الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولات قتل الشهود في قضية شيرين أبو عاقلة

عصمت منصور

2022 / 6 / 1
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


لم تكتف دولة الاحتلال الإسرائيلي باغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، أثناء قيامها بواجبها الصحفي والإنساني، أثناء تغطية اقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين، شمالي الضفة الغربية في الحادي عشر من أيار /مايو الحالي، ولا اكتفت بنشر ما لا يقل عن أربع روايات متناقضة لعملية الاغتيال، وهو ما يعكس حالة التخبط والإرباك، والإصرار على إخفاء الحقيقة. كما أنها لم تتورع عن رفض نتائج التحقيق التي قامت بها جهات مختلفة بشكل منفصل وخلصت الى نتيجة واحدة قاطعة وهي أن شيرين ابو عاقلة قتلت برصاصة قناص في جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل متعمد، بل فوق ذلك، ولتبرير جريمتها، والإفلات من العقاب وتبعات الجريمة القانونية والسياسية والدولية، تعمد إلى ممارسة نوع من القتل المعنوي للشهود وأبرزهم الصحفية شذا حنايشة ، زميلة شيرين أبو عاقلة ورفيقتها في تغطيتها الأخيرة.
شذا حنايشة تحولت إلى الراوية الرئيسية، والشاهد الأبرز على قضية اغتيال شيرين أبو عاقلة، وبناء على شهادتها بحكم تواجدها مع الشهيدة شيرين لحظة استهدافها واغتيالها، وهو ما سلط الأنظار عليها وحوّلها في لحظة من زميلة مهنة وصديقة لشيرين، إلى دليل إثبات يدين قتلتها.
استهداف أبو عاقلة من القناص الاسرائيلي كان مقصودا وموجّها بهدف اغتيالها، وهذا ما أثبته تحقيق النيابة العامة الفلسطينية وتحقيقات شبكة CNN ووكالة أسوشيتد برس، وهي تحقيقات استندت إلى جملة أدلة مادية ملموسة، من بينها شهادات الشهود وأبرزهم الصحفية شذا.
هذا الدور المحوري لشهادة شذا، وقربها (حد الخطر على حياتها) من الجريمة، جعلها هدفا لماكينة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية، التي تخبطت بين الروايات المختلفة، وتواطأت في التستر على الجريمة، فأصبح الهدف هو قتل شذا معنويا، لإسقاط شهادتها، والطعن في مصداقية التحقيقات التي أدارتها جهات ذات سمعة عالمية لا يمكن لإسرائيل ان تدخل في صراع مباشر معها.
عملية الطعن في التحقيقات الدولية والفلسطينية، لها آليات وأدوات تختلف عن رد الفعل الرسمي الذي عبر عن رفضه لنتائجها، ودعا إلى استكمالها (اعتبرها منقوصة) من خلال إشراك اسرائيل فيها، ونقل أداة الجريمة (المقذوف) إليها لمعاينتها، في تلميح ضمني مفاده أن الفلسطيني (طرف غير مؤهل وغير محايد).
الآليات غير الرسمية، التي تأتي على شكل تصريحات مبنية للمجهول وذات مرجعية غير معرّفة، يتم زجها في التقارير الرسمية تحت مسمى (مصدر أمني) أو (مسؤول اسرائيلي) أو (جهات مطلعة) مهمتها زرع بذور الشك وتمرير الرسالة المضللة والتلاعب في الرأي العام دون تحميل المستويات الرسمية تبعاتها، في حال اتضاح عدم دقتها وزيفها.
أبرز مثال على هذا الأسلوب، والذي تعم اللجوء اليه للطعن في شهادة شذا حنايشة التي استند اليها تقرير شبكة CNN الأمريكية، يمكن التعرف عليه من خلال التمعن ودراسة تقرير تم نشره على موقع مهم ومركزي في الاعلام الاسرائيلي وهو: موقع واي نت ذائع الصيت الذي يتبع لصحيفة يديعوت احرونوت، والمنشور في25-5-2022 تحت عنوان (تحقيق CNN: "أبو عاقلة أصيبت بشكل مقصود على يد القوات". الجيش: " هذا لا يستند إلى أي أساس").
يلاحظ أن التقرير جاء في فترة حساسة من القضية، من حيث التوقيت فقد جاء مباشرة بعد الإعلان عن نتائج تحقيق حاسمة لا تقبل التأويل، ومن حيث الجهة التي اعلنت النتائج كونها جهة ذات مصداقية وسمعة عالمية ولا يمكن اتهامها بالعداء لإسرائيل، لذا يمكن الافتراض انه تضمن الرسالة المركزية التي أرادت إسرائيل إيصالها.
هذه الرسالة كانت عبارة عن رصاصة معنوية وجهت بشكل مباشر لاغتيال الشاهدة المركزية وحجر الأساس الذي استندت إليه التحقيقات في إدانة إسرائيل.
واي نت
إلى جانب عرض الرواية الرسمية الرافضة لنتائج التحقيق، والتوسع في المساحة التي تم تخصيصها لرد الناطق باسم الجيش، قام الموقع بتهيئة القارئ بصريا للتشكيك في دليل الإدانة عبر عرض صورة كبيرة لشذا وهي مذعورة تحاول ان تحتمي بشجرة (للتدليل على أنها مشوشة) وتحتها مباشرة صورة (سكرين شوت)، ومترجمة باللغتين الانجليزية والعربية، لمنشور منسوب للصحفية شذا حنايشة، كتب تحته " شذا حنايشة تنشر منشورات تحريضية ضد إسرائيل على حساباتها الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي" دون الإشارة الى تاريخ المنشور ومناسبة نشره.
تحت المنشور مباشرة، تبدأ فقرة جديدة بالإشارة بوضوح الى مركزية شهادة شذا " في إسرائيل يشيرون إلى أن جزءا كبيرا من الادعاءات أن الجيش قتل عمدا أبو عاقلة تستند إلى شهادة الصحفية الفلسطينية شذا حنايشة"، وهنا التشديد على كونها الشاهد المركزي وأنها فلسطينية في ذات الوقت لها دلالاتها التي ستتضح في الفقرات التالية، حيث يكمل التقرير أنها " من سكان مخيم جنين" ، وأن المصادر الإسرائيلية تلفت إلى " أنها تنشر بشكل دائم محتوى تحريضيا على حساباتها الشخصية"، وهو أمر لم يتم إثباته سوى عبر منشور واحد دون تاريخ او سياق، لذا أضاف "المصدر الاسرائيلي" أن النشر التحريضي كان أثناء عملها في موقع "Middle East Eye.
"المصدر الإسرائيلي" وفق واي نت اتهم ال CNNانها لم تدقق في شهادة حنايشة، التي ادعت " أنها لم تر مسلحين فلسطينيين، رغم انتشارهم الكثيف في المكان" ، كما أنها " ادعت أن الجيش شخصها" ليتساءل كيف عرفت ذلك عن " بعد مئتي متر؟".
الحقيقة الدامغة هي أن الإسرائيليين أنفسهم هم الذين لا يكلفون أنفسهم عبء تدقيق رواياتهم وتمحيصها، وقد دأبوا على الاستخفاف بالآخرين معتقدين أن العالم سيأخذ روايتهم كما هي، وهم لم يعتادوا على أن ثمة جهات دولية ذات مصداقية سوف تدقق في كل تفاصيل ما يدعون كما فعلت CNN في تحقيقها. هذا الاستسهال هو الذي دفعهم لارتكاب أخطاء عن شخصية الصحفية الشاهدة شذا حنايشة فذكروا أنها من مخيم جنين (وكأن هذه تهمة في حد ذاتها) بينما هي من بلدة قباطيا، وفي تفاصيل العمل وسيرتها المهنية خلطوا بينها وبين زميلة لها تحمل نفس الاسم الأول، وراحوا يبحثون عن نتف هنا وهناك لتجريم شذا وتبرير استهدافها. هذه النظرة الاستعلائية عبرت عن نفسها بوضوح في تغطية المنابر العبر لخبر استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، حيث عمدت معظم التغطيات إلى تجاهل اسم الشهيدة والاكتفاء بوصفها "الصحفية الفلسطينية"، ما دفع الصحفي الفلسطيني محمد مجادلة وهو من فلسطينيي الداخل وكان ضيفا في برنامج تقدمه الإعلامية رينا متسليح إلى الصراخ في وجه هذه المذيعة المعروفة وترديد اسم شيرين أبو عاقلة عدة مرات قائلا لهم أن لها اسما وأنها ليست نكرة.
يخلص التقرير في فقرته الختامية، وبعد شيطنة شذا والطعن في مصداقيتها، إلى أن "التقرير غير دقيق، ولا كامل"، وأن إشراك الجهات الإسرائيلية في التحقيق فقط، وتسليم الرصاصة لهم سيجعله كاملا وموثوقا.
بعد الكشف عن ثلاثة تحقيقات موثوقة ومنفصلة، خلصت الى ذات النتيجة، يبدو أن حملات التشكيك في شهادات الشهود وشيطنتهم لا تقتصر على رفض الشهادة، بل هي محاولة لقتل الشاهدة ودفن الشهادة، للتستر على المجرم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا


.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2




.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.