الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ روسيا - 01

محمد زكريا توفيق

2022 / 5 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الأول.


في آسيا الوسطى هناك مساحة شاسعة من أراضي الخصبة، تحيط بها سلسلة من الجبال الشاهقة. ترويها مجموعة من الأنهار العذبة، يمكن أن تطلق عليها جنة عدن. وربما كانت هذه الأراضي هي مهد الجنس البشري.

الناس الذين سكنوا هناك في أقدم العصور، حرثوا التربة، ورعوا الماشية، وصادوا الأسماك من أنهارها وجداولها، وعبدوا السماء وأمنا الأرض.

لقد عاشوا عيشة هنية سعداء، وتزايد عددهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم يعد إنتاجها يكفيهم جميعا. حينئذ، أخذ الشباب منهم أسرهم، وولوا وجوههم نحو الجنوب والغرب والشمال.

استقرت مجموعة منهم على الأراضي الواقعة بين السند ونهر الجانج، ووصل البعض إلى جزر البحر الأبيض المتوسط الجميلة، وعمروا الوديان المشمسة في اليونان وشواطئ إيطاليا.

آخرون، أكثر مغامرة، تجولوا عبر السهول التي لا تنتهي أبدا، في المناطق الباردة، التي تجتاحها الرياح، في روسيا والسواحل الصخرية للدول الاسكندنافية.

هذا هندي يرمي نفسه تحت عجلات عربة الإله فيشنو. وذاك زعيم للصوص يقبع في أحد الكهوف في أعالي جبل أوليمبس. وآخر، متسول إيطالي فخور باسمه. ثم فلاح يتضور جوعا في مستنقعات أيرلندا. وقن يتدثر في جلد ماعز ويرقد فوق فرن كبير. ناهيك عن فلاح يرعى ثيرانه فوق تلال صخرية في نيو إنجلاند. كل هؤلاء، معارف، أهل وأقارب.

لقد سكن أسلافهم واشتركوا في نفس الأرض، وتحدثوا نفس اللغة، هي لغة الأم. التي تفرعت منها 100 لغة. منها السنسكريتية، اليونانية، اللاتينية، الروسية، الألمانية، الإنجليزية، وغيرها.

وبالتالي، في جميع أنحاء العالم، وجدت نفس الخرافات، نفس العادات، نفس مواعيد بذر البذور والحصاد، نفس طقوس الزواج والممات، ونفس الأساطير الغريبة والحكايات العجيبة. من ثم، حكاية جاك قاتل العملاق، وحكاية سندريلا، وغيرهما من القصص والحكايات، جاءت جميعا من سكان جنة عدن الأصليين في آسيا الوسطى منذ آلاف السنين.

المهاجرون من وسط آسيا، والذين رسوا وأقاموا في بلاد اليونان، أنشأوا المدن المتحضرة في وقت مبكر. ثم أرست المدن اليونانية بدورها المستعمرات في الخارج. وأقامت فيها مراكز تجارية، تسببت في ازدهار المدن الواقعة على سواحل البحر الأسود والمتوسط، وعلى شواطئ نهري الدانوب والدون، وفي شبه جزيرة القرم، وفي سفوح القوقاز.

هؤلاء التجار المغامرون، حافظوا على آداب وعادات المدن الأم. فصارت قصائد هوميروس، تغنى ويتحدث بها الركبان، أو أناشيد تتلى وهم سائرون إلى المعارك. ونقلوا فنون النحت والبلاغة، والمقايضة مع البرابرة أبناء العمومة، السكيثيون (جنوب سيبيريا)، الذين جلبوا الفراء والعسل، والعنبر واللازورد، لتبادل المزهريات المنحوتة والمنقوشة، والمجوهرات والأسلحة المصممة حسب ذوقهم من قبل الأثينيين الحرفيين.

قام هيرودوت، أبو التاريخ، برحلة إلى هذه المناطق، وهو يعطينا القليل من المعلومات عن قبائل كثيرة، تحت اسم "سكيثيين"، كانت تعيش في جنوب شرق أوروبا، أربعة قرون قبل الميلاد.

يقسم هيرودوت السكيثيين إلى ثلاث فئات: الفلاحين، الرعاة، والملكيين، الذين يعتبرون الفئات الأخرى عبيدا لهم. معظمهم كانوا فنلنديين. العديد من السكيثيين، نزحوا غربا واحتلوا غابات ألمانيا. بعضهم كانوا هم أسلاف الروس.

في متحف هيرميتاج في سانت بطرسبرج، توجد هناك مزهريتان، تم العثور عليهما في مقابر جنوب روسيا. يعتقد أن عمرهما أكثر من ألفي عام. منحوت على أحدها بنقوش فضية، مجموعة رجال تقوم بترويض خيولها. سماتهم خشنة، ولحاهم طويلة، يلبسون سترات وسراويل غريبة. يشبهون كثيرا السكان الحاليين لنفس السهول. هم الفلاحون السكيثيون، أسلاف السلاف من شواطئ نهر دنيبر.

على المزهرية الأخرى، نقوش ذهبية تمثل السكيثيون الملكيون، المحاربون، ذو القبعات المدببة، والملابس المطرزة، والأقواس المنحنية.

إله الحرب لهذه القبائل، عبارة عن سيف حديدي مغروز في أعلى تل. يعبد وتقدم له القرابين من الضحايا أسرى الحرب. هم أيضا يشربون دماء أعدائهم الذين قتلوا في المعارك، ويسلخون فروة رؤوسهم ويحيكوها مع بعضها لكي يصنعوا منها ملابس وسروج لهم. ويستخدمون جماجم القتلى، بعد تبطينها بالجلود أو طلائها بالذهب كؤوسا للشراب.

معرفتنا بالقبائل الأخرى التي سكنت أقصى الشمال، أقل دقة، وهي مختلطة بالخرافة. كان بعضها من أكلة لحوم البشر. يلتهمون جثث آبائهم وأمهاتهم المتوفيين بشهية كبيرة.

أطلق على بعضهم اسم الرداء الأسود، بسبب لون ملابسهم السوداء. آخرون كانوا يعشقون التزين بالذهب. بعضهم كانوا مثل السيكلوب، بعين واحدة. أو صلع وفطس الأنوف، منذ الولادة. آخرون يتحولون إلى ذئاب، مرة كل عام.

تقول الأساطير أيضا، أن هناك نساء قبائل محاربة، تسمى الأمازون، جاءت في أوديسة هوميروس. تقمن بقتل الأطفال الذكور. وتذكر الأساطير أيضا الجريفون، الذين يراقبون كنوز الذهب في الجبال، حتى لا يقترب منها أحد. وكذلك، تتحدث عن رجال ظرفاء محبون للسلام، يسكنون تحت نجمة الشمال. يتغذون بالطعام اللذيذ، ويأكلون العسل، ويشربون الندى، ويعيشون لعدة قرون.

الأراضي غير المأهولة، من المفترض أن تكون مسكونة بالوحوش والغيلان. بارون ألماني كان قد زار روسيا في القرن السادس عشر، يتحدث عن أراض غير مأهولة ويقول:

"يقال إنه يسكن تلك البقاع، رجال لهم طبيعة عجيبة. بعضهم يغطى جسمه كله الشعر الكثيف، مثل الوحوش. آخرون لهم رؤوس الكلاب. آخرون ليس لديهم أعناق، صدورهم تأخذ مكان الرأس، لهم أيد طويلة، لكن لا أقدام. والبعض، لهم أذرع طويلة، لكن ليس لهم أرجل. "

هناك أيضا في النهر بعض الأسماك ذات الرأس والعينين والأنف والفم واليدين والقدمين. تشبه في نواح أخرى تقريبا الإنسان، ولكن بدون القدرة على الكلام".

كما يُحكي عن بعض الرجال السود، الذين يموتون في يوم 27 نوفمبر، ثم يعودون إلى الحياة مرة أخرى، مثل الضفادع، في الربيع القادم.

لا هيرودوت أبو التاريخ، ولا البارون الألماني، قد رأى في أي وقت مضى هذه الوحوش المخيفة بنفسه. التي كانت تسكن بعيدا في أقصى الشمال، ثم تبخرت مع قدوم الحضارة والمدنية.

خلال القرون المسيحية الأولى، آسيا، معين البرابرة الذي لا ينضب، أمدت أوروبا بحشود متتالية من القبائل الحربية والغزاة. لم يستطع أحد أن يجزم بأصولهم، ومن أين جاءوا، وبأي دين كانوا يعتنقون.

"أولا جاء القوط، الذين بنوا إمبراطورية شاسعة بين البحر الأسود وبحر البلطيق، هددوا روما، وانتشروا حتى وصلوا إلى إسبانيا. إلا أنهم قد تم تدميرهم في القرن السابع، من قبل أسباروخ، مؤسس امبراطورية بلغاريا، وحشوده من البلغاريين والفنلنديين والأتراك والتتار."

الأباطرة الشرقيون والمؤرخون، في وصفهم لهذه الغزوات، غالبا ما كانوا يذكرون السلاف. لقد استقر السلاف أولا في وادي نهر الدانوب الخصيب، لكنهم سرعان ما طردوا من قبل قبائل أقوى، وأجبروا على التشتت في بلاد أخرى، بوهيميا، مورافيا، بولندا، وروسيا.

قبل ألف عام، انقسم السلاف الروس إلى العديد من القبائل الصغيرة المتناحرة، لكنها جميعا كانوا يتحدثون نفس اللغة، وتحكمهم نفس التقاليد. يسكنون منطقة بين نهري الدنيبر والدنيستير، مساحتها أقل من خمس روسيا الأوروبية اليوم.

أسماء العديد من هذه القبائل، ذكرت في تاريخ نيستور، وهو راهب روسي قديم، عاش في "كييف" قبل ثمانمائة عام. اثنان من القبائل الرئيسية هما "شعب الحقل" و"شعب الغابة". يقول نيستور الآتي:


"بالنسبة ل"شعب الحقل"، فهم يتبعون عادات أجدادهم. كانوا لطيفين ومتواضعين. الرجال يحترمون زوجات إخوتهم ويهتمون بأمهاتهم. النساء أيضا، تكرم إخوتهن وأخوات أزواجهن.

كانت عاداتهم فيما يتعلق بالزواج غريبة: العريس لا يذهب شخصيا لاستقبال عروسه. بل تحضر له في المساء. وفي صباح اليوم التالي، يحصل على مهرها. العروس هي التي تدفع المهر، وليس العريس.

على العكس من شعب الغابة، فهم يعيشون بطريقة خشنة، مثل وحوش البرية. يقطعون رقاب بعضهم البعض، ويأكلون أطعمة غير نظيفة، ويحتقرون فكرة الروابط الزوجية."

ربما بالغ نيستور في وحشيتهم من أجل إظهار تأثير المسيحية الوديع عليهم. فهم لم يكونوا تماما مثل الوحوش المفترسة، لكنهم كانوا بطبيعتهم مسالمين مغرمين بالزراعة. يحبون الحرية والموسيقى والرقص. يغالون في إكرام الضيف، لدرجة أنهم يعتبرون سرقة الطعام من الجار، فضيلة، إذا كان بهدف توفير الطعام للضيف.

في تلال مقابرهم، تم العثور على أوان غريبة من الفخار، وأشياء مصنوعة من الحديد والبرونز، وقطع من الزجاج، واللؤلؤ الزائف، والعملات الشرقية.

يصفهم أباطرة القسطنطينية، بأنهم أشداء في الحرب، لديهم حيل ماكرة. قادرون على إخفاء أنفسهم في أماكن من المستحيل الاختباء بها. مولعون بالغطس تحت الماء في البرك والأنهار لساعات طويلة في كل مرة، والتنفس من خلال بوصة مجوفة.

لهم رهبة. لديهم شعر أسود طويل، وبشرة وردية وعيون رمادية. منذ الطفولة المبكرة، يتم تدريبهم على تحمل الألم والجوع، وأقصى درجات الحرارة والبرودة.

لا يرتدون دروعا صدرية، ويقاتلون عراة حتى الخصر. يحمون أنفسهم بدروع مصنوعة من البوص ويحملونها بأيديهم. أسلحتهم هي الحراب، والأقواس الخشبية الطويلة، والسهام المسمومة، والحبال.

تطيع كل أسرة شيخها أو رئيسها. مجموعات صغيرة من العائلات كونت جمعيات لحرث الأرض. تتعاون لحل المشاكل المشتركة وتناقشها في مجلس مكون من جميع الشيوخ.

الجمعيات القريبة من بعضها، تشكل مناطق أو كانتونات، تحكم بالوراثة، أو برئيس منتخب. كل كانتون، يوجد داخل حصن، أو محاط بسور مبني من الطين، وحوله خندق. يقع الكانتون بالقرب من جدول مائي، أو على ساحل بحيرة، أو أعلى تل، أو وسط الغابة.

إلى جانب هذه القرى الصغيرة، كانت لدى السلاف مدن كبيرة. في القرن الخامس، بنوا مدينة بالقرب من بحيرة "إلمن"، على أنقاض مدينة قديمة دمرتها الأوبئة وأخلت سكانها.

يروي السجل القديم، كيف أن شعب الحقل قد بنى مدينة كييف:

" كان لكل عائلة من عائلات شعب الحقل، رئيسها، يعيش في منزله داخل أرضه. كان يعيش بينهم ثلاثة إخوة وأخت. الإخوة بنوا مدينة أطلقوا عليها اسم الأخ الأكبر كييف، تكريما له. "

كانت المدينة محاطة بغابات الصنوبر الكثيفة، التي يطارد فيها السكان الدببة والذئاب. بعد وفاة الإخوة الثلاثة، تغلب شعب الغابة وبعض القبائل المجاورة على شعب الحقل.

الخزر الذين كانوا يسكنون بين الجبال والغابات، هاجموهم وأجبروهم على دفع الجزية. وطلبوا منهم تسليم سيوفهم، سيف ذو حدين من كل بيت. ثم حمل الخزر السيوف إلى أميرهم وشيوخهم، لكي يثبتوا بأنهم قد أخضعوا شعبا جديدا لإرادتهم.

"أين هم؟" سأل أمير الخزر وشيوخهم.
"انهم يعيشون في الغابات والجبال وراء نهر دنيبر."
"ما هي الجزية التي قدموها؟"
أظهر الخزر السيوف. فقال شيوخ الخزر مخاطبا أميرهم:
"أيها الأمير، هذا ليس بالأمر الجيد. سيوفنا لديها فقط حافة واحدة، ولكن هذه السيوف لها حافتان. هناك خطر من هؤلاء الرجال، الذين يستطيعون هزيمتنا وفرض الجزية علينا وعلى غيرنا بسيوفهم."

حكم الخزر في هذا الوقت جميع الأراضي، من مصب نهر الفولجا إلى البحر الأسود، وحول ضفاف نهر الدنيبر. كان بحر قزوين يسمى بحر الخزر. بنوا مدينتهم "آتل" على نهر الفولجا، ومدينتهم البيضاء على نهر الدون. دخلوا في تحالفات تجارية وعسكرية مع أباطرة بيزنطة (الإمبراطورية الرومانية الشرقية)، وخلفاء (جمع خليفة) بغداد، والحكام المغاربة في الأندلس.

كان لديهم مدارس عظيمة. الإمبراطور، كان يتسامح مع كل الأديان. حاولت بيزنطة تحويلهم إلى المسيحية، وأرسلوا القديس المبشر كيرلس لهم في منتصف القرن التاسع.

حتى وقت متأخر من حكم لويس السابع، ملك فرنسا، وستيفن، ملك إنجلترا، كان الخزر، يحكمون شواطئ من بحر قزوين.

وللحديث بقية، فإلى اللقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم