الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان فاقد الإنسانية هو أقل قدرًا من أي حيوان

داود السلمان

2022 / 5 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المواقف النبيلة تبقى خالدة في ضمير الإنسانية خلود الوجود. الإنسان دائمًا ما تمر في حياته قضايا متفاوتة، قضايا يختبر فيها القدر الإنسان ذاته، فمنهم من يفشل في الاختبار، ومنهم من يفوز ويكسب النجاح. ويعود هذا التفاوت بين شخص وآخر لعدة عوامل، منها نفسية وأخرى أخلاقية وثالثها تعود إلى التربية التي تلقاها الإنسان منذ نعومة أظفاره، فإذا كان الطفل قد تلقى أخلاقًا ممتازة، أضافة إلى تربية حسنة، ستجده يمتاز بمواقف إنسانية أخلاقية نبيلة تجعل منه أن يوضع في مصاف الإنسانيين؛ وبعكسه الذي لم يتلق تربية حسنة ولم يتخلق بأخلاق ممتازة، تجعل منه أن يكون إنسانا يستحق المدح والثناء؛ فهذا سيغرق في مياه التيه والضلال.
الإنسان هو عبارة عن مجموعة من العواطف، والقيم النبيلة والمشاعر الجياشة والإحساس المرهف، لأنه كائن مخلوق، وفي نفس الوقت يتعرض إلى هزات وصدمات نفسية، وتكون هذه الهزات والصدمات تغيّر كثيرًا من عاطفته ومن اخلاقه وحتى من التربية التي تربى عليها.
وكلما كان الإنسان قوي الشكيمة صلب الجنان، كلما كان يتحمل تلك الهزات والصدمات، لا يهوى في أول رياح عاتية تقذف محممها على سفينة صبره، فتغرقه في بحر الضياع بلمحة بصر.
عالم الدنيا مملوء بالمنغصات وبالمعاناة، التي تكدر صفو الإنسان وتحيله إلى هزات النفسية، ولعل من أعظم اسلحته هو الصبر على النوائب وتحمل صعوبة الشدّة حتى تمر بسلام، وحتى لا ينهار وينحني هامته يجب عليه أن لا يظهر محنه للآخرين، أو يبان عليه الكدر، وأن لا يعرض نفسه للابتزاز الكلامي من لدن الآخرين، بما فيهم أقرب الناس اليه، بل أن يكون بصلابة الفولاذ، ودائمًا يظهر بمظهر المبتسم اللامبالي بكل خطب.
لا يُعامل الإنسان إلّا على قدر إنسانيته، فالإنسان فاقد الإنسانية هو أقل قدرًا من أي حيوان أعجم هو الذي لا يعي ولا يدرك ما يجري من حوله، من قضايا لها مساس بإنسانيته.
يقول دوستويفسكي على لسان أحد ابطاله، في رائعته "الأخوة كارامازوف":
"إنني أحب الإنسانية، غير أن هناك شيئا في نفسي يدهشني: كلما ازداد حبي للإنسانية جملة واحدة، نقص حبي للبشر أفرادا… إنه ليتفق لي كثيرًا أثناء اندفاعي في الأحلام أن تستبد بي حماسة شديدة ورغبة عارمة جامحة في خدمة الإنسانية، حتى لقد أرتضي أن أصلب في سبيلها إذا بدًا هذا ضروريا في لحظة من اللحظات، ومع ذلك لو أريد لي أن أعيش يومين متتاليين في غرفة واحدة مع إنسان، لما استطعت أن أحتمل ذلك، إنني أعرف هذا بتجربة، فمتى وجدت نفسي على صلة وثيقة بإنسان آخر أحسست بأن شخصيته تصدم ذاتي وتجور على حريتي، إنني قادر في مدى أربع وعشرين ساعة أن أكره أحسن إنسان، فهذا في نظري يصبح إنسانا لا يطاق لأنه مسرف في البطء في تناوله الطعام على المائدة، وهذا يصبح في نظري إنسانا لا يطاق لأنه مصاب بالزكام فهو لا ينفك يمخط، إنني أصبح عدوا للبشر متى اقتربت منهم… ولكنني لاحظت في كل مرة أنني كلما ازددت كرها للبشر أفرادًا، ازدادت حرارة حبي للإنسانية جملة".
فإذن، الإنسان لا يستطيع العيش بمنأى عما يماثله، لأنّ الإنسان هو مصدر الإنسانية، وبُعد الإنسان عن إنسان آخر سيشكل فراغ نفسي هائل، لا يسد ذلك الفراغ إلّا القرب من الإنسان، وبالابتعاد عنه، ربما يصل به إلى حالة جنون، إذ لا يجد ما يحدث به إلّا نفسه، وربما الحديث مع النفس، ومع التكرار قد يولّد صِدام أو حالة من الهذيان المستمر، يفضي به بالتالي إلى انهيار.
والحال هذه، إنّ الإنسان لا يستطيع العيش بلا إنسان آخر يماثله، وينسجم معه بل ويشاركه العيش لتستمر دورة الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة