الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف حوّل الانهيار اللبنانيين من -لاحمين- إلى -نباتيين-

سعيد عيسى
كاتب - باحث

(Said Issa)

2022 / 6 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تقريبا، قبل نحو نصف قرن من اليوم، لم يكن غالبية اللبنانيون واللبنانيات "لاحمين" (أكلة اللحوم)، إلا من كان منهم مقتدرا. كانوا في غالبتيهم أبناء أرياف، يقتنون الماعز والأغنام والأبقار، ليستفيدوا من حليبها في صنع الألبان والأجبان والشنكليش... وكانوا يقتنون الدجاج ليستفيدوا من بيضه، أو ليستخدموا بعضها في أعمال الزراعة كالأبقار على سبيل المثال. كانت هذه الحيوانات عزيزة عليهم، فإذا مرضت مرضوا معها، وإذا نفقت لسبب ما، أصابهم الحزن.
كانوا في القرى فقراء، اعتمادهم الأساسي على الأرض والزراعة وما تنتجه، واعتمادهم في غذائهم على الحبوب والنبات، ومطبخهم يقوم على هذه الثنائية. لم تكن اللحوم أساسية في غذائهم، وإن تناولوه فليس منفردا، إنما يدخل مع مكونات محددة من الطبخات، وبالطبع ليس في فصل الصيف، إنما في الشتاء، كان في غالبه على شكل "قاورما"، وهي لحم مقلي، مملّح، غني بالتوابل، يحفظ لفترات طويلة في دهن الغنم المذوّب، وكانوا يحضّرونه في فصل الصيف ويستخدمونه في الشتاء لتحضير الأطباق المحشوة من الخضروات أو يقلون به البيض، ويمكن ان يضيفوه إلى الكشك أو الحساء. كانوا يتناولون اللحم في المناسبات وهي قليلة جدا، إلا لمن كان ذو غنى ومقتدرا وهم قلّة قليلة.
مع نزوحهم ووفودهم إلى المدن، الساحلية أو الداخلية، واختلاطهم بسكانها، تغيرت عاداتهم المطبخية، مترافقة بتغيّر في أحوالهم المعيشية وفي مستوى مداخيلهم. بالطبع لم يصبحوا بين ليلة وضحاها أغنياء، لكن أصبح بإمكان مداخيلهم أن تغطي لهم أكلة لحم على الأقل في الأسبوع الواحد. كان يمكن أن تشتري العائلة أوقية من اللحم "الزور" وهو مزيج من الهبرة والدهن المفروم فرما ناعما أو خشنا ولكن القسم الأكبر منه دهن، وهو رخيص الثمن نسبة لباقي الأنواع التي تستخدم للشوي وغيرها. ومع الوقت تحولوا للحم المشوي والطاووق.
مع مرور الزمن، وارتفاع مداخيل العائلات، والهجرة، والاغتراب، والعولمة، ومع تعاقب الأجيال، تحوّل اللبنانيين من غالبية عظمى نباتية، إلى غالبية عظمى لاحمة، وراجت المشاوي على أنواعها، والهامبرغر وتشيزبرغر واللحوم البيضاء واللحوم البحرية والمرتديلا والجامبون...
اليوم في زمن الانهيار الذي نحن في خضمّه، عاد اللبنانيون في غالبيتهم إلى البداية، أي تحولوا في غالبيتهم العظمى من لاحمين إلى نباتيين. وعاد المطبخ إلى النبات والحبوب والمعكرونة. وهذه المرة ليس طواعية إنما قسرا.
صار المطبخ اليوم يعبر عن الانقسام اللبناني بين فئة عليا استمرت على ما كان عليه الوضع قبل الانهيار وكأنّ شيئا لم يكن وفئة تحوّلت قسرا نحو النبات نتيجة الانهيار.
سعيد عيسى
12-6-2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح