الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل الثقافة في مصر

عطا درغام

2022 / 6 / 14
التربية والتعليم والبحث العلمي


كتب الدكتور طه حسين مستقبل الثقافة في مصر علي خلفية توقيع معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا.، ويقع الكتاب في ستين فصلًا أو ستين حديثًا، تشكل جميعًا حوالي أربعمائة صفحة. بعضها تجاوز 17 صفحة، وبعضها تجاوز بالكاد- صفحة واحدة، وطوال هذه الصفحات لن نجد تعريفًا ولا محاولة تعريف مفهوم ومعني الثقافة الذي يقصده، لكن الكتاب يربط ربطًا تامًا بين الثقافة والتعليم، ولعله لو اتخذ له عنوان"مستقبل التعليم في مصر" لما خرج مضمون الكتاب وهدفه
ولعله اختار العنوان حتي لا يقع في نطاق الفئوية؛ أي كتاب عن فئة المتعلمين والمعلمين وحول قطاع التعليم، ذلك ان الثقافة معناها ومفهومها أشمل وأعم ويخاطب بها الجميع المتعلم وغير المتعلم.
سوف نجد أن 12 فصلًا الأولي من الكتاب هي عبارة عن مصر عمومًا، تاريخها واستقلالها،ومعني الدولة وأركانها، وبعدها مباشرة تدخل في فصول حول قضايا التعليم،وعددها 39 فصلًا،تناول فيها التعليم المدرسي ثم الجامعي وتوقف كذلك عند ثنائية التعليم المدني والتعليم الديني ، الإسلامي منه والمسيحي.
وعالج كذلك مسألة التعليم الأجنبي والتعلم الوطني..في هذه الأمور لم يترك تفصيلة من تفاصيل العملية التعليمية إلا وقد عالجها؛ ولم يكن ذلك غريبصا عليه، فقد كان طوال حياته معلمًا بالجامعة ،ولما تركها عمل بوزارة المعارف العمومية.
بعد هذه الفصول المطولة والممتعة، يتبقي تسعة فصول خصصها لما نُطلق عليه – اليوم- قضايا الثقافة،أي الأدب والفن (السينما والمسرح) والإعلام ( صحافة وراديو) . إذ لم يكن التلفزيون قد عرف بعد بيننا،وسوف نلاحظ أن هذه القضايا لا تبتعد لديه عن العملية التعليمية والنظام التعليمي.
ويريد طه حسين للدولة أن تتولي هي الإشراف بالكامل علي العملية التعليمية، هي التي تضع المناهج وتراقب تنفيذها والالتزام بهن ودافعه إلي ذلك عدة امور أهمها أن المصريين بين أمرين، أغلبية لم تتعلم ويجب علي "الديمقراطية" أن تقوم بتعليمها وأقلية متعلمة،وتلك الأقلية خضعت لنظم مختلفة في التعليم تعليم رسمي "اميري" وتعليم أهلي وتعليم أجنبي، مدارس إنجليزية وأخري فرنسية.
وبعد أن يدرس المواطن منذ مراحله الاولي اللغة العربية،ودراسة التاريخ المصري والجغرافيا،ولا يجد غضاضة في مطالبة المدارس الأجنبية في مصر بتدريس الدين الإسلامي لطلابها.
وينيئنا كتاب مستقبل الثقافة في مصر إلي أن طه حسن كان محبًا للازهر وحفيًا به وبتعليمه،وكان حريصًا عليه..وإذا كان قد ذهب في كتابه إلي أن الدين مقوم أساسي من مقومات الشخصية الوطنية، فلا بد إذن أن يكون حريصًا علي الأزهر..
ويتوقف طه حسين أمام مشكلة الامتحانات وهو يراها عسيرة إلي أبعد حدود العسر وسخيفة إلي أفصي غايات السخف.. والأصل لديه أن الامتحان وسيلة لانتقال الطالب من مرحلة إلي مرحلة.
لكن عندنا تحول الامتحان إلي غاية بحد ذاتها صار التلميذ يدري ويتعلم ليخوض الامتحان لا ينمي معارفه وعقليته، وصار المعلم يؤدي دوره علي هذا الأساس، وكذلك الأسر وهذا جعل التلميذ لا يهتم بغير الدروس المقررة التي يجب ان يستظهرها ، ولا يتم بالقراءة العامة.
وكذلك صار حال المعلم، لذا تراجعت القراءة وحرية الاطلاع.ولم يعد المعلم ولا التلميذ يهتم بأن يعرف علي إنتاج الكتاب والعقول.ومن ثم أضّضر هذا النمط من التعليم بالثقافة والأدب والمعرفة عمومًا،لذا في وقت ما كنا نجد كثير من المعلمين لهم إنتاج أدبي ومعرفي وعلمي في صورة مؤلفات وإبداعات أو ترجمات لكنهم حين تحولوا إلي غاية الامتحان،تراجع ذلك كله وتراجع إنتاجهم.
وانتقلت سلبيات هذا النمط التعليمي إلي الأخلاق الخاصة والعامة أيضًا، أخلاق التلميذ والمعلم والمجتمع كله، حيث فتح باب "الغش" وربما لم يكن الغش سنة 1938 علي النحو الذي شاهدناه في السنوات الأخيرة، حيث تحول إلي غش جماعي وليس حالات فردية.
غير أن الغش الأخطر في العملية التربوية والتعليمية.كما يراه طه حسين ، هو أن يتحول غمل المعلم في المدرسة وكذلك التلميذ إلي التريب وتكوين الطالب من أجل يوم الامتحان فقط؛ فيحددون دروسًا بعينها سوف يكون الامتحان منها هي التي يتم استذكارها دون غيرها، ثم يعدون لهم كتبًا بها نماذج لأسئلة الامتحانات والكتب المساعدة التي تركز فقط علي إعداد التلميذ ليوم الامتحان، وليس لتكوينه علميًا وإعداده معرفيًا،وهو يعتبر كل ذلك غشًا في العملية التعليمية،وهو مفسد للتعليم وللأخلاق.
ويعترف الدكتور طه حسين قرب نهاية الكتاب بأن الثقافة ليست محصورة في المدارس والمعاهد فقط، لكنها أيضًا خارجها، وتتمثل في مواقع عديدة هناك الأدباء والشعراء الذين يقدمون إنتاجًا أدبيًا إلي الناس يقرأونه، فتزيد معارفهم ويزداد تذوقهم وإحساسهم بالجمال والفكر وهناك مجالات السينما والمسرح والصحافة والراديو وكان حفيًا بفن"التمثيل" ويبدي تخوفه علي فن التمثيل من السينما.
وهو يطالب بالحرية للأدباء وللكتاب في الكتابة والتعبير،ويعترف بأن للحرية شرها أحيانًا ولكن لها خيرها دائما ونفع الحرية أكثر من ضرها علي كل حال.وينتقد بعض القوانين التي تتشدد في مصادرة الأدب. هذا التشدد في القوانين تجاه حرية الادب"لا تحمي الفضيلة وإنما تحمي الرذيلة وتخلي بينها وبين النفوس.
وتشدد الدكتور طه حسين في الدفاع عن حرية الأدب والأدباء، أو حرية الكتاب ،وعنده أن كثير من الظواهر السلبية ،وإنما يطالب بقدر من الرقابة علي السينما ،وذلك لأسباب عدة .إنه فن طاريء علينا ويأتينا من الخارج علي الأغلب ،وما نستحدثه منه في بلادنا أقل مما نستورده من الخارج ،وإذا كانت أوربا نفسها علي حريتها تشكو من خطره علي الذوق والخلق،فأحري بنا أن نحتاط منه للذوق والخلق ،وأن نراقبه مراقبة دقيقة وألا نبيح عرضه إلا إذا وجدنا منه الخير وأمنا من شره علي أقل تقدير.
ويختم الدكتور طه حسين كتابه بسؤال مهم: هل لدينا ثقافة مصرية خالصة..ثقافتنا وطنية..؟! وإجابته بلا تردد..نعم لدينا ثقافة وطنية مصرية، وإن كانت ما تزال ضعيفة بعد،ولكنها قائمة وموجودة..
وهو يدرك أن كثيرين في أوربا لا يستريحون لمفهوم الثقافة الوطنية، بالنسبة لأي بلد لأنهم يريدون للثقافة أن تكون إنسانية في المقام الأول، ولا يمكن لأحد أن يجرد الثقافة من بعدها الإنساني،وقضايا الإنسان لكنها أيضًا تخص مجتمعًا وثقافة بذاتها،فالمواطن في إفريقيا له قضايا وهموم ليست نفسها التي لدي المواطن في آسيا أو أوربا...والثقافة كذلك تقوم علي الفرد المبدع الذي يقدمها وتنسب إليه ولا يمكن لأحد ان ينكرها عليه.
ويقترح الدكتور طه حسين في كتابه علي الحكومة المصرية أن تنشيء مدارس عربية في فلسطين وسوريا ولبنان . فإنه هنا"رجل الدولة". الذي الذي يدرك مخاطر وجود مدارس أجنبية في هذه البلدان الثلاثة المجاورة لمصر، والتي يعتبر أن عقلياتها أقرب ما تكون إلي العقلية المصرية.
وفي حديثه في فصول الكتاب عن المدارس الأجنبية وضرورة أن تُشرف الدولة المصرية علي ما يقدم فيها من مواد لأبنائنا وبناتنا، هو هنا يتحدث كرجل دولة قبل أن يكون مفكرًا وباحثًا، ولنتذكر أنه في تلك الفترة ،كان هناك فريق وإن كان ضعيفًا من حيث العدد..يردد ويصيح بأن العلاقة بين مصر وإنجلترا لن تنقطع وأنها أقرب إلي "الزواج الكاثوليكي" وصدرت كتب ومقالات تندد وتسخر بأولئك الذين يطالبون بالاستقلال وخروج إنجلترا نهائيًا من مصر .
وكان في رأي هؤلاء أن مصر نهضت إداريًا وماليًا تحت الإنجليز، ولذا لا يجب أن يخرج الإنجليز من هنا وأن لا نغادرهم نحن،وهؤلاء كان من علية القوم وكانوا من المؤثرين في صناعة القرار المصري، كانوا من المقربين جدًا إلي" قصر الدوبارة" مقر المندوب السامي البريطاني ، السفارة البريطانية بعد معاهدة 1936 .
ويوجه الدكتور طه حسين رسالة في مقدمة كتابه :" ومن يدري! لعل هذا الكتاب كله أو بعضه سيقع موقعًا حسنًا من بعض الذين إليهم أمور التعليم،ولعلهم أن يأخذوا ببعض ما فيه من رأي.
ومن يدري! لعل هذا الكتاب كله أو بعضه ان يقع موقعا سيئًا من بعض الناس، ولعلهم أن ينقدوه وان يثيروا حوله هذا الجدال الخصب، الذي يجلي وجه الحق في كثيرٍ من الأحيان،وهو علي كل حال سينبئ الشباب بان أساتذتهم وآباءهم لهم الغلظة والجفوة في كثير من الظروف ؛ إنما يقدمون علي ذلك لأنهم يحبونهم كما يحبون أنفسهم ،وأكثر مما يحبون لأنفسهم،ولأنهم يؤثرونهم بالخير،ويختصونهم بالبر ويحرصون أشد الحرص علي أن تكون أجيال الشباب خيرًا من أجيال الشيوخ وعلي أن يحقق الشباب لمصر من المجد والعزة ومن النعمة والرخاء ما عجز الشيوخ عن تحقيقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا