الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أغرب الناس في العالم: كيف أصبح الغرب غريبًا نفسيًا ومزدهرًا بشكل خاص-

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 6 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتاب " جوزيف هينريتش"
هذا هو عنوان الكتاب الأصلي
The Weirdest People in the World: How the West Became Psychologically Peculiar and Particularly Prosperous
لإعداد هذا الكتاب اعتمد المؤلف على أحدث الأبحاث في الأنثروبولوجيا وعلم النفس والاقتصاد وعلم الأحياء التطوري لاستكشاف كيفية دمج علم نفس "الغرابة" في حواسنا، ويمكن أن يعطينا نظرة جديدة على علم النفس والتاريخ والثقافة الخاصة بنا. وطبعا، مختبره كان "الإنسان الغربي في الغرب".

نعلم جميعًا الصور النمطية عن الأشخاص من مختلف البلدان ؛ لكننا ندرك أيضًا أن هناك بالفعل اختلافات ثقافية واسعة بين الأشخاص الذين نشأوا في مجتمعات مختلفة. يثير هذا تحديًا عندما يتم إجراء معظم الأبحاث النفسية على شريحة ضيقة وغير تمثيلية من سكان العالم - وهي مجموعة فرعية تم تصنيفها بدقة على أنها ( مجموعة غربية ومتعلمة وصناعية وغنية وديمقراطية). وقد توصل "جوزيف هينريتش" إلى النتيجة التالية : "إن التركيز على هذه المجموعة أدى إلى تحيزات منهجية في طريقة تفكيرنا في علم النفس البشري". لذا اقترح "جوزيف هينريتش" ، نظرية مفاجئة لكيفية وصول الأشخاص الغريبين إلى هذا المنحى ، بناءً على إصرار الكنيسة على إلغاء الزواج من الأقارب. إنها فكرة جريئة تدفع إلى إعادة التفكير في كيفية ظهور عالم "هذه المجموعة".

حسب "جوزيف هينريتش"، أصدر بعض آباء الكنيسة الأوائل الغير معروفين منذ حوالي ألف عام التحدير التالي: "لا تتزوجوا بنات أعمامكم". ولكن لم يعلنوا عن دافع أو سبب هذا الحظر والغاية منه . وقد طور المؤلف ليقر بأن الإشكالية قضية رائعة تعج بالأدلة ـ فقد غير هذا الحظر – غير المفهوم- غير وجه العالم، من خلال خلق مجتمعات أفراد " WEIRD " (Western, educated, industrial, wealthy and democratic ) أي " مجتمع أشخاص غربيين متعلمين وصناعيين وأثرياء وديمقراطيين".

أنتجت هذه القاعدة البسيطة ( الحظر المذكور) سلسلة من التغييرات، إذ خلقت دولاً لتحل محل القبائل والعشائر، وعلوماً لتحل محل الأساطير والخرافات و التقاليد، وقوانين لتحل محل الأعراف والعادات. لكن أفراد مجتمع "WEIRD " يختلفون في العديد من المقاييس النفسية.

هناك مليارات من الناس في العالم اليوم يمتلكون عقول تختلف تماما عن عقول أفراد مجتمع "WEIRD " الذين يبدون "غريبي الأطوار" – في عيون الآخرين - ويتصفون بالفردانية ويفكرون بشكل تحليلي، ويؤمنون بالإرادة الحرة، ويتحملون عبء المسؤولية الشخصية، ويشعرون بالذنب عندما سيؤون التصرف ويرون من اللازم والضروري كبح وقمع محاباة الأقارب بل ويعتبرونها سلوك خارج عن القانون. في حين أن أغلبية سكان العالم غير المنتمون لمجتمع "WEIRD" – يشير إليهم المؤلف بعبارة – " non-WEIRD" - ينخرطون بشكل أكبر مع الأسرة والقبيلة والعشيرة والمجموعة العرقية، ويفكرون بشكل أكثر "شمولية"، ويتحملون المسؤولية عما تقوم به مجموعتهم (ويعاقبون علناً أولئك الذين يدنسون شرف المجموعة)، ويشعرون بالخزي ـ وليس بالذنب ـ عندما يسيئون التصرف وينظرون لمحاباة الأقارب باعتبارها واجباً طبيعيا قد تعاتب من لا يأخذ به بشدة .

وبعد النظر في مئات التجارب النفسية، استنتج المؤلف أن الخط الفاصل بين ما هو " WEIRD" و" non-WEIRD " ليس واضحاً كما هو الحال في جميع الخطوط في التطور. فهناك كل أشكال التهجين والحالات الوسيطة والاختلافات الغير قابلة للتصنيف ، ولكن كان هناك أيضاً من يميل إلى تصنيف الناس إلى هذين النوعين، اللذين لا يمكن تمييزهما وراثياً ولكن يمكن تمييز الاختلاف النفسي العميق بينهما.

في البداية تم الاهتمام بخريجي الجامعات أو أبناء الأكاديميين وغيرهم ممن يعيشون بالقرب من الجامعات. وكان كل الباحثين تقريباً يفترضون أن النتائج التي تم التوصل إليها استناداً إلى هذه المجموعة من الأشخاص هي سمات عالمية للطبيعة والمخ والنظام العاطفي البشري. ولكن عندما جرت محاولات لتكرار هذه التجارب مع أشخاص في بلدان أخرى، ليس فقط مع العمال البسطاء والأميين ومزارعي الكفاف بل وأيضاً مع نخبة من جملة من البلدان الآسيوية وغيرها ، تبين في حالات كثيرة أن موضوع العمل الأول كان متحيزا بدرجة كبيرة منذ البداية.

إن مجتمعات الـ " WEIRD" هي المجتمعات الأكثر تطور وحداثة اليوم وهي التي نشأت من ابتكار الزراعة منذ حوالي عشرة آلاف سنة، ومن بروز الدول والأديان المنظمة للتجمعات البشرية منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة، وظهر "جنين" تلك المجتمعات – ينعتها المؤلف بـ (proto-WEIRD) - على مدى 1500 عام الماضية (بفضل الحظر المفروض على الزواج من الاقارب). وبلغت ذروتها في سرعة الوصول بيولوجيًا للعلم والصناعة والعالم "الحديث" خلال الـخمسة قرون الماضية أو نحو ذلك. تطورت أفكار الـ " WEIRD "بفعل الانتقاء الطبيعي وليس الانتقاء الجيني، فقد تطورت بفعل الانتقاء الطبيعي للممارسات الثقافية وغيرها من العناصر المنقولة ثقافيا وليست الموروثة.

ولعل من بين أول الدروس المستخلصة هو وجوب الكف عن افتراض أن طرق التفكير والتحليل الشائعة إلى يومنا هذا عالمية.

وقد بين "هينريتش" – بوضوح - أن العديد من أساليب التفكير لدى الـ" WEIRD" كانت نتيجة للاختلافات الثقافية وليس نتيجة الاختلافات الجينية. فاللغة على سبيل المثال، لم تُختَرَع البتة بل تطورت. وكذلك هو الحال بخصوص الأديان والموسيقى والفنون وطرق الصيد والزراعة وقواعد السلوك والمواقف حول الصلات العائلية التي تترك اختلافات قابلة للقياس في علم النفس وحتى في أدمغتنا.

يعرض المؤلف مثالا واضحا، يستخدم الناس نصفي المخ (النصف الأيسر والأيمن) من أدمغتهم بشكل متساوٍ للتعرف على ملامح الوجه، لكن بالنسبة لأفراد مجتمع الـ WEIRD مناطق نصف المخ الأيسر مخصص لأداء المهام اللغوية، لذلك ، فالغربيون أسوأ بكثير في التعرف على الوجوه من الأشخاص العاديين. وحتى وقت قريب كان قلة من الباحثين يتصورون أن النشأة في ثقافة معينة يمكن أن تخلف مثل هذا التأثير على التشريح العصبي الوظيفي.

إن الحجر الأساس لنظرية "هينريتش" متعلق بالدور الذي يلعبه ما يسمى "برنامج الزواج والأسرة للكنيسة الرومانية الكاثوليكية"، والذي يتضمن حظر تعدد الزوجات والطلاق والزواج من الأقارب وحتى من أقارب الدم البعيدين مثل أبناء العمومة من الجد السادس، وعدم تشجيع التبني والزواج المدبر من العائلة وقواعد الميراث الصارمة التي سادت في الأسر والعشائر والقبائل الممتدة. ويرى المؤلف أن " العبقرية العرضية" للمسيحية الغربية تتلخص في التوصل إلى كيفية تفكيك المؤسسات القائمة على الأقارب وفي الوقت نفسه تحفيز انتشار المسيحية. وهذا بصرف النظر عن أن الكنيسة أصبحت غنية من خلال إضعاف روابط القرابة التقليدية. وفيما يتعلق بالسبب الذي جعل آباء الكنيسة يطبقون هذه المحظورات بإصرار رغم مقاومتها على مر القرون، فإنه لا يزال أمرا غامضًا.

في مختلف أنحاء العالم اليوم، لا يزال هناك تباين كبير في المجتمعات، فبعضها يُسمح فيها بزواج الأقارب بل ويُشجعه، وهناك مجتمعات قد يكون فيها هذا النوع من الزواج أشبه بالمحظور. وهناك أسباب وجيهة افتراض أن أسلافنا الأوائل قد تم تنظيمهم لعشرات الآلاف من السنين من خلال علاقات القرابة الوثيقة، والتي لا تزال تزدهر حتى اليوم في معظم المجتمعات. وعلى هذا فإن ما حدث في أوروبا بدءا من منتصف الألفية الأولى كان بمثابة تطور كبير يقتصر إلى حد كبير على ثقافات معينة أو يتركز فيها على الأقل، حيث كانت ردود الفعل الإيجابية تحول الميولات الصغيرة إلى اختلافات ضخمة، ثم حولت بعد ذلك المزيد من الاختلافات إلى ميلاد أفكار وثقافة الـ " WEIRD" .

اليوم ، من خلال استخدام البيانات المستمدة من تاريخ العالم والأنثروبولوجيا والاقتصاد و"نظرية الألعاب" وعلم النفس وعلم الأحياء وغيرها من العلوم، تماسكت جملة من الافتراضات. في سنة 1960 ظهر مجال علم التاريخ الاقتصادي، وسجله الضخم من البيانات والإحصاءات، ويريد "هينريتش" أن يُظهِر إلى أي مدى يمكن دفع هذا النهج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل