الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ روسيا – 04 سفياتوسلاف الأول

محمد زكريا توفيق

2022 / 6 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الخامس.

سفياتوسلاف الأول، المحارب الوثني.

عندما بلغ سفياتوسلاف، "الشهرة المقدسة"، ابن الأميرة أولجا، سن الشباب، أراح والدته من شئون الحكم. ثم وجه تحذيره الآتي إلى الشعوب المجاورة:

"أنا قادم لمحاربتكم".

هزم الخزر وأميرهم، وهم من الشعوب التركية القديمة التي ظهرت شمال القوقاز. واستولى على "المدينة البيضاء" على نهر الدون. وفرض جزية على قبائل القوقاز البعيدة.

بتحريض من الإمبراطور البيزنطي، الذي أرسل له هدايا ثمينة، قام هو وستون ألف مقاتل، بحملة على البلغار، وأخضع ثمانين من مدنهم، ثم استقر في عاصمتهم.

بينما هو هناك، جاءت قبائل رحّل، من أصل تركي، من آسيا الوسطى، البيتشينيج. وهي قبائل شرسة، تأكل لحوم البشر. ظهروا فجأة مع جيش هائل، وحاصروا عن كثب أسوار مدينة كييف. أولجا وأحفادها الثلاثة، أصيبوا بالرعب. ماذا تفعل، ومعظم الجيش كان بعيدا خارج المدينة.

عرض شاب إنقاذ المدينة. بحيلة جريئة، نجح في المرور عبر خطوط المتوحشين، ووصل إلى الشاطئ الآخر. مع بزوغ الفجر، سمع البيتشينيج أصوات أبواق وصيحات المحاربين. ورأوا مجموعة من القوارب تقترب من كييف. ظنوا أن جيش سفياتوسلاف، ابن أولجا، قد عاد بجيشه لكي ينقذ المدينة. فرفعوا الحصار، وغادروا في سلام.

بمجرد اختفائهم أرسل رجال كييف الرسل يناشدون سفياتوسلاف:

" أيها الأمير، يبدو أنك تفضل الأراضي الأجنبية على أراضي وطنك التي هجرتها، وكادت أمك وأطفالك أن يسقطوا في أيد البرابرة المتوحشين. فسارع بالعودة، قبل أن يتعرضوا لهجة أخرى".

عاد سفياتوسلاف، وقام بمطاردة البيتشينيج وانتقم منهم. لكن بعد عام، نسي هذا الدرس، وقال لوالدته وقواده:

" لقد سئمت من العيش في كييف. أفضل العاصمة البلغارية الواقعة على نهر الدانوب. هناك، مركز نفوذي وجل ثروتي. من اليونان، يأتي الذهب، والمواد الثمينة، والنبيذ، وكل أنواع الفاكهة. من بلاد التشيك والهون، تأتي الفضة والخيول. من روسيا يأتي الفراء والشمع والعسل والعبيد".

بعد ثلاثة أيام، توفيت أولجا عام 969. "كانت بالنسبة لروسيا"، كما يقول راهب كييف، "فأل المسيحية الحسن. هي نجمة الصباح التي تشرق قبل شروق الشمس. هي مثل الفجر الذي يبشر ببداية يوم جديد. يشع مجدها في الخارج مثل القمر. وسط جيل من غير المؤمنين. كانت تتلألأ مثل لؤلؤة وسط الظلام. كانت الأولى في روسيا التي تصعد إلى ملكوت السماوات".

ترك سفياتوسلافأبناءه الثلاثة لإدارة شئون الدولة، وانطلق مرة أخرى ضد البلغار، الذين استقلوا عن نفوذه. بعد العديد من المعارك الدموية، أعادهم مرة أخرى لدائرة نفوذه.

بعد ذلك، صمم على مهاجمة البيزنطيين، الذين رغبوا في اختبار نواياه. فأرسلوا له هدايا من الذهب والأقمشة الحريرية. نظر الأمير إليهم بازدراء، وقال:

"خذها بعيدا". فأحضروا له سيفا وأسلحة أخرى، التي استقبلها بالأحضان والقبلات، كأنه يقبل الامبراطور البيزنطي نفسه. البيزنطيون كانوا خائفين، وقالوا لبعضهم البعض:

"يجب أن يكون هذا رجلا شرسا جدا، لأنه يزدري الثروة والذهب، ويقبل سيفا، كهدية". لكنهم كانوا سعداء، لصنع السلام معه، لأنه كان على أعتاب أبوابهم.

إذا كان سفياتوسلاف، مدعوما بجحافل منضبطة من البلغار، والشماليين في السويد، والفنلنديين والسلاف الروس، وفرسان النور من البيتشينيج، لكان قادرا على تأسيس إمبراطورية عظيمة، تمتد من تراقيا ومقدونيا إلى بحر البلطيق، وعاصمتها على نهر الدانوب. وكان في إمكانه طرد البيزنطيين من القسطنطينية، وغير تاريخ أوروبا.

لكن إمبراطورا عظيما، كان قد اعتلى عرش الإمبراطورية الرومانية الشرقية، بيزنطة، ورأى الخطر الذي يهدد بلاده، فأمر سفياتوسلاف بالجلاء عن البلاد التي يحتلها.

سفياتوسلاف كان قد احتل حديثا فيليبوبوليس في بلغاريا. فرد على الامبراطور، بأنه يأمل أن يكون قريبا في القسطنطينية.

أرسل الإمبراطور أسطولا إلى مصب نهر الدانوب. ثم ساروا يبغون مفاجأة الأمير الروسي الذي يدنس البلقان. فهزموا جيشه بالقرب من العاصمة البلغارية، ودخلوا المدينة.

ثمانية آلاف روسي، احتموا بالقلعة الملكية، المفترض أن تكون منيعة، لكن أجبرتهم النيران على القفز منها لكي يرتضموا بالصخور أو يموتوا بالاختناق.

عندما سمع سفياتوسلاف بسقوط عاصمته الجديدة، لم يستاء أو تثبط عزيمته. بل تقدم ضد الامبراطور المنتصر بسبعين ألفا من الجنود. ثم وقعت معركة دامية، قبل غروب الشمس.

عشرات المرات يتحول النصر من جانب إلى آخر. أخيرًا، عندما كان كوكب الزهرة على وشك الغروب، قام سلاح الفرسان البيزنطي بهجمة يائسة. جعلت الروس يفرون إلى مدينة دوروستول ببلغاريا، حيث كان الإمبراطور يراقبهم عن كثب، وقام بحصارهم، وضربهم بمختلف أنواع آلات الحرب.

دافع الروس عن أنفسهم عن طريق إلقاء الحجارة ورمي السهام وجذوع الأشجار على رؤوس المحاصرين، وغالبا ما كانوا يقومون بهجمات مضادة مباغتة. حتى نسائهم، مثل نساء الأمازون في الزمن القديم، كن يشاركن في المعارك، بدلا من الاستسلام للأعداء، أما الرجال، فكانوا يفضلون الانتحار بطعن أنفسهم.

ثم أخذ الروس يغادرون المدينة ويحرقون موتاهم تحت ضوء القمر، ويضحون فوق رمادهم بأسرى الحرب، ويغرقون في مياه الدانوب، بعض الطيور والقليل من الأطفال.

في النهاية، بدأت الإمدادات تزداد ندرة، فانتهز سفياتوسلاف عاصفة ليلية، وتسلل بأسطول من الزوارق محملة بألفين من أشجع محاربيه.

هرب من مراقبة الحراس البيزنطيين، وقام بحصد القمح والحبوب من جميع القرى القريبة. ثم هجم فجأة على أعدائه، وشق طريقه منتصرا، وعاد إلى مدينة دوروستول.

اقترح الإمبراطور أن تتقرر الحرب بمعركة واحدة بينهما، فأجابه سفياتوسلاف:

" أنا أفضل من عدوي، لأنني أعرف ما يكمن أمامي. لو سئم الامبراطور تكاليف الحياة، فهناك ألف وسيلة ووسيلة، يمكن بها أن ينهي أيامه".

بعد أيام قليلة، جمع سفياتوسلاف رجاله حوله وقال لهم:

" أيها الرفاق، يجب أن نناضل أو نموت، كي لا تتعرض بلادنا إلى ما يجلب لنا العار. الغزي والعار، ليس للموتى، بل للجبناء. أما بالنسبة لي، فأنا على أهبة الاستعداد للموت".

فصرخ قادته ورجاله:

"مكان موتك، هو قبرنا جميعا"

اندفع خارجا بكل قواته من البوابات، وهناك كانت معركة دامية. عربي مسيحي، ابن أمير كريت، انقض نحو سفياتوسلاف، ومسك بتلابيبه ثم ألقاه على الأرض. لكن الروس احتشدوا لمساعدة أميرهم، وقضوا في الحال على ابن الأمير.

عندما بدا أن المعركة كانت لصالح قوات الأمير سفياتوسلاف، هرع الإمبراطور نفسه إلى جحيم القتال، يتبعه جنوده. في ذلك الوقت، جاءت عاصفة عاتية، أثارت الغبار في عيون الروس، ورمتهم بوابل من الحجارة. وفجأة ظهر بين جنود الامبراطور، القديس ثيودور الشهيد، في زي فارس، يمتطي صهوة جواد أبيض. وقاد البيزنطيين إلى النصر. هكذا تقول الأسطورة.

أفسح الروس المجال، تاركين في ميدان المعركة خمسة عشر
ألف قتيل، وعشرة آلاف درع. انسحب سفياتوسلاف واحتمى بمدينته مرة أخرى، ثم جنح للسلم.

أقسم بالإلهين، بيرون وفولوس، أنه لن يغزو الإمبراطورية البيزنطية مرة أخرى، وأقر بأنه سيهب للدفاع عنها من كل أعدائها. ثم قال: "إذا نكثنا بعهودنا، فلعنة الله تقع علينا جميعا. ونصبح صفرا من السقام، ونهلك بأسلحتنا الخاصة".

منح الإمبراطور البيزنطي السلام للروس، وتركهم يغادرون. حتى أنه أرسل نوابا إلى البيتشينيج، يرجوهم افساح الطريق للبقايا الصغيرة من جيش الأمير الروسي.

عندما وصل سفياتوسلاف إلى منحدرات نهر دنيبر، كان هؤلاء البرابرة الشرسون في انتظاره. اضطر إلى قضاء فصل الشتاء هناك، وتحمل أهوال مجاعة قاسية.

عندما جاء الربيع، وحاول سفياتوسلاف اجتياز الشلالات، هاجم البيتشينيج جيشه، وقامت مذبحة كبيرة. قتلوا فيها الأمير سفياتوسلاف، الملقب ب "الشهرة المقدسة"، وأخذ أميرهم جمجمته وجعلها على شكل كوب شراب، مع نقوش باللون الذهبي تقول:

" من يطمع في ثروة شخص آخر، غالبا ما يفقد ثروته
الخاصة".

وهكذا هلك هذا النورمان الشجاع، الذكي والطموح. كان في رشاقة النمر، جل اهتمامه هي الحرب وشؤونها. يسير بجيشه بدون أمتعة أو قطار مؤونة. يأكل لحم الخيل نصف شواء على الفحم. ينام في الهواء الطلق، على الأرض العارية. سرجه هو وسادته، وبطانية حصانه هي مرتبته.

أحد الذين رأوه بعد الهزيمة، جاء ليتحدث مع الإمبراطور البيزنطي،
ترك لنا هذه الصورة:

"الإمبراطور، في درع لامع ذهبي، على ظهر جواده في موكب لا يحصى ولا يعد، اقترب من شاطئ نهر الدانوب. واقترب سفياتوسلاف في قارب طويل، يجدف بالمجداف مثل رفاقه.

متوسط الطول، قوي البنية. واسع الصدر، سميك الرقبة. له أنف مسطح، وحواجب كثيفة طويلة. أشعث الشارب، مع لحية رقيقة. حليق شعر الرأس باستثناء خصلة واحدة علامة على أصله النبيل.

كان يرتدي قرط ذهبي واحد، مزين بالياقوت ولؤلؤتين. كان مظهره كله خشنا وكئيبا، وكان يتميز عن الروس الآخرين فقط بلباسه البيضاء النظيفة. بدون أن ينزل من قاربه، تبادل ببض كلمات مع الإمبراطور، ثم عاد من حيث جاء".

وللحديث بقية، فإلى اللقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار