الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله بين التوحيد والتعدد

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 6 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


درج الإنسان في فجر حياته التـأمل في الطبيعة والكون، اذ له ميل نظري للاعتقاد بوجود إله متسلط على هذا الكون الواسع، فلقد ظهر التدين نتيجة عجز العقل عن تفسير وتحليل الكثير من الظاهرات الكونية والطبيعية والبيولوجية، فلا يمكن الغاء التدين في حياة الفرد بشكل مطلق لكن بالمعرفة العلمية تتضائل دوافع الإحساس الديني لانها تزود المرء الإجابة على الكثير من مصادره التي اتخذت فعل الغيب بسبب الجهل وقلة المعرفة. على مدر تاريخ الإنسان الطويل في المعتقدات الغيبية توجت الحضارات القديمة تراثاً لاهوتياً عميقاً مليئاً بالمعتقدات والأساطير الدينية التي تسللت الى الإديان الإبراهيمية اذ كانت تلك المعتقدات المكونات المهمة لعقيدة تلك الشعوب، فصار من المهم معرفة نشوء الأديان عبر العصور وكيف تحول الله من التعدد الى التوحيد. لقد بدأ الدين بقصة الخلق، رغم سذاجة الفكرة إلا انها نتاج الحيرة والتساؤل في صياغة رد عقلي لمرحلة كانت تشغل العقل الإنساني. لقد تناولت العقيدة الدينية بدءأً بالوثية وانتهاءاً بالإسلام البحث في الأخلاق وحالة الربوبية والألوهية وقدمت نموذجاً للقيم الأخلاقية وان خلت من الواقعية الإخلاقية في الكثير من نصوصها لتداخل الوعيد الإلهي والتشجيع على قتل العصاة والزناة والكفرة. اعتمد الفكر الديني اساساً على محاكاة العاطفة الدينية، مضيقاً على العقل التشكك في امر الوجود الغيبي للإله، ذلك التشكك ظهر بشكله العنيف والصارخ في عصر التنوير. اذ ارتبط الدين في الفكر الفلسفي، فهناك خط مشترك بينهما يربط بين الإلهيات والوجود من جهة، وبين الطبيعة والاخلاقيات من جهة اخرى، لكن الدين اعتمد على الإيمان في تثبيت المعتقد بينما الفلسفة اعتمدت على العقل، من هنا كان الانتقال من الفكر الديني في فهم الكون والوجود والإلهيات الى الفكر الفلسفي من المعتقد الى العقل من تناول المعتقد الغيبي وجعل العقل اساس الفكر. فهناك علاقة وثيقة تجمع الدين بفلسفة التاريخ. بدأ معتقد الغيب من خلال الأساطير وهي عند جمهور العلماء من اصول الدين، فالمعتقد ظهر في الحضارات الباكرة الاولى للشعوب القديمة كالسومريين، البابليين، الفراعنة، الهنود، الاغريق وغيرهم، فخيال عقل الإنسان تفتح في عصوره الأولى امام غرابة وجمال مظاهر الكون فابتدع لنفسه آلهة يتوجه إليها للصلاة، فلقد كان الخوف من غضب الطبيعة ومن الموت سبب في تحول عقل الإنسان لعالم الغيب، وطلب الرحمة والاستعطاف، فالصلاة تمثل استسلام العقل امام القوة الأكبر وان كانت حجرية، او غير مرئية. الخوف من الموت صنع الحاجة النفسية للإنتماء الروحي لقوة كونية وان كانت مجهولة المصدر ولم يقف العقل على كنه حقيقتها. كان الإنسان البدائي يتوجه بالدعاء والصلاة، الى مظاهر الطبيعة من شمش وقمر ونجوم، يلتمس منها العون على قساوة ظروف الطبيعة، وازالة البلاء، فولّد هذا الخوف تعدد الآلهة ذلك ان الموت كان اهم الظواهر الطبيعية التي واجهت الإنسان، فولدت فيه الخوف وجعلت تفكيره المبكر في غموض ظاهرة الموت الطبيعية ويسأل نفسه، لماذا يموت الأنسان، اين يذهب بعد الموت، ما معنى موته، واين تلك القوى التي تسببت في الموت ماذا اخذت منه كي لا يتحرك واين سيكون وماذا سيفعل وهل هناك عالم آخر يذهب اليه؟
يذكر فراس السواح بكتابه ” الرحمن والشيطان ” ص 11 ” ... ان نشوء معتقد التوحيد نشأ من معتقد وحدانية العبادة الذي يقوم على عبادة إله واحد والاخلاص له من دون بقية الآلهة التي لا ينكر وجودها كما نشأت وحدانية العبادة بدورها عن الوثنية التعددية، التي تقوم على عبادة مجمع للآلهة مؤلف من مراتبية هرمية للقوى الإلهية، تقدم لها جميعها فروض العبادة بما يناسب مقامه واهمية القوة الطبيعية التي يمثلها بالنسبة الى حياة الجماعة ” فالتعدد نتيجة تراكم المعتقدات التي غلب عليها طابع قوى الطبيعة وتفردت بالخيال الأسطوري للعقل، وتملكت فيه التأملات الغيبية، على ان الباحثين ذهبوا الى ان اقدم الافتراضات الغيبية التي استحوذت على العقل البشري تعود الى الطوطمية وهي الديانة المركبة من الأفكار والرموز وحتى الطقوس، هي نشاطات لأقوام بدائيين ربطوا بين المعتقد الغيبي والطوطم يكون طائر، او حيوان، او اي ظاهرة طبيعية يتجسد من خلالها المعتقد الغيبي هذا التجسد يثبت فيهم المعتقد الروحاني. لقد كانت الطوطمية منتشرة في القارة الأفريقية وبين الأمريكيين والاستراليين، على ان زعيم القبيلة او احد شيوخها ينظم العلاقة بين الأفراد والطوطم. لقد كتب سيجموند فرويد كتابه المعروف ” الطوطم والتابو ” تناول في كتابه من يشير الى بدء العقيدة الروحانية للفكر الغيبي للأنسان. لقد حاز الطوطم بالقدسية لدى الشعوب اذ جسدوا فيه احترام القيم والتقاليد والولاء، وكانت العبادة هي اسلوب الوفاء والولاء للقيم التي تعيشها القبائل والجماعات فكانت الآلهة صورة المجتمع وليس المجتمع صورة لها، اي لقد عكسوا من خلالها اصل وجودهم فهي الرمز الروحاني لهم، تلك الديانات ليست فقط في المعتقدات بل شملت الطقوس والعبادات الجماعية والفردية. الدين صنع حالة الإنفعال الجماعي في الارتباط الوجداني بالمعتقد وصار عقيدة راسخة لا تنفصل عن عقلية المؤمن. المقدس رمز روحاني واخلاقي معاً فصارت اخلاقية الدين تعادل اخلاقية العالم الأخروي ويمكن الحصول على رضى الرمز من خلالها، هذا الرضى يمكن وصفه بالطقوس الدينية التي تؤمن للجماعات رضى الرمز عنهم والذي يمثل الطوطم الخاص بتلك الجماعة. الدين حالة انفعال روحانية جماعية ولد في بيئة انفعالية تجسدت فيها الرموز والافعال والطقوس، لهذا نشأت من خلال تلك الطقوس لكل قبيلة عباداتها الخاصة، ففي بعض القبائل الاسترالية يرث الابن طوطم ابيه وترث البنت طوطم امها، على ان القبائل الهندية كانت لا تتزوج من قبيلة ذئب، من قبيلة ذئب اخرى لان الانتساب سيكون للأمومة، ذلك ان تلك القبائل كانت تفرض اتباع طوطمها لطوطم ابيه. ان امر الطوطمية معروف في التاريخ حتى ان بعض القبائل كانت تطلق على نفسها اسماء بعض الحيوانات القوية وقد توارثوا عن الآباء والاجداد تلك الألقاب كقبيلة بني كلب وبني اسد، فصارت تلك الحيوانات الطوطمية مصدر عبادة تلك القبائل. اوجدت الطوطمية الوجدان الديني لتأسيس المعتقد الخرافي وقد صاغ الموت عند فقدان او موت المقدس او الرحيل عنه المعتقد الروحاني للرمز. اشار هنري برجسون الفيلسوف الفرنسي ان التاريخ اوجد لنا شعوباً من غير علوم وفنون وفلسفات لكنه لم يجد لنا جماعة بدون ديانة. فالتدين كان يدل عبر التاريخ رسوخ الرمز الديني وتطوره عند الشعوب وتحوله من التعدد الى التوحيد ذلك كون المعتقد من الغرائز القوية الثابته في عقول الشعوب فكانت دائما تتعلق بملأ فراغ السؤال الذي عجز العقل الاجابة عنه. من نحن وماهو المصير ومن اين اتينا واين ذاهبون؟
ان المعتقدات الدينية في الدين المصري القديم رسّخ قواعد الرمز المقدس فتطورت عباداته المتعددة للآلهة فسّرت الموت عبارة عن انتقال من حال فانٍ الى حال ارقى منه بحيث يبقى شي في الجسم غير فانٍ فربطوا خروج الروح من الجسد لتكتسي جسداً آخر ارقى منه، لقد اراد الإنسان البدائي تأسيس موت الجسد وخلوده بالروح على اساس موروث روحاني له متعلقات الجسد حتى ان الفلسفة اليونانية اسست المعتقد الروحاني بين المادة وهي الجسد والجوهر وهي الروح، او القدرة الروحانية فيها، فلقد ملأ سقراط العالم بالارواح كي يقرب المسافة بين الله والانسان، فتلك الارواح هي التي توحي بأخبار الغيب، اذ اقر ان الارواح لها وجود سابق قبل خلق الجسد ولها المعارف الأزلية ، لقد كانت لأفكار افلاطون وسقراط من قبله التاثير الكبير في نقل الفكر الديني من الإله المتعدد الى الإله التوحيدي، فموت الأنسان وانتقال الروح فيه لعالم آخر اسس المعتقد التوحيدي فصارت الروح والموت من المباحث الروحانية التي ارتبطت بالأديان وأسست الإله الواحد غير المتعدد. وجدت اشكال التعدد الإلهي افكارها المثيولوجية حتى في الأديان الأبراهيمية، ففي المسيحية اتخذت عقيدة التثليث بين الاب، الابن، روح القدس، نموذج عقائدي للإله المتعدد في شخص يسوع المسيح، اذ كان المسيح عبارة عن 3 اقانيم إلهية داخل اقنوم الهي واحد، اي بمعنى جمع التعدد الإلهي والتوحيد في العقيدة المسيحية اذ كان بولس حديث العهد بالوثنية التي آمنت بالتعدد، فأسس من خلاله تعددية الإله في الإله الواحد بشخص يسوع المسيح، فهو الإله الأب في السماء، الإله الابن في الأرض، وقوته الفعالة روح القدس إله الكون في كل مكان.
تاريخياً مرت الأمم البدائية بمراحل الإعتقاد فتطورت بين الألوهية والربوبية من طور التعدد الى التوحيد والوحدانية بحسب تاريخ كل معتقد، فطور تعدد الألوهية، اتخذ تشكيل القبائل البدائية عدة ارباب وكانت عبادتها تتباعد بين قبيلة واخرى، ثم انتقلت العبادة الى التمييز بين الأرباب فيأخذ احد الأرباب مكانة اسمى ما يجعل القبيلة تقيم المراسم والطقوس فيتفرد بالعبادة دون غيره من الأرباب الوثنية، فيكون اقرب الى نيل القناعات التعبدية لجموع القبيلة، بيد ان اطوار العبادة انتقلت من الوعي الوثني الى الوعي التأملي الغيبي في جعل الإله اكثر استقرارا في النفوس واصعب نيلاً في العلاقة المباشرة به. توحدت القبائل في عبادة الإله الوثني الواحد حتى قلّت اعداده وصار يمتلك الإله الوثني صفات لم يمتلكها كل الأرباب الوثنيين، فانتقلت العبادة الى جموع اوسع ومناطق اشمل في الرقعة الجغرافية، فاستقرت صفات الإله الوثني مردوخ عند اليهود مما الغى العديد من عبادات الأرباب الوثنيين فحل محلهم، لهذا بدأت العبادة الوثنية بالتراجع ذلك ان الوعي الجماعي تطور فبدأت الصفات الروحانية في المعبود الوثني تتحول نفسها الى الإله الروحاني المعبود، لقد ساعد ذلك التطور الحضاري فبدأت المرحلة التعبدية اكثر عقلانية فصار العقل البشري ابعد عن الخرافات الوثنية ولم يعد يتقبل وجودها الوثني في الحضارات الجديدة للأمم فتم دمج المعتقد بالفكر الواعي فصار يميز بين المادة التي صنعها والروحانية التي لا دخل للعقل فيها الا لمجرد التقديس لحالة روحانية خارج اطار العقل البشري فصار التطور الديني للإيمان من المحسوس الى الرمز الروحاني للطبيعة مع ابقاء صفات الإله الوثني في القوة والسلطان. اي صارت التحول من عبادة الارواح التي تسكن في الألهة الوثنية الى عبادة الظواهر الطبيعية من كواكب ونجوم واقمار وعواصف وامطار.
لقد قدمت الكثير من البحوث والدراسات في عقيدة الإله الواحد وفي سبب انحسارها للشعوب السامية، الا ان تلك الدراسات قدمت العديد من الإفتراضات لعل اهمها للواقع هو التحول الوثني والعقلية القبلية التي تدرّج تاريخها للمعتقد، ولم يعرف سبب تركز العقائد الروحانية في الإله الواحد في الرقعة الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط التي اختصت بعبادة الإله الغير مرئي. ان الأديان الإبراهيمية اكدت على التوحيد منذ بدأ الخليقة مدعية نزول آدم للأرض وتلقيه التعاليم الإلهية الأمر الذي يبعد هذه الفكرة في الكثير من القرائن التاريخية، لذا فنظرية عبادة الإله الواحد الذي بدأت فيه البشرية الغته المادية التاريخية للشعوب. لنا العديد من الأدلة التاريخية لشعوب قبل التاريخ التي بسطت نفوذها على مسرح التاريخ فكلها كانت تتدرج في المعتقد لم تكن بمعتقد توحيدي درجت عليه البشرية في تاريخها القديم. ان البحث العلمي لنشوء الأديان بدأ في نظرية اصل الأنواع لداروين فلقد فسرت الوجود البيولوجي للإنسان ومنها انطلق التطور الإجتماعي والتاريخي لنشوء الأديان، فلقد تم استبعاد احتمال خلق الإنسان من قبل إله واع مفكر مبدع اعطى المعارف للإنسان منذ خلق آدم، ان القرائن اثبتت ان غياب اللغة في تاريخ الإنسان واستخدام الصور والنقوش والرسوم وتباعد القبائل والشعوب عن بعضها عبر القارات انشأ اللغات المتعددة وتطور الكتابة واكتشاف النار وتحول الإنسان من العصر الحجري والجليدي وعصر الزراعة وغيرها حوّلت المجتمعات وصراعها من اجل البقاء تدعم عدم صلاحية الفكرة الدينية لخلق الإنسان عبر إله قادر على ادارة حياته في الارض. امامنا البحث الانثروبولوجي الذي اضاف دليلاً جديداً على اعتماد الجانب العلمي والتاريخي والاجتماعي لتطور الحضارات والمجتمعات البشرية وكذلك سلوكيات الإنسان واعماله فلقد ظهر مصطلح الانثروبولوجيا الإجتماعية التي عنيت بعلوم الإنسان ككائن اجتماعي، وقد ساعدت دراسات Edward Tylor ادوارد تايلور استاذ الانثربولوجيا ” علم الإنسان ” حيث جسدت افكاره ان المجتمعات اجتازت ثلاث مراحل تطورية ابتداءً بالهمجية الى البربرية حتى وصولها لمرحلة الحضارة. لقد اعتبر الروح الرابط لتطور الدين عبر التاريخ، آمن بالروح الفردية للأشياء وقد اعتبر ان عالم اللامنظور اساس الفكر الثقافي لأي معتقد ديني. لقد ربط بين المفاهيم الخاطئة لظواهر الطبيعة كالموت والمرض والأحلام، كلها تفسيرات خاطئة ومن خلالها نتجت فكرة الروح، اي الروح في خروجها من الجسد ولا تعود اليه، هي تفسيرات نتجت عن طريق الفهم الخاطئ للحقائق العلمية والتي كان غيابها السبب في بروز المعتقدات. بحسب تايلور ان الغموض والجهل في مظاهر الطبيعة وفك اسرارها جعل الإنسان يستعين بالكهنة طالباً التفسير في كل ما يراه ويشعر به فظهرت التفسيرات الغيبية وصنعت التمائم والتعاويذ فصارت تحيط العقول الكثير من الخرافات فالكاهن كان الوسيط بين الإله والإنسان المتعطش للإحساس الغيبي ففيه يحقق قناعاته.
بحسب تاريخ اديان الشعوب كانت عبادة الطواطم في مصر القديمة من تقديس النسور، النحل، الافاعي، والقطط التي ظن ان الأرواح تسكن فيها، تحولت تلك المعتقدات الى رموز دينية وقد انتشرت عبادة الروح حتى صارت الإيمان بالبعث والحساب بعد الموت فكانت زيارات قبور الموتى فقاموا بتشييد القبور وتحنيط الجثث، فقصة حورس واباه اوزيروس بقي في رعاية الآلهة واحتفظ بحق ميراثه للعرش. يشير تاريخ الأديان عند السومريين ان عقولهم اتجهت الى السماء فهي بحسب إيمانهم مصدر القوى الغيبية التي تحرك العناصر المدمرة للبشرية من عواصف، امطار، رعود وفيضانات، فهذه هي الصفات الإلهية حيث مقر الإله في السماء. فصار الإيمان باله السماء انه يكافئ الناس على اعمالهم وطاعاتهم اليه، وهو المسؤول عن حياتهم وموتهم. لقد طوّر الفكر الديني إله التعدد الى إله واحد في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، عندما اسس الفرعون اخناتون عبادة إله الشمس آتون فقط، فلقد قام بغلق المعابد وحطم صور الآلهة الاخرى، ادى عمله هذا الى ظهور نزعة تحررية رغم اضطهاده للمعتقدات إلا انها اسست إله التوحيد واستمر هذا الحال لألف عام حتى قام العبرانيون بعدها بعدة قرون بممارسة عباداتهم بعبادة إله واحد في اليهودية. لقد تميز كتاب التوراة بمحاولات التحرر من تبعية الوثنية إلى الإله الواحد، إله بني اسرائيل، عبدوا الإله ايل فلم يكن ايمانهم بالإله الواحد المتفرد في الكون قد اتخذ اطار العقيدة إلا في عهد اشعيا الثاني فلقد نهاهم عن عبادة الاصنام. لقد جمع اليهود كل صفات الإله غير المرئي في الإله مردوخ، فصار تاريخ البشرية الديني من التعدد في الكيان الوثني لمردوخ الى الإله المتعالي غير المرئي حاملاً نفس صفاته. ذلك ان التعبد في معناه الضمني هو ان الإله الدنيوي كان في الحقيقة مظاهر مختلفة لإله واحد اسمه مردوخ. اننا امام الوحدة الحضارية للمجتمعات وتقاربها مع تقدم التاريخ ان شجع على ظهور الإيمان بالوحدة الإلهية فهو مفهوم موحد لنفس الفكرة الإعتقادية ففكرة الوحدة الإلهية تدرجت في اطارها التاريخي فولّدت الإله الواحد.
لقد اجتاز الدين الإسلامي مشكلة الوثنية والتعدد إلى الإيمان المباشر بالإله الواحد من خلال نضوج الفكرة الإيمانية لعبادة إله واحد غير مرئي يحمل نفس الصفات البشرية تقريباً مضافاً اليها صفات لا يملكها البشر، لكن مفاهيم التوحيد في الإسلام اختلفت حسب الطوائف والفرق الإسلامية، صوفية ان كانت او فلسفية. فالصوفية اقرت بوحدانية الله عندما تغيب فيه فردية المتصوف وشخصيته فلا يجد من بقايا شخصيته غير الله الواحد في كيانه فهذه الوحدانية لله هي الفناء في الذات الإلهية، هذا الفناء الذي تلغى فيه الإرادة الشخصية فلا ايمان بالوحدانية قبل فناء ذاته. الفناء بمعناها الديني للمتصوف اعلى مراتب العروج الى الذات الإلهية، فيوسف الحلاج قد وقع في شطحات التصوف وضرب مثلاً في فناء ذاته لوحدانية الذات الإلهية حتى بات من العسير الفصل بينهما. عاش المتصوف ابو زيد البسطامي وحدة الوجود في الذات الإلهية حتى تلاشت نفسه وفنى في الله، فاصبح هو الله وفي مجالسة روحانية معه. نحن امام اديان تدرجت في فهم الوحدانية التي انتجها التعدد الإلهي، فهي بحسب المعتقدات اندرجت ضمن المفاهيم الروحانية فحسب، فما يشعر به المتصوف من حالات عقلية يراها من زايته الإعتقادية غير ما يراها المتصوف الأخر لهذا اختلفت وحدانية الذات الإلهية من متصوف لآخر، هذا يدلل ان التجارب العقلية للإيمان لا تصيب حقيقة الوحدانية ولا تعرف مسارها الروحاني انما هي في زج العقل عنوة للإيمان بفكرة سابقة عن وحدانية الله. يذكر فراس السواح في كتابه الرحمن والشيطان، ص 20 ” ان عدم اتخاذ الألوهية في المعتقد الحلولي قناع إله مشخص يدخل الإنسان معه في علاقة ثنائية من اي نوع، يقود الى احلال العرفان الداخلي محل الطقوس والعبادات حيث العبادة معرفة والطقس انكفاء نحو الداخل في محاولة لتلمس الألوهة في اعماق الذات الفردية ” تقودنا هذه الاستنتاجات الفكرية ان امر الألوهة علاقة العقل البشري بالمعتقد الغيبي الذي تدرج اصلاً من عقيدة التعدد الإلهي، علاقة لا نجزم بحقيقة وجودها خارج العقل انما نتاج محض ايماني لسعي بحث الجنس البشري عن ذات عليا تفسر له اصل الوجود فلا طريق امامه غير طريق الإيمان بعقائد الغيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة