضيع. ثم من شروط الاهتداء حق الاهتداء، والإيمان حق الإيمان، كما ورد في حديث لا نعرف مدى صحته، أن يكون المسلم المؤمن عاشقا لنبيه مغرما ولها به، لا يحب أحدا ولا يحب شيئا في الحياة بقدر ما يحب نبيه، إذ ورد في الحديث «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah