الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 63

ضياء الشكرجي

2022 / 6 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَمِنَ النّاسِ مَن يَّتَّخِذُ مِن دونِ اللهِ أَندادًا يُّحِبّونَهُم كَحُبِّ اللهِ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَو يَرَى الَّذينَ ظَلَموا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَميعًا وَّأَنَّ اللهَ شَديدُ العَذابِ (165)
هذا يمكن أن ينطبق تماما على المسلمين وعلى عموم أتباع الديانات، الإبراهيمية وغيرها. النِدّ لله هو المنافس له في الطاعة وفي الدعاء وطلب الحاجة وفي الحب والتوكل وطلب الرضا. وبذلك يكون الدين، الإسلام وغيره، ندا لله، عندما يطيع المؤمنون به شرائعه وما هي بشرائع الله، فيوجبون على أنفسهم ما لم يوجبه الله، ويحرمون على أنفسهم ما لم يحرمه الله، ويبيحون لأنفسهم ما لم يبحه الله. وهكذا يتحول موسى وعيسى ومحمد، ويتحول أبو بكر وعمر وعائشة، ويتحول علي وفاطمة والحسين، يتحولون إلى أنداد لله، دون أن يشعر أو يعي ذلك المؤمنون بكل ما وكل من ذكر، فمن عموم المسلمين من كل المذاهب من يحب محمدا كحب الله بل أشد حبا، ومن الشيعة من يحب عليا وفاطمة والحسين كحب الله بل أشد حبا، وهكذا يفعل المسيحيون مع اليسوع ومريم، بل يصبح الحجر أشد محبوبية عند المقدسين له، كمن يقدس الكعبة أشد من تقديسه لله، ومن يقدس أضرحة الأئمة والأولياء وقبورهم أشد من تقديسه لله. ولكن الله بعدله لا يؤاخذ كل هؤلاء ولا يؤاخذ الوثنيين ولا غيرهم، إذا لم يكونوا ظالمين، وتعالى الله علوا كبيرا عن أن يهدد مقدسي الأنداد بقوله «وَلَو يَرَى الَّذينَ ظَلَموا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَميعًا وَّأَنَّ اللهَ شَديدُ العَذابِ»، لأن ليس هؤلاء هم «الَّذينَ ظَلَموا» بمعايير الله، بل الظالمون هم الذين يظلمون الناس، ويعتدون عليهم، ويمسون حقوقهم، ويخدشون كرامتهم، ويضيقون على حريتهم، ويربكون عليهم حياتهم، ويسلبونهم أمنهم.
إِذ تَبَرَّأَ الَّذينَ اتُّبِعوا مِنَ الَّذينَ اتَّبَعوا وَرَأَوُا العَذابَ وَتَقَطَّعَت بِهِمُ الأَسبابُ (166) وَقالَ الَّذينَ اتَّبَعوا لَو أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنهُم كَما تَبَرَّأوا مِنّا كَذالِكَ يُريهُمُ اللهُ أَعمالَهُم حَسَراتٍ عَلَيهِم وَما هُم بِخارِجينَ مِنَ النّارِ (167)
هاتان الآيتان تصوران موقف كل من التابعين والمتبوعين، أو المُتَّبِعين والمُتَّبَعين، حيث يعلن هناك المتبوعون براءتهم من التابعين لهم، وسنجد في آيات أخرى أن التابعين يعلنون براءتهم من المتبوعين، باعتبار أن الأخيرين هم الذين غرروا بهم وأضلوهم من حيث العقيدة، أو ضغطوا عليهم وأجبروهم من حيث السلوك، أما في هاتين الآيتين فيبادر المتبوعون بإعلان البراءة، فيكون جواب التابعين، أنهم لو أوتيت لهم الفرصة للعودة إلى الحياة الدنيا، لكانوا هم السابقين بالبراءة من متبوعيهم، وهنا لا يأبه الله لبراءة كل من الفريقين من الآخر، بل «يُريهُمُ اللهُ [يوم القيامة] أَعمالَهُم [ويجعلها] حَسَراتٍ عَلَيهِم»، ثم يصدر حكمه عليهم بأنْ «ما هُم بِخارِجينَ مِنَ النّارِ»، وفي آيات أخرى يجري تأكيد التأبيد في النار بعبارة «أَبَدًا»، لأن ورود لفظة الخلود وحدها، ربما حسب بعض المفسرين، لا تعني بالضرورة الأبدية، بل تعني المكوث الطويل جدا، الذي يبدو وكأنه أبدي، ولا ندري، أأمد هذا الخلود غير الأبدي ألف سنة أم مليون سنة أم مليارد سنة.
يا أَيُّهَا النّاسُ كُلوا مِمّا فِي الأَرضِ حَلالًا طَيِّبًا وَّلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُّبينٌ (168) إِنَّما يَأمُرُكُم بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ وَأَن تَقولوا عَلَى اللهِ ما لا تَعلَمونَ (169)
بدل الانتقالات المفاجئة والقفز من موضوع إلى آخر، لا ندري لم لم يجعل مؤلف القرآن سوره الطويلة مقسمة إلى سور قصيرة، تشتمل كل سورة على وحدة موضوع، وحتى لو اشتملت على أكثر من موضوع، فلا بد من رابط واضح بين الواحد والآخر، فما كان سيضير القرآن لو كانت فيه ألف سورة بدلا من 114 سورة، ومع نفس المضمون، ولكن بتبويب موضوعي واضح، وبوحدة موضوعية لكل سورة، فهل إن القرآن بصورته التي بين أيدينا يمثل ما أراده المؤلف، أو من فعل الناشر، أو من فعل محمد، أو من فعل جامع القرآن عثمان بن عفان، ومن شاركه في ذلك، أو من أقره من الصحابة، بما فيهم علي بن أبي طالب.
تنتقل هذه الآية بنا إلى موضوع، تخاطب به كل الناس، كنصيحة، ولكنها تخاطب بشكل الخاص المسلمين كمؤمنين بإلهية مصدر القرآن كإلزام شرعي. والآية فيها حكم إباحة وحكم تحريم، فما يتعلق بالإباحة، فهي تخاطب الناس بأن الله يرخص لكم أن تأكلوا مما في الأرض من نبات وحيوان، مما يصلح لكم للأكل، على أن يشترط بشرطين، الأول أن يكون حلالا، والثاني أن يكون طيبا. الحلال بمعناه الفلسفي هو كل ما لا يقترن بظلم أو عدوان، كأن يكون طعاما مسروقا، أو ما يُحصَل عبر الاستغلال البشع والظالم لطاقة وعمل الضعفاء، وبالمعنى الديني، بمعنى استثناء ما حرمه الله، حسب عقيدة المسلمين، وحسب ما عدد لهم القرآن من محرمات الطعام، أما أن يكون طيبا، فالطيب له معنيان، الأول ألا يكون خبيثا بمعنى مضرا بالصحة، ومنه ما لا يكون تالفا ومتفسخا، والمعنى الثاني هو ألا يشتمل على رائحة أو طعم أو شكل منفر ومقزز، ولكن هذا أمر نسبي، فما يراه البعض مقززا وغير شهي، يراه آخرون على غير ذلك. أما جانب التحريم فهو حرمة اتباع خطوات الشيطان. إذا كان الشيطان ذا معنى رمزي، أي ما يمثل نزعات الشر، وبعض الميول الشاذة داخل نفوس بعض الأشخاص، أو ما يجمل للناس ما هو قبيح لغرض ما، كغرض الربح، بحيث يغرر بهم لتناول ما يضر أو ما فيه ظلم أو ما تستقبحه النفس الإنسانية السوية عادة، فلا بأس من هذا المعنى، ولكن الشيطان في القرآن ولدى عموم الأديان، هو كائن غيبي خرافي، يصور ككائن مُعادٍ للإنسان، مُعادٍ للخير، مُعادٍ لله، فسيكون لنا بحث آخر، نتناول جانبا منه، كلما مر ذكر الشيطان في القرآن. ومن دلائل عداوة الشيطان للإنسان في هذه الآية هو أنه أولا «يَأمُرُكُم بِالسّوءِ»، وثانيا «يَأمُرُكُم بِالفَحشاءِ»، وثالثا «يَأمُرُكُم أَن تَقولوا عَلَى اللهِ ما لا تَعلَمونَ»، وهنا إشارة إلى أهل الكتاب من يهود ومسيحيين، فيما يختلفون فيه مع المسلمين في تحديد الحلال والحرام في الطعام، مع إن شريعة الإسلام أقرب بكثير إلى شريعة اليهود منها إلى شريعة المسيحيين، إن كان ذلك فيما يتعلق بالطعام أو الصلاة والوضوء والغسل والطهارات والنجاسات، بل وحتى في القتال، وغيرها. بلا شك إن مؤسس الإسلام قد نقح الكثير مما يبدو أنه أخذه من اليهودية، حسب ما رآه أصح، سواء في الأحكام، أو في قصص الأنبياء، أو في تفاصيل وصفه لله. والإسلام نفسه يأمر المسلمين «أَن يَّقولوا عَلَى اللهِ ما لا يَعلَمونَ».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلم يراعك ايها النبيل.
سهيل منصور السائح ( 2022 / 6 / 2 - 04:29 )
اشكرك جزيل الشكر على هذا التنوير واتمنى لو ان اصحاب العقول المدجنة ان يعلقوا على مقالتك التي تنير طرق السالكين لمعرفة الحقيقة بعيدا عن الادعاءات الفارغة التي لا دليل منطقي يؤيدها الا دليل التلقين في الصغر ومن شب على شيء شاب عليه.هل وردتنا كتابات بخط المؤسس او ممن تبعه سوى من الاصحاب او اهل بيته ام ان الامر برمته متناقل بالافواه التي لا يمكن الوثقوق بها ابدا وهل كتاب من عند الله يترك للناس لفك رموزه ويسبب صراعات لا نهاية لها ويخلق امبراطوريات باسمه والمتكلمين عنه؟؟.الازهر والنجف الاشرف وقم المقدسة والزينونة والحبل على الجرار ويا ليت شعري ان تلك المؤسسات خدمت البشرية بشيء الا القيل والقال وعبادة من في القبوروالعبودية للسياسين لا غير. سر على بركة الله انه ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24