الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنجيل يوحنا وخرافة إلوهية المسيح (2)

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يستغرق انجيل يوحنا في اختراع الصيغ اللاهوتية بهدف جعل المسيح لا يمتلك طبيعة بشرية رغم انه في العديد من نصوصه يقع عن وعي او بلا وعي في عيوب افكاره ان يسوع ” الكلمة ” المجسدة تعبت من السفر ” : الاصحاح 4 ” كانت هناك بئر يعقوب فاذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر” وصارت الكلمة انه بكى عند قبر لعازر، الاصحاح 11 : ” بكى يسوع ” وفي الاصحاح 9 : “ قال هذا وتفل على الارض وصنع من التفال طيناً وطلى بالطين عيني الاعمى ” فصار شاهد عيان لحياة المسيح، وصار لشدة التصاقه به يستعمل ” نحن ” للدلالة على شدة ايمانه بما كان يؤمن به تجاه يسوع. لكنه رغم اقراره ببشرية يسوع، يسترجع في كتاباته احساسه الشديد ان يسوع الله الابن وانه الله الأب. عمل يوحنا كما اشار في الاصحاح الاول “ به كل شي كان وبغيره لم يكن شي مما كان ” لكن هذا التوجه الميثيولوجي اطاح بمكانة الإنجيل وجعل اغلب نصوصه محاولات تأليه على نسق المفكر اليوناني فيلون الاسكندري. تستمر سلسلة التناقضات في انجيل يوحنا، في محاولة توفيقية بين الطبيعة الإلهية المتجسدة، والحالة البشرية التي اعترت يسوع من يوم ولادته، فلم يضع التنظير الروحاني غير انجيل يوحنا وهي الرغبة الشديدة التي احتوت يوحنا لنقل يسوع من حالته البشرية الى اعتلاء عرش الالوهية. في بداية الإصحاح الأول لإنجيل يوحنا تتصدر “ الكلمة ” التي نسبها يوحنا الى يسوع المسيح، فجعلها اساس روحانية يسوع المطلقة على الأرض ” فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ ، هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ وكان الكلمة الله” ولكن الترجمة الصحيحة هي »وكان الكلمة “ إلهاً ” لأن الأصل اليوناني لا يحوي ألـ التعريف قبل كلمة »الله«. جاء في يوحنا8 :17 -18 »في ناموسكم مكتوب أن شهادة رجلين حق. أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الآب الذي أرسلني«. هذا يناقض قوله »أنا والآب واحد« يوحنا 10 الفقرة 30. قال المسيح في يوحنا 14 : 28 » أبي أعظم منّي« ولكن قال بولس في فيلبي 2 : 6 »لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله « فيقول الكاتب إن المسيح معادل لله، ويقول أيضاً إنه دون الآب. وهذا تناقض، فلا يمكن ترسيخ العقيدة اللاهوتية والخروج بها كمبدأ ثابت اذا كان انجيل يوحنا يقتبس رتبة يسوع الحقيقية من الاناجيل الثلاثة، ويضيف عليها فلسفة الفكر اليوناني الميتافيزيقي . يدل قول المسيح لتلاميذه »إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم « يوحنا 20الفقرة 17 وقوله »إلهي إلهي، لماذا تركتني«؟ في متى 27 الفقرة 46 ، أنه كان واحداً من البشر لم يتميز عن غيره وهذه طبيعة بشرية، ان الكتابات التي كتبت عنه لا حصر لها، لكن كلها ذهبت لعوالم غير الرافد التاريخي ليسوع المسيح.
ابتدأ النص المقدس في التوراة، لكن بعد ان تسللت اليه الوثنية، واطلق عليه شريعة موسى، وقد بدأت كتابات يوحنا تأخذ طريقها في هذا الإتجاه من خلال التفسيرات اللاهوتية التي ظن انها تمثل طبيعة يسوع المسيح، ومن تراجم كتابات الأغريق وتأثير ذلك على عدد من الكتّاب المسيحيين، كان بولس من المتشبثين بفكرة العالم الآخر وكان ملماً باللغة اليونانية وقد انضم الى الحركة المسيحية الثائرة بعد وفاة يسوع بثلاث سنوات بمعنى لم يلتق بيسوع وتحول من معاد ليسوع الى مؤمن ومدافع عن عقيدة يسوع. دخلت التفسيرات اللاهوتية اليونانية وخاصة الافلاطونية منها الى تراث العقيدة المسيحية ومنها الى ادب الاناجيل، لم نعلم على وجه التحديد من كتب الاناجيل في البداية ثم بعدها نسبت الى شخصيات معروفة في الكنيسة الباكرة وكانت كتابات متأخرة عن بقية الاناجيل قرناً كاملاً ، ” وبالنسبة ليوحنا، انتهت اليهودية فعلاً وحقا، ولقد وصف بشكل ممنهج استبدال يسوع لكل عنصر من عناصر الوحى اإلإلهى لاسرائيل. ومن الان فصاعدا ستصير الكلمة التى قامت من الموت هى المكان الذى سيلتقي فيه اليهود بالحضرة المقدسة، سيقوم يسوع الكلمة بوظيفة المعبد المدمر، وسيصبح المكان الذى يلتقى فيه اليهود بالحضرة المقدسة ” (6) لهذا احدث يوحنا المبدأ اللاهوتي الجديد الذي لم يألفه كتّاب بقية الأناجيل، هل نعتبر هذا خدعة وخروج عن التقليد للعقيدة المسيحية؟ نعم، ذلك ان المزاوجة بين الفكر اليوناني وما توصل اليه من مجهودات عقلية خاصة لطبيعة الله، قد انتقل على يد يوحنا في انجيله، وبهذا يمثل خرقاً للمسيحية، فلا يمكن اعتبار هذا الإنجيل نصاً لاهوتياً ولا رسالة حقيقية لتعاليم يسوع وبدون هذا الإنجيل كانت ستكون المسيحية افضل في تركيبتها الغيبية وتبتعد كثيراً عن الصراع العنيف في طبيعة يسوع التي تجزأت بين اللاهوت والناسوت.
ذلك المنعطف الخطير قد تسبب به يوحنا في كسر الطبيعة الأخلاقية والتقليدية لرسالة يسوع في شريعة موسى، ذلك ان يسوع جاء ليكمل ولا ينقض. فهل كان اكمال هدف العهد القديم بلاهوت يسوع؟ لا، لقد كان بشريعة موسى والوصايا العشرة. اننا امام بولس ويوحنا اللذان استلهما من الفكر اليوناني فكرا لاهوتياً على قياس المعتقد الأفلاطوني، لهذا كان انجيل يوحنا واعمال الرسل نقيضان حقيقيان احبطا الرسالة الروحانية ليسوع. يبدو ان فيلون الاسكندري كان معاصرا للمسيح، فلقد توفي فيلون سنة 54 ميلادي، بينما تمت كتابة انجيل يوحنا 90 ميلادي تقريباً او في بداية القرن الثاني، هذا يضع باب الاقتباس مفتوحاً في وضع المسيح على طبيعة الفلسفة اليونانية التي انسجمت مع الكتاب المقدس. يرى بعض الباحثين بأن مفهومه حول «لوغوس» بكونه مبدأً إبداعياً للرب أثر في بدايات الكرستولوجيا )دراسة طبيعة يسوع المسيح) ينأى باحثون آخرون ذلك التأثير المباشر، ويدعون استعارة فيلو والمسيحيين المبكرين أفكارهم من مصدر مشترك (7) ذلك التوجه اللاهوتي لطبيعة المسيح في انجيل يوحنا ينزع عنه الايمان انه موحى به من الله، ذلك لدخول التراث الفلسفي اليوناني في نصوصه.
كان القديس جستين مارتير Justin Marttyren 100-165 ميلادي، اول المدافعين اليونايين عن العقيدة المسيحية وقد ترجم عقيدة اللوغوس اللاهوتية في بداية القرن الثاني، وفي الفترة التي يظن فيها كتابة او تدوين انجيل يوحنا، ان لم تكن في حياة يوحنا، فبعد رحيله اضيفت تعديلات جوهرية ساهم فيها اصلا الفكر اليوناني الافلاطوني على وجه الخصوص، وقد اعتبر احد المؤسسين الكبار لعقيدة اللوغوس حتى صار قديساً للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وقد كانت لأفكاره اللاهوتية المبتكرة ان بذور المسيحية تركزت في كلمة الله من خلال شخص المسيح، بهذا يكون جستين قد اعطي الصلاحية العقائدية لعقيدة اللوغوس، ذلك ان الفكر اليوناني الذي روّج لهذا المبدأ او الفكر اللاهوتي انما هم مسيحيون قبل المسيح.
” كان الواضح إذاً أن المسيحيين والوثنيين يمتلكون مجموعة من الرموز المشتركة. وفي الدفاعين اللذين كتبهما جستين، رأى أن يسوع تجسيىد لذلك اللوجوس، الذي كان يتحرك في العالم عبر التارىخ، وىلهم اليونانيين والعبرانيين على السواء. فقد تحدث اللوجوس من خلال األأنبياء، الذىن كان بمقدورهم بفضل ذلك التنبوء بقدوم المسيح، كما اتخذ اللوجوس أشكال عدة قبل انكشافه المحدد في يىسوع. كان اللوجوس قد تحدث من خلال أفلاطون وسقراط، وعندما اعتقد موسى أنه سمع اهل يتحدث عن الشجرة المشتعلة، فإنه كان يىستمع إلى اللوجوس ” (8) فهذه التفسيرات في النصوص تبعد هدف العقيدة الروحانية من جعلها نظام اخلاقي بطبيعة النظام الإلهي الى حالة وثنية تؤطر صيغ الإعتقاد الى عوالم الوهم وتضليل العقول
ذلك ان النصوص تتعارض والتفسيرات الغامضة وغير المنطقية تحاول الخروج من التناقض الى اقناع العقل بأية طريقة جدلية كي يبقى الوهم عالقاً في الاذهان. فيوحنا نفسه في الإصحاح 5 قد قدّم النص في جعل عقيدة التجسد لا يمكن تفسيرها على كون يسوع جسّد الإلهية ” والأب نفسه الذي ارسلني يشهد لي لم تسمعوا صوته ولا ابصرتم هيئته ” فهذا اقرار ان يسوع ابعد عن نفسه طبيعة التجسد الإلهي، فالمغايرة واضحة بين الشخص المرسل المرئي المنظور وبين الاب الذي ارسله وقد وصف الله بأنه لم يسمع صوته ولم يبصروا شكله، وهذا نفي مباشر لدعوى تأليه المسيح في انجيل يوحنا، فيسوع كان مسموعاً منظوراً والله منزه عن ذلك. ” والحق يقال ان مؤلف الإنجيل الرابع من وراء ذلك كله بتناقضاته، فمن خشي على النصوص التي قالت بأن المسيح كان على الأرض يناجي الله في السماء فإن الله كان يرد عليه، وانه كان يعترف بأنه رسول الله والرسول غير المرسل قال بأن الاب لم يتجسد وكذلك الروح. ” (9) فهذا النص الصريح قد ورد في انجيل يوحنا في الإصحاح 3 ” المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح ” ويسوع المسيح مولود مخلوق له جسد وهي امه مريم وهو جسد لهذا السبب اي انه بشر مثلها في بشريته وكيانه، فليس ادعى من اقرار النص الوارد في يوحنا على انه اقرار حقيقة.
وكما تبين من خلال البحث الموجز استنتجنا الفكرة ان انجيل يوحنا ” كان استجابة لرغبة الاساقفة والخدام في آسيا في تأليه المسيح والرد على اتباع يوحنا المعمدان بتفضيل المسيح عليه وكذلك الرد على منكري تأليه المسيح والرد على منكري عقيدة الفداء، منكري الصلب ومنكري بشرية المسيح وهذا سبب تأليفه، والمكان هو مدينة افسس، واللغة التي كتب فيها هي اليونانية واقدم النسخ التي يوجد بها كاملاً هي النسخة الفاتيكانية التي يرجع تاريخها الى القرن الرابع الميلادي وان الزمن الذي الف فيه هو اواخر القرن الأول والربع الاول من القرن الثاني الميلادي ” (10) لم يكن امامنا دليل اقوى من ان اللغة اليونانية التي صدر عنها انجيل يوحنا فهو الدليل الدامغ على سريان العلاقة اللاهوتية للمجتمع اليوناني في تاريخ الفكر الديني العبري، نستنتج من انجيل يوحنا تبعية النص الديني لما تطلبه العصر من ايجاد تأسيس لعقيدة بولس في انها تستمر تقود العقيدة المسيحية لعقود اخرى قادمة، وبات الآن لا يمكن تخليص عقيدة يسوع الصافية من جذور المعتقدات الوثنية، حتى استحال فكر بولس المؤسس الحقيقي للمسيحية، امامنا قرار تقييم انجيل يوحنا، اننا ننصح استبعاده عن بقية الاناجيل مع سفر الرؤيا، لأنهما ادخلا الفكر الوثني في رسالة يسوع المسيح. اذا كان يسوع بحكم الطبيعة البشرية قد شهد عليها اثنان من تلاميذه المخلصين من شهدا بشريته، متي في الاصحاح 24 ومرقس في الصحاح 13، “ .. وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ ” هذا جهل الطبيعة البشرية جهل العلم في الغيب وهذا حال يسوع الأقنوم الثاني في الذات الإلهية، تخص عنصره البشري الغير معادل للعنصر الإلهي الأعلى وهو الأب الذي يعلم، فكيف يمكن تفسير جهله؟ كيف يمكن تفسير تجسده اذا كان قد افتقد العلم بقيام الساعة؟ فهذا النص هو الفارق بين الأبن المخلوق والأب الخالق.

مراجع البحث :
1 – الفارق بين المخلوق والخالق. العلامة عبدالرحمن الباجه جي، ص 343 بالترقيم العربي. ص 359 بالترقيم اللاتيني. 2 – المصدر نفسه. ص 341 بالترقيم العربي. ص 357 بالترقيم اللاتيني. 3 – محاضرات في النصرانية، محمد ابو زهرة. ص 54 . 4 – دائرة المعارف الكتابية، مجلس التحرير قس صموئيل حبيب، قس منيس عبدالنور، ص 477 بالترقيم العربي، ص 480 بالترقيم اللاتيني. 5 – الانجيل بحسب القديس يوحنا، آلان مرشدور ، الجزء 4 ص 136 . 6 – تاريخ الكتاب المقدس ، كارين آرسترونج، ترجمة محمد الصفار، طبعة اولى 2010 ص 58 . 7 – Keener crag.s 2003. The Gospel of John A commentary. peabody.Mass: Hendrickson: 347-343. Part 1. - 8 – تاريخ الكتاب المقدس، كارين آرسترونج ، ترجمة محمد الصفار، طبعة 2010 ص 80 . 9 – انجيل يوحنا في الميزان، محمد علي زهران، تقديم ذكتور سعدالدين صالح، ص 460. 10 – المصدر نفسه، ص 601 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24