الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 73

ضياء الشكرجي

2022 / 6 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَأَنفِقوا في سَبيلِ اللهِ وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ وَأَحسِنوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنينَ (195)
ثم تنتقل بنا هذه الآية إلى ثلاثة مواضع؛ موضوع الإنفاق، وموضوع عدم إلقاء النفس إلى التهلكة، وموضوع الإحسان، وذلك إما أنها مواضيع منفصلة عن بعضها البعض، وإما أنها ثلاثة تفرعات لموضوع واحد. وكثيرا ما يستشهد البعض بهذا الجزء المستقطع من الآية «وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ» ليخرجوا بمعنى أن الله لا يريد للإنسان أن يرمي نفسه في التهلكة بوضع نفسه في موضع الخطر من غير مبرر، وهذا معنى عقلائي، سواء قاله الدين أو لم يقله. وهكذا لو أخذنا كلا من «أَنفِقوا» و«أَحسِنوا»، وقد تكرر في القرآن فضل كل من الإنفاق والإحسان، ولكن إذا تناولنا المواضيع الثلاثة مرتبطة في إطار وحدة موضوع، أي الأمر بالإنفاق، والنهي عن إلقاء الأيدي إلى التهلكة، والإحسان، نخرج على الأقل فيما تريده هذه الآية بمعنى آخر. فإننا علمنا أن مصطلح «في سَبيلِ اللهِ» يمكن أن يؤدي حسب السياق إلى أحد معنيين، معنى دون التفكير بتحقيق مصلحة ذاتية دنيوية، بل من أجل الله فقط، ومعنى من أجل نصرة الدين، من هنا نفهم إن عبارة «وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ»، تعني نهيهم أن يوجدوا شروط هلاكهم، بإضعاف شوكة الإسلام والمسلمين ماديا بسبب عدم الإنفاق، وهكذا يمكن أن يكون معنى الإحسان المأمورين به، ليس الإحسان إلى الناس، لاسيما الفقراء، بدافع إنساني، أو معنى المعاملة بالحسنى، مما يأمر به القرآن أيضا، إلا أن الإحسان هنا، قد يعني عبر زيادة الإنفاق من أجل نصرة الدين والرسول. وإلا فيكون جمع هذه المواضيع الثلاثة في آية قصيرة، دون رابط واضح بين أحدها والآخر، هو أقرب إلى اللغو، أو النأي عن البلاغة.
وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للهِ فَإِن أُحصِرتُم فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهديِ وَلا تَحلِقوا رُؤوسَكُم حَتّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّهُو فَمَن كانَ مِنكُم مَّريضًا أَو بِهِي أَذًى مِّن رَّأسِهِي فَفِديَةٌ مِّن صِيامٍ أَو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ فَإِذا أَمِنتُم فَمَن تَمَتَّعَ مِنَ العُمرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا استَيسَر مِنَ الهَديِ فَمَن لَّم يَجِد فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبعَةٍ إِذا رَجَعتُم تِلكَ عَشرَةٌ كامِلَةٌ ذالِكَ لِمَن لَّم يَكُن أَهلُهُو حاضِرِي المَسجِدِ الحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَموا أَنَّ اللهَ شَديدُ العِقابِ (196)
وتأتي طفرة أخرى إلى موضوع شرح أحكام ومناسك الحج، ولا يعني هذا المشروع كثيرا شرح تفاصيل تلك الأحكام والمناسك. ولكن الغريب إن الآية تختم بالدعوة إلى تقوى الله، ثم الوعيد بعقاب الله الشديد. فهل يا ترى التسامح في أحكام ومناسك وشروط الحج يستوجب العقاب الشديد، لاسيما ونحن نعرف إن العقاب الإلهي الشديد، لا يعني دون الإدخال في نار جهنم.
الحَجُّ أَشهُرٌ مَّعلوماتٌ فَمَن فَرَضَ فيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسوقَ وَلا جِدالَ فِي الحَجِّ وَما تَفعَلوا مِن خَيرٍ يَّعلَمهُ اللهُ وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزّادِ التَّقوى وَاتَّقوني يا أُلِي الأَلبابِ (197) لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلًا مِّن رَّبِّكُم فَإِذا أَفَضتُم مِّن عَرَفاتٍ فَاذكُرُوا اللهَ عِندَ المَشعَرِ الحَرامِ وَاذكُروهُ كَما هَداكُم وَإِن كُنتُم مِّن قَبلِهِي لَمِنَ الضّالّينَ (198) ثُمَّ أَفيضوا مِن حَيثُ أَفاضَ النّاسُ وَاستَغفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ (199) فَإِذا قَضَيتُم مَّناسِكَكُم فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكرِكُم آباءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا [...] (200)
وتواصل هذه الآيات والتي بعدها لغاية الآية (203) شرح أحكام ومناسك الحج، وتتخللها الدعوة إلى تقوى الله، وإلى الإكثار من ذكر الله، وليس مهما لهذا المشروع تفصيل شرح هذه الأحكام والمناسك، وأغلبها كان معمولا به قبل الإسلام، مع بعض التهذيب والتشذيب اللذين أجراهما الدين الجديد عليها.
[...] فَمِنَ النّاسِ مَن يَّقولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا وَما لَهُو فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ (200) وَمِنهُم مَّن يَّقولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَّقِنا عَذابَ النّارِ (201) أُلائِكَ لَهُم نَصيبٌ مِمّا كَسَبوا وَاللهُ سَريعُ الحِسابِ (202)
وإن كنا ما نزال أمام آيات الحج، لكن هذه الآيات الثلاث يمكن اعتبارها مستقلة عن تلك الأحكام والمناسك، كونها من الأمور العامة. هذه الآيات تتحدث عن فريقين من الناس، فريق لا تهمه إلا الدنيا، وفريق يدعو الله من خير الدنيا وخير الآخرة، فالذين لا هم لهم إلا الدنيا، رغم إيمانهم بالله، إذ أنهم يتوجهون بالدعاء إليه، مما يدل على إيمانهم، لكنهم لا يدعونه إلا لحاجاتهم الدنيوية، إذ يدعو أحدهم الله بقوله «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا»، ونتيجة لهذا الدعاء، وبسبب عدم اهتمامه بالآخرة، يصدر الحكم عليه أن «ما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ» أي من نصيب أو حصة أو حظ من ثواب ونعيم الآخرة، ولكوننا حسب القرآن لا نعلم مصيرا ثالثا غير الجنة والنار، نستنتج إن مصير هؤلاء نار جهنم، لكن لا ندري أسيمكثون فيها أبدا، أم خالدين دون الأبدية، أم «ماكِثينَ فيها أَحقابًا»، مع عدم معرفة أمد الحقبة الواحدة، ولا عدد حقبات المكوث في النار. أما الفريق الثاني الذي يدعو بخير الدنيا والآخرة بقول «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً»، والذين لا يكتفون بذكر الآخرة بجناتها وأنعمها، بل يذكرونها أيضا بجحيمها وعذاباتها، فيضيفون إلى دعائهم قول «وَّقِنا عَذابَ النّارِ»، هؤلاء يوعدون بأنْ «لَهُم نَصيبٌ مِمّا كَسَبوا» من ثواب، وكل من مفردات (الخلاق، النصيب، الحظ) تستعمل في القرآن فيما تستعمل بمعنى واحد أو يكاد يكون واحدا. وهنا يأتي وعد بأن الانتظار لن يطول يوم القيامة، لأن الله «سَريعُ الحِسابِ»، فلا أهل الجنة سيتركون ينتظرون طويلا، ولا أهل النار سيمهلون طويلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah