الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 60

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كَما أَرسَلنا رَسولًا مِّنكُم يَتلو عَلَيكُم آياتِنا وَيُزَكّيكُم وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مّا لم تَكونوا تَعلَمونَ (151)
ابتداءً فإن «کَما» هنا تعود على «وَلِأُتِمَّ نِعمَتي عَلَيكُم»، وكمصداق لنعم الله على المسلمين أنه «(أَرسَلَ) رَسولًا (مِّنهُم)»، ونلاحظ إن هذه الآية يتحول المتكلم المفترض أنه الله من الكلام بصيغة المفرد للضمير الأول «وَلِأُتِمَّ» إلى صيغة الجمع «أَرسَلنا» ثم سيعود في الآية اللاحقة إلى المفرد «فَاذكُروني». لكن بعيدا عن هذه الملاحظات، فإننا إذا ما سلمنا بصدق نبوة محمد، فهذه الآية كما في ثلاث أخريات يجري عرض جميل لخلاصة مهمة النبي تجاه المسلمين في أربع نقاط، ألا هي: 1) يَتلو عَلَيهِم آياتِ الله، 2) يُزَكّيهِم، 3) يُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ، 4) يُعَلِّمُهُمُ الحِكمَةَ، وفي هذه الآية تضيف مهمة خامسة، أو هي ثالث ما يعلمهم، وذلك 5) يُعَلِّمُهُم مّا لم يَكونوا يَعلَمونَ. فهو نَبِيٌّ ورَسولٌ ومُبَشِّرٌ أو بَشيرٌ ومُنذِرٌ أو نَذيرٌ وهادٍ ومزكٍّ ومعلِّمٌ. وبهذا يجري استلاب كلي لإرادة وحرية وعقل وتفكير المسلم، ليُسلِم كل ذلك لنبيه، لأنه مصطفى الله، وحبيب الله، ونبي الله، ورسول الله، ولأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ولأنه من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصا الله، ولأنه على خلق عظيم، ولأنه ما ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَّلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن يَّكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم، ولأنه مَن يَّعصِ اللهَ وَرَسولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا مُّبينًا، إلى آخر القائمة التي تحتاج إلى إفراد كتاب لها.
فَاذكُروني أَذكُركُم وَاشكُروا لي وَلا تَكفُرونِ (152)
كما مر ذكره تجري العودة للمتكلم المفرد، وسنرى مثل هذه التحولات الفجائية بين ضمير (أنا)، (نحن)، (هو) كثيرا ما ترد في القرآن، وليس لها بلاغيا أي مبرر معقول. الله يعد المؤمنين أنهم إذا ما ذكروه بشتى أنواع الذكر، باللسان، وبالقلب، وبالعمل أي الطاعة، والذكر باللسان منه الدعاء والتسبيح وتلاوة كتابه والصلاة، يعدهم أنهم إذا ما ذكروه، فسيذكرهم بالرحمة والاستجابة لدعواتهم والنصرة عند مقاتلة أعدائهم، الذي لا سبب للعداوة بينهم وإياهم إلا عدم كونهم مسلمين. لكن لماذا قيل هنا «اشكُروا لي» ولم يقل «اشكُروني»، كون فعل الشكر متعدٍّ إلى مفعول به، فهذه من استعمالات مؤلف القرآن، التي من الصعب أن نفهمها. أما «لا تَكفُرونِ» ولم تكن «لا تَكفُروا بِيَ»، فلعله حفاظا على السجع، والذي أي السجع من متطلباته كان هنا حذف ياء «لا تَكفُروني»، وتعويضها بالكسرة، من أجل التسكين عند الوقف بقول «لا تَكفُرونْ»، وتعدي فعل الكفر إلى مفعول به دون استخدام الباء، ربما لأن قصد هنا بالكفر الإنكار، أي لا تنكروني. وفي القرآن تكون أحيانا للصياغات والحفاظ على السجع أولوية على المعنى، أو على المناسبة، أو العلاقة والرابطة والسياق. نحن في عالم الشهادة هنا ليست لدينا أي وسيلة للتحقق من استجابة الله للدعاء، نعم كمؤمنين به ندعوه ونرجو إجابته لنا، ونتوكل عليه، ونستعين به، ولكن الواقع قديما وحاضرا يرينا أن الله لا يستجيب دائما. وهذا لا علاقة له برؤية الإسلام أو الأديان عموما، بل حتى بنظرة إيمانية متجردة من الأديان ومستقلة عنها، ومعتمدة للعقل وحده، لا يسعنا الوصول إلى جواب وافٍ كافٍ مقنعٍ ومرضٍ. عسى أن نجد الجواب في الحياة الأخرى، إذ لا بد من الإقرار بأن الله لا يصدر عنه ظلم ولا عبث، أي ما هو خلاف العدل، أو خلاف الحكمة. كنا نتمنى أن نعرف الجواب هنا، لكننا لن نعرفه أبدا، طبعا هذا بالنسبة للمؤمنين بالله، أما غير المؤمن أو اللاأدري فهو استغنى عن البحث عن إجابات على أسئلته.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَعينوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرينَ (153)
بلا شك إن الصبر يعبر عن قدرة الإنسان الصابر، بقطع النظر عن الإيمان أو عدم الإيمان، على الحفاظ على توازنه وعدم الاهتزاز عند مواجهة المصاعب والمصائب في حياته، وبالتأكيد إن الإيمان بالله، يفترض ان يكون عاملا أساسيا لمنح المؤمن ملكة الصبر، فهو مسلم أمره لله، متوكل عليه، راض بقدره وقضائه، واثق من تعويضه في الآخرة، ولكن لماذا لا نرى مفعول الإيمان فيما يتعلق الأمر بالصبر إلا نادرا، بل نرى الكثير جدا من غير المؤمنين، من ملحدين ولاأدريين أشد صبرا وتوازنا وقدرة على التكيف مع الأمر الواقع مهما كان صعبا، والرضا بهذا الأمر الواقع، وتكييفه ليواصل الإنسان حياته، وهم لا يتطلعون إلى حياة أخرى، بينما غالبا ما ينهار الكثير من المؤمنين عند المصائب، ويفقدون توازنهم كليا. وإلا فحتما يجب أن يكون للإيمان وللصلاة، التي هي معراج المؤمن إلى الله، إذا ما أداها حق أدائها، ولكن كما ذكرنا آنفا هذا ما لا نجد تحققه في الواقع إلا نادرا جدا. ثم «إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرينَ» وفی موقع أخر نقرآ «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الصّابِرينَ»، هل يعني أن الله مع الصابر الملحد، وحتى الصابر المؤمن غير المسلم، إذا لاقى الصعاب والمصائب والاضطهاد، وهو صابر صامد في نضاله من أجل خير الناس، ومن أجل العدالة والمساواة والحرية والسلام وحقوق الإنسان. الله بالرؤية الفلسفية بالتأكيد سيكون مع الإنسان الذي يسخر حياته لخدمة الإنسانية ويضحي من أجل ذلك، دون النظر إلى دينه، بل ولا حتى إلى إيمانه به. ولكن الأديان ترى غير هذه الرؤية، والآية اللاحقة تنبئنا أي صبر وأي صابرين معني ومعنيون هنا، إنهم المقاتلون دفاعا عن الإسلام (الجهاد الدفاعي) أو نشرا للإسلام (الجهاد الابتدائي)، أي جهاد الغزو والفتح ونشر الدعوة. فالإسلام بحاجة إلى تصعيد روح الصبر في القتال والصبر على تبعاته وتصعيد روح حب الموت «في سَبيلِ اللهِ»، أي في سبيل الإسلام وفي سبيل نبي الإسلام، فكأننا به كلما زاد وتعمق إيمانه، كلما اشتدت كراهيته للحياة، التي طالما يحقرها القرآن، بكونها ليست إلا لهوا ولعبا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني


.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح




.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل