الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحلةُ المقدّسةُ في أرضِ مصرَ

فاطمة ناعوت

2022 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد غدٍ، ١ يونيو، تتجددُ ذكرى حدثٍ تاريخيٍّ مشهود من تاريخ مصرَ الثريّ. هو اليوم الذي دخلت فيه مصرَ السيدةُ العذراءُ، مريمُ المُطهّرة، حاملةً على ذراعيها طفلَها السيد المسيح عليهما السلام، هربًا من هيرودس الروماني، ملك فلسطين آنذاك، الذي تعهد بقتل كل طفل يولد، خوفًا من أن يصير الطفلُ ملكًا ينازعُه الحكم، كما أخبرته النبوءاتُ. ولم يدرِ هيرودس أن الملك الذي تقصده النبوءة، ملكٌ روحيٌّ رسولُ سلام، زاهدٌ في نِعم الدنيا، لا يعبأ بالذهب والياقوت والقصور، لأن مملكته ليست من هذا العالم. احتضنت مصرُ الطيبةُ بين ذراعيها هذا الطفل المبارك لتحميه من القتل في فلسطين، ولم تتركه يمضي مع والدته إلا بعد موت السفاح هيرودس، فعاد ووالدتُه ورفيقُ الرحلة "القديس يوسف النجار" إلى فلسطين من جديد، بعدما مكثوا في مصر أعوامًا ثلاثة، باركوا كل شبر فيها.
رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر، هو امتيازٌ روحي وتاريخي لبلدنا العظيم دونًا عن سائر بلاد العالم. فأيُّ أرضٍ سوى أرض مصر الطيبة استقبلت ذاك الوليد الجليل، وأمَّه أطهر نساء العالمي؟! طوته مصرُ بين جناحيها، وحماه اللهُ ليكبُرَ ويغدو رسولَ السلام للإنسانية كافة، "يجول يصنع خيرًا"، بعدما طوّبه اللُه في القرآن الكريم بالسلام عليه: "يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويم يُبعثُ حيّا". أرضُنا الطيبةُ كانت لتلك العائلة: “ربوةً ذات قرار ومعين". جالت في أرضنا المصرية سيدةُ الفضيلة البتول؛ فتفجّرت تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت في كل بقعةٍ وطئتها زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُنا بخصب لا يبور، وإن بارت بقاع الأرض، وبركةٍ لا تنفد، ونور ساطع لا يذوي.
فقط أرضُ مصرَ، من بين أراضي الكون الشاسعات، اختارتها العائلةُ المقدسة ملجأً وسكنًا، فأحسنتْ أرضُنا الدافئةُ استقبال ذلك الوفدَ الكريم، وضمّت بين شغاف قلبها طفلاً قدسيًّا، لتحميه من قاتل الأطفال.
طافت العائلةُ المطوّبة من شرق مصر إلى غربها إلى جنوبها ثم عادت من حيث أتت. دخلوا مصرَ من باب "رفح"، ثم "العريش". ومن سيناء" الشريفة، دخلوا "تل بسطا" بالزقازيق. وظمأ الطفلُ ولم ينجدهم أحدٌ بشربة ماء، وبكت الأمُّ الصغيرةُ، فتفجّرت بئرُ ماء تحت قدمي الشجرة، وارتووا. واستأنفوا الرحلةَ إلى "مُسطرد" ثم "بلبيس" ثم شمالا نحو "سمنّود"، ثم غربًا نحو "البُرّلس"، ثم "سخا"، ثم "وادي النطرون". بعدها دخلوا منطقة "المطرية" و"عين شمس". بعد ذلك ارتحلوا إلى "الفسطاط"/بابليون، بمصر القديمة فاختبئوا في مغارة، محلُّها الآن كنيسة "أبو سرجة" الأثرية. بعدها دخلوا "المعادي"، ثم سافروا جنوبًا نحو صعيد مصر ومكثوا برهةً في قرية "البهنسا". ومن بعدها ارتحلت العائلةُ المقدسة جنوبًا نحو “سمالوط” ومنها عبرت النيل شرقًا حيث "جبل الطير" ودير السيدة العذراء. ثم عبروا من جديد من شرق النيل إلى غربِه إلى حيث بلدة "الأشمونيين" التي شهدت بركاتٍ عديدةً للسيد المسيح. ثم ساروا جنوبًا نحو"ديروط" ثم "القوصية" ثم غربًا حيث قرية "مير". إلى أن دخلت العائلةُ الطيبةُ منطقةَ "دير المحرّق"، في قلب مصر، وهي أهم محطّات الرحلة المقدسة، حيث استقرّت بها الأسرةُ قرابة النصف عام؛ وشُيّدت فيما بعد أقدمُ كنيسة في التاريخ في المكان الذي شهد طفولةَ المسيح عليه السلام. بعدها كانت محطتّهم الأخيرة بمغارة صغيرة جميلة في "جبل درنكة" بأسيوط، لتبدأ بعدها رحلة العودة إلى أرض فلسطين.
طوال تلك الرحلة الشاقة، كانت أرضُنا تذوبُ رحمةً تحت قدمي الفتاة التي اصطفاها الُله لتحملَ في خِصرها الرسولَ المُطّوب؛ فكان وأمُّه آيةً. تفجرت عيونُ الماء في الصحراء القواحل، ونبتت زهورٌ بين طيّات الصخور، وتساقط فوق كتفي البتول، من جافّ النخيل، رطبٌ شهيٌّ يسُرُّ الناظرين. لهذا بارك الكتابُ المقدس أرضَنا الكريمة التي استقبلت المُصطفاةَ، وبارك ابنُها شعبَنا الطيبَ قائلا: “مباركٌ شعبي مصر".
وأوقنُ أن ذلك العهد القدسيَّ الذي سطرته مصرُ في قلبها للمسيح وأمه، ودوّنه التاريخُ في كتابه، هو سبب تلك العروة الوثقى والرباط الأزليّ الذي يربط الأقباطَ بأرضهم مصر، التي سمّاها أجدادنا الفراعنة: "ها كا بتاح"، أي "منزل روح بتاح"، وتحوّرت إلى: “ كَبَت”، (قَبَط)، ثم "إيخبت" ثم "إيجبت"؟!
أُكررُ مناشدتي للدولة المصرية العظيمة بأن تجعل (أول يونيو) عيدًا قوميًّا رسميًّا وشعبيًّا، يحتفل فيه المصريون كافة، بذلك الحدث الاستثنائي الفريد. وأناشد الوزير المثقف "د. خالد العناني"، وزير السياحة والآثار بأن تنظم وزارة السياحة رحلات سياحية بثمن رمزي للمصريين يقطعون فيها محطّات الرحلة ليعرفوا تاريخنا الفاخر. فيكون لها مردٌّ هائل على إنعاش السياحة، والأهم، انتعاش المعرفة التاريخية عن مصر العريقة في عقول النشء الجديد. كل عام ومصر مباركة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 145-An-Nisa


.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال




.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت