الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
إشكالية- في البدء كانت الكلمة 3/3
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
2022 / 5 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ننتقل في هذا الجزء الأخير من الثلاثية إلى مفاهيم الخصوصية والذاتية، والتي يروج لها البعض في الشارع الشرقي. تبريراً للانعزال وعدم القدرة على الالتحاق بالمنظومة العالمية. ما قد يصل بنا في النهاية إلى كراهية الآخر. وقد نسعى أيضاً إلى قتاله وقتله.
الخصوصية والذاتية
ترد كلمة "الخصوصية" في الخطاب الشرقي الآن كمرادف لكلمة "هوية". وإذا كان مضمون ما سبق من مقالنا أن "الهوية" صنم من جليد. لا يصمد أمام النقد العقلي الرصين. فإن "الخصوصية" و"الذاتية" أمر آخر، يقتضي منا بعض الدرس.
مقصدنا الحديث عن خصوصية شعب. غير أن المفهوم يدفعنا نحو جذره. الذي هو خصوصية الفرد. فالإنسان كما نري – ويرى الكثيرون – فرد فريد unique لا يتكرر. وغير قابل للاستبدال. فإن فقدنا في حادث مثلاً أحد حيواناتنا الأليفة، جاز أن نطالب المتسبب ببديل مماثل. أما إن فقدنا أحد أعزائنا، فلن يكون هذا الحل وارداً.
ويرى البعض – عن حق – أن العمليات الإحصائية التي تتناول البشر تهدر إنسانيتهم، حين تعاملهم ككميات. فيتحول الإنسان إلى مجرد رقم في قائمة. فالفرد ليس كسراً حسابياً من كمية أكبر هي المجتمع. فالمجتمع هو الذي في الحقيقة كثرة من الوحدات الصحيحة، غير المتماثلة في العديد من الوجوه. وهذا هو الفارق الأول بين ما تقوم عليه الأنظمة الليبرالية والشمولية.
تتأسس فردية الإنسان على مجموعة من المقومات المعروفة والمتفق عليها.
أولها التكوين البيولوجي والوراثي (انظر البصمة الجينية).
ثانياً عناصر البيئة المختلفة، طبيعية واقتصادية واجتماعية وثقافية. بتأثيرها على تكوين شخصية الإنسان.
وثالثاً الأهم، الإرادة الإنسانية المستقلة للإنسان الفرد.
أن أكون "أنا" يعني أن أختلف عن "هو".
أي أنني "أنا" بقدر ما لست "هو".
وهذا يعني أنني أحتاج إلى "هو" لكي أكون "أنا".
وإذا لم يكن هناك أي "هو"، فلا معنى لأن أكون "أنا".
ولن يكون هنالك داع لأن يطلق علي اسم "س" مادام لا يوجد "ص"، "ع"، . . . إلخ.
ومادام الـ"هو" جوهري لوجود الـ"أنا"،
فإن خصوصيتي تشمل "أنا/هو"، هذا عن الخصوصية.
أما "الذاتية" فأمر آخر.
فالـ"أنا الواقعية"، والتي يمكن أن نسميها "الذات" ليست اختلافاً محضاً مع الآخرين.
فهنالك بين "الذوات" المختلفة صفات جسدية وأدبية وبيئية مشتركة، وبحجم وأهمية جديرة بالاعتبار.
إننا هنا بحاجة للاتفاق على بعض الاصطلاحات لمجرد استخدامها في هذا المقال ليس أكثر:
أنا: هي خصوصيتي. أي ما أختلف به عن الآخرين = أنا/هو.
هو: خصوصية الآخر.
هم: المشترك بين ذاتي وذات الآخر.
الذات = أنا/هو + هم
ماذا يعني ذلك؟
ما يمكن أن نسميه معادلة "الذات"، تقول أن الذات مكونة من شقين:
الأول هو خصوصيتي. أي ما أتفرد به عن الجميع.
والشق الثاني هو ما يجمع بيني وبين الآخرين.
يرجع إلى هذه المعادلة الفضل في إمكان حياة الإنسان في مجتمعات. بل الكيان الإنساني لا يتحقق إلا في مجتمعات. لذا يقولون الإنسان حيوان منشغل بالآخر. لأنه في الحقيقة يحوي الآخر داخله، على مستويين كما رأينا:
مستوى تفرده (يحوي "هو") ومستوى جماعيته (تحوي "هم").
لهذه المعادلة أيضاً يرجع الفضل إلى أن الإنسان حين يسعى لتحقيق الذات، ولصالحها، فإنه يحقق صالح المجتمع.
ليس ما نقول من منطلقات أخلاقية أو إيثاراً للآخر أو ما شابه. ولكن لطبيعة تكوين الذات. ولو كانت المعادلة غير صحيحة لكان الفرد عدو المجتمع. أو الأصح أن نقول لم يكن الفرد أصلاً يُكَوِّن المجتمع. فلا معنى لأن يُكَوِّن الفرد كياناً يكون عدوه بالتكوين. ولعاش الإنسان على هيئة أفراد أو جماعات (وليس مجتمعات) كسائر الحيوانات.
أما "الذاتية" أو "الأنانية" البغيضة التي نعرفها، فليست "ذاتية" حقَّة. فمصدرها الفرد قصير النظر. والذي لا يرى أبعد من موطئ قدميه.
وقصدنا بالطبع ليس أخلاقياً. إنما نقصد التلاحم العضوي بين أنا، هو، هم. . بالطبع وجود الشواذ لا ينفي القاعدة، إنما يؤكدها. ويسري هذا على المجتمع الذي يضم أفراداً أو دولاً.
نقول هذا حتى لا تضيع منا "الأنا" في غمار الـ"هم".
وحتى لا نعادي "هو" و"هم" في غمرة تخوف مرضي على الـ"أنا". فنضرها من حيث نسعى لصالحها.
فلا "أنا" بدون "هو" ولا "ذات" بدون "أنا" و"هو" و"هم".
ويستمد النقل عن الآخر والتأثر شرعيته من مساحة الـ"هم" في "الذات". بما لا يعصف بمكون "أنا".
الخلاصـة:
· العمل من أجل "الذات" هو القوة الدافعة للفعل والنجاح، على مستوى الفرد والمجتمع والأمم. حيث أن "الذات" تعني بالضرورة "الآخر" و"المشترك" بين الجميع. والتضارب بين صالح الفرد وصالح المجتمع شذوذ يؤكد القاعدة. مصدره قصر النظر. أو عدم وضوح الرؤية لدى أي من الطرفين.
كما أن تكوين "الذات" الذي استعرضناه يؤدي للجدل بين مكوناتها. ويختلف مساره، بحيث يمكن الحكم بأنه جدل سلبي، إذا نشأ عنه عدم استقرار وتنافر بين "أنا" و"هو" و"هم". ويكون إيجابياً إذا أدى لتناغم المكونات. والمراجعة والنقد الذاتي للـ"أنا" لتطويرها، بإكسابها ملامح مرغوب فيها، والتخلص من غير المرغوب. فتصبح عندها الـ"أنا" غير متكلسة، بل متطورة، كما في الهوية الوجودية مثلاً.
· قصة "الخصوصية" عبر مسيرة الحضارة متراوحة بين التناسب الطردي والعكسي. التضاؤل والتعمق. فإذا تصورنا فردوس الخصوصية المفقودة في حقبة المتوحش الطيب، الذي عاش متفرداً متميزاً، قبل أن يكون أسرة ويتخلى عن بعض من خصوصيته، لتتسع في ذاته مساحة يشترك فيها مع "هم"، أي أسرته الناشئة، فإن المنطق يقول أن بدائية الحياة وبساطتها في تلك الفترة تجعل من مسألة التميز أو الخصوصية الفردية مجرد افتراض نظري. فالبدائية تعني قلة الخيارات، أو حتى انعدامها. وتشابه الجميع رغم انعزالهم أو ضعف ما يربط بينهم. ومع تكون علاقات بالآخر تزدهر الخصوصية بثراء الحياة وتعدد الخيارات. رغم ما يقتطع منها بازدياد العلاقات مع الآخر.
على هذا النحو سارت حياة الإنسان. من تكوين أسرة صغيرة إلى كبيرة إلى قرية. ثم مدينة ودولة. فثراء الحضارة هو الذي يثري سوق الخيارات والبدائل وبالتالي يدفع لخصوصية ثرية وجادة. ولا يتأتى إلا بالمزيد من العلاقات مع الآخرين. وهذه العلاقات تتطلب مساحة للمشترك. أي للـ"هم" أن تتزايد باستمرار، ويتحقق هذا التزايد في اتجاهين:
الأول: اتساع مساحة "الذات" بوجه عام بكل مكوناتها. مع ثراء حياة الإنسان بالحضارة، ويصحبه ثراء للخصوصية، أي اتساع لمساحتها.
الثاني: على حساب الخصوصية، التي كانت مطالبة دائماً بالتقلص، لإفساح المجال لتوسع المشترك، الـ"هم".
وينبغي هنا التفريق بين نوعين من ملابسات الاقتطاع من الخصوصية:
النوع الأول: هو ما تحدثنا عنه، وهو تنازل طوعي للذات. تفرضه الظروف العامة، غير الموجهة توجيهاً مباشراً لفرد أو جماعة دون سائر الناس بغرض الاقتطاع من الخصوصية لمجرد الاقتطاع. وإنما كنتيجة للتغيرات التي تحدث في النظم السائدة على جميع أفراد الجماعة. سواء كان الفرد هنا فرداً حقيقياً، أم فرداً اعتبارياً، كدولة مثلاً. ويشترط في هذا النوع أن يحصل الفرد فيه على مزايا تعوضه عما اقتطع منه، ويزيد.
النوع الثاني: هو الاقتطاع الجبري المجاني من الخصوصية. جبري لأنه يفرض على الذات، الفردية أو الجماعية، من جهة ضغط خارجية. وبتوجيه مباشر نحو فرد أو جماعة، دون سائر الأفراد والجماعات. ليس لحساب زيادة مساحة الـ"هم"، وإنما لتضخيم سيادة "أنا" جهة الضغط. التي قد تكون حاكم أو جماعة أخرى. وهو مجاني لأنه لا يعود على "الذات" التي تم الاقتطاع من خصوصيتها بمقابل. لأن المقابل يكون قد ذهب منذ البداية لحساب الجهة القائمة بالفرض.
وعلى مر التاريخ ترافق النوعان، واتخذ النوع الأول كستار لتمرير الثاني، فكان هناك القمع لصالح الجماعة. و"فائض القمع" لصالح القوى المسيطرة. إذا كان النظام السائد يسمح بهذا.
وقد توصل الإنسان للنظام الليبرالي الديموقراطي، حيث احترام الأقليات والخصوصية، والشفافية، وتداول السلطة، وتعدد آليات المراجعة والنقد والاحتجاج، لتقليص "فائض القمع"، إلى حد الصفر.
· نعود لنكرر ما قلناه في مقال سابق. أن المتخوفون على الهوية والخصوصية ومصير الدولة القومية في عصر العولمة هم أحفاد المتخوفين على مصير القبيلة في عصر الدولة. وعلى مصير العائلة في عصر القبيلة.
لا نقول لهم: "أنتم على ضلال مطلق". إنما نقول "للتقدم ثمنه" الذي علينا أن ندفعه عن طيب خاطر. لكن لنحرص أن يكون "دون فائض قيمة" ناتجة عن "فائض قمع"، يذهب لحساب قوى ضغط غير معنية بالتقدم، وإنما بتضخم الـ"أنا".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - اعتقد
على سالم
(
2022 / 5 / 27 - 17:09
)
انا اعتقد ان السيد الكاتب الكريم عنده شكوك فى اصل العقيده المسيحيه وربما اكون مخطأ
2 - انت تعتقد !
احمد علي الجندي
(
2023 / 4 / 18 - 06:56
)
اذا لساك بتعتقد
فصباح الخير
!
جد
الناس وصلت
وانت لساك بتعتقد
.. قوات الاحتلال تعتدي على مصلين حاولوا الوصول إلى المسجد الأقص
.. أسوياء مع مصطفى حسني - نفسي فداك يا رسول الله ..وتعرض أبو بك
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها
.. 92-Al-Aanaam
.. تُسع ثقافات أنجبت سومر، ماهي ؟