الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
صخور في نهر العلمانية
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
2022 / 6 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤالنا الملح اليوم، هو عن مستقبل العلمانية في منطقة الشرق الأوسط. وعما إذا كانت يمكن أن تجد مع الوقت كتلة جماهيرية حرجة، كافية لأن تسمح لنهرها أن يتدفق في صحارينا. أم أن هذا محض أوهام أو آمال. في ذهن نخب ثقافية متأثرة بالغرب. لم تأخذ في حساباتها طبيعة الشرق وأهله وثقافته.
يأخذ السؤال الآن درجة عالية من الحدة أو المرارة. بعد النجاحات التي حققتها التيارات الإسلامية في الانتخابات البرلمانية الحرة. التي أجريت في كل من مصر وتونس بعد ما سمي بثورات الربيع العربي. بالإضافة إلى الحالة السياسية في العراق، والتي يكاد يصطف فيها الجميع خلف مرجعياتهم الدينية، بما يشير لفشل مؤسف لمشروع دولة علمانية لعراق حديث.
وربما كان الأخطر القوة الشعبية للتنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وداعش في سوريا. المحكومة لعقود بنظام علماني حديدي رهيب. لنفاجأ بأن تحت القشرة العلمانية الهشة سقوط مروع في هاوية الهوس والانكفاء الديني الأصولي.
بالإضافة لنمو مخالب وأنياب تنظيمات الإرهاب الشيعي. كحزب الله بلبنان وأنصار الله في اليمن. علاوة على عديد تنظيماتهم بالعراق.
تبدو صورة الواقع، بل والتاريخ أيضاً، متوافقة مع تشاؤم المتشائمين. لكن هذا يمكن أن يكون صحيحاً تماماً، لو كانت قضية العلمانية تستند فقط إلى مجرد خطاب دعوي ثقافي، يواجه واقعاً ثقافياً مستقراً ومتغلغلاً في عقول وقلوب الجماهير. فلا شك أن الأمر لو كان كذلك، لكان من العبث انتظار التغيير باتجاه العلمانية، على الأقل في المدى القصير والمتوسط. في ظل تصاعد المد الديني بالمنطقة. الإسلامي والمسيحي على حد سواء.
تعرضنا في أكثر من مقاربة من قبل، إلى أن الفكر لا يسبق الفعل. ونعني الفكر البناء القادر على تطوير الحياة الإنسانية. فهذا النوع من الفكر ينبثق من حقائق الواقع وإرهاصاته. ويدخل في جدل معها. يطورها وتطوره.
ولا نعني أسبقية الفعل للفكر بشكل مطلق. بحيث يكون الفكر مجرد تابع يعكس رؤى الواقع الذي يتطور من تلقاء ذاته، في حتمية مادية محضة كحتمية الحل الاشتراكي الماركسي. لكننا نقول أن الفكر المنبثق من الحقائق المادية، سواء الموجودة بالواقع، أو الموجودة بالإمكان، يدخل مع هذه الحقائق في جدل يؤدي إلى تشكيل الواقع تشكيلاً جديداً. يتيح الظهور والنمو لإمكاناته الكامنة. في نفس الوقت الذي يتعدل فيه الفكر. مصححاً أخطائه بناء على ما تحقق من نتائج على أرض الواقع. ليتخذ الفعل بناء على التعديل المسار الأمثل. ذلك وفق درجة مرونة كل من الفكر والواقع. وقابليتهما للنقد والمراجعة والتصحيح. ما هو كفيل بتحقيق آمال البشرية، في غد يكون دوماً أفضل من الأمس.
أما الأيديولوجيات الجامدة، والأفكار الدوجماطيقية المتحجرة، فليست أكثر من أحجار أو صخور تعترض مجرى نهر الحضارة الإنسانية. قد تتسبب في إبطاء سرعته، أو إعاقة سريانه لبعض الوقت. ريثما يتمكن من الالتفاف حولها. أو دفعها أمامه لتلقى في هاوية النسيان.
الحضارة الإنسانية الآن ومنذ البدء تدفعها التكنولوچيا. الأدوات التي يخترعها الإنسان لتساعده على قضاء أغراضه، تعيد تشكيل مخترعها. وتغير من شكل حياته وأفكاره بالتالي. وكلما ازداد معدل تطور التكنولوچيا، ازداد معدل التغير والتطور في شكل الحضارة الإنسانية، ومعها أفكار الإنسان وثقافته. ومن هنا أيضاً يأتي التوحيد الطوعي والتدريجي لمختلف الثقافات الإنسانية، مع انتشار منتجات التكنولوچيا، واتساع استخداماتها بأنحاء الكوكب.
العلمانية بهذا مصير التاريخ وخلاصة فلسفته. النازعة دوماً للتطور، باتجاه تحقيق المزيد من الرخاء للبشرية. عبر إتاحة الفرصة لتفعيل كل إمكانيات الواقع والإنسان الكامنة. لهذا فإنها وإن بدت للبعض كما لو كانت مجرد دعوى ثقافية. إلا أنها في الواقع دعوة للانتباه إلى اتجاه الإنسانية. بعد أن سقطت جميع الأفكار والأيديولوجيات التي حاولت صب الإنسان والبشرية في قوالب مصطنعة وتعسفية. باءت جميعها بالفشل، في تحقيق حياة جديرة بالإنسان. بحيث يمكن تشبيه الإنسان أو الجماعة التي ترفض العلمانية الآن بشخص يسير وسط جموع حاشدة تتجه للأمام، فيستدير هو محاولاً التحرك باتجاه الخلف. لابد لهذا الشخص أن يتعثر. ويسبب التعثر لمن حوله. وإن أصر ونجح سيكون قد خرج من مسيرة الحضارة ومن التاريخ. وهي النتيجة الأبعد ما تكون عما نستخلصه من كامل مسيرة الإنسانية. وليس من التركيز على حقب ارتداد مرحلية هنا أو هناك، مقتطعة من سياق إنساني يتجه دوماً للأمام.
لن يستطيع نظام الملالي في إيران، أو أو النظم الشمولية العربية مثلاً الاستمرار في الاتجاه الذي تسير فيه بشعوبها. فالبشرية الآن عبر التكنولوچيا تسير في اتجاه موحد، ليس من صالح أحد، بل ليس من المستطاع لأحد واقعياً، أن يسير في اتجاه غيره.
أقصى ما تستطيعه تلك الصخور في مجرى التاريخ هو تأخير مصيرها لبعض الوقت. وإثارة القليل أو الكثير من المشاكل، لكن إلى حين.
كما لن يستطيع الإخوان المسلمون بمصر مهما كانت قابلية الإنسان المصري لأفكارهم، أن يعودوا بمصر إلى القرن السابع. فمصر بالذات لا تمتلك ثروات بترولية يُقبل العالم على شرائها، فتتكدس لديها ثروات توجهها ضد الحضارة والإنسانية، كما سبق وفعلت دول الخليج. التي تعينها ثروتها الريعية على البقاء لبعض الوقت. بل والعيش في رخاء مادي، بغض النظر عن تخلف المجتمع ومؤسساته، وثقافته وتقاليده الغارقة في عصور الظلمات. تلك التي نشهد الآن بدايات تحركها نحو الحداثة، انطلاقاً من أشد بؤر الخليج ظلاماً.
مصر بالذات لا حياة لأبنائها إلا بالعمل الشاق والمنتج. وهذا لا يمكن أن يتحقق في عصرنا ونحن بمعزل عن العالم المتحضر. أو ونحن تسود بيننا ثقافة عداء مستحكم معه. وفق ما ينفخ بوق كراهية خطاب الإخوان المسلمين، ومن يسير على نهجهم من اتجاهات يسارية وعروبية وناصرية. هؤلاء الذين يكتفون بالهتافات والقعقعة دون طحين.
نعم الثقافة العلمانية الليبرالية في شرقنا لا يكاد يكون لها قاعدة وسط الجماهير. التي لم تعرف غير الخضوع للاستبداد السلطوي والفكر الشمولي والدوجماطيقي المتحجر. فيما رافعو رايات العلمانية نخب تعرفوا عليها عبر ثقافاتهم الغربية بالأساس. وعبر قدراتهم العقلية التي مكنتهم من فهم صيرورة الحضارة الإنسانية. وأرادوا تمهيد الأرض في بلادهم لنلتحق بالشعوب التي عرفت الطريق لتحقيق الرخاء وإنسانية الإنسان. وهذا يعني أن النخب الليبرالية في بلادنا منفصلة عن القاعدة من حيث نوعية الفكر. لكنها شديدة الالتصاق بها من حيث الرغبة في تحقيق مستقبل أفضل للأبناء والأحفاد. بينما أصحاب الدعوات الرائجة عالية الصوت، سواء الأصولية الدينية أو السياسية، متصلون بالقاعدة الجماهيرية فكراً. لكنهم غير معنيين في الحقيقة بآمالها وآلامها وإن زعموا ذلك. فليس لديهم مشروعاً حقيقياً لرفع المعاناة عن شعوبهم. فمشروعهم هو أنفسهم وإيدولوچيتهم. ونجاحهم الذي يتصورونه هو تحقيق نظرياتهم على أرض الواقع أياً كانت نتائجها.
فاليساريون والقومجيون يعشمون الجماهير بأمجاد وكرامة وهمية. مماثلة لتلك التي حققها لهم عبد الناصر صاحب خيبة 1967. والإخوان والأصوليون والإرهابيون يعدون الناس بالجنة. لكن لا هؤلاء ولا أولئك يعرفون كيف يمكن ترتيب حياة شعوبهم لتحقيق مستقبل أفضل. ولا يتوقفون لحظة لتوقع النتائج العملية لتطبيق ما يسعون إليه.
نخلص من هذا أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. وأن مستقبل العلمانية في الشرق لا يتقرر فقط بناء على أداء النخب العلمانية بالمنطقة. ولا وموقفهم من الجماهير وموقف الجماهير منهم. لكنه يتوقف بالأساس على اتجاه مسيرة الإنسانية في عصرنا الراهن. والذي يدفعنا لأن نقول وبحق بـ"حتمية الحل العلماني"، أو باللغة الجارية: "العلمانية هي الحل"!!
لكننا مع ذلك لا نقول بالقدرية. وبأن العلمانية قادمة لنا ونحن جلوس على تكايانا. فقطار الحضارة يسير بسرعة هائلة. والمسافة بيننا وبين العالم تتباعد لمسافات فلكية. ومجتمعاتنا مهددة بالتفكك والتحلل. مرشحة للوصول إلى حالة لا يجدي معها إصلاح. وها نحن نشهد تفشي القلاقل المدمرة. في اليمن والعراق وسوريا وغيرها.
خلاصة القول أن تيار الحضارة الإنسانية العلمانية يدفعنا كصخور أمامه رغماً عن إرادتنا. لنذهب حيث يشاء هو، لا حيث نشاء نحن. أو فلنقل أن قاطرة العلمانية تجرنا خلفها كمقطورة. لكن المقطورة قد تكون ذات عجلات تسهل انجرارها خلف القاطرة. وقد تكون بلا عجلات ويتم جرها زحفاً. وقد تستمر في مسيرة الزحف الإجباري هذه. وقد تتفسخ وتتحطم في الطريق!!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال
.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |
.. 80-Al-Aanaam