الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقط سهواً

حسن مدن

2022 / 5 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



سمعتُ، مرةً، أنّ التعبير الشائع: "سقط سهوًا"، استخدم، أول ما استُخدم، من قبل الصحف في بداياتها، حين كانت حروفها تطبع على الرصاص، ثم تصف بعناية في وعاء يجري شدُّه من أطرافه الأربعة بإحكام، قبل أن يُمرر عليه الورق بعد إضافة الحبر، فكان يحدث أن بعض الحروف، أو حتى السطور، تسقط من النص قبل أو أثناء الطباعة، وحين تلاحظ الجريدة ذلك، متأخرة، بعد طباعة العدد وتوزيعه، تنشر في العدد التالي توضيحًا أو تنويهًا، على هيئة اعتذار، عن الخطأ غير المقصود، لأن الناقص "سقط سهوًا".

قمتُ بما يلزم من تحرٍ وبحث لأجد سندًا لهذه المعلومة، لكنني لم أفلح، ما يجعلها في مدار الشك، ولكني أعترف بأنها راقت لي، في تفسير أصل التعبير، وليس ثمة خطيئة في أن نجد جمالًا أو جاذبية في معلومة خاطئة أو غير دقيقة، في تفسير أو شرح ظاهرة من الظواهر. أليست الأساطير، الني بتنا ندرك أنها ليست حقيقة، تنطوي على مقادير هائلة من الشاعرية وسعة الخيال، وأن الفنون والآداب، وربما حتى الفلسفة، طالما نهلت من المخزون الثري والمدهش للأساطير؟

ما أكثر ما تخرج المفردات والتعابير من السياق الذي نشأت فيه أول مرة، وتكتسب، مع الاستخدام، دلالات وشحنات أخرى مختلفة عن تلك التي بدأت بها، لذا فإن القول: "سقط سهواً"، بات اليوم يطلق على سلسلةٍ لا تنتهي من الاعتذارات، لا تلجأ إليها الصحف وحدها لتفسير أو تبرير ما تقع فيه من هفوات، وليست كلها غير مقصودة بالمناسبة، وإنما بات يُقال حتى في تفاصيل تتصل بحياتنا اليومية، حين ننسى دعوة أحد ما لمناسبة من المناسبات، ثم نكتشف ذلك بأنفسنا، أو يأتينا التنبيه من آخرين، أو اللوم والعتب من الشخص المعني، وويلٌ لنا إذا كان هذا الشخص ذا مقام عالٍ.

لكن ما ألحّ على بالي، أكثر من غيره، وأنا أتفكر في هذا الأمر هو التاريخ. قيل إن المنتصر هو من يكتب التاريخ، وهذا صحيح، وقيل أيضًا إن التاريخ لم يقع، لأن المؤرخ لم يكن هناك، فهو أشبه بشرطي المرور الذي لم يشهد الحادثة، وإنما سجّل تفاصيلها من شهادات أطرافها، وهي، عادةً، شهادات مختلفة، وحتى متضاربة، فليس مألوفًا أن يعترف المتسبب بخطئه.

التاريخ، إذن، كٌتب بعد أن بعد وقعت أحداثه، لا لحظة وقوعها. وبالتالي علينا السؤال: كم من التفاصيل سقطت سهوًا عندما كُتب هذا التاريخ، خاصة وأنه أعيدت كتابته مرات، وعلينا تخيل التفاصيل التي سقطت، أو أُسقطت، سهوًا أو غير سهو، منه في كل مرة تعاد فيها الكتابة.

أوشكتُ على القول إنه ليس كل ما قيل عنه سقط سهوًا، قد سقط سهوًا بالفعل، وإنما جرى إسقاطه مع سابق الإصرار والتعّمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ