الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الترجمة، قلة الموارد أم شحّة التشجيع؟

رزان الحسيني
كاتبة ادبية وشعرية، ومترجمة.

2022 / 6 / 1
الادب والفن


لا يُخفى علينا أن الترجمة عملية معقّدة يُعيد المترجم فيها كتابة النص، ويقوم بتقمّص دور القارئ والكاتب معاً، ليُنتج ما يُسمى نصاً أدبياً، يرقى إلى كفاءة لُغته الأم. لأنها ليست مجرد تحويل الكلمات من لغةٍ إلى أخرى، بل أن يدخل المُترجم إلى عالم النص، ويغوص في ثقافته العامة، وحياته الشخصية، حيث يلتقي بالكاتب والمكتوب في آنٍ، حتى يقوم أخيراً بعملية الترجمة، وتطويع النص من لغته الأصلية إلى لغة المترجم بطريقته الأدبية، دون الابتعاد عن قالب النص الأصلي، ودون الالتزام المتزّمت في لغته الأم، ليصنع نصاً متوازناً ومتكاملاً.
ومع كون اللغة العربية نسيج عبقري، ومليئ بالمُفردات وطرق الوصفِ الحساسة، فإن المُترجم قد يقوم أحياناً بصنع نص جديد وهائل أدبياً مهما كان درجة تعقيد أو بساطة بناء النص الأصلي. وبالرغم من أهمية تلك العملية، فقد أظهرت الإحصائيات أن الكتب المُترجمة إلى العربية منذ عصر الخليفة العباسي المأمون حتى عصرنا الحالي قد بلغت 10 آلاف عنوانٍ فقط، أي ما يُوازي ما تترجمهُ أسبانيا في السنة الواحدة. وحسب آخر إحصائية في ثمانينات القرن الماضي، كان متوسطُ الكتبِ المترجمةِ لكلِّ مليون عربي هو كتاباً مترجماً واحداً في السنة. ولماذا نُصدم بإحصائيات الترجمة؟ في حين أن متوسط القراءة نفسها للفرد العربي لا تتجاوز ال6 دقائق سنوياً، أي كلُّ 80 عربيٍ يقرأون كتاباً واحداً فقط.

إن الأمرَ يتطلبُ منا نظرةً واحدةً إلى الفائزين سنوياً بجائزة نوبل للآداب، حتى نُدرك -بوضوح وأسف- التهاون العظيم في ترجمة الأعمال الأدبية، المهمة وغير المهمة، فقد يتوفّر كتاباً واحداً مترجماً لهم أو قد لا يوجد حتى، ولا يتم ترجمة كتب هؤلاء المؤلفين المهمين إلا بعد فوزهم وتعريف العالم العربي بهم.

إن أزمة الترجمة تمخضت من أزمة القراءة نفسها التي مرّ ويمر بها العالم العربي، ورغم أن مسؤولية الاهتمام بالقراءةِ والكتبِ المترجمةِ والتشجيع عليها تقع على عاتق الدولة والمؤسسات الثقافية أولاً، إلا أنها لا تقع عليها وحدها، بل يتحملُ المعلمُ والأسرةُ والأصدقاء، مسؤولية الحث على القراءة،لأن المجتمع الراكدُ أدبياً، والمُهملُ للكتب؛ هو مجتمعٌ جامدٌ يُراوح في مكانه دون القدرة على التطور. ومتى ما بدأ العالم العربي يقرأ بجدية، بدأ بالتطور والتغيير، وبدأ بفرزِ الكتبِ وتحديد جودتها وفصل التجارة عن القراءة، حيث بيّنت الإحصائيات أيضاً أن أكثر الكتب مبيعاً في العالم العربي هي الكتب الدينية أولاً، ثم كتب الطبخ والأبراج، ثم كتب التنمية البشرية. أي إن القراءة لمجرد القراءة وحدها، غير مفيدة أيضاً، دون العمل على تحديد جودة اللغة والمحتوى. وكل ذلك يبدأ حين نُطلع الدول العربية على ثقافة الدول الأخرى، ونطلع الدول الأخرى على ثقافتنا، والأدب العربي؛ عن طريق الترجمة. إن مسؤولية إنتاج الكتب في الوقت الحالي -وبغياب الرقابة- تعتمد بالدرجة الأساس على القارئ، فهو من يحدد نوعية الكتب في السوق وجودتها ولغتها، وله تخضع أغلب دور النشر والطباعة، وفي الوقت الذي يُقدم به للجميع العناوين نفسها ونوعيات محددة، يجب أن تكون هنالك إرادة قوية وصوت مسموع لأولئك الذين يُطالبون بتوسيع الترجمة والعمل على قدمٍ وساق لجلب العالم للقارئ العربي.

ولذلك، وبعد التفكير فيما سبق، يتّضح أن أزمة الترجمة التي تمرّ بها المكتبة العربية تعود إلى شحة التشجيع فحسب، فبدون القارئ الحقيقي، والدعم المادي والمعنوي، والأهم.. بدون دور النشر التي تخدم الأدب لا السوق، لا يمكن للترجمة أن تزدهر. وإن أسبابها تعود لأصلٍ واحٍد فقط، وهو اللامبالاة من الأغلب، وقلة الاهتمام بالمترجمين الخرّيجين والهواة على حد سواء، إلا اللهم من محاولات ضئيلة هنا وهناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??