الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ روسيا - 03 الأميرة الجميلة أولجا

محمد زكريا توفيق

2022 / 5 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الرابع.

الأميرة الجميلة سانت أولجا وباجان روسيا.

عادت فرقة الأمير إيجور، وهي تحمل الجزية ببطء عبر الغابة المظلمة إلى مدينة كييف، وهم يتساءلون، لماذا تأخر أميرهم لفترة طويلة عن اللحاق بهم. وعندما وصلوا إلى أبواب المدينة، جاء قبطان نورماني بأقصى سرعة، باكيا يلهث لكي يزف لهم الأخبار السيئة:

"مات الأمير إيجور، هو وجميع رجاله. أنا وحدي الذي نجوت من غضب شعب الغابة".

عندما سمعوا قصة القبطان الهارب، فكروا على الفور في العودة، والانتقام من قتلة رفاقهم، لكن مجلسهم كان منقسما. فلم يكن لديهم أمير لقيادتهم. ابن إيجور، المسمى ب "الشهرة المقدسة"، كان مجرد صبي. لذلك، عاد كل إلى منزله.

انتشرت أخبار الكارثة عبر المدينة، ووصلت إلى مسامع الأميرة الجميلة أولجا، بينما كانت تجلس تنتظر عودة الأمير إيجور في قصرها. حينئذ، أقسمت أولجا بالانتقام من شعب الغابة.

لكن عليها أولا أن تثبت نفسها بقوة على عرش كييف، وأن تحكم بدلا من ابنها، وتجمع الجزية، وتحكم على النزاعات بين أتباعها.

عندما مرت الأيام والشهور بسلام، ولم ير شعب الغابة، أي رد فعل لما فعلوه بإيجور ورفاقه، باتوا أكثر ثقة وجرأة، وقالوا فيما بينهم:

"لقد قتلنا الأمير الروسي أولجا. الآن دعنا نرسل إلى أرملته، ونزوجها من أميرنا "ماي". بذلك نكسب ابن إيجور وزوجته ومدينته، ونضمهم إلى بلادنا".

لذلك، أرسلت سفارة تضم عشرين، من كبار رجال شعب الغابة، لكي تقف أمام أولجا، أرملة إيجور، وتسلم الرسالة. سمعتهم الأميرة المكلومة بلطف.

لكن، قبل أن يغادروا المكان، تم القبض عليهم، ودفنهم أحياء. لم يفلت أحد منهم، لكي ينقل الأخبار لأميرهم. ومع ذلك، أرسلت له أولجا ساعيا برسالة تقول:

"سفارتك تتلقى كل التكريم والاستقبال اللائق بها في كييف. لكن إذا كنت تبغي أن تجعلني أميرتك، ارسل المزيد من الرجال الشرفاء، حتى يشاركونا الأفراح".

عندما استجابوا بدون شك لطلبها، وأرسلوا إلى كييف خيرة رجالهم، عرضت عليهم أولجا أخذ حمام ساكن، كنوع من التكريم وحسن الضيافة. ثم أمرت بتسخين المياه إلى درجة، أهلكتهم جميعا.

ثم ذهبت أولجا إلى قبر زوجها للحداد. وعندما تجمع شعب الغابة حولها، قدمت لهم الفودكا والمزة، فأسرفوا في شربها، وأصبحوا في حالة سكر يرثى لها. ثم أمرت أولجا بقتلهم.

كل هذا لم يرو عطشها ورغبتها في الانتقام. فجمعت جيشا عظيما، وخرجت مع ابنها، "الشهرة المقدسة"، ضد أهل الغابة. رمى ابنها أول
رمح، لكن لكونه شابا، أخطأ هدفه. مع ذلك، فر شعب الغابة، واحتموا بأسوار مدينتهم الخشبية.

قامت أولجا بحصار المدينة لمدة عام. عندما لم تستطع أن تأخذها، عرضت عليهم السلام، بشرط أن يدفعوا جزية. مقدارها: ثلاث حمامات (جمع حمامة)، وثلاث عصافير من كل منزل.

كان هذا العقاب البسيط، من دواعي سرور شعب الغابة. لكنهم سرعان ما ندموا على ذلك. لأن أولجا ربطت فتائل محملة بالكبريت القابل للاشتعال، في أرجل الحمام والعصافير.

طار الحمام إلى الحظائر، وطارت العصافير إلى الأسطح، حيث كانت أعشاشها. وعلى الفور، كانت المدينة بأكملها مشتعلة بالنيران في آن واحد. فر السكان ، تتعقبهم قوات أولجا، التي ذبحت البعض، وأسرت الباقي عبيدا.

بعد أن أخذت بطارها، وشفت غليلها، وانتقمت لموت زوجها، حققت أولجا انتصارات متوالية في جميع البلدان الخاضعة لسيادتها. ثم قامت بتنظيم الجزية، وتشييد القرى والقلاع وبناء الحصون.

عندما عادت إلى كييف ، تملكتها الرغبة في الذهاب إلى القسطنطينية، لكي تعلم المزيد بنفسها عن الدين الجديد، الذي يدعى البعض من شعبها أنه أفضل من الأديان القديمة.

لم تكن المسيحية مجهولة تماما في روسيا. عندما دمرت العاصفة، بمعجزة، أسطول أسكولد ودير، قيل إن الروس أرسلوا مبعوثين إلى القسطنطينية يطلبون المعمودية.

جاء رئيس الأساقفة، وصنع معجزة أمامهم. لقد رمى نسخة من الكتاب المقدس في وعاء نحاسي به نار مشتعلة، دون أن يحترق. بعد ذلك، تحول أسكولد إلى الديانة الجديدة، وصار قديسا مسيحيا. ثم بنيت كنيسة مسيحية، في المكان الذي دفنت فيه عظامه.

ذهبت أولجا عام 957م، إلى ملكة المدائن، القسطنطينية، واستمعت إلى وعظ رجال الدين. تأثر قلبها بالأسرار المقدسة، وتم تعميدها تحت اسم هيلين، أو هيلانة. كان الإمبراطور البيزنطي، قسطنطين السابع نفسه، هو عرابها وأبوها الروحي.

بمباركة البطريرك المحملة بالعديد من الهدايا الرائعة، عادت إلى كييف، مليئة بالحماس لكي تحث رعاياها على ترك عبادتهم القديمة، والدخول في الدين الجديد.

كان الروس الوثنيون في عصرها، مثل معظم الناس البدائيين، يعبدون الشمس والقمر والنجوم، ويعبدون كذلك الرعد ، وأرواح أسلافهم الموتى. كان الإله الرئيسي عندهم، هو المنتقم بيرون ، إله النار والرعد، الذي يرسل الصواعق، وينزل المطر، ويجعل النباتات تنمو والأشجار تثمر.

كانوا يعتقدون أنه على هيئة إنسان، طويل القامة جميلة الشكل، أسود العينين، ذهبي اللحية طويلها. يقود عربة مشتعلة باللهب، ويمسك في يده اليسرى جعبة سهام مليئة، وفي اليمنى، قوس ناري. عرشه عبارة عن قرص في شكل حجر الطاحونة، تحمله أرواح الجبال، اللاتي تطعنه، ويرسلن العواصف امتثالا لأمره.

نباله، الذهبية، تفتح مغاليق الأرض وتكشف مغاليقها من كنوز وأحجار كريمة. مخبأة تحت الجبال، أو في أعماق البحار.

نبات السرخس هي زهرته. ومن يستطيع مقاومة تعاويذ الشياطين الشريرة، ويجمع أزهارها، بالرغم من فعل السحر والزلازل وومضات البرق، والرعد الهادر والنار الملتهبة، يمكنه معرفة أسرار الكون.

كان تمثال بيرون، في كييف، مصنوعا من الخشب المنحوت، مع
أرجل حديدية ورأس فضي مزين بأذنان ذهبيتان وشارب ذهبي. يمسك في يده حجر ثمين، منحوت على شكل صاعقة.

قبل أن تحترق النار المقدسة، الموقدة من جذوع أشجار البلوط، وفي أيام الأعياد، كانوا يضحون بالحيوانات، والبشر أسرى الحرب، والعبيد، الشبان والشابات. الغابات بأكملها كانت مكرسة لخدمته.

البساتين، كانت هي أول معابد الإله. لا يسمح لأحد بقطع أو تشويه شجرة واحدة، والموت للمخالف. في أوقات لاحقة، عندما بدأت المسيحية تحل محل الوثنية، نقل الفلاحون ما كان ينسب ل بيرون، إلى النبي إيليا. الذي ذهب إلى الجنة في عربة نارية تجرها الخيول المشتعلة. (الإله أبوللو، إله الشمس عند الإغريق، كانت عربته تجرها الخيول الملتهبة)

فولوس، إله الماشية، كان يجسد الشمس، يراقب قطعان الماشية والبقر. ستريبوغ، أو إله الهواء، يركب عربة الرياح. تمثاله يقف إلى جنب الإله بيرون، وكذلك تماثيل العديد من الآلهة، أعلى تلة بيرون في مدينة كييف.

في أوائل الربيع، يحتفل الروس بعيد "كوبالو"، إله الصيف، الوديع اللطيف. البنات والأولاد، يتزينون بأكاليل الزهور، ويقومون بالرقص جنبا إلى جنب، حول النار المقدسة. يبتهجون ويغنون، فقد جاءت أيام البهجة والمرح.

بعد ذلك، يحتفل الفلاحون بعيد يوحنا المعمدان، الذي يعرفونه باسم "إيفان كوبالو"، يوم 24 يونية.

"لادو"، هي إلهة الزواج والطرب والمتعة. إليها يقدم حديثي الزواج القرابين، لتأمين زواجهم وصبغه باليمن والبركات. العذراء مريم، أخت إيليا، أخذت مكان "لادو"، والفلاحون يغنون :

إيفان وماريا
يستحمان على التل.
بينما كان إيفان يستحم،
اهتزت الأرض.
بينما كانت ماريا تستحم،
نبت العشب.

القصص والحكايات والأغاني الروسية، مليئة بالتلميحات إلى كائنات غريبة، كانت تعيش في ذلك العالم القديم. أبطال عمالقة، وأنهار تتكلم وتؤدي أعمالا جبارة.

"مورينا"، إلهة الموت. "فروست"، إله الصقيع، بأنف وردي وقلب جليدي. وثعبان لا يموت بأجنحة نارية والعديد من الرؤوس. الذي يتحول إلى شاب وسيم، يتودد إلى العذارى الأرضيات.

ثم هناك "بابا ياجا"، الغولة البشعة المروعة. التي تسرق الكحك والبسكويت، وتأكل ضحاياها، معظمهم من الأطفال. هي في شكل امرأة عجوزة طويلة القامة، بأنف حديدي طويل وأسنان حادة.

تسكن في كوخ مقام على دعامة واحدة في شكل رجل فرخة، يدور ويهتز ويتمايل مع النسيم. يقع عند مدخل الغابة، ومحمي بسياج مصنوع من عظام البشر، غير المحظوظين الذين أكلتهم.

أعمدة السياج، مثبت عليها جماجم، تخرج ألسنة اللهب من تجويف عيونها أثناء الليل. البوابات مصنوعة من عظام أرجل بشرية، والدعامات، من عظام أذرع بشرية، أما الأقفال فهي من أسنان وأفواه الجماجم.

في مركب حديدي تندفع إلى الأمام، وتمحو آثار رحلتها المخيفة بمكنسة مشتعلة. النهار والليل هما خادميها المطيعين.

كان لديها خيول تتنفس النار، وأحذية، الخطوة الواحدة بها تعادل سبعة فراسخ، وسيوف تعمل بذاتها، وبساط يطير ويسابق الريح. وكانت تتغذى على جثث الأحياء وعلى أرواح الأموات.

عندما تهب الريح، وتحني قامة الأعشاب الطويلة أو عيدان القمح، لا يزال الفلاحون الروس يخيفون أطفالهم بقولهم، إن "بابا ياجا" تطاردهم لكي تأكلهم.

في البحر، يسكن قيصر البحار مع بناته الثلاثين الجميلات. والبجع الجواري، في قصر كريستال كبير، مرصع بالجواهر ومضاء بالأنوار. الأنهار، مليئة بالحوريات، المرحة والمؤذية في بعض الأوقات. أحيانا يتم التخلص منهن بلطف. هن عذارى جميلات، بقدود ممشوقة، وخصور نحيلة، وعيون كحيلة، ووجوه جميلة، وشعور طويلة.

في يونيو ، عندما تهب الرياح، وتهيج الأمواج وترتضم بصخور الشاطئ، يرى الروس حتى الآن، آثار أقدامهن الراقصة، بادية على الطمي والرمال. الأطفال الصغار الذين يموتون غرقى، يتحولون إلى هذه الحوريات المائية المرحة.


في البحيرات والبرك والمستنقعات، وخاصة بالقرب من طواحين الغلال، يسكن عفريت الماء. يتظاهر بأنه رجل عجوز عار، يهتم بتربية النحل. الفلاحون يسمونه الجد الصغير، ويرتعبون منه.

هذه العفاريت المائية، تتزوج من الفتيات الشابات اللواتي يغرقن أنفسهن، ويصبحن جنيات. عندما يفيض النهر ويجرف الجسر أو الطاحونة بعيدا، هي مزحة سخيفة من عفريت الماء، وقت احتفاله بزواجه.

هنا واحدة من القصص التي يرويها الفلاحين الروس:

" ذات مرة، غرقت فتاة وعاشت سنوات كثيرة مع عفريت الماء. ولكن في يوم من الأيام، سبحت إلى الشاطئ، ورأت الشمس الذهبية والغابات والحقول الخضراء، سمعت طنين النحل وأصوات الأجراس من بعيد.

لذلك، غلبها الشوق لحياتها القديمة على الأرض. فخرجت وذهبت إلى قريتها الأصلية. لكن للأسف لم يتعرف عليها أهلها. فعادت إلى الماء
مرة أخرى، إلى عفريت الماء. وبعد يومين، انجرف جسدها وألقي على الرمال بينما كان النهر مهتاجا يهدر بعنف. فندم عفريت الماء ندما شديدا لخسارته الكبيرة التي لا تعوض".

كانت الغابات أيضا مسكونة بالشياطين، الذين يظهرون في بعض الأحيان في صورة فلاحين، يرتدون ملابس غير محبوكة من جلود الأغنام، وليس لهم حواجب أو رموش.

شيطان الغابة، لديه عين واحدة في منتصف جبهته، وقرنان يخرجان من رأسه. ساقاه ساقي ماعز. رأسه وجسده مغطاة بشعر أخضر أشعث. أصابعه حادة بها مخالب.

عندما يخرج الروسي للصيد، يجب أن يقدم القرابين لعفريت الغابة، وإلا عاد بخفي حنين، وخاوي الوفاض. غالبا ما يصاب بالرعب، المسافر في وقت متأخر في الغابة، عندما يسمع صراخ ضحكاته، التي تشبه صهيل الخيل، أو خوار الثيران، أو نباح الكلاب.

لكن الأكثر أهمية في معتقدات الروس، كانت هي روح الدار. التي تسكن في أكواخ الفلاحين داخل الأفران الرئيسية. وتقوم بتحذير سكان الدار باقتراب الشر، أو بقدوم الخير.

الويل لمن كان لون بقرته أو دجاجته أو قطته، تغضب روح الدار. مرة واحدة في السنة، يعتقد أنها تصبح روح خبيثة. يقدم لها الفلاحون، القليل من الكعك أو البليلة المطهية، أو البيض مصبوغا باللون الأحمر، في منتصف ليلة اليوم الثلاثين من شهر مارس.

عندما ينتقل روسي إلى منزل جديد، ويحضر أثاث بيته القديم، تشعل أكبر امرأة سنا في الدار، النار في الفرن. وقت الظهر، تضع الجمر المحترق في جرة نظيفة، تغطيها بمنديل أبيض، وتأخذها إلى باب المسكن الجديد، فيستقبلها رب الأسرة بقوله:

"مرحبا بك يا جدي في وطننا الجديد".

ثم يتم كسر الجرة، ودفنها ليلا تحت عتبة الدار، بذلك، ترضى روح الدار وتبارك الأسرة. كل هذه الطقوس والاحتفالات، قد جاءت من الأيام الوثنية.

كان يعتقد السلاف، أنه بعد الموت كان على الروح أن تسافر رحلة طويلة. إما عبر البحر، أو أسفل درب التبانة. لذلك، كانوا يضعون المال مع الميت في القبر لدفع أجرة المراكبي، ويضعون الطعام، لأن الطريق كان طويلا صحراويا.

كان يطلق على الطريق، مسار الفأر، لأنهم اعتقدوا أن الروح تهرب في شكل فأر. يصل الموتى أخيرا إلى أرض الشمس، شرق المحيط. أرواح الأطفال الصغار تعيش وتلعب هناك، وتجمع الفاكهة الذهبية.

أرواح الرجال الذين لم يولدوا بعد، موجودة. في أرض عجيبة، هي أرض جدود كل الثعابين، والغراب المكشوف عنه الحجاب، الأخ الأكبر لجميع الغربان، والطائر الأكبر، أقدم كل الطيور، بمنقار حديد ومخالب نحاس، وأم النحل الأكبر سنا في كل النحل.

هناك أشجار البلوط، التي يكمن تحتها الثعبان "جارافينا"، والعذراء "زارا"، إلهة الفجر. وهناك الحجر المقدس، الذي تنبع من تحته أنهار الشفاء. لا تهب رياح باردة على الإطلاق على تلك الجزر المحظوظة، ولا يجرؤ الشتاء على زيارتها بالمرة.

كانوا يعتقدون بأن الحياة خارج القبر ستكون استمرارا لتلك التي عاشوها على الأرض. العبد لا يزال خادما لسيده، والزوجة مرتبطة بزوجها. وكانت جثث القتلى تدفن أحيانا، وتحرق في أحيان أخرى.

يقومون بالتضحية بعبيدهم وخيولهم المفضلة، وكانت الأرامل إما يشنقن أنفسهن أو يحرقن على المحرقة، أو يتم دفنهن في الكهوف على سفوح التلال، لكي يلحقن بأزواجهن.

يصف رحالة عربي من القرن التاسع جنازة روسية شهدها بنفسه :

"لمدة عشرة أيام، بكى أصدقاء التاجر الميت، وشربوا حتى سكروا حزنا عليه. ثم سئل الخدم الذكور، أيا منهم سيتم دفنه مع سيده. عرض واحد منهم استعداده لذلك، فتم شنقه في الحال".

أبدت خادمة أيضا استعدادها للتضحية بنفسها لكي تلحق بسيدها، فتم تسليمها إلى امرأة عجوز حيزبون، تسمى ملك الموت. قامت بغسل جسمها وألبستها أفخر الثياب، وزينتها بأغلى الجواهر، وعاملتها كما تعامل الأميرات. وفي اليوم الموعود، خلعت حليها، ثم شربت كأسا وهي تبكي قائلة:

" انظروا، هذا سيدي. يجلس في الجنة. والجنة فردوس أخضر، جميل جدا. إلى جانبه، يجلس جميع رجاله وصبيانه. دعوني أذهب إليه".

عندما بدأ الرجال يضربون بهراواتهم على دروعهم، حتى يغطوا على صراخها ونحيبها، عالجتها المرأة الحيزبون بخنجر فقتلت في الحال. ثم وضعت جثتها بجوار جثة سيدها في قارب، مسنود بأربع شجرات، وتحيط به أصنام خشبية عملاقة.

ثم أضرمت النار في المحرقة، فأتت على التاجر والتهمت أسلحته وملابسه وعبيده وكلبه وحصانين وزوج من الطيور.

أما السلاف في نوفغورود، فكانوا يدفنون موتاهم. في قبورهم، تم العثور على أسلحة وأدوات ومجوهرات وعظام حيوانات، وحبوب القمح. كل ربيع، يقيمون احتفالا لتكريم موتاهم. فيقومون برمي شيئا من الطعام تحت الطاولات للأرواح. بعد أن تأكل الأرواح ما تريد من الطعام وتغادر، يشرب الزوار ويمرحون.

تم الاحتفاظ بالعديد من هذه العادات والطقوس الوثنية من قبل الفلاحين الروس، حتى بعد دخول المسيحية إلى بلادهم. في صلواتهم، لا يزال يتردد صدى التعاويذ الغريبة التي يرددها الوثنيون الأسلاف، موجهة إلى قوى الطبيعة. ولا يزالون يخرجون إلى الغابة، ويقولون مثل هذه الكلمات:

" سامحني يا رب، سامحيني يا أمي المقدسة، سامحوني يا ملائكة، ويا رؤساء الملائكة، كروبيم وسيرافيم، وكل ملاك سماوي. سامحيني يا
سماء، سامحيني أيتها الأرض الرطبة. سامحيني أيتها الشمس الصالحة. سامحني يا قمر يا جميل، سامحوني أيتها النجوم الساطعة. سامحوني أيها الأنهار والبحيرات والتلال، سامحوني يا كل عناصر السماء والأرض".

حذا حذو أولجا عدد قليل من رعاياها، وتم تعميدهم. يقول نيستور، إنه عندما كان يرغب أحد جنودها في التحول للمسيحية، لا يتم منعه. جهودها لتحويل ابنها المسمى "الشهرة المقدسة"، كانت تذهب هباء.

أكدت له أولجا أنه إذا تحول، فكل رعاياه سوف يحذون حذوه. لكنه كان يحتقر طقوس المعمودية. أجاب بقسوة على حجج والدته قائلا:

"كيف يمكنني اعتناق دين جديد؟ سيسخر مني رجالي". وبقي وثنيا إلى النهاية.

وللحديث بقية فإلى اللقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟