الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منعطفات هامة في سيرورة تطور الكتابة التاريخية

الريكات عبد الغفور

2022 / 6 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مع اختراع الكتابة بدأت الارهاصات الاولى للتدوين و ذلك بالاعتماد على الرموز و الأسطورة و محاولة فهمهما، على الرغم  من غياب منهج  رصين للكتابة التاريخية انذاك و ارتباطها بما هو مثالي أكثر من الواقع فخصوصية المرحلة فرضت بروز مجموعة من المؤرخين حاولوا تفكيك خيوط متداخلة لوضع مادة تاريخية أولية دون الحاجة لربطها بنزوات أو ميولات ذاتية لكاتبها، حيث حاول المؤرخ الإغريقي توسيديد  في كتابه « تاريخ الحروب البيلوبونيزية » حوالي 403 قبل الميلاد، إخبار القارئ بكل أمانة بمصادر جمع معلوماته حول الحروب دون إبداء مواقف ذاتية .
و رغم التطور التدريجي للكتابة التاريخية، فتعتبر أمهات الكتب أو المصادر التاريخية القديمة  مهمة لكل  شغوف  بفكرة تكوين الحضارة الانسانية، أو الارهاصات الاولى للمجتمع و علاقات الانسان بالسياسة و الاقتصاد و الدين. و بين سطور هذه الكتب متعة ربما لانها لم تخضع لاي سلطة أو أنجزت خارج أي قانون أو منهج علمي يقيد حريتها.
لن تحس و أنت تقرأ عن الحضارات  المتوسطية القديمة بالملل أو الرتابة، بل ستكتشف التاريخ المتسق بالعلوم و الادب و الجغرافيا....
لكن رغم ذلك فما يجمعه بالكتابة التاريخية الوسيطية الاهتمام بالملوك و السلاطين و كل الممتلكين للسلطة السياسية، فخلال العصر الوسيط أصبحت الكتابة تعبر بشكل واضح عن ايديولوجية الدولة و تغلفت بالعصبية و الانتماء القبليين، ما جعلها تدخل مستنقع الرتابة و بخاصة تركيزها على التاريخ السياسي للقابضين على السلطة و التغني بانجازاتهم و حروبهم، فلا تجد الا اشارات قليلة لتاريخ المهمشين أو التاريخ السوسيو- إقتصادي.
و كانت الكتابة التاريخية باوروبا بدورها خاصعة لسلطة الكنيسة، و كذلك الامر في جنوب المتوسط، فتاريخ العصر الوسيط ركز على العصبية القبلية و الوازع الديني. 
و ظهر المؤرخ خلال العصر الوسيط عاجزا عن التمرد على الكتابة التاريخية النمطية، و انتظرنا الى سنة 1377 م، حتى برز كتاب المقدمة لصاحبه إبن خلدون ،  الذي أعطى نفسا جديدا للكتابة التاريخية و ذلك بانفتاحه على باقي العلوم الانسانية. 
لقد عجز المؤرخ طيلة 14 قرنا على إعطاء صورة واضحة عن مجالات الاقتصاد و المجتمع، كما عجز عن ابراز دور الانسان كصانع و فاعل للتاريخ، فبرز هذا الاخير حكرا للمتحكمين في السلطة السياسية.      
كنّا بحاجة ملحة لثورة حقيقية تميط اللثام عن أوضاعه و تكشف المستور بالنسبة لتاريخ الانسان المنسي. لذلك شكلت الثورة الصناعية خلال القرن 18 فرصة سانحة لنفض الغبار عن الكتابة التاريخية و منحت الفرصة للانسان بالمساهمة في نقل التاريخ من المثالية التي ربطت الكتابة التاريخية و قيدتها بفكر الجماعة و أبعدتها نسبيا عن الواقع، الى المادية فالمدرسة الوثائقية  الالمانية من خلال المؤرخ «رانكه» عملت  على ربط التاريخ بالوثيقة (مذكرات، رسائل...) و أضافت اليها المادية التاريخية أو الماركسية الاهتمام بالانسان و علاقات الانتاج، على اعتبار أن تاريخ الانسان هو تاريخ صراع التناقض الدائم و وجود الانسان مرتبط بالحركية الدائمة في اطار انتاج و اعادة انتاج المتطلبات المادية للصراع.
ومع مدرسة الحوليات الفرنسية أعطي بعد آخر للكتابة التاريخية و ذلك من خلال انسجام التاريخ مع باقي العلوم مع الحفاظ على الهوية، فصارت مهمة المؤرخ لا تختلف عن مهمة الباحث في الفلسفة او السياسة او الاقتصاد، و انضافت معه للمؤرخ مهام أخرى و استفاد من تطور باقي العلوم الانسانية و خاصة الفلسفة السياسية مع ألتوسير، ليرقى بالكتابة التاريخية من الاقتصار على منهج جاهز الى منهج علمي يعبر عن مدى تنزيل علم التاريخ كعلم قائم الذات.
و في ظل التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و تصاعد وتيرة الصراع الطبقي، فالحتمية تفرض على المؤرخ العضوي و المتمرد على التاريخ الرسمي، أخد مسافة الامان الضرورية ووضع التصور العلمي الدقيق للمرحلة، ولو أنه لن يختلف عن ما يقوم به الصحفي أو المحلل السياسي إلا أن نزعته للتحرر من الأغلال التي تحاول تكبيله و يكون معبّرا عن  قضايا المهمشين .أما صمته أو حياده خلال احتدام الصراع إلا  اصطفافا إلى جانب معسكر التناقض الرئيس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية