الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلافوي جِيجك ومرجعياته الثلاث

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2022 / 6 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتب ماركس في مقدمة كتابه 18 برومير لويس بونابرت: يقول هيغل في مكان ما أن جميع الشخصيات والاحداث العظيمة في تاريخ العالم تظهر، إذا جاز القول، مرتين، وقد نسي أن يضيف: المرة الأولى كمأساة، والثانية كمسخرة (هزل: Farce) . ولججك كتاب بعنوان: "بداية كمأساة وأخرى كمهزلة" وهذا ينطبق على الفلسفة. مع هيغل مأساة ومع جيجك كوميديا. والأمر ينطبق على البورجوازية؛ فصعودها التاريخي مأساة وانحطاطها العالمي وظهورها في البلدان المتخلفة ظهور رث ومهزلة، لا بل مسخرة.
يكتب سمير اليوسف: أحيانًا يُصاب المركز العالمي (الذي تسيطر عليه البورجوازية الامبريالية، والدوائر الثقافية الميتروبولية) وهو مصدر الأفكار والأذواق ومصدر السلطة والمرجعيات التابعة جميعًا، بالتخمة، فيركن إلى الاجترار الفكري، وهذا هو اجترار المُطمئِن بأن لا شيء جديد هناك يمكن إضافته إلى ما هو متوافر. ولكن فجأة يظهر القادم من الهامش، الجغرافي أو الثقافي، لكي يبيّن بأن ثمة الكثير مما لم يتم معالجته معالجةً نقديّة وافيّة، الكثير مما لم يُصَر إلى معرفته بعد، الكثير مما يمكن إضافته."
وأقول: ذلك لأن مشروع البورجوازية الامبريالية قد بدأ بالانحطاط، والبورجوازية الرثة في الهوامش ملحق به. لكن مشروع النهوض الديمقراطي للطبقات التابعة في الهوامش مازال يمتلك إمكانية تقديم شيء جديد، لكن هذه المرة على أساس اشتراكي؛ أي على أساس تعميم ملكية وسائل الإنتاج.
هذا التمييز الحاسم للعلاقات الإنتاج في هوامش النظام الرأسمالي لا يجد له مكان عند سمير اليوسف في مقالته (سلافوي جـِجـِك؛ الفلسفة والكوميديا، مجلة نزوي العدد 10 أبريل 2022) فهو يجعل كل من جورج لوكاش، ثيودور أدورنو، والتر بنيامين، إميل سيوران، ألكسندر كوجيف، ريموند وليامز، فرانتز فانون، كيت ملُت، جرمين غرير، إدوارد سعيد، سلافوي جِجك يقفون على أرض واحدة. مع أنه هناك فارق كبير بين جورج لوكاش الفيلسوف الماركسي الشهير وبين كوجيف القادم من مركز الاشتراكية في روسيا السوفياتية والمناهض للشيوعية، وادوارد سعيد ذي الثقافة الميتروبولية وصاحب كتاب الاستشراق الشهير الذي يصنف ماركس كواحد من المستشرقين الأوربيين لا أكثر. وادوارد سعيد فلسطيني مهاجر إلى الولايات المتحدة هجرة اختيارية.
قسم من هؤلاء ينحدر من أوربا الشرقية ومنهم ججك الذي ينحدر ليس من أوربا الشرقية (هامش أوروبا الغربية) فحسب، بل ينحدر من هوامش الاتحاد السوفياتي. وهذا شيء مفارق ومضحك. يقول الكاتب: الأخير بينهم هو الأشدُ إثارة للفضول. سلافوي جِجِك القادم من سلوفينيا، أصغر بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة، شهد انهيار المنظومة المذكورة، فخلافًا للمعهود، على أكثر من مستوى واحد، جِجك، أولًا، لم يأتِ إلى الغرب كمنشق عن النظام الاشتراكي، ولم يكتسب مكانته وشهرته في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية لكونه عاشقًا لليبرالية الغربية.
أما فرانز فانون صاحب كتاب (معذبو الأرض) فهو من أفريقيا، نصير كبير للثورة الجزائرية.
ججك ماركسي-لينيني على سبيل التهكم والسخرية. فمرجعياته الفكرية: هيغل المأساوي؛ آخر الفلاسفة بالمعنى التقليدي للفلسفة، وجاك لاكان "مجدد" التحليل النفسي الفرويدي الهزلي، لأن التحليل النفسي الفرويدي هزل ظهر في عصر انحطاط البورجوازية وشغفها بالبيولوجي والعنصري (من العنصر) و"الجنسي" والجسد المهتوك.
أما مرجعه الثالث فهو "ماركس"، وهو الأخف وزنًا بين مراجعه الفكرية الثلاثة. فماركس بالنسبة لججك مجرد كاتب سياسي ثوري وإن كان من طراز رفيع". وهذا يخفي غمز من قناة مراجعي الماركسية في الغرب الرأسمالي الذين حولوا ماركس إلى مجرد "عالم اقتصاد"
في كتابه المعروف "الماركسية والوجودية" يحاول جان بول سارتر اخضاع فكر ماركس إلى تحليل نفسي فرويدي في حركة تهكمية ناكسه، يخرج منها بنتيجة أن الماركسية لا يمكن تجاوزها في عصر الرأسمالية، لأن الماركسية هي الصياغة النظرية للنظام الرأسمالي في مولده وقيامته البنيوية ومآلاته. بالتالي تنكمش الوجودية عند سارتر إلى ضرب من علم للنفس يرصد علاقة الذوات الفردية بنفسها وعلاقتها بالذوات الأخرى. حيث يؤكد سارتر وجود برزخ (عدم) يفصل بين الأنا والغير(الآخر)، ويترتب على ذلك وجود علاقة شبيهة بالأشياء. وعلينا التمييز بين "موضعة" النشاط والفاعلية الإنسانية للأفراد، أي تحويل هذه الفاعلية إلى شيء موضوعي مادي، وبين الاغتراب أو الاستلاب، حيث "يُوقَف بوجه الانسان الفرد نتيجة نشاطه الخاص، عمله الخاص، كشيء موضوعي مستقل عنه ويسيطر عليه بقوانين خاصة، غريبة" (التاريخ والصراع الطبقي 82)
ويرى سارتر أن الانفصال بين الذوات الفردية يجعل معرفة الغير تقتضي تحويله الى موضوع(موضعته)، وبذلك لن يكون الغير سوى صورة ذهنية. وهذه المقابلة المرآتية لن تُظهر حقيقة الفرد، لأن مثلها كمثل مقابلة بضاعة ببضاعة أخرى في السوق الرأسمالية، هذه المقابلة لا تظهر حقيقة البضاعة أو السلعة، لأن حقيقة البضاعة متوارية خلف جسد البضاعة. ويخرج سارتر بنتيجة مفادها: "لقد لاحظت هذه الملاحظة دوماً: إن أي حجة من الحجج "المناوئة للماركسية" ليست إلا تجديداً ظاهرياً لشباب فكرة سابقة للماركسية. وأي "تجاوز" مزعوم للماركسية لن يكون في أحسن الأحوال، سوى اكتشاف لفِكْر قد تضمنته سابقاً الفلسفة التي ظن انها تُجوّزت"(في القول السياسي- 2 ، الماركسية والوجودية )
في مقدمة كتابه "الرأسمال" يقول ماركس: إن الهدف النهائي لهذا الكتاب هو الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع القائم حالياً " أي المجتمع الرأسمالي البورجوازي، فدراسة علاقات الإنتاج في هذا المجتمع المحدد تاريخياً، من حيث نشوئها وتطورها وزوالها، هو مضمون مذهب ماركس الاجتماعي الاقتصادي. وفي المجتمع الرأسمالي يسود إنتاج البضائع، لهذا يبدأ كتاب ماركس بتحليل البضاعة" (لينين: المختارات 5 )
جاء في "طاسين الأَزْل والالتباس" وهو السادس من طواسين الحلاج: وحيث إبليس تغير عليه العين عبد المعبود على التجريد، ولُعِن حين وصل إلى التفريد، فقال له: اسجد، قال: لا غير، قال له: وإن عليك لعنتي، قال: لا غير. إبليس سقط عن العين، وأحمد كُشف له عن عين العين. قال إبليس: ما سجدت لأحد، ولا أُذلّ لشخص وجسد" (الحلاج، الاعمال الكاملة)
ججك المتهكم الساخر ينكص كسارتر من ماركس منحدراً نحو هيغل، من التشخيص؛ والتخصيص والحصر والتقييد التاريخي الماركسي إلى التجريد الهيغلي والاطلاق المرسل. ججك لن يسجد لشخص ماركس فقد عبد الديالكتيك على التجريد (هيغل) وأنكره على الشخص (ماركس)، وهذا يعني فيما يعنيه: النفور من الممارسة السياسية والحزب السياسي الماركسي.
ملفت حقاً أن كل نكوص عن الماركسية وفلسفة البراكسيس (الممارسة) تقود إلى النفسانيات، هكذا وصل ججك إلى جاك لاكان "مجدد" فرويد والتحليل النفسي الذي قال إريك فروم عن هذا الأخير أنه فكر مأزوم في كتابه "أزمة التحليل النفسي". وأضيف القول: أنه فكر انحطاط ونكوص.
السخرية قائمة في تجديد فكر غير قابل للتجديد، وحين حاول لاكان عمل ذلك وجد نفسه في حقل اللسانيات واللغة، وهو الحقل (حقل الكلمة) الذي برع فيه ميخائيل باختين بعد نقده للفرويدية، حيث خرج بنتيجة خطرة مفادها أن النفس ليست أكثر من محتوى أيديولوجي، أي كلمات.
لهذه الأسباب ولكونه متهكماً وساخراً، وبالرغم من كونه فيلسوفاً بالأساس، فإن جِجك كما يقول اليوسف "لم يترفّع عن الكتابة في أمور متنوعة ومختلفة من دون تمييز ما بين موضوع أعلى أو أدنى مرتبة فكرية. فهو كتب عن الأفلام السينمائية، الهوليودية الترفيهية الطابع، عن الروايات البوليسية، السياسة الراهنة، القضايا الكبرى أو الفضائح، مختلف ظواهر الإعلام والدعاية التجارية بل وحتى عن مقاعد المراحيض، بما يدل عليه الفارق ما بين مقعد مرحاض في بلد أوروبي غربي وآخر هامشي. ولكونه متهكماً وساخراً فجِجك فيلسوف كوميدي ونجم إعلامي إلى حد الظهور بمظهر البهلوان."
يقارب اليوسف سلافوي ججك عبر قضايا ثلاث:
الأولى، تجديد الاعتبار للأيديولوجيا، وهذه نعمة لاكان عليه؛ وهي نعمة باختين الذي أعاد الاعتبار للأيديولوجية والكلمة.
الثانية، إعادة الاعتبار للدين، بالأحرى إعادة الاعتبار لنقد الدين، وهذا الاعتبار النقدي أمر هام. وكنا قد نشرنا مقالاً تحت عنوان "الماركسية في عود لنقد الدين". خاصة، وأنه نتيجة لظروف نمو الفكر الاشتراكي في أوربا وروسيا فقد اختلط نوع من الالحاد بالفكر الاشتراكي، لقد حذر باختين من خطر اشتراكية لا تلقي بالا للأموات. هذا الإلحاد هو الذي حذّر منه ديستويفسكي وقبله غوغول في اعمالهما الإبداعية العظيمة. الالحاد ضرب من العدمية المميتة والماركسية فكر اجتماعي-اقتصادي سياسي ذو مقاصد وغايات تاريخية ثورية أبعد ما يكون عن العدمية، وهو لذلك الوارث نقدياً للدين التاريخي، ومنه الإسلام الذي نقل العرب من نظام القبيلة إلى نظام الدولة المركزية (راجع خليل عبد الكريم: قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية).
كتب ماركس في مكان ما، والأرجح سنة 1841 "أن الدين هو خلاصة الكفاح النظري للبشرية، وان الدولة هي خلاصة نضالاتها العملية. "
يورد اليوسف عبارة منسوبة لججك تقول: أنَّ الدينَ أهمُّ قيمة من أن يُترك لرجال الدين"
أما القضية الثالثة فهي "المزحة" ودورها الخطير الثوري في تكسير وتقويض الكثير من المعتقدات والأوهام والضلالات، إنها إبرة ثورية ومطرقة من خشب لتكسير الدوغمائيات. وكان الكاتب التشيكي ميلان كونديرا قد كتب أولى رواياته تحت عنوان "المزحة"
يقول اليوسف: جِجك الكوميدي ودور الكوميديا في الفلسفة الثورية.
عندما زار ماركس الجزائر قبيل وفاته خرج إلى البحر على قارب يقوده نوتي جزائري. قال له ماركس مسامراً: هل سبق لك وقرأت هيغل، قال النوتي: لا، قال ماركس: لقد خسرت ربع عمرك، وأضاف: هل قرأت الاقتصاد السياسي الكلاسيكي: قال النوتي: لا قال ماركس لقد خسرت الربع الثاني من حياتك. وأضاف ماركس: وهل سبق وقرأت عن الاشتراكية الفرنسية وعن برودون، قال النوتي: لا قال ماركس: لقد خسرت الربع الثالث من حياتك. وعندها اضطرب المركب ومال وسقط ماركس في مياه البحر، فقال له النوتي: هل سبق وتعلمت السباحة؟ قال ماركس: لا. قال النوتي لقد خسرت حياتك كلها إذاً. وضحكا .. ها ها ها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |