الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفوضوية العدمية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 5 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ركيولوجيا العدم
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
١٤٥ - الإيجابية والعدمية

هذا الإنسان الممتليء إيجابية والمكتفي بنفسه هو ذاته نفس الكتلة الإيجابية في أمريكا وأوروبا وأفريقيا وآسيا، إنه نفس النموذج المؤمن والممتليء بذاته حتى النخاع بحيث لم يعد هناك مكان لأي شيء آخر. فكل ما ليس هو يتحول بكل بساطة إلى عدم وخواء وفراغ من اللامعنى والعبث. غير أن هذا الخواء والفراغ يشكل القوة الوحيدة التي يمكن أن تزحزح هذه الصخرة الصلدة الممتلئة حتى الحافة إيجابية وكينونة، هذا الخواء السرمدي الذي يهرب منه الإنسان الغرائزي أو الفطري هو الذي يمكن أن يفجّره ويعدّمه في ذاته. وذلك ليس ليحل محله أو ليمتص إيجابيته وسلطته، وإنما لكي ينقذه من إمتلائه وتخمته، يفجر في قلبه زلزالا أو بركانا ليحدث شقا وشرخا يدخل منه الوجود إلى هذه الكينونة المغلقة. والعدم بطبيعة الحال لا يمكنه أن يخرج من العدم ذاته، بل لا بد له من كينونة تنتجه وتسانده، وهو بالتالي ليس خارجا عن هذا الإنسان الكينونة، إنه بطريقة ما ينخره من الداخل كالدودة، ولكنه لا يُرى ولا يمكن وعيه أو الإحساس به، ولذلك لا يمكننا نعت الإنسان الإيجابي أو الذي لا أبعاد له أو الإنسان المعاصر أو الإنسان الجدّي ـ كم تسميه سيمون دي بوفوار ـ الذي وصفناه سابقا بالعدمية، لأنه ما أن يعي ذاته ويرى فجأة وجهه في المرآة ـ أثناء الحلاقة إذا لم يكن داعشيا ـ ما أن يرى وجهه قبيحا ملطخا بالدماء حتى تختفي إيجابيته وتهرب منه ذاته وتتشقق إنيته ويتجاوز نفسه ويحيل ذاته إلى عدم وينبثق هذا الإنسان الآخر الذي سنسميه " الإنسان " العدمي والذي يقوم على فكرة الرفض والثورة والعصيان على وضعه في العالم وعلى العالم كما هو كائن. إنه النقيض المطلق للإنسان المنتمي المنغمس في مجتمعه ووطنه ودينه وثقافته ـ كالنازي والفاشي والإسلامي والديموقراطي والليبرالي .. إلخ. إنه الإنسان الذي لا هوية مسبقة له، فهو ما ليس هو، وليس هو ما هو، إنه تجاوز وبناء وتكوين ثم تجاوز ، إنه إنسان غير محدد ، غير كامل، متعدد الأبعاد، مجرد مشروع وجود جنوني وعبثي ولا ضرورة له على الإطلاق. هذا المشروع العدمي والفكر الذي يسانده ويغذيه هو الأمل الوحيد لإنقاذ البشرية العمياء المعاصرة وتفجير الفكر الإيجابي المسطح من الداخل. وهذا الفكر الثوري هو ما يطلق عليه اليوم تسمية " الفوضويه العدميه " من قبل فطاحلة الفكر اللابُعدي وهو ما يعني بالنسبة لنا الفكر الأناركي الشيوعي، أي الشيوعية الأناركية، أو التحررية الشيوعية، أو الشيوعية اللاسلطوية. ولذلك فإن الثورة العدمية لا بد لها أن تتجاوز الفكر العدمي ذاته وتتجذر في عمق الواقع الإجتماعي لمحاولة الخروج من مخالب الرأسمالية والإمبريالية والوطنية والدين. والفترة العصيبة التي تمر بها البشرية هي فرصة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، لتنمية ونشر الفكر الثوري، نظرا للتخمة المصاب بها الفكر الأوروبي والفكر الإسلامي والرأسمالي عموما جراء الإمتلاء بالذات الإيجابية والنرجسية، وهيمنة القبول والإستمرار في عبادة الماضي والحاضر وإلغاء المستقبل، حيث المستقبل كما يقول كامو " هو النوع الوحيد من الملكية الذي يتنازل عنه السادة بطيبة خاطر للعبيد "

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر