الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ويسألونك عن الروح
ثائر أبوصالح
2022 / 6 / 26العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نأتي لهذا العالم بقدر ما، في مكان وزمان معينين، وتطل نفوسنا على عالمنا المادي من خلال اجسادنا، ويبدأ صراع بين ما هو داخلي وما هو خارجي. فعالمنا الداخلي يطلب منا أن نتعرف على الروح ويشدنا اليها، وعالمنا الخارجي يشدنا الى المادة والغرائز، وهكذا تبدأ النفوس تجربتها في هذه الحياة في صراع بين الخارجي والداخلي، بين الروحي والمادي، فعنما يولد الإنسان يكون منغمساً في فترة الطفولة في عالمه الداخلي، ورويداً رويداً يبدأ بالتعرف على العالم الخارجي، فالنفس تأتي بكمال نموها، وتبدأ ببناء عربتها المادية لكي تصبح قادرة على التعامل مع العالم الخارجي.
يختار الإنسان مع الزمن مسلكه في هذه الحياة، ويكون أمام ثلاثة احتمالات، الأول، أن يُغّلب العالم الخارجي على الداخلي، أي عالم الغرائز على العالم الروحي، وهذا حال غالبية البشر على هذه الأرض، يلهثون وراء المال والغنى والشهرة، وراء الغرائز المادية بكل اشكالها، مهملين العالم الروحاني. الثاني، أن يُغّلب العالم الداخلي على الخارجي ويهمله تماماً، وهذا حال الزهاد والمتصوفين، وهم قلة في هذه الدنيا، فهم يسعون وراء خلاصهم الشخصي، ولا يهتمون للمجتمع ومشاكله. الثالث، أن يسلك الإنسان مسلكاً متوازناً بين العالمين الداخلي والخارجي، من خلال الاهتمام بالجسد واحتياجاته، ولكن دون افراط ووفقاً للضوابط الأخلاقية، ومن خلال الاهتمام بالروح بما تحتاجه ولكن دون مبالغة، أولئك يربحون العالمين. لأنهم مقتنعون أن الانضباط في العالم الحسي، هو الطريق الذي يؤدي الى تسلق السلم الروحاني العرفاني، وليس الانغماس به أو اهماله.
في ظل هذا الصراع، يبدأ الإنسان بطرح الأسئلة على نفسه، محاولاً أن يفهم هذه العلاقة بين الروح والنفس والجسد. وفي كثير من الأحيان لا يفرق بين الروح والنفس، أما الجسد فلأنه حسي نستطيع أن نتعامل معه بسهولة، ونوليه الأهمية الأولى في حياتنا. فنحن نتعب على صحة اجسادنا ومنظرنا الخارجي وغرائزنا بشكل لا يقارن بما نوليه لأرواحنا ولأنفسنا. وهنا نحن غير ملامين، لأن الجسد المادي نحسه ونلمسه ونراه، ولذلك يسهل علينا التعامل معه، أما الروح والنفس فهما غير محسوستان، وغير مفهومتان، وغير مدركتان، وبغالبيتنا نؤمن بوجودهما ولكن لا نوليهم الأهمية المطلوبة.
المفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور، والذي يعتبر من أهم رواد التنوير في العصر الحديث يقول: إن الروح ليست سر الحياة، بل هي سر الأنسنة، والنفس هي التي تموت، ولا علاقة للروح بالموت. البشر وفقاً لشحرور كانوا في مملكة الحيوان من فصيلة الثدييات، فنفخ الله فيهم الروح، فتحول البشري الى انسان، ولذلك الروح هي سر الأنسنة, والروح بالنسبة له هي أوامر رب العالمين من جهة، وهي المعلومات والمعرفة الإلهية من جهة أخرى، ولذلك فإن مفهوم الروح أوسع وأشمل مما نظن. من هنا نستطيع أن ندّعي، أن الروح هي مجمل القوانين الكونية التي تعقل الوجود بكل مكوناته. وهي التي تدير هذا الكون، ونستطيع أن نطلق عليها تسمية العقل الأرفع أو الكلي أو الشامل، لأنها عقلت بداخلها كل الوجود. أما النفس فهي سفارة الروح بالجسد، وتستمد الطاقة الروحية من الروح أو العقل الكلي حسب استحقاقها وفقاً لسلوكها، والنفس هي الحاكمة على الجسد.
لذلك نحن أمام ثلاث منظومات تعمل في الإنسان، الأولى، المنظومة الروحية أو العقل الكلي والتي تفعل ولا تنفعل، والثانية، المنظومة النفسية التي تفعل وتنفعل، والثالثة، المنظومة الجسدية التي تنفعل ولا تفعل. فالروح أو العقل الأرفع (العقل هنا لا يعني الفكر) هي كالشمس التي تنير عالمنا، فهي تنير نفوس جميع الخلق ولا تنفعل بها، وإذا كان هذا فعلها، فيجب أن تكون فوق الزمان والمكان، ولذلك تفعل ولا تنفعل. أما النفس فهي سفارة الروح في الجسد، فهي تنفعل بالروح وتفعل بالجسد، وهي أيضاً فوق الزمان والمكان، وهي قابلة للصور وحاكمة على الجسد المادي، وقابلة للخير كما هي قابلة للشر، فتكون النفس خيرة بقدر ما تكتسبه من نور العقل أي الروح، وتكون سيئة بقدر ما تكتسبه من ظلمة الضد أي الجسد والغرائز، والنفس تخرج من الجسد عند الموت. أما الجسد فهو الجهاز المادي الذي تطل النفس من خلاله على العالم الحسي، ولا يوجد للنفس أي فعل الا من خلاله، أي من خلال حواسنا والتي تشكل بوابات النفس للعالم الحسي، وهو طبعاً، أي الجسد المادي، تحت سلطة الزمان والمكان، ولذلك فهو يشيخ ويفنى بعد خروج النفس منه، ويعود لعناصره الطبيعية الأولى.
معلوم ومثبت علمياً، أننا نعيش في عالم تحكمه الطاقة، فإنها تشكل الغالبية العظمى لهذا الوجود، فكل تفكير أو فعل نقوم به نطلق من خلاله موجة يتلقاها العقل الكلي أو الروح، ليعيدها الينا بنفس المحتوى، فإن كانت خير تعود علينا بالخير، وان كانت شر تعود علينا بالشر، ولكن ليس بالضرورة بشكل فوري وانما وفق قوانين قدرية دقيقة جداً وصارمة، فنحن نصنع اقدارنا بأيدينا من خلال افكارنا وسلوكنا، فالروح او العقل الشامل هو نظام كوني دقيق يحوي كل الأوامر والمعلومات الإلهية كما وصفها الدكتور محمد شحرور، وهي اشبه بالشبكة العنكبوتية التي نتعامل معها اليوم فهي ترد على كل فعل نقوم به من خلال ما تملكه من معلومات واوامر.
من هنا فإن الحياة التي نعيشها تشكل بالنسبة لنا فرصة لنرتقي بوعينا الروحي، من خلال انضباطنا السلوكي، والتوازن بين العالمين الداخلي والخارجي. فكلما وازنا بسلوكنا بين ما هو داخلي روحاني، وما هو خارجي مادي وغرائزي، كلما اُضيئت النفس من العقل الكلي بالنور، واقتربت منه لتعود الى ربها أي الى عالم العقل راضية مرضية، وكلما أخّلينا بالتوازن بين العالمين، وغلَّبنا العالم الحسي الغرائزي على العالم الروحي، كلما ابتعدت أنفسنا عن نور العقل وانحدرت في متاهة الضلالة والضياع. ونحن أحرار بما نختار، فلا نلوم الله والقدر بما يحدث لنا، وانما نحن نخلق أقدارنا، وإنما أعمالكم ترد اليكم، لذلك يجب علينا أن نستغل حياتنا بما هو مفيد لأنفسنا ومجتمعاتنا، حتى نرتقي بأخلاقياتنا وبأخلاقيات مجتمعنا الى المستوى المطلوب، بعيداً عن الاعتكاف والانغلاق على ذاتنا من جهة، وبعيداً عن الانغماس في الملذات الحسية دون وازع أخلاقي من جهة أخرى، فالنجاة في التوازن والاعتدال وفي المحجة الوسطى.
.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تغطية خاصة | أكثر من 30 عملية للمقاومة الإسلامية حتى الآن |
.. بابا الفاتيكان يدعو إلى صلاة وصوم من أجل السلام فى 7 أكتوبر
.. 77-Al-Aanaam
.. استشهاد 7 من مسعفي -الهيئة الصحية الإسلامية- في غارة إسرائيل
.. كيف أجاب إيهود باراك لـCNN على خيارات إسرائيل للرد على هجوم