الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرمان المرأة من الكهنوت.. لاهوت كنسي أم تقليد اجتماعي؟

ألفى كامل شند

2022 / 6 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الموضوعات الأكثر جدلًا في الكنيسة الكاثوليكية في العقود الأخيرة. مسألة سيامة النساء كهنة. بعدما صار الأمر شائعاً في الغرب والولايات الامريكية، وانتقل أخيراً الى بعض البلدان العربية. ويراه البعض تقليداً سارت عليه الكنيسة، لا يستند على حقائق ايمانية، وحجج لاهوتيّة. ويحط من قدر المرأة، يكرسّ التمييز النوعي، ويناقض العدالة بين أبناء الله.
ما هي المبررات. وما هو موقف الكنائس المسيحية؟ وماذا يحمل المستقبل إزاء هذه المسـألة الشائكة؟ أيضا ما هو الموقف على الصعيد الاجتماعي والثقافي في العالم العربي؟

سيادة السلطة الأبوية الذكورية:
تروى قصة الحضارة أن الرجل كرّس النظام الأبوي وأنفرد بالسلطة منذ حقبة الصيد، حيث ساهمت قوته الجسدية في توفير الغذاء والحماية لإفراد الأسرة التي كانت تعيش متفرقة. ومع نشوء الملكية الخاصة وتكوُّن المجتمعات والطبقات، حرصت الطبقات الاقطاعية على الانفراد بالملكية الخاصة والامتيازات في حدود السلالة العائلية الذكورية، وكذلك تنظيم العلاقات الجنسية، أو بالأحرى تقييد حياة المرأة الجنسية، وإعلاء مفهوم الشرف لضمان بقاء الثروة في حوزة نسلهم من بعدهم .
انطلقت لهذا الغـرض "أسطورة آدم وحواء الشهيرة، أن حواء "أغوت" آدم بعدم طاعة الله ، والأكل من شجرة معرفة الخير والشر ، مما تسببت في طردهما ونسلهما من الجنة، وبالتال ترسيخ مفهوم أن المرأة مصدر الفتنة والغواية والشر؛ فهي المسؤولة عن شقاء الإنسانية في الدنيا والمسؤولة عن دخول الخطيئة إلى العالم، ويلزم ضبط اهواءها وميولها ونزواتها وترشيدها .
ومن الطبيعى أن تحمل الأديان التي ولدت في رحم بنية تلك المجتمعات هذه الأسطورة ،كأساس تاريخي وتشريعي .
الكنيسة والمرأة:
يتبين لنا من الاناجيل بوضوح نظرة المسيحية للمرأة من خلال تعامل المسيح وعلاقته واحكامه على المرأة، إذ
يروي إنجيل يوحنا ،قصة هذه السيدة التي أمسكت في زنا التي أحضرها له جماعة متعصبة من الكتبة والفريسيين ليروا حكمه عليها وكان في حكم الشريعة أنه يجب رجمها! لكن المسيح قال لهم: "من منكم بلا خطية فليرجمها بحجر؟ (يوحنا 8: 6-7). وعندما خرجوا وبقي يسوع وحده والمرأة قال لها: "أما أدانك أحد، فقالت: لا يا سيد. فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك، اذهبي بسلام ولا تخطيء أيضاً" (يوحنا 8: 9-11).
المرأة الثانية، هي المرأة السامرية التي تزوجت قبلا بخمسة رجال ، والرجل السادس الذى تعيش معه ليس برجلها. دخل المسيح معها في حوار بالرغم من العداء بين اليهود والسامريين، فاجتذبها إلى التوبة وحياة جديدة (يوحنا: 8).
أما النموذج الثالث لعلاقة المسيح بالمرأة فتمثل في الاختين مريم ومرثا بسؤاله عنهما وتضامنه معهما في وفاة أخيهما وتحننه بإقامته من الأموات. وكان مجرّد وقوفه وحواره معهن أمر مشين وفق التعاليم اليهودية لمعلم تتبعه الجموع؛ حيت كان يُنظر الى المرأة باستعلاء واحتقار، حتى في الصلاة، “مبارك أنت أيها الرب، ملك الكون، أنّك لم تخلقني امرأة". و لا يزال اليهود يصلّونها حتى اليوم. ولم ينهر نازفة الدم حين لمسته، بل أمتدح إيمانها وباركها، وقال لها "ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. (لوقا ــ 8).
كما وصف السيد المسيح المرأة المحنية التي شفاها لليهود انها ابنة أبراهيم مساويًا بذلك بين أبناء وبنات ابراهيم في الايمان (انجيل لوقا 13: 11- 17). وهذا ما علمه لتلاميذه " ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعًا واحدٌ في المسيح" (رسالة غلاطية 3: 28).
وجعل من الزواج رباطاً مقدساً، علاقة وحدة وحب وكمال، لا علاقة متعة ، يشبه علاقة المسيح بالكنيسة ، لا نقضى (الطلاق) إلا في حالة كسر تلك الوحدة بالزنى .
في البداية، اعتبرت الكنيسة الزواج الشفهي، زواجًا صحيحًا حتى القرن الثاني عشر حيث ألزمت أن يصاحبه مصادقة الكنيسة وبعد عام 1563م أعلن مجمع ترنت إيجاب حضور قس للتعاقد. وتشددت في عقوبة الزنى، لكنها حرمت وأد أطفال الزنا، وأنشأت ملاجئ خاصة لهم من أموال الصدقات. وعارضت زواج الفتيات المبكر قبل سن الخامسة عشرة.
والسؤال الذى يفرض نفسه ، لماذا لا تساوى الكنيسة بين الرجل والمرأة في ممارسة الطقوس الدينية ، وتحرم المرأة من أي دور قيادي، أو أن تتقلد أي رتبة كهنوتية، وترفض دعوات تغيير هذا الوضع على مثال بعض الكنائس البروتستانتية في الحقبة الأخيرة ؟
الجواب، لان الكنائس الرسولية بحكم صلواتها الطقسية والتقليد الكنسي، وأحكام الناموس، لا عهد النعمة. وجوهر الناموس هو المطالبة والمساءلة وجوهر النعمة هو المنح والعطاء. ومرجع ذلك العلاقة المتشابكة والمعقدة بين الديانتين اليهودية والمسيحية. وهو ما واجهته الكنيسة الأولى زمن الرسل. ففي حالة مشابهة لما نناقشه. نقرأ في سفر أعمال الرسل “وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا" (أعمال الرسل 15 :1)، انعقد لذاك أول مجمع مسكوني للكنيسة في اورشليم. خلص بعد مداولات الى "لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلًا أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ":بقيت بعض الإشكاليات المتشابكة التي تطل برأسها حتى وقتنا هذا ، منها حق المرأة في في نوال رتبة الكهنوت وحرمان المرأة من تناول القربان المقدس أثناء فترة الحيض والولادة، " إذا حبلت امرأة وولدت ذكرًا، تكون نجسة سبعة أيام... ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يومًا في دم تطهيرها. وإن ولدت أنثى، تكون نجسة أسبوعين... ثم تقيم ستة وستين يومًا في دم تطهيرها - لاويين 12: 1 - 5".، مع أنها تحررت من أشياء كثيرة حرمتها الشريعة اليهودية، كأكل الخنزير والارانب . نقرأ في اعمال الرسل " ثم في الغد فيما هم يسافرون ويقتربون إلى المدينة، صعد بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة. فجاع كثيراً (فيما يشبه الحلم) واشتهى أن يأكل. وبينما هم يهيئون له، وقعت عليه غيبة. فرأى السماء مفتوحة، وإناء نازلا عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء. وصار إليه صوت: قم يا بطرس، اذبح وكل. فقال بطرس: كلا يا رب لأني لم آكل قط شيئا دنسا أو نجسا. فصار إليه أيضا صوت ثانية: ما طهره الله لا تدنسه أنت"(سفر اعمال الرسل).
لكن لم يتصدى أباء الكنيسة طوال ألفى سنة لمسألة دور المرأة في الكنيسة، لكونها معضلة صعبة ذات أصول اجتماعية وثقافية راسخة حتى الان على الأقل في الشرق.
وتغلم الكنيسة أن ما جاء في الناموس كان أمراً مؤقتاً حسب سفر إرميا ـ فقد وعد الله أن يقطع عهدا جديدا يختلف عن العهد الذي قطعه في جبل سيناء.
وتشير مقاطع عديدة من العهد القديم، أن الله لم يقصد لشريعة موسى أن تكون دائمة.. أيضاً: " نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا". (غلاطية 2: 16)..
ويذهب عدد من الباحثين، إلى أن سبب عدم حسم أباء الكنيسة الأوائل قضية كهنوت المرأة وحالة النجاسة. مثل قضايا أخرى كالختان ومثل نجاسة بعض المأكولات، لكونها نشأت في أجواء الثقافة اليونانية والرومانية التي لا تختلف كثيرا عن اليهودية؛ حيث كان دور المرأة في الحياة الاجتماعية الرومانية محدوداً للغاية، فلا يُمكن لها حضور أيّ تجمعٍ سياسي والتحدث فيه، أو المشاركة في التصويت، أو تولّي مناصب عامة في الدولة. ولم يكن يُسمح لها بالالتحاق بالجيش الروماني على الإطلاق والمشاركة في الحروب. وكان يُسمح للرجل الرومانيّ قديمًا بالزواج من امرأة واحدة فقط، وهي من الأمور المهمة التي كان يتغنى بها المجتمع الروماني القديم، بالإضافة إلى الاهتمام بأخلاق النساء وخاصة عفتهنّ. وما يهمنا هنا النظام الإداري الذي سارت عليه الكنيسة عند تأسيسها.
كانت السلطة الرومانية أبوية ذكورية، تقوم على تفويض لحكام المقاطعات التي قسمت إلى مائة مقاطعة قسمت بدورها إلى وحدات أصغر، في تسلسل هرمي. وأنتقل هذا النظام الإداري إلى الكنيسة.
هذا النظام الأبوي الذكوري الهرمي الروماني، والموروث الطقسي اليهودي سار عليه أباء الكنيسة الأوائل. ولم يدافع أحد منهم عن حق المرأة أو يسمحوا الها تقلد أي رتبة كهنوتية، استنادا على المبرات الاتية:
1 نصوص كتابية ينصح فيها بولس الرسول: "لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلّم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت. لأن آدم جُبل أولًا ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي. ولكنها ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" (تيموثاوس الأولى 11:2-14).
2 لم يكن هناك نساء. ولا حتى العذراء مريم عند تأسيس سرّي الكهنوت والإفخارستيا في العشاء السرّي. وعندما نفخ في وجه تلاميذه “ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم. ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. فقال لهم يسوع أيضا: سلام لكم كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (لةو20: 19-23) ، ولا في أول مجمع مسكونى فى أورشليم
3 تقليد الكنيسة بمجمله، شرقاً وغرباً، لم يقم كهنة من النساء. وان الكنيسة لا يمكنها أن تساير تطوّرات العصر بل جعلها الله "قاطرة لا مقطورة" كما قيل.ولو إرتضت الكنيسة ان تساير العصر لفقدت جوهرها ورسالتها وهويّتها ولم يبقَ منها سوى الإسم والرموز الخارجيّة والقشور.

بولس والمرأة:
كتب بولس الرسول إلى كنيسة كورنثوس: ويجب على النساء أن يصمتن في الكنائس لأنَّه ليس مأذون لهنَّ أن يتكلمنَّ بل يخضعن كما يقول الناموس، ولكن إن كنَّ يردنَ أن يتعلّمنَ شيئًا فليسألنَ رجالهنَّ في البيت لأنَّه قبيح بالنساء أن تتكلّم في الكنيسة. الله ليس إله تشويش بل إله سلام” (1كورنثوس 32:14-36). أيضا: “على المرأة أن تتعلّم بسكوت في كلِّ خضوع ولا يأذن لها أن تعلّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت. لأنَّ آدم جُبل أولاً ثمّ حواء. وآدم لم يُغوَ لكن المرأة أُغويت فحصلت في التعدّي” (1تيموثاوس 11:2-14). يطلب بولس من المرأة بشدّة أن “تغطي رأسها عندما تصلّي أو تتنبّأ” (1كورنثوس 5:11)
تستخدم هذه النصائح، ذريعة لابعادها عن أي دور في حياة الكنيسة. ولا يأخذ في الحسبان أن هذه النصائح كانت تخص كنيسة معينة، هي كنيسة كورنثوس، حيث كانت المدينة تعج بالمعابد الوثنية. ولعبت النساء أدوارًا هامة في عبادة الآلهة الوثنية الممزوجة بالجنس. ولذلك، كان على بولس أن يلزم النساء بالاحتشام الشديد خلافا لما هو سائد في المعابد الوثنية.
وما يركد ذلك أن بولس الرسول يتحدّث في رسائله عن المرأة النبيّة، عن المرأة المعلّمة وعن المرأة الشمّاسة." أُوصِي إِلَيْكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي، الَّتِي هِيَ خَادِمَةُ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي كَنْخَرِيَا، كَيْ تَقْبَلُوهَا فِي الرَّبِّ كَمَا يَحِقُّ لِلْقِدِّيسِينَ، وَتَقُومُوا لَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ احْتَاجَتْهُ مِنْكُمْ، لأَنَّهَا صَارَتْ مُسَاعِدَةً لِكَثِيرِينَ وَلِي أَنَا أَيْضًا. (راجع رومية 1:16.،كورنثوس الأولى 11: 5) .
إنَّ بولس، كرجل عمليّ، يعي الفوارق المفروضة على النساء المسيحيات في المجتمع الروماني. لكنَّه يعي، أيضًا، أنَّ النعمة والخلاص للجميع. لذا نراه يميّز بين وضع المرأة ودورها اجتماعيًّا وبين طبيعتها ودعوتها الإيمانيّة.
بجانب ان هذه النصائح، كانت قواعد سلوكية عملية لوقت معين وزمن معين وكنيسة بعينها لظروف اجتماعية بحتة خاصة بتلك الكنيسة وليست عقائد إيمانية يفرضها بولس الرسول! ومن الضروري بمكان أن نأخذ هذه النصائح بعين الاعتبار السياق التاريخي والثقافي الذي كتبت فيه، وتعبر عن ثقافة الكاتب، وليست حقائق إيمانية موحى بها في الكتاب المقدس.

نجاسة المرأة:
يعلل البعض حرمان المرأة من الكهنوت، بإنه لا يليق دخول المرأة الهيكل وملامسة المقدسات أثناء فترة الدورة الشهرية التي فد تصل إلى أسبوع، وكذلك فترة الولادة. وينسون ان المسيح نفسه، لم ينهر المرأة نازفة الدم التي لمسته وسط الجموع، وباركها وشفاها من المرض، ومدح قوة إيمانها.
كما أن وصف المرأة بالنجسة، لايهين المرأة فقط، أنما الله ذاته ، الذى قال : «خلقنا الإنسان على صورتنا كشبهنا»، معلنًا بوضوح تجاوز ذاته الإلهية للتقسيم البيولوجي، ولم يقل خلقنا الرجل فقط على صورتنا كشبهنا ، مما يعنى انه ليس هناك طاهرا أو نجسا في خليقته . وهذا القول الإلهي، لا يعطي الحق لرجال الكنيسة الدين يضعون دساتير وتفسيرات لاهوتية توزيع الطهارة والنجاسة بناء على إحساسهم بالتفوق البيولوجي كذكور.
يقول لقدّيس مكسيموس المعترف: "إنّ المسيح الكلمة بتجسّده، ألغى الاختلاف القائم بين رجل وامرأة. وحقّقّ وحدة الإنسان بقوّة الروح القدس وبصورة سريّة. وأزال الفارق القائم بين الجِنسين وجعل طبيعتهما حرّة من كلّ سيطرة. فلم يعد الحديث عن المرأة والرجل وإنّما الحديث عن المسيح لاهوتيًا". فإذا قالوا أنّ المسيح اتخذ الذكورة فقط من الإنسانية، فهذا يعني أنّ الجنس الأنثوي سبيله الهلاك، وهذا محال.
وإذا كانت حواء العهد القديم، كما تقول قصة آدم وحواء الرمزية. إن حواء الأولى بسبب عدم طاعتها الله أول الخطأة، وأدخلت الخطيئة الى العالم، وعاقبها الله تن تلد بالآلام وتكون في هذا الوقت نجسة (تكوين 3: 6). لكن حواء العهد الجديد العذراء مريم أنجبت المسيح، مخلص العالم، بطاعتها لمشيئة الله. ومحت خطيئة حواء الأولى. "لقد حلت طاعة مريم عقدة عصيان حواء. ما ربطته حواء الأولى بعدم إيمانها، فكته مريم العذراء بإيمانها" (القديس إيريناوس). وكتب ترتليان: "كما صدقت حواء الحية القديمة، صدقت مريم الملاك، وبذلك محت إنحراف حواء." كما سقطت البشرية بعصيان عذراء، فإن خلاص البشرية قد تم بطاعة عذراء.
والقول إن الله شرع الكهنوت للرجال، لذلك لم تشارك النساء المقربات للمسيح، ولا العذراء مريم تأسيس سر الكهنوت والافخارستيا في العشاء السري. أيضا عندما دخل العلية بعد قيامته والابواب، ونفخ في وجه تلاميذه وأعطاهم سلطان الحل والربط. ولا يأخذون في الحسبان، ان مريم العذراء أول كاهن تحول على مذبح أحشاءها الطاهر كلمة الله إلى جسد ودم حقيقى في شخص المسيح، وبواسطنها تأسس سر التجسد الإلهي أب كل الاسرار المسيحية. أنّ مريم التى يطلق عليها " والدة الإله" هى أعلى شأنا وطهارة من المراتب الكنسيّة الكهنوتية.
والادعاء أن التقليد الرسولي، وقوانين الرسل (الدسقولية) لا تسمح بنوال المرأة رتبة الكهنوت. وهي حجة واهية، أن المسيح لم يرسم أحدًا أسقفًا بل أرسل التلاميذ للبشرى. وأيضاً، أعطى النساء أعلان البشرى. وكانت مريم المجلية أول من بشر بقيامته. والقوانين الكنسية. فى هذا الصدد، يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ إن "الرجال هم المشرّعون لقوانين ضدّ المرأة".
يقولون في حجّة أخرى: "ّإن العذراء مريم لم تطالب أو تأخذ دوراً كهنوتياً". وهذه الحجّة، أيضاً، غير واضحة ولا كافية. فطبق التسلسل الهرمي، المعمول به في الكنيسة، تأتى العذراء مباشرة بعد الثالوث الأقدس.
ان استبعاد المرأة من الكهنوت، لم يثر في الكنيسة، ولم يقبل من أباء الكنيسة، كما يدعى البعض دون سند، إنما تمّ بشكل غير مباشر وتدريجياً عبر التاريخ دون تشريع عقائديّ أو لاهوتيّ. وإذا وقع نظر أحدهم على قوانين تمنع المرأة من بعض الممارسات الكنسيّة، عليه أن يعرف أنّ تلك القوانين كانت للعلماني بشكلٍ عام.
وهناك الكثير من الشواهد القانونيّة كانت المرأة فيها تمارس الكثير من الطقوس الكنسيّة: كدهن المرأة بالميرون المقدّس بعد المعموديّة، وتكريس المرأة لدرجة الشمّاسيّة ووضع اليد عليها واستدعاء الروح القدس، وسماح للمرأة بدخول الهيكل والتناول كما الشمّاس من الكأس المقدّسة. هذه الممارسات وغيرها عديدة مطروحة في نصوص تعود إلى القرنين الثامن والتاسع، وقد توقفت هذه الممارسات الطقسيّة الخاصّة بالنساء بسبب الظروف الاجتماعية التي سادت في الشرق فتغيّرت.

موقف الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية:

بيمكن القول إن موقف الكنيسة الكاثوليكية حول كهنوت المرأة ، كما تم التعبير عنه في القانون الكنسي ، والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، والرسالة البابوية للبايا يوحنا بولس الثانى سنة 1988 "كرامة المرأة" أن الرجل الكاثوليكي فقط هو الذي يتلق الرسامة بشكل صحيح ، و "أن الكنيسة ليس له سلطة على الإطلاق لمنح الرسامة الكهنوتية للمرأة وذاك يجب أن يتمسك جميع مؤمني الكنيسة بهذا التعليم بشكل نهائي . " و إن كهنوت الذكور ليس سياسة الكنيسة بل هو مطلب ثابت من الله".
وينص كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الذي صدر في 15 أغسطس 1997 (الفقرة 1577 (على أن الكنيسة ملزمة باختيار يسوع للرسل" اختار الرب يسوع الرجال ليشكلوا مجمع الرسل الاثني عشر ... تعترف الكنيسة بأنها ملتزمة بهذا الاختيار الذي اتخذه الرب نفسه. لهذا السبب لا يمكن سيامة النساء." وتضمن كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الصادر عام 2016، بياناً تؤكد فيه على احترامها للمرأة، ونفت فكرة النجاسة بشكل نهائي عنها.
صدر عن مجمع عقيدة الإيمان بالفاتيكان ونُشر في 29 مايو 2008 في صحيفة الفاتيكان أوسيرفاتوري رومانو، وهو مرسوم وقعه الكاردينال ويليام ليفادا يحدد أن النساء "الكهنة" والأساقفة الذين يحاولون رسامتهن سيتحملن. الحرمان.

وترفض لكنائس الأرثوذكسية كهنوت المرأة رفضاً تاماً استناداً على نصوص من أسفار العهد القديم فى الكتاب المقدس، وعدم الخروج عن التقليد الرسولي، وأنه لا يمكن بعد أن رفضت كهنوت المرأة عبر ألفي عام؛ تخرج الآن عن ما تسلمته.
وأعلنت في بيان صدر عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية في يونيو 2017، التالي: «إن التعليم المسيحي يعلن وبوضوح عدم نجاسة أي إنسان مؤمن، إلا بالخطية، وعليه فإن المرأة طاهرة ومسكن للروح القدس فى كل أيام حياتها. ولكن بسبب التقوى والحرص اللائق بالتناول من الأسرار المقدسة والالتزام بما تسلمناه بالتقليد، يليق بالرجل والمرأة أن يمتنعا عن التناول فى فترات عدم الاستعداد الجسدى». والمقصود هنا بـ«فترات عدم الاستعداد الجسدي» فترات الحيض أو الاحتلام أو ممارسة العادة السرية أو الفترة التالية لممارسة العلاقة الجنسية، بما يتبع كل هذا من إفرازات.
أما الكنائس البروتستانتية فإنها تؤمن ان جميع المعمدين كهنة "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. (رسالة بطرس 1 /9)، ولا تعترف بالكهنوت الخاص لرجال الدين. ووفقا للعقيدة البروتستانتية (رجال ونساء) كهنة. والاحتفال بسر الافخارستيا، هو مجرد تذكار لما قام به السيد المسيح في العشاء الأخير، وبالتالي فوجود قسيسات نساء هو طبيعي؛ لكون القسسية وظيفة التعليم والخدمة الروحية.
الخاتمة:
قبل مائة وأربعة أعوام وبالتحديد عام 1918م، تمَّ تعيين قسيستين في الكنيسة الإصلاحية في سويسرا، للمرة الأولى في تاريخ المسيحية. وما كان نادراً قبل مائة عام أصبح شائعاً اليوم. ففي أمريكا أكثر من نصف الطوائف البروتستانتية تنصب قسيسات للعمل في الجيش والمستشفيات والعمل الإجتماعى. وليس بعيدا ان تعدل الكنائس الرسولية من موقفها فى مسألة كهنوت المرأة ، عملا بقول بولس الرسول "" ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعًا واحدٌ في المسيح" (رسالة غلاطية 3: 28)؛ حيث إن هذا الرفض لا يستند على عقيدة ايمانية، وحجج لاهوتيّة.
المراجع :
1 - ول ديورانت: قصة الحضارة – قيصر والمسيح أو الحضارة الرمانية ج 3 مج 3، ص 278،) .
2 – ماريا فبارة ، كهوت النساء كمشلة لاهوتية مسكونية ، دراسة ، سنة 2000
3 التعليم المسيحى للكنيسة الكاثوليكية – سر الكهنوت . الفاتيكان 1997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة