الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 72

ضياء الشكرجي

2022 / 6 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَاقتُلوهُم حَيثُ ثَقِفتُموهُم وَأَخرِجوهُم مِن حَيثُ أَخرَجوكُم وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ وَلا تُقاتِلوهُم عِندَ المَسجِدِ الحَرامِ حَتّى يُقاتِلوكُم فيهِ فَإِن قاتَلوكُم فَاقتُلوهُم كَذالِكَ جَزاءُ الكافِرينَ (191) فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ (192)
لكن هذه الآية تنتقل من صيغة القتال «قاتِلوهُم» إلى صيغة القتل «اقتُلوهُم»، والقتل يجب أن يكون «حَيثُ ثَقِفتُموهُم»، ثم عليهم معاملتهم بمثل ما عاملوهم من قبل بتهجيرهم من بيوتهم وموطنهم بقول «وَأَخرِجوهُم مِن حَيثُ أَخرَجوكُم»، ومبرر أمر المسلمين بهذه الشدة مع غير المسلمين بكون «الفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ»، والمقصود بالفتنة كل أساليب الاضطهاد من إيذاء وتعذيب وتهجير ومصادرة أموال، بمعنى أنه إذا استكثر بعض المسلمين أمرهم بملاحقتهم أينما وجدوهم وقتلهم، بأنهم كانوا يمارسون الفتنة تجاه المسلمين من قبل، «وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ». لكن حسبما كان سائدا قبل الإسلام، فجعله الإسلام من أحكامه أن هناك تحريمين عن القتال، تحريم زماني، وتحريم مكاني، فيحرم القتال في الأشهر الحرم، كما يحرم القتال، كما في هذه الآية عند المسجد الحرام حيث تنهاهم الآية عنه بقول «لا تُقاتِلوهُم عِندَ المَسجِدِ الحَرامِ»، لكن لهذين التحريمن استثناء، وهو استثناء منطقي، ذلك بقول «حَتّى يُقاتِلوكُم فيهِ»، عندها «فَإِن قاتَلوكُم فَاقتُلوهُم»، لأن هذا هو «جَزاءُ الكافِرينَ»، لكن لم تكتف الآية بالأمر بمقاتلتهم، بل أمرت بقتلهم، بما يفهم منه مواصلة ملاحقتهم وقتلهم حتى بعد توقف القتال. لكن الآية التالية تتدارك لتعود فتجعل للقتال نهاية، إذا ما انتهى الطرف الآخر، مما يؤكد على الأقل في هذه الآية، أن الأمر بالقتال لا يكون إلا بدافع الدفاع، حيث تقول الآية (191) «فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ». ولو إن «فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ» غير واضحة المعنى، فما معنى أنهم «إِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ»، لأن الله حسب كل ما نعرفه من الموقف القرآني تجاه (الكافرين)، أي غير المسلمين، أنهم لن تشملهم مغفرة ورحمة الله. لكننا سنرى في الآية التالية توضيحا أكثر لما يفهم منه الكفّ عن مقاتلتهم، إن كفّوا.
وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَّيَكونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظالمينَ (193)
من هذه الآية نفهم أن كف الطرف الثاني عن القتال يوجب على المسلمين أو يوقفوا هم أيضا القتال. لكن كف غير المسلمين عن مقاتلة المسلمين ليس الشرط الوحيد لإيقاف القتال، بل لا بد من تحقق شرطين آخرين، الأول أن يوضع حد للفتنة، والثاني أن «يَكونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ»، وبما أن غير الإسلام لا يعترف به دينا لله، حيث «وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ»، وحيث «إِنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ»، فإذن يجب مواصلة القتال، حتى بعد كف الطرف الثاني عنه، في حال لم يتحقق الهدفان الآخران، لاسيما هدف أن يكون الإسلام هو الدين المهيمن وعدم الاعتراف بغير الإسلام، وإنهاء التعددية والتنوع الدينيين. فإذا ما تحققت أهداف القتال، و«إِنِ [غير المسلمين] انتَهَوا [عن مقاتلة المسلمين]»، مع تحقيق الشرطين الآخرين، عندها «لا عُدوانَ» يجوز للمسلمين مزاولته، ولكن مع استثناء، ذلك «إِلّا عَلَى الظالمينَ»، فيجوز العدوان، ويبقى تفسير من هم يا ترى الذين ينطبق عليهم توصيف (الظالمين) رهنا للاجتهادات.
الشَّهرُ الحَرامُ بِالشَّهرِ الحَرامِ وَالحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعتَدى عَلَيكُم فَاعتَدوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدى عَلَيكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَموا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقينَ (194)
لا نتوقف كثيرا عند هذه الآية، فكما أذنت آية سابقة بالقتال عند المسجد الحرام، إذا قاتل الآخرون المسلمين عنده، تأذن لهم هذه الآية بقتالهم في الشهر الحرام، إذا قاتلهم أولئك فيه، وهذا أمر مقبول، فنقض عرف أو حكم أو أمر متفق عليه من طرف، يجعل الطرف الثاني في حل من الالتزام بلوازمه. ثم تعطي الآية المسلمين الحق أن يقتصوا من الذين ينتهكون الحرمات، ولا تذكر طبيعة القصاص. وكما تبيح الآية للمسلمين أو تأمرهم، لأننا على الأقل هنا لا نستيطع أن نعلم ما إذا كان فعل الأمر «اعتَدوا» هو أمر ترخيص أم أمر إلزام، المهم تقول لهم «فَمَنِ اعتَدى عَلَيكُم فَاعتَدوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدى عَلَيكُم»، وبرر فريق من المفسرين استعمال لفظة «اعتَدوا»، بأن العرب استخدموا رد فعل ما بمثله، كرد الاعتداء بالاعتداء، وإن كان رد أو درء الاعتداء ليس اعتداءً بل هو فعل دفاعي مسموح به، بل قد يكون واجبا، ولكن ربما يكون الأرجح فهم أن مؤلف القرآن أراد ترخيص الاعتداء للمسلمين على خصومهم، حتى لو توقف الاعتداء، بمبرر أنهم إنما يعتدون عليهم، بمثل ما كانوا هم يعتدون من قبل عليهم. لكن ورود «لا تَعتَدوا» في أكثر من آية، قد يعطي معنى أن الرد ينبغي ألا يتجاوز ضرورة درء العدوان، ولكن عندما يتناول الباحث كل آيات القتال، يمكنه أن يخرج بكلا المعنيين، وهذا يتوقف على نزعة وميل مفسر القرآن أو مستنبط الأحكام من نصوصه (الفقيه المجتهد). وهكذا يمكن فهم «وَاتَّقُوا اللهَ» ثم قول «وَاعلَموا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقينَ»، إما عدم تجاوز الضرورة إلى حد تحول المدافع عن نفسه إلى معتدٍ، لأن هذا من التقوى حسب فهم ما، وإما مواصلة ملاحقة (الكفار)، لأن من التقوى تقوية شوكة الإسلام والمسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي