الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البناء الاجتماعي للاسرة السورية رؤية سوسيولوجية

وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور

2022 / 6 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تـمهيــــد :
إن البناء الاجتماعي كيان واقعي واضح وملموس، وإذا لم يكن البناء الاجتماعي بناء فيزيقاً، فإن وجوده واضح وضوح الظواهر الفيزيقية، فنحن نستطيع تصور ذلك الكيان حين ننطق كلمات "أسرة- جماعة- مجتمع محلي"، ونحن بذلك لا نقصد الوجود الفيزيقي أو المجموع العددي للأفراد، بل نقصد كياناً واضحاً تعمل على إيجاده العلاقة التكاملية للأفراد .

أولا : البناء الاجتماعي
يعني الأسلوب الذي تنتظم بموجبه أجزاء الكل فيما بينها ، ووفق هذا المعني فالبناء هو الشكل الناتج عن تنظيم العناصر المكونة له ، وهي عناصر لاتعني شيئا في ذاتها ولا معني لها إلا بمساهمتها في المجموع ( ) .
ويتضمن البناء الاجتماعي مختلف أنواع الجماعات والنظم التي تربط بين أفراد المجتمع بدون استثناء للنظم الطارئة وللجماعات الصغيرة والمؤقتة والتي لا تستمر في الوجود إلا فترة قصيرة من الزمن والتي تخضع للتغير السريع ، ويمكن التعرف علي بناء المجتمع أو البناء الأسري من خلال الكشف عن العلاقات السائدة بين الأفراد وذلك بعد التعرف علي قدرتهم علي أداء الأدوار المختلفة( ) .

ثانيا : الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للاسر السورية :
تتميز الاسر السورية بخصائص تختلف عن تلك الخصائص العامة المميزة للمناطق الأخرى، حيث قسمت تلك الخصائص على النحو التالي:
1- سمات المكون الاجتماعي والاقتصادي وخصائصه.
والتي تتمثل في الكثافة السكانية العالية وارتفاع معدل التزاحم في الغرفة وارتفاع معدل المشاركة في السكن وارتفاع معدل الجريمة وانتشار المشاكل الاجتماعية والأسرية وأوكار الإدمان والرذيلة كذلك ينخفض مستوى الحالة التعليمية وينخفض مستوى الدخل العام للمنطقة، حيث نجد أن غالبيه السكان ذوى دخل منخفض، وانتشار العرقيات والعصبيات مع انتشار التفكك الأسرى، وعدم الإحساس بالانتماء للبيئة المحيطة كذلك تناقص فرص العمل مع تزايد الدخول الطفيفة( ) الأمر الذي يؤدى إلى سوء الحالة العامة لمباني المنطقة ومخالفتها قوانين المباني وقواعد التنظيم، وكذلك تداخل الاستعمالات والأنشطة سواء كانت سكنية أو تجارية وتوجد أيضا نسبة من المساكن مبنية بمواد بناء مؤقتة أو غير مناسبة بالإضافة إلى عدم توافر المرافق بنسبة كبيرة من المباني والمساكن لعدم توافرها أو لنقصها بالمنطقة، بالإضافة أيضا إلى سوء الإضاءة والتهوية بالمباني وعدم توافر أو كفاءة شبكات المرافق بالإضافة إلى وجود الكثير من المشاكل والأعطال لشبكات المرافق، كذلك عدم كفاية أو عدم وجود نظام جمع القمامة والمخلفات مما يسبب تلوثا بالمنطقة والعديد من المشاكل الصحية، كذلك شبكات الطرق بالمنطقة ضيقة ومتعرجة وبها العديد من الإشغالات التي تعرقل المرور كما تنتشر الأسواق بالمنطقة وتستعمل الشوارع كوسيلة للعرض مما يزيد من مشاكل المرور.
2- بالنسبة للخدمات:
الخدمات التعليمية والصحية والأمنية والإدارية لا تكفى، كذلك لا تتوافر سبل المواصلات العامة سواء داخل هذه المناطق أو الاتصال بمناطق أخري، كما يستخدم الشباب والأطفال الطرقات كملاعب وأماكن للترفيه مما يسبب العديد من المشاكل الاجتماعية كنتيجة لعدم وجود مساحات وميادين ومناطق مفتوحة( ).
وتؤكد منشورات الأمم المتحدة التي تناولت دراسة المستوطنات العشوائية، أن تلك التجمعات السكانية التي نتجت عن الامتداد العمراني العشوائي تنمو عادة علي أطراف المدن الكبرى وتعرف بتدني مستواها من الناحية الفيزيقية والاجتماعية فهي غير مخططة وتنشأ علي أراضي الدولة، ولا تتوافر فيها المرافق والخدمات الأساسية وشوارعها ضيقة متعرجة غير ممهدة ومساكنها وإن كانت غير قديمة حيث لا يزيد عمرها عن ثلاثين عاما إلا أنها يغلب عليها الطابع الريفي وتفتقر إلي أبسط وسائل الراحة وهي مخالفة من حيث ملكية الأرض التي تقام عليها ومخالفة لقواعد وأسس البناء الرسمي المعمول به( )، ويرى "توفيق جلال" أن أهم خصائص المناطق العشوائية هي الافتقار إلي النمط العمراني، والافتقار إلي المرافق وعدم وجود الخدمات الكافية وانتشار الفقر، وانخفاض معدلات التعليم وانتشار الأمية وانخفاض مستويات الرعاية الصحية، وارتفاع معدلات الجريمة بشكل عام، وانتشار الأنشطة الاقتصادية والهامشية وتجارة المخدرات والانحرافات واحتماء العناصر الإرهابية في السنوات الأخيرة بهذه المناطق( ).
وكل ما سبق يعني أنه تدهور للبيئة في الأحياء الفقيرة المحرومة من الخدمات وكل هذا يؤدي إلى رفع نسبة الجرائم وحوادث القتل والسلب والنهب وتصبح تلك المناطق غير المخططة والمزدحمة بالسكان مهددة بالخطر الشديد على اختلاف أشكالها، وقد تعجز القوانين والتشريعات عن حماية المجتمع من الانهيار عن طريق أبنائه مما يستلزم النهوض بالمناطق العشوائية الفقيرة، حيث أن هناك علاقة تأثير وتأثر بين البيئة والإنسان وبالتالي فمن المستحيل أن تكون هناك بيئة أمنة من خلال أفراد لا يملكون قيم النهوض بتلك البيئة والحفاظ عليها( ).
وعلى ذلك فأن أهمية دراسة الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للاسر السورية تتمثل في تزاحم حجم المناطق الحضرية العشوائية التي تنتشر بصورة ملفتة للنظر في غالبية مدن العالم وخاصة مدن العالم الثالث إلي درجة أنها قد تمتد لتشمل مناطق شاسعة قد تتجاوز في بعض الأحيان مساحة المدينة ذاتها أو تزيد عنها( ).
كذلك رغم الإجراءات التي قد تتخذها سلطات بعض الدول للحد من انتشار هذه الظاهرة أو القضاء عليها إلا أنه رغم ذلك فإن حجمها يأخذ في الازدياد وتتزايد أعداد من يقطنونها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري تتلخص في أن مواجهه هذه المشكلة من قبل الدولة تتخذ أشكالا متعددة أهمها توفير أماكن ملائمة للسكن بمناطق أخرى ونقل سكان الأحياء العشوائية إليها وهدم تلك المناطق برمتها وإعادة بنائها وهذا في حالة توافر الأموال لذلك أو التسليم بالوضع الراهن وتعزيز الخدمات والمرافق بتلك المناطق ومحاولة الارتقاء بها( )، وعادة ما تلجأ بلدان دول العالم الثالث الآخذة في النمو إلى الحل الأخير وذلك البلدان تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية حادة( ).
ويمكن التعرض لخصائص وسمات الاسر السورية من وجهه نظر الدراسة الراهنة علي النحو التالي:
1- الخصائص الاجتماعية ويمكن تناولها كما يلي:
أ- صراع القيم والعمل:
يتميز الأسر السورية في المجتمع الحضري بمجموعة من الأنماط يمكن تمثيلها في صراع القيم والاهتمام الذي ينتج عن التعقيد المتزايد وتنوع الحياة، الاجتماعية، فهناك اختلاف في المطالب التي تجعل اهتماماتهم متعارضة مع قيم واهتمامات الآخرين ، وليس الصراع في القيم والاهتمام فقط وإنما الصراع في التنافس داخل العمل وبين الأعراف أو العادات الجمعية والدول وبين الدين والدولة وبين الصداقة( ). وكل هذا الصراع من شأنه تهميش الأفراد لتكوين الجماعات الهامشية في ضوء غياب العمل والقيم.
(ب) التنشئة الاجتماعية الخاطئة:
وتعني التنشئة الاجتماعية النظر إلى مدخلين أحدهما الفرد والآخر المجتمع، ويكون الهدف هو التوفيق بين المدخلين( )، ولكن التغير الاجتماعي الحادث لهؤلاء الفئات لا يقوم بعملية إعادة التنشئة الاجتماعية للأفراد الداخلين في عملياته، فالأفراد لا يعرفون تماماً كيف يتصرفون في مكاناتهم المكتسبة حديثاً في المواقف الاجتماعية التي تغيرت جوهرياً، وقد يؤدي ذلك إلى عدم الكفاية البنائية المؤدية للانهيار الجزئي لقنوات الاتصال بين الناس في المجتمع( ).
وبالتالي ترتفع نسبة المشاكل الاجتماعية لهذه المناطق، كالإجرام وتشرد الأحداث وكذلك المشاكل الأسرية كالطلاق والمشاجرات العائلية وسوء العلاقات بين الأسر( )، وهذا يفسر أن التنظيم الاجتماعي لسلوكهم يشكل شخصية تضم القرارات المتغيرة مثل القصورات المتغيرة في نمط شخصيتهم، الأمر الذي يفقد هويتهم الثقافية والاجتماعية وربما العقلية( ).
وهذا يؤكد على أهمية التنشئة الاجتماعية بمؤسساتها المختلفة بدافع الخوف الشديد على الأبناء نظراً لتحويل تلك الأهمية إلى تهميش الأفراد في تربيتهم وصرامتهم بالاسر السورية.
2- الخصائص البيئية ويمكن التعرض لها كما يلي:
- المستوى الرديء لغالبية المساكن بالمناطق الهامشية.
- افتقار نسبة كبيرة للمرافق والخدمات الأساسية كالمياه والمجاري والكهرباء.
- ضيق الشوارع بالمناطق المقيمة فيها الاسر السورية وكثرة تعاريجها.
- تداخل الأنشطة التجارية والاقتصادية والصناعية مع المناطق السكنية.
- افتقار هذه المناطق إلى المساحات الخضراء والمفتوحة و أماكن الترفية واللعب.
- عدم وجود احتياطات لمواجهة المشاكل التي قد تنتج بالمنطقة (الحريق وانتشار الوباء... الخ) والذي قد يرجع إلى التكدس وعدم النظافة وسوء التهوية( ).
3- خصائص أخرى:
هناك العديد من السمات الأخرى التي تميز الاسر السورية في المجتمع الحضري وذلك مثل انخفاض مستوى الدخول والوعي مما يجعلهم فريسة سهلة لانتشار الأمراض بكافة صورها العادية والمتوطنة والأوبئة( )، هذا بالإضافة إلى ضعف انتماء الأطفال لأسرهم وافتقاد حركة منظمة لهذه الأسر وذلك بسبب غياب سلطة الأب أو تقلصها وذلك لعدة ظروف منها عدم تواجده بصفة منظمة أو انشغاله في البحث عن مصادر الرزق مما يؤدي إلى عدم وجود قيم بناءه تفرزها ككيان اجتماعي بين أفرادها حيث تشكل هذه القيم عصب الارتباط بين هؤلاء الأفراد( ).
وأخيراً عدم الشعور بالخصوصية سواء لطبيعة المسكن (لأنه بني من حديد أو صفيح أو كرتون) أو طبيعة الأسر (التفكك الأسري) وبالتالي انتشار قسوة الحياة وعنفها وشيوع حالة التربص المستمر بين أفراده من ناحية وبين المجتمع الأم من ناحية أخرى وكذلك انتشار اللامبالاة وكثرة الرذيلة والسلوكيات المرفوضة قانونياً واجتماعياً( ).
ثالثا : الاتجاهات النظرية لدراسة الأسر السورية
1- الاتجاه التفاعلى:
لقد تطور هذا الاتجاه فى ميدان علم الإجتماعى وعلم النفس الاجتماعى بدأ حوالى منتصف العشرينات من هذا القرن عندما وصف ارنست بورجى الذى كان من أتباع جورج هوبرت ميد وكان مؤمناً متحمساً للتفاعل، وصف الأسرة بأنها وحدة من الشخصيات المتفاعلة.
وقد سيطر هذا الاتجاه على دارسى الأسرة خلال السنوات الماضية ويهدف إلى تفسير ظواهر الأسرة فى ضوء العمليات الداخلية لأداء الدور وعلاقات المركز ومشكلات الاتصال واتخاذ القرارات وإرجاع الضغوط وما إلى ذلك. ولكن هذا الاتجاه لم يتناول علاقة الأسرة بوصفها وحدة فى المجتمع وبين النظم الأخرى( ).
وقد استخدم هذا الاتجاه بشكل غالب فى الدراسات الأسرية فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد كان هذا المنهج ثمرة لأعمل جورج هربرت ميد C.H. Mead وفريق جامعة شيكاغو التفاعليين الرمزيين symbol is interactionists ويلاحظ من بين هؤلاء ارنست برجس Burgess أول من رأى إمكانية النظر إلى الأسرة كوحدة تفاعلية عام 1928.
ظهر هذا الاتجاه وتبلورت مسلماته في الفترة ما بين 1890-1910م في كتابات "تشالز كولى، جون ديوى ، جبريل تارد، ،وليام توماس وجورج هربرت ميد) بأمريكا وكتابات (جورج سيمل و ماكس فيبر) في ألمانيا.( )
ويدور فكر التفاعلية الرمزية حول مفهومين أساسيين هما الرموز sumbols والمعاني Meaning في ضوء صورة معينة للمجتمع المتفاعل ويتم تحديد معنى الرموز اللازمة للتفاعل الاجتماعي.( )
وعلى الرغم من أننا قد نتعرف على بعض أوجه التماثل بين التفاعلية الرمزية والتراث في علم الاجتماع الذي ينحدر إلى ماكس فيبر والذي يعرف الآن تحت اسم نظرية "الفعل" Action theory" إلا أن التفاعلية الرمزية تعد نتاجا أمريكيا، وكان موقعها التنظيمي لفترة طويلة يتركز في جامعة شيكاغو، حيث استطاع جورج هربرت ميد Mead (1863-1921) في محاضراته التي ألقاها في الجامعة على طول الفترة من (1894-1931) أن يبلور على نحو متقن الأفكار الأساسية لهذا المدخل.( )
"هربرت بلومر H.Blumer" أحد تلامذة "ميد" في شيكاغو كتب سلسلة مقالات على سنوات عديدة، توضح كيف أن تعاليم ميد كانت ذات صلة وثيقة بعلم الاجتماع ولقد تمكن (ايفرت هيوجيه E.Hughes) وزملاؤه وعلى طول فترة طويلة بدأت عام 1930م أن يعطى لهذه الأفكار دلالتها ومغزاها الامبريقى.( )
تهتم التفاعلية الرمزية بتحليل الأنساق الاجتماعية الصغرى، فهي تدرس الأفراد في المجتمع ومفهومهم عن المواقف، والمعاني والأدوار وأنماط التفاعل وغير ذلك من الوحدات الاجتماعية الصغرى، وذلك على عكس المنظورات التي تهتم بتحليل الأنساق والوحدات الاجتماعية الكبرى مثل المنظور الوظيفي ومنظور الصراع.( )
ويذهب أنصار التفاعلية الرمزية إلى أن الذات هي الموضوع الأساسي أو الوحدة الجوهرية للتفاعل، فالذات تحمل في طياتها كما هائلا من التفسيرات المختلفة والمعاني المختلفة للموضوعات، فالموضوعات الخارجية كما يذهب (بلومر) لا تحمل معان داخلية خاصة بها، أنها ليست كيانات مستقلة بذاتها لها خصائص داخلية وإنما هي توجد فقط في المعاني التي يضيفها الأفراد عليها، وهذه المعاني التي يضيفها الأفراد على الموضوعات تظهر بصورة تلقائية أثناء عملية التفاعل وأثناء حياة يتم تطبيع الذات على مجموعة الرموز والمعاني السائدة في المجتمع.( )
ويفترض التفاعليون الرمزيون أن العالم الرمزي والثقافي يختلف باختلاف البيئة المعرفية أو حتى الطبقية للأفراد ومن خاصيتهم دارسو الأسرة الذين اهتموا بطبيعة الاختلافات بين العالم الرمزي للزوج والزوجة وتأثير ذلك على تحديد توقعات أدوارها، وعلى مجريات التفاعل بينهما ومن هذا المنطلق يحدد المدخل التفاعلي أشكالا للتوتر والصراع بين الأجيال المختلفة في الأسرة أو النطاق القرابى، وبالرغم من أن الأسرة في المدخل التفاعلي الرمزي تفهم بوصفها وحدة متكاملة من الفاعلين إلا أنها تفترض التفاعل بين هؤلاء يتحدد من خلال ما يحملوه في عقولهم ووعيهم من معاني تتصل بالعالم الرمزي المحيط.( )
يرى (هيل Hill وهانسن Hanson) أن المفهوم التفاعلي للأسرة يتبنى الموقف التالي:-
إن إدراك الفرد للمعايير أو توقعات الدور تجعله ملتزما في سلوكه بأعضاء الجماعة، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي ويحدد الفرد هذه التوقعات في أي موقف تبعا لمصدرها (الجماعة المرجعية) وبناء على تصوره الذاتي، وعندما يتمكن من ذلك يقوم بدوره، وتتم دراسة الأسرة الآن من خلال تحليل التفاعلات العلنية والصريحة ( القيام بالأدوار بين أعضاء الأسرة) القائمة على البناء.( )
في عام 1938م جاءت العمال (وولر Waller) لتمثل أول عمل في القياس الأسرى وفقا لهذا المدخل وذلك من خلال كتابه (الأسرة تفسير ديناميكي) الذي يعد مرجعا أساسيا متعلقا بالحياة الأسرية في الطبقة المتوسطة، وقد اقترح (وولر) عقد دراسة للأسرة كوحدة من شخصيات متفاعلة مضاف إليها عبارة وضعها كل له تاريخه؛ وقد أبرز (وولر) من خلال استخدامه لهذا المدخل نقطة هامة وهي النظر إلى الشخصية من وجهة نظر سوسيولوجية متحاشيا وقوعها في وهم الحتمية الثقافية التي قام بها (بيرجيس) التي تعنى أن الدور هو التعبير عن الواقع الاجتماعي وفي ذلك إشارة إلى حقيقة أخرى هامة فالأسرة على أنها شخصية عليا.
قام (هيل Hill عام1951م ) بتلخيص العمل الأساسي لكتاب ( وولر) عن الأسرة من خلال هذا التلخيص قام بتهذيب كثير من الفروض والمفاهيم، وكما ذكرنا فان هذا الاتجاه قد سيطر على اتجاهات دراسات عديدة أخري في الولايات المتحدة مما جعل (روز Rose) يقول أن نصف علماء الاجتماع في الولايات المتحدة كانوا موجهين في أعمالهم بمفاهيم هذا المدخل سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وفي تطور هذا المدخل نجد أن مدرسة شيكاغو قد طورت كثيرا من الأفكار المتعاقبة بالتفاعل، وأن نظرية التفاعل الرمزي قد وجدت طريقها إلى سوسيولوجية الأسرة من خلال أعمال (بيرجيس) حيث قدم برنامج عن الأسرة في المجالات الأثنولوجية، التاريخية ،النفسية ،الاجتماعية ،الاقتصادية والإحصائية.( )
وقد تطور هذا الاتجاه من ميداني الدراسة في علم الاجتماع وعلم النفس وهو ينظر إلى الأسرة باعتبارها وحدة من الشخصيات المتفاعلة، حيث يسعى إلى تفسير ظواهر الأسرة في ضوء العمليات الداخلية (أداء الأدوار، علاقات المركز، مشكلات الاتصال واتخاذ القرارات) ويركز الاتجاه التفاعلي الرمزي على محاوله تفسير سلوك الفرد؛ كما ينضبط ويتأثر ويتحدد عن طريق المجتمع ، كما يركز من ناحية أخرى على الوسيلة أو الطريقة التي ينعكس بها سلوك الأفراد على الجماعات والبناءات الاجتماعية في المجتمع، وبصورة أدق يتركز الاهتمام على تفسير التفاعلات والمعاني المشتركة التي تعتبر لب السلوك الزواجى.( )
ويمكن لممثلي النظرية التفاعلية دراسة الأسرة عن طريق التعرف على كيفية ارتباط الأزواج والزوجات والآباء والأبناء وكيفية ارتباطهم بالمجتمع الخارجي، ويمكن دراسة العملية التي عن طريقها يتعلم أعضاء الأسرة من آبائهم أو أصدقائهم كيفية التصرف مع الأعضاء الآخرين في الأسرة، كما توجهنا نظرية التفاعل إلى كيفية تنمية أعضاء الأسرة للفهم المشترك لأفعالهم من خلال عملية الاتصال اللفظي وغير اللفظي.( )
إن تأكيد التفاعلية الرمزية في تفسير الأوضاع الداخلية والخارجية للتغيرات التي تتعرض لها الأسرة، بمعنى أنها سوف تقف بصورة واضحة على التوترات التي من شأنها أن تفعل فعلها وتحدث خللا بنيويا ووظيفيا في النظام الأسرى، أي أنها من خلال التغير في الأدوار سوف تمسك بتحولات السلطة وتغير الأدوار في داخل الأسرة أو ما يحدث من تطورات في حالات الطلاق أو الموت إن دراسة دورة حياة الأسرة نستطيع أن نقف بالتالي على علاقات الأسرة الداخلية والخارجية.( )
يركز هذا الاتجاه على دراسة العمليات الداخلية للأسرة، ويحدد وحدة الدراسة في العلاقات الدينامية بين الزوج والزوجة والأولاد تحت مصطلح (الحاجات (Needs وأنماط السلوك وعمليات التكيف، ويفيد أيضا في فهم العلاقة بين الأسرة والمجتمع؛ لأنه يركز على عمليات التفاعل داخل الأسرة مع رابطها بالتفاعل الاجتماعي الذي يحدث في البناء الاجتماعي للمجتمع ومن هنا يؤكد أنصار هذه النظرية على أهمية إخفاء المعاني مع كل الأشياء لأن العلاقات الاجتماعية "مثلا بين الزوجين أو الأهل وغيرهما من العلاقات المهمة".( )
وتفهم الأسرة في ضوء هذا المدخل على أنهما وحدة من الفاعلين الذين يعيشون في بيئة رمزية خاصة هي الأسرة، وتحظى الأدوار في الأسرة ، وفقا لهذا المدخل بمساحة كبيرة من دراسات التفاعلية الرمزية بل أنها تكاد تكون القاسم المشترك في معظم دراسات الأسرة المنطلقة من هذا المدخل، وفي إطار دراسة عمليات التفاعل بين الأدوار في الأسرة وكيفية تشكيل هذه الأدوار من خلال التنشئة الاجتماعية يهتم المدخل التفاعلي الرمزي بمجموعة من الموضوعات ونشير إلى أهمها: ـ
1- مواقف التفاعل في الأسرة من حيث المؤثرات التي تؤثر عليها، وعلاقة ذلك بفهم الأطراف المختلفة والنتائج المترتبة.
2- مستوى الإشباع في الأسرة أو ما يطلق عليه أحيانا نوعيه الحياة الزوجية.
3- تبادل الأدوار وتأثير ذلك على نمط التفاعل الأسرى.( )
وينظر علماء التفاعل الرمزي إلى العلاقات الحميمة التي تتكون بين أفراد الجماعة الأولية كالأسرة في التأثير على تفكير الفرد وعلى التفسيرات والمعاني التي يكونوها عن المواقف المختلفة، وهم يجدون أنه من الصعب توقع سلوك الأفراد بناء على الظروف الاجتماعية المحيطة بهم، بل لا بد من النظر إلى الجوانب النفسية من شخصية الأفراد، وهي الأشياء الغامضة من الشخصية، وجدير بالذكر أن علماء نظرية التفاعل وجهوا شطرا كبيرا من اهتمامهم لدراسة الدور الاجتماعي، وكيف يكتسب الفرد دوره، وما سبب حدوث صراع الأدوار وما سبب الضغوط التي يواجهها البعض في أداء الأدوار المتوقع منهم أداؤها.( )
تهتم التفاعلية الرمزية بالموقف الاجتماعي التي تشكله طبيعة العلاقات الاجتماعية، فإنهم يهتمون بالضغوط والأزمات وما يفسر حياة الأسرة، إن اهتمام التفاعلية الرمزية الذي يمثل هذه الأشياء جعلهم يولون المشاكل الخاصة بالأسرة كجماعة اهتماما خاصا، الأمر الذي جعلهم يبحثون مفهوم الدور للحياة الأسرية كإطار مرجعي دينامى يؤكد على أن الأسرة لا تتصف بالاستاتيكا، وفي إطار هذا المفهوم نجد أنهم يرون أن تغير العلاقات داخل الأسرة ما هو إلا نوع من تغير الأدوار التي ترتبط بالأعمال التنويرية لكل مرحلة من دورة حياة الأسرة، وفي إطار هذه الدورة تحدث بعض التغيرات المستحدثة والمتدرجة في الأدوار والمكانات وهو ما يتطلب تكيفا من جانب الأسرة.( )
وإن كانت التفاعلية الرمزية تعتبر من أنسب المداخل النظرية التي تفيد في دراسة الأسرة والتفاعلات الاجتماعية والتصرفات التي تنتج في داخلها وخارجها فإن إطار دراسة الأسرة نجدها تركز على الأفراد من إطار محيط الأسرة أو في علاقتها بأنساق المجتمع الأخرى المكونة له.( )
وقد كان (بلومر) أحد تلاميذ (هربرت ميد) في جامعة شيكاغو وهو الآن يعتبر الشخصية الأساسية في التفاعلية الرمزية وفي بداية حياته المهنية أجرى دراسات حول ظواهر مثل سلوك الحشد ليحدد ويبرهن على وجهة نظر التفاعلية الرمزية في الواقع، وبعد ذلك في السنوات الحديثة أصبح مهتما ببلورة التفاعلية الرمزية وقد نظر (بلومر) إلى المجتمع على أنه عملية مستمرة من الاتفاقية المتبادلة بين الأفراد، واعترف بأن الناس ينمون أنماطاً قيادية من السلوك، غير أن الاهتمام الأصلي يركز على التجديد المستمر لهذه الأنماط، طالما كان الأفراد هم الذين يحددون معاني المواقف والاتصال والتفاعل.( )
ويعتبر (زيمل) أول العلماء الاجتماعيين الذين بدأوا دراسة التفاعل أو التطبيع الاجتماعي كما يطلق عليه، ومن ثم أخرج زيمل دراسته التفاعل من نطاق القضايا المسلم بها إلى مستوى الدراسة العلمية ويرى (زيمل) والجيل الأول من رواد علم الاجتماع في الولايات المتحدة الأمريكية أن الأبنية الاجتماعية والعمليات الكبرى التي درستها النظرية الوظيفية وبعض النظريات المهتمة بالصراع مثل الطبقة والدولة والأسرة والدين والتطور هي انعكاسات للتفاعلات المحددة، بين الناس ورغم أن هذه التفاعلات قد أدت إلى ظهور ظواهر اجتماعية واضحة فإنه يمكن الوصول إلى فهم عميق لهذه الظواهر الأخيرة عن طريق فهم عمليات التفاعل الأساسية التي أدت إلى ظهور تلك الظواهر.( )
ولقد برزت أسماء "وليم جيمس ، تشارلز كولي ،جيمي بارك وجون ديوى" باعتبارها أسماء مؤثرة في تطور النزعة التفاعلية، بيد أنه ومهما كانت المساهمات الفردية لكل مفكر من هؤلاء الآن فإن "جورج ميد" وحدة الذي جمع المفهومات المشتركة بينهم في منظور نظري متكامل يربط بين ظهور العقل الإنساني والذات الاجتماعية وبناء المجتمع وبين عملية التفاعل الاجتماعي.
ويبدو أن (ميد) ميز بين المفهومات الثلاثة بافتراضين أساسيين:-
1- أجبر الضعف البيولوجى للكائنات الإنسانية على التفاعل سويا في سياق الجماعة ليحققوا البقاء على قيد الحياة.
2- يحافظ البشر على استمرار تلك الأفعال التي تسهل التفاهم والتعاون ومن ثم بقائهم، وبناء على هذين الفرضين استطاع (ميد) إعادة تنظيم مفهومات العلماء الآخرين، بحيث تدل على الكيفية التي منها ينبثق العقل والذات الاجتماعية والمجتمع، وكيف يستمر وتدعم كل منها أثناء التفاعل الاجتماعي.( )
وأخيرا مجمل القول أنه على الرغم من أن التفاعلية الرمزية قد اهتمت بما يكتنف الأسرة من مشكلات خاصة باعتبارها جماعة صغيرة في إطار ما يسمى بمفهوم الذات الذي استطاع أن يمدها بفهم واسع للمواقف الاجتماعية التي يصدر من خلالها السلوك والتصرفات الناتجة عن الأفراد والتفاعلية الرمزية لا تسوى بين المواقف كلها إذ أنها تنظر إليها في ضوء تباين واختلاف المواقف الاجتماعية والتفاعلات المختلفة التي يفرزها الواقع اليومي خاصة التي تأتى من خلال عمليات الاتصال بين الفاعلين الاجتماعين، أي أننا نفهم من ذلك أن التفاعلية الرمزية تركز على عملية الاتصال التي تأتى دائما بتفاعل اجتماعي يفرز سلوكا أو تصرفات في الوقت المحدد في الواقع المعاش.( )
أخلص إلى القول أن هذا النهج أرس الملامح الأولى للأسرة كخلية اجتماعية وليست كمؤسسة اجتماعية، من خلال تأنيث الطفل من قبل الوالدين مروا بتأثير الأبناء على الوالدين وانتهاء لعلاقتها كزوجين يعملان على بناء أسرتهما.حصر هذا النهج رؤيته داخل الأسرة موضحا تفاعلاتهما فيما بينها وتكيفات أعضائها للمواقف والمستجدات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها عبر معايشتها للواقع الاجتماعي، ولهذه الكيفية ينظر هذا النهج إلى الأسرة على أنها خلية اجتماعية تهتم بتطبيع سلوك الوليد مع السلوك الإنساني الاجتماعي التي تتم وجها لوجه وبشكل مستمر بين أفراد الأسرة.( )
وكما ذكرنا فإن الأسرة ينظر إليها على أنها وحدة من الأشخاص المتفاعلين وبشكل كل منهم وضع Position داخل الأسرة التى يحدد فيها عدد من الأدوار أى أن الفرد يدرك معايير وتوقعات الدور الذى يحدده له الأعضاء الآخرون فى الأسرة وينسبونها إليه والى سلوكه فالجماعة المرجعية وهى الأسرة هى التى تحدد توقعات دوره فى موقف معين ومن خلال تصوره لذاته ومن ثم فهو يقوم بالدور المسند إليه.
وتدرس الأسرة بطريق مباشر من خلال تحليل التفاعلات الظاهرة بين الأعضاء أى تفاعلات قيامهم بالأدوار المسندة إليهم. فالدور عنصر أساسى فى بناء الأسرة ويحدد هذا الإطار وحدات دراسته فى السلوك والتفاعل والشخص نفسه والعلاقات الثلاثية.
وعند استخدام هذا المدخل فإنه يجب أن نميز بين التفاعل الرمزى Symbolic interactionism كنظرية وبينه كإطار مرجعى.
فإذا استخدم كنظرية فإنه يشير إلى مجموعة من الافتراضات تفى بتفسير العمليات الاجتماعية النفسية فى التنشئة الاجتماعية ونمو الشخصية.
أما إذا استخدم كإطار فإنه يشير إلى مجموعة من المفاهيم تمكن العلماء من التعامل مع بعض المتغيرات فى الحياة الاجتماعية بصفة عامة وفى الأسرة بصفة خاصة.
والى جانب من ذكرنا من الذين ساهموا فى هذا الاتجاه تشارلز كولى Charles Colaly ووليام ايزاك توماس وروز Rose وهو أحد الذين استخدموا هذا المدخل فى التحليل.
وقد قام وولر Waller فى عام 1938 باستخدام هذا المدخل وفقاً لما حدده بيرجس من أن الأسرة وحدة متكاملة من الشخصيات، بيد أنه أضاف إلى هذه المقولة عبارة كل له تاريخه.
وقد وضع وولر عدد من المفاهيم والفروض التى مازالت تستخدم حتى الآن عند دراسة الأسرة وفقاً لهذا الاتجاه( ).
وفى عام 1951 قام هيل Hill بتلخيص العمل الأساسى لكتاب وولر عن الأسرة ومن خلال هذا التلخيص قام بتهذيب كثير من الفروض والمفاهيم.
وكما ذكرنا فإن هذا الاتجاه قد سيطر على اتجاهات دراسة الأسرة فى الولايات المتحدة مما جعل روز Rose يقول أن نصف علماء الاجتماع فى الولايات المتحدة كانوا موجهين فى أعمالهم بمفاهيم هذا المدخل سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وفى تطور هذا المدخل نجد أن مدرسة شيكاغو قد طورت كثيراً من الأفكار المتعاقبة بالتفاعل. وأن نظرية التفاعل الرمزى قد وجدت طريقها إلى سوسيولوجية الأسرة من خلال أعمال بيرجس Burgess ففى عام 1926 قدم بيرجس برنامجاً عن الأسرة فى المجالات الأثنواوجية والتاريخية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والإحصائية.
ويعلن على ذلك بقوله أنه لم يجد عملاً واحداً استطاع أن يدرس الأسرة الحديثة كسلوك اجتماعى أو ظاهرة اجتماعية على حد معلوماته، سوى دراسة توماس عن الفلاح البولندى التى تعد أو دراسة من هذا النوع( ) وقد قدم بيرجس فى برنامجه عن الأسرة أنماط عن الأسرة بعد تصنيفها فى ضوء العلاقات الشخصية التى تربط بين الزوج وزوجته وبين الزوجين وأولادهما وقد أدت هذه الأنماط من العلاقات الشخصية فى حياة الأسرة إلى صياغة مفهومه عن الأسرة بالشكل الذى ذكرناه وعند تفاعل الشخصيات مع بعضها البعض تطور الأسرة مفهومها عن ذاتها فتصبح وحدة من المجتمع على أن التفاعل كمبدأ فى الحياة الاجتماعية لا يقتصر على العلاقات الداخلية فى الأسرة ولكن يمتد إلى العلاقات التى تربط الأسرة بالمجتمع.
وبناء على وجهة نظر برجس فيما يتعلق بمعرفة كل فرد بأدواره وأدوار الآخرين فى الأسرة أشار إلى النتائج التى يمكن أن يترتب على إدراك الأدوار فى كل من المجتمعات المستقرة التى تتغير تغيراً سريعاً وما يمكن أن نؤديه من صراعات فى إدراك مفاهيم الحياة الأسرية وتصارع الأدوار، وقد حدد بيرجس موقفه بالنسبة لقضية إدراك الذات والآخر والتى يعتبرها البعض افتقاراً إلى الواقع. وفى موقفه هذا اكبر أهمية التفاعل الرمزى وبناء عليه فإن الأدوار تعبر عن الواقع الاجتماعى للشخصية وقد تصبح رسمية ونقصد مرونتها وخاصيتها الإنسانية التى تعد أحد الخصائص المميزة لها( ).
وفى عام 1938 جاء أعمال Waller لتمثل أول عمل فى القياس الأسرى وفقاً لهذا المدخل وذلك من خلال كتابه الأسرة تفسير ديناميكى الذى يعد مرجعاً أساسياً متعلقاً بالحياة الأسرية فى الطبقة المتوسطة وقد اقترح وولر Waller عقد دراسة للأسرة كوحدة يعد شخصيات متفاعلة مضاف إليها عبارة وضعها كل له تاريخه( ).
وقد أبرز وولر من خلال استخدامه لهذا المدخل نقطة هامة وهى النظر إلى الشخصية من وجهة نظر سوسيولوجية متحاشياً وقوعها فى هم الحتمية الثقافية التى قال بها بيرجس التى تعنى أن الدور هو التعبير عن الواقع الاجتماعى. وفى ذلك إشارة إلى حقيقة أخرى هامة فالأسرة قد ينظر على أنها شخصية عليا.
فإن وولر ينظر إلى الأسرة على أنها نسق مغلق من التفاعل الاجتماعى وأنه يعد تفسير الوقائع فى الأسرة وفى ضوء متغيراً وأخرى غير أسرية كذلك يمكن تفسيرها بالرجوع إلى وقائع وحوادث أسرية أخرى وأن الأسرة بناء على ذلك تعتبر فى جانب منها نسقاً نسبياً مقلقاً( ).
وقد أعطى وولر أهمية كبرى للبعد التاريخى عند دراسة عمليات التفاعل الأسرى وحدد ذلك بمراحل خمس فى الحياة الأسرية لقياس هذا البعد التاريخى.
1- الحياة الأسرية عند الوالدين.
2- الملاطفة.
3- السنة الأولى من الزواج.
4- الأبوة – مرحلة الفراغ.
والى جانب الذين ذكرنا إسهاماتهم فى هذا المدخل نجد آخرين كان لهم إسهامات فى تدعيم هذا الاتجاه واستخدامه فى مجال الدراسة من هؤلاء لينارد سكوتريلد Leonard Scottreld( ). الذى استخدم هذا الإطار فى دراسة المشكلة ففى عام 1933 اقترح أن ينظر إلى الزواج كمشكلة فيما يتعلق بتكيف الأدوار وتناوله على أساس تنظيم العادات والاتجاهات المناسبة لموقف معين ونسن العلاقات الاجتماعية وقد عارض بشدة أهمية إدراك التوقعات المتبادلة فى العلاقات. وإن هذا التوقع يعتبر من الجوانب المتكاملة فى مفهوم الدور ذاته وأن التحليل الذى يقوم على هذا الأساس يعتبر تحلية جزئياً لأن الأساس فى نجاح الأفراد فى زواجهم أو فشلهم يعتمد على أنماط من الأدوار الممتدة وإن كانوا من خلفية ثقافية واحدة.
وفى ختام حديثاً عن هذا المدخل فبرز أنه يهتم أساساً بالأمور الداخلية للأسرة فهو يركز على اختيار القرين والتوافق الزواجى والعلاقات الوالدية مع الأولاد وتكون الشخصية فى ضوء السباق العام للأسرة، كذلك فإن ذلك المدخل يولى اهتماماً لأنماط التوقع والتوافق الجنسى بين الزوجين والأدوار وتوقعاتها.
وقد أثر هذا الاتجاه على النظرية فى مجال الأسرة وعلى البحوث الأسرية وخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية وتحول هذه الأبحاث من الاتجاه التاريخى إلى البحوث القائمة على الملاحظة الواقعية والميدانية ودراسة الحالات. كما أنه يمنح الباحث الفرصة فى التعلل داخل جماعة الأسرة وتحليل وظائفها فى ضوء التفاعل الذى يحدث بين أعضاءها.
ومع كل الإسهامات التى قدمها هذا المدخل فى دارسة الأسرة إلا أنه قد تعرض لنقد يتمثل فى عجزه عن معرفة التأثير النفسى والبيولوجى على السلوك الأسرى وقد دافع التفاعليون على ذلك، بأن هذه التأثيرات لصنع قيوداً معينة على السلوك ولكنها ليست العوامل المحددة للتفاعل الأسرى فالتركيز هنا يكون على الأسرة كعملية وليس عليها كوحدة استاتيكية( )، عدم اتفاقه فى مفاهيمه وافتراضاته ومن ثم انعكس ذلك على اختلاف فى النتائج النظرية والمنهجية.
وبرغم أوجه القصور هذه إلا أن هذا الاتجاه قد قدم إسهامات واضحة وجادة للدراسات الأسرية سواء فيما يتعلق بالنظرية أو المنهج.
2- اتجاه دارسة الموقف:
هناك تقارب شديد بين أتجاه دراسة الموقف والاتجاه التفاعلى إلا أن اتجاه دراسة الموقف ينظر إلى الأسرة كموقف اجتماعى يؤثر فى السلوك أى كمجموعة موحدة من المثيرات الخارجية بالنسبة للأفراد الذين تؤثر عليهم وقد كان يوسارد Bossard وبول Boll أبرز من استخدم هذا الاتجاه فى الولايات المتحدة الأمريكية وقد درسا هم وغيرهما ظواهر مثل أحاديث الأسرة حول المائدة والشعائر الأسرية وأساليب استخدام المكان وما إلى ذلك( ).
ويعود ذلك الاتجاه إلى الأعمال النظرية الأساسية لتوماس W. Thomas ولوبل كار Lowell Carr وإذا أمعنا النظر فى هذا الاتجاه فإننا نجده مماثل للمنهج الايكولوجى فى علم النفس.
وقد أدى اختلاف فى المفاهيم والمصطلحات إلى تباين فى المسميات كلك فإن التباين بين الاتجاهين يعود من ناحية أخرى إلى تباين فى بؤرة اهتمام كل فاتجاه دراسة الموقف يدرس الموقف فى حد ذاته أو السلوك الظاهر للفرد كاستجابة للموقف أما التحليل الايكولوجى النفسى فيركز اهتمامه على الوسط السيكولوجى للفرد.
والواضح أن الاتجاه الموقفى يجعل الموقف مثل الصورة الساكنة وبذلك يجمد الزمن الاجتماعى ويستخدم أساليب الملاحظة لتسجيل التفاعل فى فترات قصيرة والأخذ بأساليب الاستبصار فى الفترات الطويلة ولا يراعى هذا المنهج الوحدات الزمنية المتعارف عليها( ).
ويفيد هذا المنهج الموقف المباشر للفرد أو الأسرة كوحدة للدراسة هذا فضلاً عن مواقف الحياة اليومية والتفاعل الأسرى والمحتوى الثقافى للنظام الأسرى كما يعتمد فى الدراسة على تحديد الأشكال البنائية للأسرة ونوعية العلاقات الأسرية وأنساقها والعلاقات البنائية فى الجماعة كما يتخذ من أوضاع الدور والمكانة ركائز للتحليل البنائى للجماعة ويتخذ من بؤرة الدراسة دائماً داخل الأسرة مما يتيح الفرصة للتحليل التفاعلى الأسرى ودراسة تكيف الأسرة بالنسبة للفرد وتكيف الموقف أيضاً بالنسبة له كما لا يمانع تكون بؤرة الدارسة خارج الأسرة حتى يتسنى تحليل وحدة الأسر فى علاقتها بالهيئات والوحدات الخارجية.
ويعرف بوسارد Bossard الموقف الاجتماعى بأنه مجموعة من المثيرات الخارجية عن العضو وتمارس تأثيرها عليه كما أن الموقف المنظم يعمل كوحدة وتنشأ عن العلاقات الداخلية مثيرات أخرى للأعضاء الداخلين معه. فالأسرة إذن تعتبر وحدة من المثيرات تعمل فى اتجاه نقطة مركزية كأن يكون الطفل بؤرة هذه الدراسة.
وعندما ناقش بوسارد دراسة الموقف نفسه كما فعل عند دراسة طقوس الأسرة اليومية افترض أن كل سلوك هادف فى علاقة مع موقف ما هو حل لمشكلة أو أزمة أدى إليها الموقف.
فالسلوك إذن استجابة للموقف الذى حققه الفرد على أساس من الموقف أو الخبرات السابقة.
وهذا لا يعنى أن كل سلوك له مبرراته العقلية بل قد يكون سلوكاً هادفاً أو عرضاً لحل مشكلة اصطنعها الموقف كما أن الأسرة مفتوحة نسبياً للمؤثر الخارجى بمعنى أنها ليست المصدر الوحيد للمثيرات إلا أن العمل من خلال منظور هذا المنهج الموقفى يركز على المجالات أو المواقف الكائنة داخل الأسرة.
وتتمثل أفكار بوسارد فى هذا الاتجاه فيما يلى:
1- فكرة تضمين المؤثر وكونها خارجه عن الكائن الحى وبناء عليه فإن الموقف لا يكون متعادلاً مع البيئة لأن البيئة تتضمن كل الأشياء بما فيها الفرد.
2- فكرة أن المؤثر الذى يشكل الموقف يكون منظماً فى ضوء علاقة عناصره بعضها بالأخرى ولا يمكن أن تعمل مستقلة عن علاقتها بالأجزاء الأخرى.
3- فكرة أن الموقف يكون منظماً حول بعض النقاط المركزية أو حول بعض الأشخاص بحيث تصبح لها القوة الملحة فى تأثيرها على الأفراد ووفقاً لهذه الأفكار نجد أن الموقف تكن تحديده على أنه مجموعة من المؤثرات خارجة عن نطاق الكائن الحى ولكنها تؤثر عليه وتكون منظمة كوحدة ذات ترابط منطقى بينهما( ).
ووفقاً لهذا التحديد فإن الموقف يمكن أن يدرس من زوايا ثلاث الأولى بنائية كما فعل بوسارد وفى تحليله للعناصر المتضمنة فى الموقف والثانية دارسة عملية Process وهى تقوم على تحليل العناصر المتفاعلة وما يحدث بينهما من تبادل مستمر.
والثالثة دراسة للمضمون وتتضمن تحليل للأفكار والاتجاهات والكلمات( ) ويرى بوسارد أن المواقف الاجتماعية تختلف عن تلك المواقف التى يهتم بدراستها علماء الفسيولوجيا وعلماء النفس لأنها لم تخلق وتكون من أجل البحث والدراسة وإنما هى مواقف قائمة وموجودة فى الطبيعة وهذا الوضع يفرض على الباحث الاهتمام بدارسة المواقف فى جماعات خاصة حيث يكون الأفراد أعضاء فيها والأسرة تعتبر من هذه الجماعات ذات الدلالة بالنسبة للفرد ذلك لأنها تشكل أولى الجماعات الهامة من الناحية السلوكية ولأنها تشكل من الناحية المنهجية موقفاً استراتيجياً يحتم البدء به عن تحليل الموقف.
وحتى يكون هذا المدخل مفيداً فى دراسة الأسرة فإن الأمر يدعو إلى وجود تصنيف للمواقف الأسرية وهذا ما فعله بوسارد Bossard حيث اتخذ عدة محاور معظمها متعلق بالعلاقات الداخلية فى الأسرة ثم قسمها بعد ذلك إلى علاقات عاطفية وشخصية وأنماط أسرية وعوامل خارجية وقد قام بتقسيم للعلاقات العاطفية على أساس التدرج من افاضة تامة من العاطفة إلى المعارضة الصريحة لها وقد يغطى كل نمط فرعى مجموعة من المواقف المختلفة محور الأنماط الأسرية مثلاً يشير إلى المواقف المحددة فى ضوء الحجم (الأسرة كبيرة الحجم) التنظيم (التعاون الأسرى والنشاط والقيم والأهداف وإذا قام التصنيف على أساس محور العوامل الخارجية فنجده يتضمن المكانة الاجتماعية والاقتصادية والصحة)( ).
وقد تمثل اهتمام هذا المدخل فى موضوعات ثلاثة رئيسية هى الطفل والعمليات الداخلية الأسرية – الأزمات الأسرية.
بالنسبة للموضوع الأول وجدنا Desthy Homas ركز اهتمامه على التأثير العقلى لمواقف مختلفة على نمو سلوك بعض الأطفال الأمريكيين وقد اهتم بوسارد وبل بدراسة الأعمال الداخلية فى الأسرة من خلال بحوثهما عن النسق الأسرى الكبير. وذلك من خلال دراسة أثر حجم الأسرة على العلاقات الأسرية ونمو الطفل وقد اهتم هيل وبولدنج Hill and Baulding بدراسة الأزمات الأسرية وذلك من خلال دراسة أثر الانفصال( ) بسبب الحرب على الأسرة.
وقد كان محور الاهتمام فى هذا الموضوع بدراسة أثر افتراق الأب (الزوج) للخدمة العسكرية وقد تم تحليل الموقف الأسرى فى ضوء البناء والتفاعل الاجتماعى والمحتوى الثقافى.
ويقوم هذا المدخل على مجموعة من الافتراضات الأساسية هى:
1- أن الموقف الاجتماعى يمكن دراسته كموضوع مستقل عن الواقع.
2- أن الوحدة الأساسية التى تشكل جوهر الموقف الاجتماعى مرتبطة بكائن حى معين وأن أى تغير فى الوحدة الأساسية يؤدى إلى تغير فى الجوهر وبالتالى للموقف الكلى.
3- أن المواقف الاجتماعية ليست فقط دائمة التغير ولكنها أيضاً تتعدل وفقاً لهذا التغير.
4- أن كل موقف اجتماعى هو نتاج لتفاعل عناصر اجتماعية وفيزيقية وثقافية.
5- أن السلوك هو وظيفة للموقف ورغم أنه لا يكون سلوكاً دائماً إلا ِأنه يتوافق مع الموقف( ).
وبرغم إسهامات هذا الاتجاه فى الدراسات الأسرية إلا أنه يؤخذ عليه المآخذ التالية:
1- تطلب وقتاً وجهداً كبيراً فى سبيل جمع مادة لازمة من أجل إمكانية التنبؤ سلوك محدد.
2- الاعتماد على عدد كبير من الباحثين المدربين على الملاحظة طالما أن استجابات الأعضاء فى الموقف مستبعدة تماماً.
3- المادة المجموعة من خلال ذلك ليست صالحة للعمل الإحصائى مباشرة وإنما تحتاج إلى جهد آخر مضاعف( ).
إلى جانب عدم اهتمام ذلك المدخل بتحليل المعنى يضيفه الأعضاء الذين يشكلون الموقف رغم أن هذه النقطة تمثل أهمية خاصة لا يمكن التغاضى عنها وترجع أهمية هذه النقطة إلى أن الأعضاء الذين يلعبون أدوارهم هم الذين يعطون للموقف دلالته الاجتماعية إذ أن جميع أنواع السلوك البشرى تحدث فى إطار منسق ومتكامل ولا يمكن فهمها إلا على هذا الأساس.
وبناء على ذلك فإن الاتجاه الحديث فى الدراسة يمثل إلى المزج بين اتجاه التفاعلى والاتجاه الموقفى حتى أنهم يطلقون عليه فى بعض الأحيان اتجاه.
3ً- الاتجاه البنائى الوظيفى:
وهو الاتجاه الذى يدرس الأسرة كنسق اجتماعى( ).
ويعرف النسق أنه وحدتان أو أكثر مترابطة بحيث إذا حدث تغير فى أى وحدة منها سيتبع ذلك بالضرورة تغير فى حالة الوحدة الأخرى مما يتبعه أيضاً تغيرات فى الوحدات التالية.
ولابد لتكوين النسق أن يتحقق التفاعل بين وحداته فالنسق الاجتماعى هو أى اتحاد أو ترابط بين عضوين أو أكثر ويكون التمايز بين واحد أو أكثر من الأعضاء نسقاً فرعياً.
تنظر البنائية الوظيفية إلى الأسرة على أنها ظاهرة كونية سادت وتسود وستسود المجتمعات الإنسانية كافة (البائدة، القائمة، القادمة) وينظر أيضا إلى الفرد لا من حيث كونه كائنا بشريا بل من حيث كونه مجموعة معايير وقيم تعلمها من أسرته عبر تنشئتها له، ولكن تبقى الأسرة نابضة الحياة ودائمة الوجود عليها تكافح من أجل ذلك وهذا لا يتحقق إلا بممارسة وظائفها البنائية المتمثلة بتنفيذ متطلبات مواقع وأدوار كل فرد داخل الأسرة.( )
ينظر المدخل البنائي الوظيفي إلى الأسرة كنسق اجتماعي ذي أجزاء معينة يربط بينها التفاعل والاعتماد المتبادل، ومن المسائل المهمة التي تحظى باهتمام ملحوظ في هذا المدخل، دراسة عناصر النسق من زاوية أدائه لوظائفه تحقيقا لبقاء النسق وتوازنه أو تعويقه للتكامل الوظيفي للنسق الكلى، كما يتركز الاهتمام على العلاقات الداخلية للنسق العائلي، وعلى العلاقات بين الأنساق الاجتماعية الأخرى.( )
وفي ضوء ذلك فإن أساس المجتمع الاستقرار والتوازن التكامل، وما قد ينجم أحيانا من مشكلات أو تصدع قيمي أو تفكك اجتماعي لا يعنى التغير الجذري للنظام الاجتماعي، فان عملية التفكك الأسرى والاجتماعي ستقود إلى إعادة الاستقرار.( )
وتعد البنائية الوظيفية النظرية السوسيولوجية التي سيطرت على علم الاجتماع الأكاديمي لفترة طويلة وقد ظهرت كمنهج في العلوم الاجتماعية من خلال المحاولات التي بذلها علماء الأنثروبولوجيا خلال القرن التاسع عشر.( )
وتنطلق الوظيفية من عدة قضايا مترابطة ومتداخلة فهي تسلم بأن المجتمع يمثل كلا مؤلفا من أجزاء مترابطة يؤدى كل منها وظيفة معينة.( )
إن هذه النظرية في ضوء مسلماتها ترى أن الوظيفة الرئيسية للأسرة تتمثل في نسق الروابط الاجتماعية القائمة في إطارها التي تساهم في خلق المعايير التي تضبط السلوك للفرد وفقا لثقافة المجتمع والتي من شأنها أن تعمل على الحفاظ على النسق العام (المجتمع) من خلال هذه النظرة فإن البنائية الوظيفية تركز على الأدوار التي تتخلق داخل الأسرة والتي هي نتاج طبيعي لمجموعة من التفاعلات القائمة فيها، وما ينطوي عليها من عمليات تساند وتكامل وظيفي.( )
والوظيفية ترى أن الأسرة عبارة عن وحدة أساسية للبناء الاجتماعي، للمحافظة على المجتمع مثل المحافظة على التقاليد الأسرية من حيث الاستقرار والاستمرار، وكذلك نجد العلماء الوظيفيين أكدوا على أن الأسرة تقدم وظائف الحيوية تساعد على المحافظة على النسق الاجتماعي مستقرا.( )
تقدم الأسرة مجموعة من الوظائف لأفرادها للمحافظة على استقرار المجتمع وأبديته ونجد من أهم الوظائف التي قدمها الأسرة لأطفالها:-
1ـ تقديم الاحتياجات العاطفية للأولاد.
2ـ الوظيفة الاقتصادية.
3ـ التنشئة الاجتماعية للأبناء.
4ـ تقويم شخصية المراهقين.
5ـ التناسل وحفظ النوع البشرى.
يتوافق مع باقي الأنساق الأخرى داخل البناء الاجتماعي.( )
تراعى الوظيفية على الأجزاء التي يتكون منها النسق الأسرى في ارتباطها مع بعضها عن طريق التفاعل، والتساند الوظيفي مع الاهتمام بكل جزء وعنصر في النسق باعتباره مؤديا لوظيفة معينة في النسق الكلى أو معوقا له، كذلك الاهتمام يتجه إلى تناول العمليات الداخلية في الأسرة والعلاقات التي تربط بين النسق الأسرى والأنساق الخارجية الأخرى.( )
إن الخلل الوظيفي في داخل الأسرة من خلال النظرية البنائية الوظيفية يمكن أن تفهمه في ضوء ما يسمى بتعديل الأدوار، ذلك الذي يعنى منح أعضاء الأسرة (خاصة المرأة) أدوار جديدة على أدوارها والذي من شأنها أن يعرض طبيعة التكوين للاهتزاز مما يؤدى إلى سيادة خلل بنيوي وظيفي يؤدى في النهاية إلى اختلال القيم وتشويه عملية التنشئة الاجتماعية.( )
وإن عملية التكيف التي أشرنا إليها تفرض بدورها نوعاً من المحافظة على استمرارية النسق سواء بشكل مصغر (الأسرة) أو بشكل واسع (المجتمع) ذلك الذي يعنى ضرورة الاهتمام بسيادة الانسجام في داخل الأسرة ومن ثم في علاقتها بالمجتمع الخارجي الذي من شأنه أن يعمل على خفض معدلات التوتر الاجتماعي وبقاء وحدة النسق كاملة غير منقوصة فضلا عن إشباع الاحتياجات الفاعلين الاجتماعين في داخل إطار الأسرة.( )
يتميز نسق الأسرة بحالة من التوازن الدينامى المستمر مع ذلك التغير يحدث في حدود، وعلى هذا الأساس فإن النسق الاجتماعي هو محور الاهتمام في هذا الاتجاه، بما يتضمنه من عمليات تجرى بين مكوناته ووحداته المختلفة، وما ينتج عن تلك العمليات من آثار وإسهامات وظيفية وضرورية لبقائه ككل، ومن ثم فإن الأسرة ليست بناءً مستقلا متعلقا، ولكنها نسق داخل البناء لها وظائفها وأدوارها التي تركز عليها الوظيفية كثيرا.( )
يتشكل النسق الأسري وفقا لهذه النظرية من خلال عملية الزواج التي بدورها تحدد شبكة العلاقات والأدوار، ويعد بوضوح التساند البنائي بين مكونات النسق من خلال عمليات الإسهام الوظيفي والبدائل البنائية الوظيفية.
أوضح (راد كليف براون) ديناميات التكيف داخل النسق الاجتماعي من خلال ما أسماه بالميكانيزمات الأساسية التي تعمل على أن يتواجد هذا الكل في وجود متكيف، بحيث يمكن لكل جزء من هذه الأجزاء أن يؤدى وظيفته وهذه الميكانيزمات يطردها النسق تلقائيا، ليواجه بها أي قصور في الأداء الوظيفي، ومن ثم يصرف بها أو ينظم أية صراعات داخلية بين الأجزاء المكونة للبناء الاجتماعي.
من خلال ذلك فإن عملية التكيف من الأجزاء المكونة للنسق تشكل الميكانيزم النسقى من أجل استمرار وجود البناء في الحالة في الوحدة والنسق والاتساق، ويجسد ذلك عملية الزواج وتأثيرها في البناء الاجتماعي، حيث يمثل الزواج خلقا لموقف جديد، مما يعطى الإمكانية لظهور كثير من الصراعات على النسق أن يطرح ميكانيزمات لاستيعابها، فالزوجة مثلا تنتقل بعد الزواج إلى أهل الزوج، وتصبح بذلك عضوا غريبا بينهم أو جزءاً داخل بناء علاقتهم، مما يولد نوعا من التوتر يتجاوزه البناء بطرح ميكانيزمات تستوعبها، حيث أن النسق لديه القدرة التلقائية على طرح الميكانيزمات التي تنظم تفاعله.( )
وتتأصل جذور هذا الاتجاه البنائى الوظيفى فى الأنثربولوجيا وعلم الاجتماع وقد كسب تأييداً وإيقاعاً فى كل من الولايات المتحدة وأوروبأن وتبناه حديثاً نالكوت بارسونز Pasons وكنجزلى دافيز Davis وروبرت ميرتون R. Merton وجورج هو مانر Homans وآخرون وقد أثمر هذا المنهج عند تطبيقه على عدة مستويات تبدأ من التحليل الاجتماعى الشامل إلى التحليل الاجتماعى المركز على المجتمعات الصغرى.
ويؤخذ فى الاعتبار على المستوى الوظيفى المصغر دراسة السلوك النوعى للأسرة النووية ودراسة ما يتعلق بالأسرة كنوع من التجريد المستخدم فى التحليل الذى يدرس الأسرة كنظام اجتماعى Institutionalism على المستوى الوظيفى الشامل.
وتتضمن دارسة الأسرة كأحد مكونات النسق الاجتماعى الشامل دراسة وظائفها فى المجمع كما تدرس أيضاً من خلال تكوينها من أشخاص لهم أدوار ومكانات لهم دلالتها الوظيفية من أجل النسق الأسرى ومن أجل النسق الاجتماعى الشامل ويهم هؤلاء الأشخاص فى المحافظة على بناء النسق سواء بالفعل كاستجابة لمتطلبات هذا البناء أو بالفعل الذى يفرضه هذا البناء الاجتماعى للأسرة. والذى يشتمل على توقعات الأعضاء الآخرين ويتفاعل عضو الأسرة مع الأعضاء الآخرين كما تتفاعل الأنساق الداخلية الفرعية للأسرة مع نسق الأسرة ككل وتتعامل الأسرة مع الهيئات الخارجية والأنساق الأخرى فى المجتمع أى النسق الاجتماعى الشامل.
ومن وحدات الدراسة فى بناء الأسرة الدور والمكانة أو الفرد من حيث له هو أى اتحاد أو ترابط بين عضوين أو أكثر ويكون التمايز بين واحد أو أكثر من الأعضاء نسقاً فرعياً.
وتتأصل جذور هذا الاتجاه البنائى الوظيفى فى الانثربولوجيا وعلم الاجتماع وقد كسب تأييداً وإيقاعاً فى كل من الولايات المتحدة وأوروبأن وتبناه حديثاً نالكوت بارسونز Pasons وكنجزلى دافيز Davis وروبرت ميرتون R. Merton وجورج هومانز Homans وآخرون وقد أثمر هذا المنهج عند تطبيقه على عدة مستويات تبدأ من التحليل الاجتماعى الشامل إلى التحليل الاجتماعى المركز على المجتمعات الصغرى.
ويؤخذ فى الاعتبار على المستوى الوظيفى المصغر دراسة السلوك النوعى للأسرة النووية ودراسة ما يتعلق بالأسرة كنوع من التجريد المستخدم فى التحليل الذى يدرس الأسرة كنظام اجتماعى Institutionalism على المستوى الوظيفى الشامل.
وتتضمن دراسة الأسرة كأحد مكونات النسق الاجتماعى الشامل دراسة وظائفها فى المجتمع كما تدرس أيضاً من خلال تكوينها من أشخاص لهم أدوار ومكانات لها دلالتها الوظيفية من أجل النسق الأسرى ومن أجل النسق الاجتماعى الشامل ويسهم هؤلاء الأشخاص فى المحافظة على بناء النسق سواء بالفعل كاستجابة لمتطلبات هذا البناء وبالفعل الذى يفرضه هذا البناء الاجتماعى للأسرة. والذى يشتمل على توقعات الأعضاء الآخرين ويتفاعل عضو الأسرة مع الأعضاء الآخرين كما تتفاعل الأنساق الداخلية الفرعية للأسرة مع نسق الأسرة ككل وتتعامل الأسرة مع الهيئات الخارجية والأنساق الأخرى فى المجتمع أى النسق الاجتماعى الشامل.
ومن وحدات الدراسة فى بناء الأسرة الدور والمكانة أو الفرد من حيث له مركزاً أو وضع والجماعات الثلاثية أو أكثر من ذلك.
وكذلك الأسرة كنسق اجتماعى له وظيفة أكبر من وظائف الأدوار الداخلية فيها ويدرس السلوك الاجتماعى داخل الأسرة من خلال السياق الكائن والذى يسهم فى تحقيق ما يسعى إليه البناء الاجتماعى فيها، ومن ثم يتحقق هدف الباحث بقدرته على فهم مكوناته وعلاقة هذه المكونات بالنسق العام للأسرة( ).
ويستخدم مصطلح الوظيفة -function- رغم غموضه للإشارة إلى الجزء الذى تقوم به وحدة معينة من مكونات النسق للحفاظ على بقاء النسق واستمراره والى العلاقة المتبادلة بين الأجزاء التى تكون النسق.
ويشير هومانز Homans إلى أن الإطار المرجعى لهذا المنهج يؤكد على النسق الداخلى الذى ينظم العلاقات داخل الأسرة والنسق الخارجى الذى يتناول المعاملات والعلاقات بين الأسرة والهيئات والأحداث الخارجية وبذلك يشتمل هذا الإطار على التفاعل الكائن بين الأسرة والهيئات والأحداث الخارجية.
وبذلك يشتمل هذا الإطار على التفاعل الكائن بين الأسرة والأنساق المحيطة بها بكل المدرسة والمجال المهنى والاقتصادى كما تشمل على المعاملات الكائنة بين الأسرة والجماعات الفرعية الصغرى كالعلاقة بين نسق الزوج والزوجة والأبناء( ).
وينظر هذا الاتجاه إلى الأسرة على أنها نسق اجتماعى كما سيقت الإشارة وهو مصطلح يطلق على حالة انتظام عناصر الفعل فى ارتباطها بعمليتى الثبات أو التغير المنظم للأنماط المتفاعلة لمجموعة من الأفراد المتفاعلين داخل النسق.
أى أن النسق الاجتماعى فى صورة مدركة تبدو من خلال انتظام ترابط الأفعال الواقعة بين وحدتين متفاعلتين فقط فى حالة النسق الفرعى الذى يتطلب تحليلاً سوسيولوجياً مصغراً أو بين أكثر من وحدتين.
وسوف يتم التعرض لتأكيد تلك الرؤي من خلال الاراء المختلفة لهذا الفكر السوسيولوجي :
1) بارسونز
يعتبر (بارسونز) أهم مفكر في علم الاجتماع الذي كتب في مجال الأسرة من المنظور الوظيفي، وأهم سمات هذه النظرية هي تشبه المجتمع بالكائن الحي من حيث التركيب والأداء الوظيفي، باعتبار أن الكائن الحي يتكون من أعضاء، ولكل عضو يقوم بوظيفة معينة، والوظيفة هي الدور الذي يقوم به الجزء (العضو) من أجل استمرارية الكل، (الكائن الحي) يمكن تعريف البناء للكائن الحي بأنه مجموعة من العلاقات بين الأجزاء (الأعضاء) أي بين الأدوار التي تؤديها هذه الأعضاء.( )
والمجتمع عند (بارسونز) هو أحد الأنساق الأساسية للفعل التي حددها بارسونز في أربعة أنساق (النسق العضوي، نسق الشخصية، المجتمع والثقافة).
المجتمع بدوره ينقسم من الداخل إلى أربعة أنساق فرعية هي الاقتصاد ،السياسة ،الروابط الاجتماعية ونظم التنشئة الاجتماعية والمجتمع كنسق يعيش في حالة توازن داخلي وخارجي، فهو يدخل في علاقات متوازنة مع أنساق الفعل الأخرى (الكائن العضوي، الشخصية، الثقافة) وهو يتوازن من الداخل حيث تحقق علاقات منتظمة ومتوازنة.
وعندما يتعرض المجتمع لحالة لا يفقد خاصية توازنه هذا التوازن دينامى ومستمر، لذلك فإنه يمكن المجتمع دائما من أن يتكيف مع التغيرات الجديدة ويدمجها داخل بنائه.( )
وفي هذا المعنى يقول (بارسونز) إن مبدأ التوازن المستقر يقوم على التكامل بين المتغيرات الداخلية وبنية الأنساق الرئيسية مع المحافظة على الانسجام بين العناصر القابلة للتكيف والعلاقات المتغيرة بين وحدات النسق الاجتماعي.
يعتقد الوظيفون ومنهم بارسونز أن التغيرات البنائية والوظيفية على مستوى النسق الأكبر، يترتب عليها تغيرات على مستوى النسق الأصغر والعكس صحيح أن العلاقة تبادلية بين النسقين.
تذهب الوظيفية إلى تغير النسق إنما يكون تدريجيا وليس فجائيا وقد تؤدى العوامل المؤثرة إلى تدعيم النسق وتقويته بدلا من تغييره كما هو سائد حاليا بالنسبة لانتشار الأفكار العلمانية المختلفة.( )
أما تصور بارسونز للأسرة فيتضح من خلال تحليله للبناء الوظيفي للأسرة حيث يرى أنه عند الزواج ينتقل كل فرد جزئيا من وحدته القرابية ويكون أسرة جديدة هي الأسرة التناسلية وانطلاقا من فكرة الوظيفية يسند بارسونز إلى الزوج الأدوار الوسيلية التي تربط الأسرة بالعالم الخارجي.( )
أما الزوجة فتختص بالأدوار المعبرة نتيجة للسمات البيولوجية التي تنفرد بها وهي الإنجاب والرضاعة، وإن طبيعة هذه الأدوار تجعل المرأة مسئولة عن تحقيق الثبات.( )
يرى (بارسونز) أن التغيرات الحديثة في أنماط الأسرة لا ينبغي النظر إليها باعتبارها انهياراً أو تفككاً، ولكن على العكس، من ذلك فان هذه التغيرات ترافقه إلى تزايد المؤسسات والهيئات والوحدات التي تقوم بوظائف محددة، وبهذا المعنى فقد تقلصت وظائف الأسرة التي كانت تؤديها في الماضي لتقوم بها بعض المؤسسات الأخرى.
لا ينبغي أن يعتبر ذلك تصدعا في دور الأسرة وظائفها بل على العكس من ذلك، فمن رأى بارسونز أن هذا الأمر لا ينطوي بإجماله على خسائر اجتماعية ولكن له فوائد أيضا حيث يسهم هذا التحول في خلق مؤسسات اجتماعية للأدوار التي تخلت عنها الأسرة بالإضافة إلى ما يمكن أن تقوم به من أدوار جديدة كما يتصور (بارسونز) أن تقلص الأدوار التقليدية التي كانت تؤديها الأسرة سوف يسهم في أدائها بأدوارها العاطفية بكفاءة أكبر بالنسبة للأطفال البالغين.( )
2) ميرتون:ـ
أكد في تفسيره لأسباب المشكلات الاجتماعية نسق القيم الاجتماعية الموجودة بالمجتمع الأمريكي ذلك النسق الذي يحتوى على صراع بين القيم التي تمجد النجاح وتلك القيم التي تجعل من تحقيق ذلك النجاح شيئا مستحيلا بالنسبة للبعض.
يعزى (ميرتون) منشأ ذلك الصراع إلى حقيقة أن المجتمع الأمريكي تسود فيه القيم التي مؤداها أن كل فرد يستطيع أن يكون ناجحاً وأن ينافس مع الآخرين أياما كانوا ولكن ليس باستطاعة كل الأفراد تحقيق ذلك الهدف بالطرق المشروعة المتاحة.
يرى ميرتون أن هناك حالة من عدم الالتزام الثقافي سواء بالقيم والمعايير، ويكون نتاجا لذلك أن تنهار محكات السلوك السوي والملائم في المجتمعات الحديثة، كما أن بناء الضبط يكون ضعيفا لكونه يعكس ثقافة ضعيفة.( )
ومن ثم فإن الفرد بافتقاره لمحكات الحكم على السلوك الملائم الخارجي به والآخرين وبافتقاد القيم والمعايير اللازمة للجميع فإنه يعيش في نسق يعانى حالة تسودها قيم ومعايير غير ملزمه أو هي غير موجودة أو منهارة مادامت قد افتقدت قوة الإلزام.
يقسم (ميرتون) المشكلات الاجتماعية إلى نوعين: يتمثل النوع الأول فيما أطلق عليه المشكلات الاجتماعية الظاهرة، وهي تلك المشكلات التي ظهرت على سطح الحواس والمدركات بحيث أن العلماء والقائمين على تحديدها قد أدركوا ماهيتها الضارة بالمجتمع، ومن ثم سيسعون إلى الحد منها والقضاء على العوامل والأسباب المؤدية إلى ظهورها وانتشارها، بينما يمثل النوع الآخر من المشكلات الاجتماعية الكامنة وهي تلك المشكلات الموجودة بالفعل في الواقع ولكن لم يدرك ذوو السلطة بعد أنها ظاهرة معتلة تشير إلى حالة من فقدان المعيارية أو أنها تتعارض في ظل وجودها مع نسق القيم الاجتماعية المتفق عليها ، وعليه تكون المشكلة الاجتماعية الكامنة موجودة وغير موجودة في نفس الوقت.( )
أي أنها موجودة في الواقع ولكن لم يدركها العلماء أو القائمون على السلطة ولم يدركوا مدى اشكاليتها وخطورتها على المجتمع.
ميز (ميرتون) بين نوعين من الوظائف الظاهرة لأي عنصر من عناصر بناء المجتمع، وهي النتائج أو الآثار المعترف بها والمقصودة بمعرفة سكان المجتمع ومن ناحية أخرى فإن أي عنصر من عناصر بناء المجتمع قد يكون له أيضا وظائف كامنة وهي آثار غير مقصودة وغير معترف بها إلى حد كبير.( )
الاتجاه التطورى
ونختم حديثنا على المداخل النظرية لدراسة الأسرة بآخرها عرضاً وإحداثها ظهوراً وبلورة الاتجاه التطورى.
فإن العمر الزمنى لهذا الاتجاه يعود إلى عام 1930 وأن كان بلورته فى شكل اتجاه لدراسة الأسرة لم يتم إلا منذ أكثر من عشر سنوات مضت وقد أفاد هذا الاتجاه من تراكم البحوث الميدانية التى قامت على أساس المداخل الأربعة السابقة إلى جانب استعارته لكثير من المفاهيم التى استخدمت من قبل وبناء على ذلك فإن، هيل وهانس يريا أن الاتجاه التطورى لا يمثل اتجاهاً متميزاً وإنما يقوم على الربط والتوفيق بين جوانب مختلفة من المجهودات النظرية السابقة.
وعلى هذا الأساس نجده قد استفاد من علماء الاجتماع الريفى بفكرة المراحل فى دورة الحياة الأسرية ومن علم النفس مفاهيم حاجات النمو واستفاد من الاتجاه البنائى الوظيفى والتفاعلى مفاهيم أدوار السن والنوع والنماذج والالتزامات الوظيفية وكثير من المفاهيم المرتبطة بالأسرة كنسق يتم فيه التفاعل بين أعضائه( ).
ويركز هذا الاتجاه أساساً على التغير فى العمليات الداخلية فى الأسرة وتطورها من وجهة نظر تحليلية مع إدخال عامل الزمن فى الاعتبار، ومن ثم فإنه يركز على بعض جوانب أو قطاعات معينة من دورة الحياة الأسرية محاولاً وصف بعض السمات المميزة لهذه المراحل بالإشارة إلى المراحل السابقة ومدى تأثيرها على المراحل السابقة.
ويعتمد هذا المدخل على عدة افتراضات أساسية هى:
1- أن الأسرة المقصودة بالدراسة فى هذا المدخل نووية أو زواجية مع وجود أطفال سواء بالميلاد أوب التبنى.
2- أن الأسرة والأفراد يتغيرون وينمون بطرق مختلفة تبعاً لعملية المعيشة ووفقاً لمؤثرات الوسط الاجتماعى.
3- إن التركيز الأساسى يكون على الأفراد من خلال أسرهم رغم أهمية النسق الأسرى ككل لما يفرضه من ضغوط معينة على أفراده واعتماده على أفعال أعضاءه ورد فعلهم.
4- كل أسرة تعتبر وحدة فريدة من حيث تركيبها العمرى والأدوار والتوقعات المتبادلة.
ومن ثم فإن ذلك المدخل يركز على ديناميات العمليات الداخلية فى دورة الحياة الأسرية فى الأسرة النووية أو الزواجية وإن النسق الأسرى متغير مع الوقت وفقاً للتغير فى التكوين العمرى للأعضاء( ).
وفى ختام هذا العرض للاتجاهات والمداخل النظرية لدراسة الأسرة يجدر بنا أن نتوقف عند نقطة هامة وهى وحدة الدراسة والتحليل فى كل اتجاه فنجد ثلاثة اتجاهات (التفاعل – الموقفى – التطورى) تتشابه فى اتخاذ الفرد وحدة للدراسة، فنجد الاتجاه التفاعلى والتطورى يتخذان من الفرد وسلوكه فى الوضع الاجتماعى وحدة دراستهما بينما يتخذ الاتجاه الموقفى الفرد من خلال الموقف.
بينما يختلف الاتجاه البنائى الوظيفى عن هذه الاتجاهات وكذلك الاتجاه النظامى فالوحدة عند الاتجاه البنائى الوظيفى هى النسق الاجتماعى الذى يتكون من أنساق فرعية متساندة. والاتجاه النظامى الذى يأخذ من الأسرة كنظام وحدة للدراسة ويعتبر السلوك الاجتماعى عند تحليله بالنسبة للاتجاهات التطورى – الموقفى – التفاعلى – وظيفة مباشرة للوسط الاجتماعى أو الموقف الاجتماعى المادى والاجتماعى الثقافى ويؤكد الاتجاه التطورى أهمية مراعاة الظروف الضرورية فى محتوى هذا الوسط.
أما السلوك الاجتماعى من وجهة نظر الاتجاهين البنائى والوظيفى والنظامى فإنه يدخل فى سياق وحدة دراسة كل منهما عند تحليل هذا السلوك فيمكن تحليله عند الاتجاه البنائى الوظيفى طبقاً لمدى إسهامه فى المحافظة على استمرارية النسق أو حسب موقعه فى بناء هذا النسق.
أما السلوك الاجتماعى فهو أساليب مقررة ومقننة تدخل فى المكونات الاجتماعية والمعايير الثقافية التى يقرها.
أما علاقة السلوك الاجتماعى بوحدة الدراسة التى يتخذها كل اتجاه فإن الاتجاهين (التفاعلى والتطورى) عبارة عن رد فعل الفرد طبقاً للموقف ولا يمكن فهم رد الفعل من وجهة النظر التطورية وهو فى انفصال عن طبيعة الفرد التطورية فى مراحل الحياة الأسرية.
وبالنسبة للاتجاه الموقفى فإن السلوك الاجتماعى سلوك هادف للموقف أو يعتبر محاولة لحل المشكلة التى أظهرها الموقف الاجتماعى.
وبالنسبة للاتجاه البنائى الوظيفى فإن النسق الاجتماعى بما فيه من عناصر بنائية وظيفية فإن السلوك الاجتماعى يحاول تحقيق استمرارية النسق كما أشرنا إلى الإسهام فى تحقيق حالة توازن بين العناصر والوحدات البنائية فيه وعند الاتجاه النظامى فإن السلوك كأحد مكونات النظام المادية والاجتماعية والثقافية بغير رد فعل للنظام الاجتماعى الذى يعتبر قوة فعالة.
ويمكن أن نستخلص من هذا العرض الموجز لأهم الأطر النظرية لدراسة الأسرة أن هذا المجال رغم تعدد الدراسات على المستويات الإقليمية والعالمية إلا أن وجود نظرية عامة عن الأسرة لم تتوفر بعد ولكن هذه الأطر النظرية يمكن أن تصلح منطلقاً للدراسة والبحث هادية فى المنهج والأدوات الملائمة وصالحة كقاعدة للتفسير ويمكن التعديل فيها طبقاً للنتائج النابعة من الواقع.
كما يمكن أن نقول بأن هذه الأطر النظرية التى عرضناها هى نماذج تصورية لدراسة الأسرة. وأن الاختلاف بينها فى وحدة الدراسة أو طريقة التحليل للسلوك الاجتماعى فى الأسرة وعلاقة هذا السلوك بنفس الوحدة أو الوحدات الخارجية تؤدى إلى تبنى مناهج وأساليب بحث تتفق مع النسق الفكرى لهذه النتائج.
4- اتجاه ما بعد الحداثة:ـ
إن عصر الحداثة هو العصر الذي امتد منذ بدايات الثورة الصناعية التي نقلت المجتمع من النمط والشكل التقليدي إلى الشكل الحديث في كل مجالات الحياة، وعن مفهوم ما بعد الحداثة يشير البعض إلى أنه قد أسهم في صك مفهوم ما بعد الحداثة مجموعة من أبرز الباحثين في مجال النقد الأدبي والفلسفة وعلم الاجتماع.( )
أبرز ممثلي هذا الاتجاه "ادجار وجيلرز وبرجر" ظهر هذا الاتجاه نتيجة للتغيرات والتحولات التي يمر بها العالم كله الآن، سواء في البلدان النامية أو البلدان المتقدمة مؤكداً أن كافة المجتمعات قد اتبعت نموذجا للتغير الأسرى، فالأطفال يعيشون على نحو مضطرد معظم فترات طفولتهم داخل أسر يرعاها أحد الأبوين فقط، وذلك إما بسبب تجنب الزواج في حد ذاته أو بسبب الزيادة الكبيرة في حالات الطلاق.( )
ولقد أشار إلى أن هناك تغيرا مصاحبا للحداثة، يتمثل في ذلك الارتفاع المستمر في متوسط العمر البشرى لاسيما أعمار النساء، وهذا الوضع يفرض مشكلات فيما يتصل باستمرار علاقة واحدة ملتزمة، ويفتح المجال أمام فرصة التغير في طبيعة العلاقة الحميمة على مدى حياة المرء إن المسنين لاسيما النساء يواجهون اختيار علاقات مشاركة جديدة عندما يتوفي رفقاء حياتهن من الرجال قبلهن، أو يخترن تكوين علاقات صداقة مع نظرائهن.( )
يشير (جيدنز) إلى أشكال السلوك والتفاعل التي ينتجها الفاعلون الاجتماعيون وهو يكشف الطريقة التي تتشكل بها الحياة الاجتماعية، فهذه التفاعلات أو الممارسات تنتج في النهاية علاقة وطيدة بين الفرد والمجتمع.( )
أسهم بعض الباحثين الطليعين في صك مفهوم ما بعد الحداثة، ويعتبر "ليوتار" أول من أعلن خبر عصر الحداثة في كتابه الشهير "الظرف ما بعد الحداثى" تقرير عن المعرفة.
يشبه السيد يسن حركة ما بعد الحداثة بأنها عبارة عن فعل رمزي يشير إلى سقوط النماذج النظرية التي سادت الفكر الاجتماعي في القرن العشرين نتيجة عجزها عن قراءة العالم وتفسيره والتنبؤ بمستقبله، وفكر ما بعد الحداثة.
تناول موضوع الأسرة والمقومات المؤدية إلى تكاملها من خلال بعض التصورات، حيث نجد كل من (ادجاروجليزز) يتخذون من مفهوم مجرى الحياة أداة تحليلية لفهم وتفسير التحولات والمتغيرات التي تطرأ على بنية الأسرة.
يشير "جيدنز" إلى أشكال السلوك والتفاعل التي ينتجها الفاعلون الاجتماعيون، وهو يكشف عن الطريقة التي تتشكل بها الحياة الاجتماعية، فهذه التفاعلات أو الممارسات تنتج في النهاية علاقة وطيدة بين الفرد والجماعة.
ومن هنا يشير (جيدنز) على أن فهم الممارسات الاجتماعية يمكننا من أن نفهم الطريقة التي يتشكل بها المجتمع ويرى أن المجتمع يخلق ويعاد إنتاجه لا من خلال فرد واحد ولكن من خلال المشاركين في كل موقف اجتماعي.( )
وفي إطار هذه النظرة قدم "جيدنز" مفهومه عن الأسرة خاصة رؤيته لمفهوم العلاقات الأسرية الحميمة وعلاقتها بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الجارية.
يشير "جيدنز" إلى النظم الجديدة ولاسيما نظم السوق التي قد غيرت طبيعة الصداقة.( )
يرى جيدنز أن العلاقات الشخصية ليست مستبعده من المجتمع المدني بالحياة الشخصية ويفسر "جيدنز" هذا أنه تحولا للعلاقة الحميمة.( )
هذا وتعتبر التغيرات غير الشخصية هي مصدر للاضطراب والخلل في بناء المجتمعات، حيث يشعر الأشخاص أن حياتهم الخاصة عبارة عن سلسلة من المتاعب، وأنه يوجد وراء هذا الإحساس بالمأزق تغيرات شخصية في بناء المجتمعات ، ولكنهم لا يجدون عادة طبيعة الاضطرابات التي يعانون منها ولا يعرفونها في حدود التغير التاريخي والتناقض النظامي؛ لأنهم لا يتمتعون بخاصية الرصد التي تعتبر ضرورية لفهم الموقف المتبادل لكل من الإنسان والمجتمع.( )
يرى "جيدنز" أنه يجب ألا ننظر إلى التغيرات التي طرأت على الحياة الأسرية من جانب التغيرات الاقتصادية في طبيعة العمل، ولكن علينا أن ننظر إلى التغيرات الأيديولوجية التي صاحبتها كذلك في غضون التحول من مجتمعات تقليدية إلى مجتمعات حديثة لقد كانت عملية انفصال النشاطين الجنسي والتناسلي عن فكرة علاقات الحب الرومانسي، والسيطرة المتزايدة من جانب النساء على الشئون المنزلية وتربية الأطفال، ويوصف ذلك بأنه منشأ الحب الرومانسي، الذي ارتبط بتأسيس البيئة كوحدة منفصلة عن مكان العمل واختراع الأمومة، والعلاقات المتغيرة بين الآباء والأطفال.( )
بالرغم من أهمية نظرية ما بعد الحداثة، ومحاولتها لإعادة تقييم الأطر التصورية والمنهجية البحثية التي يهتم بها علماء النظرية الاجتماعية عامة والسوسيولوجية خاصة في دراسة الواقع الاجتماعي إلا أن نظرية ما بعد الحداثة قد تعرضت لمجموعة من الانتقادات هي:-
1- ركز كثير من أنصار ما بعد الحداثة على تبنى العديد من المنظورات التحليلية المتصارعة، كما جاءت تصوراتهم ذات طابع ديوجماطيقى من الدرجة الأولى، كما جاءت نظرية ما بعد الحداثة بصورة عامة في تحليلاتها للظواهر الاجتماعية من خلال تبنيها العديد من المنظورات الثقافية غير المترابطة أو المتجانسة.
2- حاولت نظرية ما بعد الحداثة أن تفسر الواقع الاجتماعي ولاسيما مرحلة ما بعد التصنيع أو ما بعد الحداثة من خلال تركيزها فقط على دراسة المراحل الحديثة من مرحلة الرأسمالية الغربية، وهذا ما جاء في تنوع مداخلها التحليلية لدراسة الظواهر الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والسياسية والاجتماعية ولكنها لم تستطع أن تحلل العلاقات المتداخلة بين هذه الظواهر أو معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى مرحلة ما بعد الحداثة ذاتها.( )
3- اتسمت تحليلات الكثير من علماء الحداثة بأنها تتسم بالمغالاة في تبنيها المدخل الثقافي cultural Approach ولهذا لم تعط اهتماما أكثر إلى دراسة الظواهر والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والواقعية.
4- جاءت آراء أصحاب نظرية ما بعد الحداثة ولاسيما تلك الآراء التي ظهرت ما بعد السبعينات والثمانينات متسمة بالطابع الميتافيزيقي والفلسفي المجرد، وهذا ما جعلها في تحليلها للأفكار غامضة ومبهمة ومجزئة وهذا ما جاء في الأفكار المرتبطة بتصورات ميتافيزيقية، والسياسة والتي بعدت كثيرا عن التحليل السوسيولوجي الواقعي لمجتمع ما بعد الحداثة، وهذا ما وجه إليها انتقادات عموما إلى نظرية ما بعد الحداثة باعتبارها نظرية اجتماعية تبنت الكثير من المداخل الأبستمولوجية (المعرفة) والميتافيزيقية.
تعتبر آراء كل من (ميزليس mouzelis ) حول النظرية التركيبية وجيدنز gidens عن نظرية التشكيل الاجتماعي محاولات جادة للعودة مرة أخرى إلى النظرية السوسيولوجية، ولكنها لا تزال تعتبر هذه النظريات في مرحلة المشروع، وتحتاج للكثير من البلورة والتحليل وإخفاء الطباع التنظيرى السوسيولوجي بشكل شامل لها، وهذا ما أكد عليه بالفعل جيدنز في إطار طرحه لمشروع نظرية التشكيل الاجتماعي.( )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مع توسيع إسرائيل عمليتها البرية في لبنان.. هل يمتلك حزب الله


.. سقوط صواريخ أطلقت من لبنان باتجاه الجليل وإخماد حرائق مندلعة




.. هغاري: نحقق في كيفية تمكن طائرة مسيرة من اختراق حدودنا وإصاب


.. العربية من داخل الطائرة الإغاثية الثانية لمساعدة لبنان




.. غوتيريش يحذر من إمكانية -جريمة حرب- بعد استهدافات إسرائيلية