الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الإنسان كائن حر؟

حسين علي
كاتب

(Hussein Ali Hassan)

2022 / 6 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حين قُذِفَ بالإنسان إلى هذا العالَم، هل كانت له إرادة في ذلك؟ وحين يدهمه الموت، ويرغمه على مغادرة الحياة، هل سيملك المرء، ساعتها، إرادة قادرة على قهر الموت، والبقاء في هذه الدنيا إلى الأبد؟
في مشوار الإنسان من الميلاد إلى الموت يخطو خطوات تستغرق سنوات عمره، وتؤدي به هذه الخطوات إلى دروب ومسالك شتى، وتصدر عنه أثناء حياته أقوال وأفعال، بعضها جيد والآخر رديء، بعضها حسن وبعضها قبيح، منها ما هو خير، ومنها ما هو شر، فهل الإنسان مسير أم مخير في كل ذلك؟
علامة استفهام كبيرة، يقف المرء حائرًا أمامها ومتأملاً، ومحاولاً الاهتداء إلى إجابة دقيقة تشفي غليله، وتهدىء من روعه.
ولنتأمل معًا واقعة ميلاد الإنسان وخروجه إلى الدنيا، حين ينزلق الطفل من بطن أمه صارخًا، في تلك اللحظة يبدأ مشوار الحياة. ولكني أود أن أرجع خطوة إلى الوراء، إلى تلك اللحظة التي التقى فيها والد هذا الطفل ووالدته، الذي خرج توًا إلى الدنيا، لو أن شيئًا ما حال دون لقاء الوالدين في تلك اللحظة التي التقيا فيها لأول مرة، وانصرف كل منهما إلى حال سبيله، وتزوج هو امرأة أخرى غير الأم، أو تزوجت هى رجلاً آخر غير الأب، أو ظل هو أو هى دون زواج بقية عمره أو عمرها، هل كان ذلك الطفل سيخرج إلى الحياة بصفاته وخصائصه التي هو عليها؟ بل هل سيكون له وجود أصلاً، لو أن والدته لم تتزوج والده أو العكس؟ إن زواجهما لم يتم وفقًا لخطة موضوعة ومدروسة بعناية من قِبَل كل منهما، خطة تأسست استنادًا إلى إرادة وتصميم محكمين، بل الواقع يشهد بأن معظم حالات الزواج التي تحققت، إنما تحققت مصادفةً، وأن زيجات كثيرة تمت بسبب توافر ظروف وملابسات معينة، ولو أن ظرفًا من هذه الظروف قد غاب أو اختلف، لاختلف الأمر برمته، فكم من مشاريع زواج انتهت قبل أن تبدأ، وكم من علاقات حب انفرط عقدها دون زواج، أو ظل الحب ولم يُتَوَّج بالزواج.
لقد كانت الريح مواتية وتمكن أبوك من الزواج بأمك، فأتيت أنت إلى هذا العالَم. وسؤالي هو: ماذا لو كانت الريح معاكسة وفرقت بينهما قبل أن يتزوجا؟ أي ماذا كان سيحدث لو أن مشروع زواجهما قد أخفق؟ هل ستكون أنت موجودًا بيننا الآن؟ حتى لو تزوج والدك امرأة أخرى، وتزوجت والدتك رجلاً آخر، هل كان من الممكن أن يكون لك «أنت» وجود الآن؟ وعلى فرض أنهما تمكنا من إتمام الزواج، وعاشا سنوات عمرهما معًا دون فراق، فإن علينا في تلك الحالة صياغة السؤال بطريقة أخرى: هل لو تأخر الجماع بين الأب والأم، الذي كان من نتيجته إخصاب البويضة التي احتوتك بوصفك جنينًا، أي لو كان ذلك اللقاء الجنسي بينهما – الذي كنت أنت ثمرته – تأخر ليلة واحدة أو أكثر، هل كنت خرجت «أنت» إلى هذه الدنيا؟ قد يخرج طفل آخر أو طفلة أخرى، لكن فرصة خروجك «أنت» بالذات إلى هذا العالَم تكون قد ذهبت بلا عودة!!
مهما يكن من شيء، فقد خرجت أنت إلى الحياة منتسبًا إلى أسرة معينة، ومنتميًا إلى دولة ما، متميزًا بخصائص جسمانية (خِلْقَية) محددة، مثل لون الشعر، والعينين، وقِصَر القامة أو طولها، ولون الشعر وكثافته ... إلخ. هى كلها أمور لا إرادة لك بها. أنت مسيَّر في ذلك. وأن تموت في زمن محدد ومكان معين، وبسبب ما أو حتى دون سبب، فهذه أيضًا أمور لا تملك منعًا لها، لأنها تُفْرَض عليك فرضًا.
ولكن هل أنت مسيَّر أيضًا فيما تفعله وتلقاه خلال مشوارك من الميلاد إلى الموت؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه فيما تبقى من سطور.
في وسعك أن تواصل معنا قراءة بقية سطور هذا المقال، وفي وسعك أيضًا أن تتوقف عن الاستمرار في قراءته. لن يجبرك أحد على هذا أو ذلك، الأمر متروك لك، تختار ما يحلو لك. إذن توجد أمور كثيرة نملك تجاهها حرية الاختيار، نحن إذن نفعل ما نرغب، ونرفض ما لا رغبة لنا فيه. امتلاك الإنسان للحرية والإرادة يقتضي أن يكون مسئولاً عما يقول أو يفعل، ومن ثمَّ وُجِدَت القوانين، لمحاسبة المجرمين والمخطئين. ولأن الإنسان حر ويملك عقلاً وإرادة، كان الثواب والعقاب المتمثلان في الأوامر والنواهي الإلهية.
الإنسان حر لا شك في ذلك، وحريته ليست مطلقة، وإنما تحدها حدود كثيرة كالعادات والتقاليد، والمستوى الاجتماعي والمعيشي لأسرتك، ونوع الدولة التي تنتمي إليها، وطبيعة نظام الحكم السائد فيها في الفترة الزمنية التي تعيشها، ونوعية الأصدقاء والزملاء الذين تتعامل معهم. كل ذلك وغيره يضع قيودًا ويُنْشِئ حدودًا لحريتك.
تتفاوت نظرة كل منا إلى هذه القيود والحدود، البعض يخضع لها ويستسلم، وينظر إليها بوصفها أمرًا طبيعيًا لا يَتَطلَّب عناء المقاومة أو الرفض. بعضهم الآخر يبذل جهدًا كبيرًا للانسلاخ من تلك القيود أو بعضها. وتتخلف المجتمعات وتركد كلما زاد عدد أفرادها الخاضعين الخانعين لما هو سائد. إن وعي المرء بمعوقات الحرية، ومقاومته لتلك المعوقات والقفز من فوقها، والسير في طريق تحقيق ذاته، متغلبًا على القيود التي تكبل حركته، وتعوق تقدمه وترقيه، هو ما يميز الإنسان عن الحيوان. الحصان أو الحمار لا يمتلك وعيًا بالقيود التي تكبل حريته. الحيوان لا يستشعر قيودًا سوى ما يعيق حركة جسمه، أما الإنسان بما يملكه من عقل وإرادة، فإنه يدرك الأنواع المختلفة للقيود والأغلال التي تكبل حريته، وتعوقه عن تحقيق ذاته بوصفه إنسانًا عاقلاً حرًا. ومن ثمَّ فإن سعي الإنسان إلى الحرية، هو سعي مشروع، لأنه يحقق إنسانية الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست