الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكواكبي في مصر

عقيل عيدان

2006 / 9 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من الشخصيات العربية الشهيرة التي هبطت أرض الكنانة مصر لتتنفس هواء الحرية الكاتب والمفكر عبد الرحمن الكواكبي (1849- 1902م) سليل أسرة حلبية من الأشراف والعلماء . وقد تقوّت الصفات الرفيعة التي ورثها الكواكبي ونمت بالتربية التي نالها .
وقد اكتسب الكواكبي في حياته تجارب واسعة ، فجرّب الخدمة الحكومية واشتغل بالتجارة ، ومارس الحقوق والصحافة وتجوّل وسافر كثيراً إلى الجزيرة العربية ومصر وإلى الساحل الشرقي لإفريقيا وإلى الهند .
وقرأ كثيراً، ومع أنه لم يكن عارفاً باللغات الأجنبية إلاّ أنه تعرّف بالفكر الأوروبي عبر الترجمات. وقد اطلع في ترحاله وفي قراءته على الحالة المحزنة التي وصلت إليها الشعوب العربية والإسلامية، فأخذ يناضل من أجلها ووقف بجرأة كبيرة في وجه الطغيان والظلم.
وكان شديد الحساسية للفقر والشقاء ، فعامل الفقراء والضعفاء بشفقة وتواضع ، ودافع عن المظلومين بالقول والعمل . وكان من جرّاء ذلك أن أغلقت السلطات – آنذاك – الجريدتين اللتين أسسهما في حلب بسبب هجماتهما الشديدة على الحكم الاستبدادي والحكّام الفاسدين، وبسبب الآراء الحرة التي نشرها بين الشعب.
وألّف عبد الرحمن الكواكبي كتابين وجّه اللوم في أحدهما إلى الحكومات الإسلامية ، ووجّه اللوم في الكتاب الثاني إلى الشعوب نفسها .
ففي كتابه الأول المسمى (( طبائع الاستبداد )) حلّل الصفات والميول التي تتميز بها الحكومة الاستبدادية وآثارها المدمرة على الشعب. فإن الأخلاق تفسد في ظل الاستبداد، وينتفي حب البلاد، وحب الأصدقاء، بل وحب العائلة . ويحل الخوف والشك محل الثقة المتبادلة . وتختنق الحرية ويفسد الفكر ، وتكبت عزة النفس والثقة بالنفس والرجولة ، وتبعثر الموارد الوطنية ، ويكون الفقر والشقاء نصيب الشعب في الحياة .
حتى الدين يمسّه الفساد ، فيصبح "أفيوناً" لتخدير الشعب وتحويله عن الاهتمام بالمصائب الراهنة إلى الاهتمام بالسعادة الموعودة في عالم آخر . وتحجب المعرفة لأن المعرفة نور والاستبداد لا يعيش إلاّ في الظلام . ولا ينضبط الحكام ولا يمتنعون عن الطغيان إلاّ إذا وضعوا تحت المراقبة الدقيقة الدائمة من لدن رأي عام قوي وفاعل .
وواجب التعليم أن يعمل على إيقاظ الشعور بالشقاء والبؤس والظلم وتدريب الشعب على مقاومة الطغيان . ونادى الكواكبي بمجتمع يساعد فيه القوي الضعيف ، ويشترك الغني مع الفقير ، ويقترب الناس بعضهم من بعض في جميع علاقاتهم .
أما الكتاب الثاني ، فيدعى (( أم القرى )) ، وهو اسم مكة المكرمة مشهد القصة التي يتحدث عنها ، وهي قصة جمع من المسلمين الوافدين من أنحاء العالم الإسلامي كافة ، التقوا في الحج . ويعرب هؤلاء عن قلقهم للخمول الذي استولى على المسلمين ويحاولون اكتشاف أسبابه .
وبعد تبادل الآراء يتّفقون على أن الأسباب دينية وفكرية وسياسية . فالدين لم يعد قوة حية في نفوس الناس ، وحلّ محل الاعتقاد بالإرادة الحرة والجهد الشخصي اعتقاد بالقضاء والقدر والاستسلام لهما ، وأصبح رجال الدين أدوات في أيدي أصحاب السلطان والنفوذ . وفشا الجهل بين الشعب ومنعه جبنه الأدبي من المطالبة بحقوقه وقتل اليأس روحه .
ومن الجدير أن نلاحظ أن بين الأسباب التي يعدّدونها لتأخّر العالم الإسلامي إهمال تعليم المرأة وتدريبها التدريب الصحيح . وقرّروا في النهاية أن الجهل أساس كل علة ، وأن العلاج يكمن في تنوير الأذهان والعقول عن طريق التعليم .
والكتابان يتصفان بعمق التفكير وبأسلوب واضح ومشوق . وقد نشرا في القاهرة وكان لهما قرّاء ومعجبون كثيرون .
إن كتابات عبد الرحمن الكواكبي والمثال الذي أعطاه في حياته الشخصية تركا أثراً عميقاً في معاصريه ، لأنه كان حقاً من نبلاء الرجال يحمل قلباً مليئاً بالرحمة بمقدار ما هو ملئ بالشجاعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |