الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ روسيا – 10 ألكساندر بطل نيفا

محمد زكريا توفيق

2022 / 6 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثاني عشر.

قصة ألكسندر نيفسكي، بطل نيفا.

بعد الوفاة المأساوية لجورج الثاني، انتقل شقيقه، "الشهرة النارية"، النشط والحكيم، من نوفجورود إلى عرش سوزدال. انتظر حتى عاد التتار إلى الشرق، ثم جاء يستلم ميراثه في بلده، التي وجدها في حالة يرثى لها:

"موطوءة بحوافر الخيل، مخضبة بدماء البشر، ومفروشة بعظام القتلى. تظللها غمامة من الحزن الدفين".

دعا رعاياه الخائفين والفارين من الغابات التي كانوا يختبئون فيها، وقام بتطهير الطرق والحقول من الجثث المتناثرة هنا وهناك بدون دفن.

وبدأ في إعادة بناء القرى والمدن المدمرة. أخيرا، أرسل له "باتي"، خان التتار، استدعاء متغطرسا للحضور إلى محكمته في ساراي. لم يجرؤ الأمير الكبير على العصيان. رافقه عدد قليل من النبلاء. ثم وقف أمام خان التتار.

استقبله "باتي" بشرف، وأكد لقبه كأمير كبير، لكنه أجبره على تكريم سيد العالم الجديد شخصيا، والذي كان قصره الرائع يطل على ضفاف نهر آمور.

قام "الشهرة النارية" بالرحلة الرهيبة عبر أوروبا وآسيا، وعبر الصحاري والبلدان التي كانت مزدهرة ذات يوم، ولكن دمرتها الجيوش البربرية.

وقف بتواضع أمام الخان العظيم للإمبراطورية المغولية، ونجح في دحض التهم الموجهة إليه من قبل أحد رعاياه، وبعد تأخير دام عدة أشهر، تأكد مرة أخرى لقبه، وسمح له بالعودة.

كان قد قطع بضع مئات من الفراسخ فقط في رمال الصحاري، عندما غلبه العطش والإرهاق. حمل أتباعه المخلصون رفاته إلى مدينة فلاديمير، ووضعوها في الكاتدرائية.

مبعوث البابا إنوسنت الرابع، رأى عظام الرجال، الذين لقوا حتفهم معه، ملقاة دون دفن في رمال السهوب. أصبح ابنه أندرو الأمير الأكبر لسوزدال، وابنه الآخر ألكسندر، بقي أمير نوفجورود.

كان الكسندر، حتى قبل وصول التتار، قد اكتسب شهرة من خلال معاركه مع السويديين والفنلنديين، بقيادة إخوة السيف الألمان.

لطالما اعتبر الروس في نوفجورود المقاطعات الواقعة على طول بحر البلطيق ملكا لهم. لكن جاء التجار الألمان من مدن هانز، لابتلاع كل تجارة شمال روسيا. كذلك، أرسل رئيس أساقفة بريمن، المبشرين لتحويل السكان الأصليين إلى الكاثوليكية الرومانية.

تقول قصيدة محلية تصف الحالة:

"كانت رايات الغرباء ترفرف. وجعلنا الغزاة عبيدا، وقيدونا كأقنان للطغاة، وأجبرونا على أن نكون خدما لهم.

لقد خنقنا الكهنة بمسابحهم، ونهبنا الفرسان الجشعون، ودمرت قوات اللصوص أراضينا، وقطّعنا القتلة المسلحون إربا، وسرق أبو الصليب أموالنا، ونهب كنوزنا المدفونة، واعتدى على الأشجار، والشجرة المقدسة، ولوث المياه وينبوع الحياة. لقد وقعت البلط على بلوط منطقة تارا، والفؤوس على أشجار الكيرو ".

سرعان ما انتفض السكان الأصليون ضد مضطهديهم، وتعمدوا في المياه المقدسة لنهر دفينا في شمال غرب روسيا، وعادوا إلى آلهتهم القديمة.

لكن البابا قام بحملة ضدهم، وجاء الأسقف ألبرت، "المؤسس الحقيقي للحكم الألماني في ليفونيا"، ضدهم، بأسطول من ثلاث وعشرين سفينة. وبنى مدينة ريجا، في الشمال الغربي، والعديد من القلاع من الحجر الأسمنتي.

وأنشأ جماعة إخوة جيش المسيح، أو حاملي السيوف، الذين يرتدون عباءات بيضاء، مع صليب أحمر على أكتافهم، ويتحدون مع جماعة فرسان الصليب الأسود، في حماسهم لدينهم وتجارتهم.

وسرعان ما وجدوا أنفسهم في نزاع مع رجال نوفجورود فيما يتعلق بالأراضي على طول نهر نيفا في الشمال وخليج فنلندا.

ساعد رجال نوفجورود السكان الأصليين على مقاومة الديانة الكاثوليكية. الملك جون، ملك السويد، بعد أن حصل من البابا جريجوري التاسع على الموافقة، أرسل صهره، برجر، ضد نوفجورود والوثنيين في ليفونيا.

"دافع عن نفسك إذا استطعت. اعلم أنني بالفعل في مقاطعاتك"، كان هذا هو التحدي الذي أرسله إلى ألكسندر، ابن الشهرة النارية.

تلقى رئيس أساقفة كاتدرائية القديسة صوفيا، مباركة رئيس الأساقفة، ثم دعا جنوده الشجعان إلى اتباعه حتى النصر. وبدون أن يكون لديه الوقت لطلب المساعدة من سوزدال، خرج ضد السويديين.

تقول القصة، إنه في الليلة التي سبقت المعركة، أحد شيوخ قبيلة وثنية، الذي تحول للمسيحية الأرثوذكسية، كان يقف حارسا. في وقت الفجر تقريبا، رأى رؤية عجيبة:

أشباح تقوم بالتجديف في قارب، ينزلق بسرعة أسفل نهر نيفا. في وسطه، وقف القديسان الشهداء، بوريس وجليب، في ملابس زاهية. وقال بوريس:

"أيها الأخ جليب، يجب أن نجدف بأسرع ما يمكن، حتى يمكننا مساعدة قريبنا ألكسندر".

سارع الحارس إلى الأمير بما رآه في رؤيته. مما شجع ألكسندر على بداية معركة فورية، فاز فيها بانتصار رائع على ضفاف نهر نيفا.

قام ألكسندر بأعمال عظيمة من الشجاعة، و "طبع برمحه علامة على وجه الغازي برجر". لم يكن أعداءه تضاهيه في المهارة والبراعة.

أحدهم، على ظهر جواد، طارد القائد السويدي حتى سفينته، وعندما احتشد السويديون وألقوا به في الماء، هرب إلى الشاطئ، وتسلل مرة أخرى إلى صفوف خصومه، لكي يواصل إثارة الرعب بين صفوفهم.

واستولى آخر سيرا على الأقدام على ثلاثة قوارير سويدية وأحضرها. واندفع ثالث إلى خيمة برجر، المصنوعة من القماش الذهبي، وأسقط عمود الرماد وسط صيحات أصدقائه المؤيدة.

وقد حمّل السويديون ثلاث سفن بالموتى، ودفنوا عددا لا يحصى، في خندق حفر على طول الشاطئ.

عندما بني بطرس الأكبر، بعد ما يقرب من خمسة قرون، عاصمته على ضفتي نهر نيفا، أصبح قاهر السويديين، أهم القديسين في المدينة، وباتت عظامه تستقر في الدير المسمى باسمه، ألكسندر نيفسكي.

نسي رجال نوفجورود خدماته، وتشاجروا مع الأمير، وتركوه يذهب للمنفى. ثم استولى "إخوة السيف" على بسكوف. وفرضوا الجزية على القبائل التابعة لها، ونهبوا ما بداخل أسوارها.

عاد ألكسندر، رئيس الأساقفة والشعب، من منفاه، وجمع جيشا. طرد به الألمان من بسكوف، وشنق الأسرى الذين سقطوا بين يديه، وقاتل الليفونيان على جليد البحيرة الفنلندية، حيث قتل أربعمائة من "إخوة السيف"، وأرسل إلى نوفجورود خمسين أسيرا.

بعد بضع سنوات، عندما أبرم ألكسندر نيفسكي السلام مع الألمان، أرسل بابا روما، الذي خدعته قصة كاذبة، اثنين من الكرادلة مع رسالة، واصفا إياه بأنه ابن الكنيسة المخلص، وتوسل إليه أن يتمم رغبات والده، الشهرة النارية، الذي توفي مهتديا في حربه مع التتار. فأجاب ألكسندر:

"نحن نريد أن نتبع عقائد الكنيسة الحقيقية. أما بالنسبة لعقائدكم، فليس لدينا رغبة في تبنيها، أو في معرفتها".

بالرغم من أن نوفجورود كانت المدينة الروسية الوحيدة، التي لم ينهبها أو يحرقها التتار، لكنها لم تسلم من انتهاكاتهم.

سمع "باتي" عن شجاعة الإسكندر، وفي أحد الأيام ظهر رسول أمام الأمير برسالة جاء فيها:

" أمير نوفجورود، لقد وضع الله العديد من الأمم تحت سلطتي. سوف تقاوم وحدك. لكن، إذا رغبت في الحفاظ على أرضك، تعال إلي، وأنت ترى عظمتي ومجد نفوذي".

ذهب ألكسندر، مع شقيقه أندرو إلى ساراي، حيث تم إرسالهما، مثل والدهما من قبل، عبر الصحاري التي ليس لها نهاية لمقابلة رئيس المغول. استقبلهم الخان الكبير بلطف، وثبت ألقابهم، ودعهم يعودون محملين بالهدايا الثمينة.

بعد ثلاث سنوات، قام شقيق "باتي" وخليفته في ساراي، بإحصاء سكاني، وفرض جزية (ضرائب) هائلة على جميع أنحاء روسيا.

لم يتقبل رجال نوفجورود هذا بأي حال من الأحوال بسهولة. عندما نصح أمير المدينة، في الجمعية الشعبية، أنه يجب عليهم جميعا الانحناء أمام الأقوى، دوت صرخة رهيبة في أرجاء القاعة وحدث اضطراب وفوضى. ثم هجم الأعضاء على الأمير رئيس المدينة وقطعوه إربا.

ثم أعلن باسيل ابن الأمير، أنه يقف ضد أبيه الذي: "جلب العبودية للرجال الأحرار "

صوت المجلس على إلغاء الجزية، وأرسلوا المبعوثين مع الهدايا. كان ألكسندر أكثر حكمة. اعتقل ابن الأمير، وألقى به في السجن، وعاقب النبلاء الذين انضموا إلى الصخب. وشنق بعضهم، وسمل عيون وجذع أنوف آخرين. ثم أرسل كلمة إلى الخان، مفادها أن نوفجورود ستلتزم بإجراء التعداد السكاني.

دخل التتار مدينة نوفجورود، وبدأوا بغطرسة في العمل. تجمع السكان حول كاتدرائية القديسة صوفيا، وقالوا إنهم سيموتون من أجل الحرية والشرف.

لكن الأمير منعهم من الانقضاض على جامعي الجزية وقتلهم. فقط تهديده بترك المدينة، عرضة لغضب الخان، هو الذي هدأ من روعهم.

ثم سمح للسجلات الوقحة بالمضي قدما في إجراءات التعداد بسلام عبر الشوارع الصامتة والمهجورة في المدينة الذليلة.

في نفس الوقت، ثار سكان المدن الأخرى التي كانت تنتمي إلى إمارة الإسكندر، وقتلوا جامعي الضرائب. ألكسندر، مع العلم بخطر انتقام الخان، قام مرة أخرى بزيارته، لتقديم أعذاره وتبريراته.

تم الصفح عنه، بالرغم من التهم العديدة التي كانت موجهة إليه. إلا أنه تم التحفظ عليه لمدة عام في بلاط سراي، وانهارت صحته.

في طريق عودته توفي. وبلغ الخبر المطران الأسقف، بينما كان يؤدي الخدمة في كاتدرائية فلاديمير. التفت الأسقف إلى الشعب وقال:

"اعلموا، أولادي الأعزاء، أن شمس روسيا قد غابت".
فانفجر الناس في البكاء، وبكوا وهم يقولون:
"نحن ضائعون! نحن ضائعون! "

ملحوظة:

فيلم روسي رائع عن ألكسندر نيفسكي، من إخراج سيرجي آيزنشتاين، إنتاج 1938م. يمكن مشاهدته من هذا الموقع:

https://www.youtube.com/watch?v=LpVtoUFKZ7w

وللحديث بقية، فإلى اللقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد