الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذاب القبر خرافة ام حقيقة إلهية؟

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 6 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البحث في الأديان التي تتبنى ميثيولوجيا الغيب من اصعب البحوث واقساها لانها تمس المعتقد بشكل مباشر ولهذا فإن اي بحث يقدح في عقيدة الغيب ومن ضمنها الإيمان بعذاب القبر سيجد الرفض الشديد المؤمن بذه العقيدة، لأن بناء المعتقد الذي ترسخ في العقول عشرات السنين يصعب او يستحيل ازالته بمقال او بكتاب يتعارض مع المعتقد الثابت للفرد، لهذا يضطر الباحث في الشأن الديني الاستعانة بالنصوص الدينية التي تظهر بوضوح منطقي وعقلي بطلان هذه العقيدة او غيرها. العقيدة اللاهوتية لعقيدة القبر ليست من اصول الدين، ذلك ان موروث الوثنية قد تغلغل عبر التاريخ وصار النموذج الروحاني لعالم الغيب في الأديان الابراهيمية التي استلهمت جذورها العقائدية اصلا من تاريخ الوثنية، فلابد من مناقشة الأمر عقلاً ربما بفعل الاستدلال العقلي ما يدفع البعض الى اعادة النظر في عقيدة عذاب القبر، فكل مراجعة عقلية وان كانت صعبة المنال عند المؤمن لان العاطفة الدينية تطغي دائماً على المفاهيم الجدلية والعقلية والمسلمات الفكرية. لم يذكر "عذاب القبر" في "العهد القديم" المصدر الأول للتشريع في اليهودية، ولا في التلمود اليهودي، لكن فصلا تناول ” ”ضربات القبر” ذكر ان ملك الموت يسأل الميت ما اسمك؟ فأن اجاب كان الميت صالحاً ونال رضى الرب عنه، وان لم يجب يكون كافراً فيقوم ملك الموت بضربه ضربات شديدة ويقطع اطرافه الاربعة .
نقلت لنا الحضارة المصرية في الدين المصري القديم رسوم ونقوش الكتابات على جدران المعابد، فرغم معرفتنا القليلة عن تاريخ اليهود في تلك الفترة وعن علاقة اليهود بالحضارة الفرعونية، إلا اننا وجدنا هدف الإنسان في الحقبة الفرعونية حلم الاستمرار في الحياة بعد الموت، اذ كانت معانات اليهود خلال الحكم الفرعوني والروماني انها اسست عقيدة ما يحدث بعد الموت وكانوا يتطلعون لحياة اخرى بعد محنة الشقاء والتشرد التي عاشوها، لهذا ظهرت الأسفار المنحولة كبديل عن تحدي الموت في شخص يسوع المسيح، في انه نقض اوجاع الموت، كان ذلك التصور المثيولوجي للحياة التي ستبقى خالدة للإنسان بعد الموت، ذلك كان انتصار الحياة على الموت وليس على حياة العذاب التي يعيشها الأنسان خلال رحلة الموت، فلم يوجد في المسيحية واليهودية عذاب قبر، فهل يعذّب الاشرار في قبورهم ام ان الجحيم مكان انتظار كما ان الجنة مكان انتظار الصالحين؟ ان الإجابة على هذا السؤال تتجلى في ان العذاب الحقيقي يكون بعد القيامة، ففي انجيل يوحنا من الاصحاح 5 ” تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوته. فيقوم الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة ". فهذه القيامة الكونية لا عذاب قبري فيها سوى جزاء الخير والشر، وقد ورد في انجيل متي الاصحاح 25 في الفقرة الأخيرة ” فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ ” كذلك اشارت العقيدة المسيحية في سفر الرؤيا عن القديس يوحنا ” رأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين امام الله ... بحسب اعمالهم .. وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار ” هذه هي جهنم الاشرار وهي ذات الفكرة التي اعتمدها الدين الإسلامي، فلم تتبنى الاديان الإبراهيمية عقيدة عذاب القبر، فالعذاب الأبدي يكون للجسد والروح بعد القيامة. لقد تمت حياكة الكثير من الأساطير بعد رحلة النبي موسى وخروجه ببني اسرائيل نجد ان اليهود تأثروا في تلك الفترة بالخرافات والاساطير لكن لا علاقة تربط تلك المعتقدات بوجود عذاب القبر قبل القيامة فلم توجد اية صلة بينهما .
نجد الدين الإسلامي نقل التراث العقائدي لليهودية والمسيحية بلا تغيير جوهري في عقيدة الموت والحياة في الأخرة وكذلك عقيدة الجنة والنار. فلم توجد عقيدة قبر في تاريخ الأديان الإبراهيمية وكذلك في الدين الإسلامي لانه جزء لا يتجزأ منها. يمكننا وضع القرائن العقلية والنصية بما يلغي عقيدة عذاب القبر كما هو مبين ادناه.
1 -عقيدة الغيب: تلغي عقيدة الغيب عقيدة عذاب القبر، بحسب النصوص القرآنية الوافرة بهذا الصدد، وردت نصوص قرآنية عديدة فمثلاً في سورة آل عمران “ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيم” فالإخبار بالغيب امر إلهي فحسب، ولا تبرره الاحاديث النبوية كحالة تشترك فيها الذات النبوية ذلك ان الإخبار بالغيب في النص القرآني امر إلهي قطعي، كذلك ورد في سورة الجن ان الله لوحده عالم الغيب ولا يظهر على غيبه احد “ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ” فهذا نص صريح لا يقبل التأويل، يخص مصالح الله في شأنه اللاهوتي مع عباده. كذلك فأن اي اخبار في علوم الغيب لا يتعلق بوظيفة النبي ان يحل محل الله في الإخبار عن الغيب لهذا ورد في النص القرآني نصاً ان اي اخبار في شان الغيب ليس من صلاحيات النبي او الرسول وقد ورد في سورة الأنعام ما يقدم عقيدة القرآن بكل وضوح ان الاخبار بالغيب قد افتقدها النبي و اوردها القرآن على لسان النبي نفسه ” وَلَا أَقولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ” فأذا كان النبي نفسه قد اقر ” لا اقول عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ” يضع النبي في الدرجة التي حددها له الله. وبما ان عقيدة عذاب القبر وما ورد من احاديث فاضت بها السنة النبوية كما في الاسراء والمعراج تخالف صراحة عقيدة الغيب لذا فهي لا يستند على ذكرها كعقيدة دينية انما تدرج ضمن الأحاديث الموضوعة ولا علاقة لها بالأسلام. بل ان النبي قذ افاض كثيراً في غياب دوره عن معتقد الغيب بمراحل عندما اقرّ مرة اخرى في سورة الاعراف “ قلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يؤْمِنُونَ ” فهذه الطبيعة البشرية للنبي قد افرغت نفسها كلياً عن اية عقيدة غيبية خارج النص القرآني.
عند الحديث عن عذاب القبر يعود الى الذهن تاريخ المعتقد السائد حول حديث الملاكين منكر ونكير، فهذا الحديث اخرجه الترمذي عن حديث ابي هريرة عن نبي الإسلام محمد ” إذَا قبِرَ الْمَيّتُ – أوْ قالَ أَحَدُكُمْ – أتَاهُ مَلَكانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ. يقَالُ لأحَدِهِما الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النّكيرُ. فَيَقولاَنِ: مَا كنْتَ تَقولُ في هذَا الرّجُلِ؟ فَيَقولُ مَا كانَ يَقولُ: هُوَ عَبْد الله وَرَسُوله. أَشْهَد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ محَمّداً عَبْده وَرَسُوله. فَيَقولاَنِ: قَدْ كنّا نَعْلَم أَنّكَ تَقول هذَا. ثمّ يفْسَح لَه في قَبْرِهِ سبْعونَ ذرَاعاً في سَبْعِينَ. ثُمّ ينَورُ لَهُ فِيهِ. ثُمّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ. فَيَقول أَرْجِع إِلَى أَهْلِي فأخْبِرهمْ؟ فَيَقولاَنِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَروس الّذِي لاَ يوقِظه إلا أَحَبّ أَهْلِهِ إلَيْهِ، حَتّى يَبْعَثَه الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِك. وَإِنْ كانَ منَافِقاً قالَ: سَمِعْتُ النّاسَ يَقُولُونَ فَقلْتُ مِثْلَهُ. لاَ أدْرِي. فيَقُولاَنِ: قَدْ كنّا نَعْلَم أنّكَ تَقول ذلِكَ. فيقَالُ لِلأرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ. فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ. فَتَخْتَلِفُ فيها أضْلاَعُهُ. فَلاَ يَزَالُ فِيهَا معَذّباً حتّى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ ” عند التفكر بهذا الحديث فسنرى امرين، اولهما ان تسمية الملاكين منكر ونكير لم يأت ذكرهما في القرآن، عدا جبرائيل وميكائيل، فمن اين ورد ذكر الملاكين اذا كان القرآن نفسه لم يذكرهما كملائكة؟ فهذا التهويل بصنع شخصيتين غير مذكورتين إلا من قبيل الترهيب. الامر الثاني ماذا سيحصل لغير المسلمين الذين عاشوا فترة تاريخ الإسلام فهل سيقع عليهم عذاب القبر؟ فالتظر في هذا الأمر مهم لانه يتناول الجانب الأخلاقي في الدين.
2 – الزمان والمكان وعذاب القبر:
نحن بحسب العقيدة الدينية داخل اطار الزمان والمكان وهذا القانون الكوني للإنسان منذ ان وجد على الأرض، فالزمان على سعة امتداده هو الخلود الذي اوعده الله له، فالزمن جزء اساسي ولا مجال للعيش بدونه ذلك ان الأعمار دينياً فيها قياس اعمال الأنسان ان كان قد بلغ الحلم وحل عليه التكليف، فبدون هذا الزمن ينعدم الحساب الإلهي والعقابي. اما الموت ففي حساب الزمن هو كذلك امتداده لفترة محددة يكون بعدها الإنسان داخل قبره. بناء على ذلك تكون حياة الإنسان بكل ما فيها من شر وخير مرتبطان بالزمان والمكان، حتى القبر له مكان محدد. ان الجديد في الأمر عند الوفاة يتوقف الزمن ليبدأ الزمن الإلهي عبر علاقة الله بخلقه ذلك ان الله وعالم القيامة لا يحيطه زمان ولا مكان. تحدث القرآن عن هذا الزمن الذي يفقد فيه الأنسان فعل الزمن بعد الموت اذ اشارت سورة البقرة في الفقرة 259 ما يثبت حقيقة كهذه ” أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ ننْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.. ” اذ اماته الله 100 عام ثم احياه فظن انه لبث يوماً او بعض يوم. حدث الامر مع اصحاب الكهف، فظنوا انهم لبثوا يوماً او بعض يوم. نجد غياب الزمن بمعنى غياب فعله في الأنفس، فالزمن يفعل في الحياة الدنيا قبل الموت، اما العذاب الأخروي في القبر فليس له نصيب لان انعدام الزمن في الجسد يعني انعدام الإحساس بالألم. فالزمن دليل الكائن الحي. كذلك اشار اليه القرآن لأهل الكفر في سورة الروم ” وَيَوْمَ تَقوم السَّاعَة يقْسِم الْمجْرِمونَ مَا لَبِثوا غَيْرَ سَاعَةٍ ” فهذا الزمن في الحيز الروحاني لا وجود له في الواقع الذي عاشه الإنسان خلال مرحلة قبل الموت. لهذا فعالم بعد الموت ضمن لوازم الغيبيات، لا اقرار فيه بحسب النص القرآني اي لا اثبات فيه بعمل العذاب خلال موت الجسد في قبره.
لو تأمل المرء الأمر بعيدا عن العاطفة الدينية، وتصور لو ان عذاب القبر حقيقة امتلكت الثبوت والدلالة، وان الزمان فيه كزمان الحياة الدنيا، فموت فرعون وعذابه في قبره مر عليه آلاف السنين وموت احد طغاة عصرنا قد مات امس وكلاهما يعذبان في قبرهما، ثم قاما معا لحساب يوم القيامة، فكيف سيكون العدل الإلهي بفرعون الذي قضى آلاف السنين يعاني العذاب في قبره مع طاغية ارتكب نفس الذنوب ولم يمر على عذابه في القبر غير ايام قليله وقد حلت عليهما القيامة؟ هنا نقيس العدل الإلهي لا نراه يساوي السياق السليم للمنطق، ذلك ان عذاب القبر قد جعل الله يعاقب فرعون في قبره فترة لم تتناسب مع الطاغية في عذابه بقبره. فهل نرى عذاب القبر من عدل الله؟ كلا. ان ذلك يجعلنا ننظر للأمر من زاية ايمان لا تختلف، لكنها من زاية الفعل الإلهي للزمن في قبر الميت الامر يعكس الظلم الإلهي للميت ذلك ان احدهما قد نال العذاب بما لا يتناسب مع عذاب الطرف الآخر، كيف اذا سار الامر على البشر الذين يموتون في ازمان مختلفة، سيكون عذاب القبر، العقاب الإلهي الأكبر لبعضهم عند قيام الساعة، فعذاب القبر قطعاً لا عدالة فيه.
3 – آيات البعث في القرآن : إن الاشكالية الأخرى هو قول الموتى وموقفهم خلال حياتهم البرزخية التي عاشوها بانتظار القيامة، فشهادة هؤلاء تعزز بشكل اعمق ما يدلل عدم صحة وجود عذاب القبر. ذكرت سورة يس ” وَنفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا همْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ” هذه صحوة الاموات من مرقدهم، اذ كانوا في غفلة ثم استفاقوا، فجأة تعرض امامهم اهوال القيامة ليعلموا ان من ارسلهم الله اليهم قد صدقوا في وعودهم، فهؤلاء اقروا بحقيقة بعد ان بعثوا من مرقدهم وليس قبله، لقد كانوا في فزع الصدمة فلو كان هناك عذاب قبر لعلموا صدق المرسلين قبل البعث.
ان الكثير من استند في اثبات عقيدة عذاب القبر وآمن بها على سورة غافر: ” النَّارُ يعْرَضُونَ عَلَيْهَا غدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ” إن النص القرآني في هذه الآية واضح انها تذكر ان النار يعرضون عليها وبما ان العرض الغدو والعشي زمان، فهي تدخل ضمن الإطار الدنيوي، فالعرض على النار ليس العذاب فيها، كذلك لم نجد اشارة الربط بين عرض النار لآل فرعون وعذاب القبر، فربما يكون من سياق النص القرآني انهم نالوا العذاب في الحياة الدنيا. فلا علاقة لهذا النص بعذاب القبر.
4 – آيات قرآنية تحمل تفسيرات ظنية لعذاب القبر: ما علاقة اي تفسير يذهب فيه الظن لعذاب القبر؟ لقد ورد في سورة التوبة “ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ منَافِقونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمهمْ نَحْن نَعْلَمهمْ سنعَذِّبهمْ مَرَّتَيْنِ ثمَّ يرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ” فعبارة النص “ نعذبهم مرتين ” لم تتعلق بحقيقة وجود عذاب القبر، فهذا تنوع في طريقة العذاب في الحياة الدنيا، وهناك العذاب في الدار الآخرة.
لقد نفى محمد كلام المرأة اليهودية بوجوب عذاب القبر قائلاً ” كَذَبَتْ يَهُودُ، وَهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَكْذَبُ، لَا عَذَابَ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ” فهذا التدليس في زج عقيدة دينية لا وجود لها حتى في اليهودية الهدف منه جعل الدين اكثر رعباً في النفوس، فوضعوا على لسان امرأة يهودية لتسويغ الخرافة وجعلها اكثر تصديقاً. تذكر سورة الصافات بما يحسم الدليل في استحالة وجود عذاب القبر في الفقرتين 58-59 ” أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ الاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ” فهذه قرينة تثبت بطلان عذاب القبر، بل وتؤكد عليه سورة آل عمران الفقرة 185 : ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... ” بحسب تفسير البغوي في معالم التنزيل ” تُوَفَّوْنَ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ، يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.. ” فهل يجوز العذاب قبل حكم الله على افعال عباده؟ بل في سورة فاطر ” ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور .. “ استدل النص القرآني فقدان السمع بمعنى فقدان وجودهم كأحياء لهذا لا استجابه لهم فهم في سبات بلا وجود، بينما شرط العذاب فعل السماع والإحساس بعذاب الجسد. يذكر النص في سورة النحل “ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى اجوركم كل نفس ما عملت .. “ فكيف يكون الدفاع عن النفس وقد سبقه عذاب القبر؟ فكل نفس تجادل بما تراه الحق كي يحكم الله من خلاله، كيف يفرض عليهم العذاب قبل دفاعهم عن انفسهم؟ فالله جعل القبر من الامور الغيبية وقد عبّر عن ذلك بقوله ” كيف تكفرون بالله وكنتم امواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم .. ” اذاً هو العدم اي الموت قبل الولادة ثم احيانا من العدم اي من الموت، ثم الموت في الحياة، ثم يحيينا من جديد في الآخرة، لهذا جاء تأكيد الموتى بكلامهم في النص القرآني “ قالوا ربنا امتنا مرتين واحييتنا مرتين ” فأذا كان الله قد اماتهم مرتين واحياهم مرتين، اين عذاب القبر؟ فلو كانوا احياء في القبر لكان الله قد احياهم واماتهم 6 مرات. عقيدة عذاب القبر لم تنسجم مع النصوص القرآنية، لهذا فلا وجود لعذاب القبر. المسلم المتمدن، الذي يمارس الحرية الدينية بمحتواها العقلاني من خلال تنوير الفكر لفحص نصوص العقائد، ربما سيجد فيها ما تروم له نفسه من الطمأنينة ويحسن العلاقة مع نفسه قبل يملأها خوفاً واوهاماً، اننا نريد جيلاً واعياً، ان كان قد اقتنع بالدين طريقاً لحياة اخلاقية مستقيمة عليه ان ينزع عن الدين قشورة الوعرة التي تصيب العقل بالخلل وتجعل العبث بكيانه فتزيل عنه الثقة بالنفس. ان إزالة الأوهام والأساطير عن الفكر الديني نقلة نوعية في طريقة التفكير بالحياة، لجعلها اكثر مكانة ونحن نصنع تاريخ لعالم اكثر عدلاً وكذلك طريق الله، تكون فيه عقولنا فعالة وبشكل اكثر ايجابية. نبني صرحاً من المحبة ولا نجعل النصوص تسيّر العقول بحسب التفاسير بل يكون هدفنا صناعة المحبة ونبذ التعصب فالإله العادل ليس مصدرا للرعب، فلا عذاب قبل حساب، ويوم الحساب في الأديان الإبراهيمية في الدار الآخرة. لقد آن الأوان ان تزول عقيدة عذاب القبر، لانها تصنع الاحقاد في النفوس حتى في حياتنا العملية قبل الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليس الدليل واضح على بطلان هذه العقيدة؟؟
سهيل منصور السائح ( 2022 / 6 / 1 - 03:28 )
الدليل على بطلان هذه العقيدة هو تحلل الاجساد في التراب وهذا واضح وجلي ولا يحتاج الى برهان والنعيم والعذاب الاليم لا يقع الا على جسم مادي. هل القبر ملك لاحد؟؟. كلا. القبر تسكنه جثة الميت الى ان تتحلل في التراب ثم يدفن فيه جسد أخر وعلى هذا يمكن ان يكون القبر مسكن لعشرات الموتى. والسؤآل هل العلم الحديث اثبت وجود اي اثر لاي كائن مادي او غير مادي في قبر الانسان؟؟.كلا!!.وما ذا عن الجثث المحروقة كـ جثث الهندوس وغيرهم؟؟.اخي الكريم الاديان قامت على الترغيب والترهيب والايمان بالغيب الذي لا دليل عليه الا الايمان القآئم على الخوف من المجهول لا غير. هل رجع احد بعد الموت واخبر بما لاقاه ليكون دليلا ثابت وهل الاديان من اصل واحد ام ان لكل دين الاهه وتشريعاته الخاصة به حتى الاديان الذي يعتقد اصحابها بانها سماوية وهذا دليل على عدم الدليل الذي لا مراء فيه.
وينشا نآشئ الفتيان منا ** على ما كان عوده ابوه.

اخر الافلام

.. الموت.. ما الذي نفكر فيه في الأيام التي تسبق خروج الروح؟


.. تعمير -القس تادرس رياض يوضح تفاصيل كاتدرائية ميلاد المسيح من




.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح مرسومة


.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصم




.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح بقت واج