الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموروثات العميقة لظاهرة الاستبداد..

محمد حميد غلاب الحسامي

2022 / 6 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


#الموروثات العميقة لظاهرة الاستبداد...

يقول الشاعر عمر إبن أبي ربيعة المخزومي في قصيدته الرائعة " ليت هندا أنجزتنا ما تعد..." :
(....إنما العاجز من لا يستبد)
هذه المقولة وغيرها من المقولات الأخرى المشابهة لها والكثيرة والمتعددة والمتنوعة التي يمتلئ بها موروثنا منذ قرون عديدة موغلة في القدم وحتى لحظتنا الحاضرة، دينية!! كانت أم غير دينية، ومقولة " المستبد العادل " من ضمنها، هي التي شكلت وعينا الاستبدادي كأمة، أفرادا وجماعات وطوائفا وأحزابا وايدلوجيات، دينية!! كانت أم غير دينية،..إلخ، وتشكل وفقا لها وعلى أساسها وفي إطارها وتحت رعايتها ذلك الوعي بكل سماته وصفاته وخصائصه، وبكل صورة الفكرية والعقلية والثقافية، وبكل مظاهره العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...إلخ، ومن ثم بكل نتائجه الوخيمة والكارثية من أقوال وأفعال وسلوكيات وتصرفات تجاه بعضنا بعضا وتجاه الآخر المغاير....إلخ
من تلك الصور والنتائج الوخيمة والكارثية المترتبة عنها ما تسمى ب ثقافة الاستبداد "...
......
إننا إلى نظرنا وبعمق إلى واقعنا كأمة لوجدنا بأن ثقافة الاستبداد والاستعباد هي التي تسيطر على الوعي الجمعي الاجتماعي للأمة عموما ونخبها...!! خاصة وفي جزء كبير منهما,ليست السياسية فقط وإنما الأسرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها ,بحيث تشكل تلك الثقافة العمود الفقري لمجتمعاتنا، بما ينتج عنها من آثار مدمرة ووخيمة علينا كأمة، أفراد ومجتمعات وشعوب،في وقتنا الحاضر.
تلك الثقافة المتجذرة في ذلك الوعي...التي تعتبر نتيجة طبيعية وحتمية تاريخية وانعكاسا حقيقيا لموروث ثقافي استبدادي استعبادي عبر قرون, قائمة على تمجيد الفرد وسلطته وسطوته والقبول بكل ما يصدر عنه من استبداد واستعباد واعتباره المخلص والمنقذ..
وما ثقافة ,,المستبد العادل,, إلا خير دليل على ذلك.تلك الثقافة التي ماكان لها بأن تتجذر في ذلك الوعي...للأمة لولا وجود التبريرات لها وخاصة الفقية منها والمرتبطة بالتبرير الدين وشرعنتها دينيا مما جعلها قضاء وقدرا وحكما مسبقا وجبرية يجب التسليم بها ,طواعية أو إجبارية,...
فالاستبداد شر كله وشره ما ارتبط بالدين والعقائد التي يؤمن بها المجتمع ,وما كان ذلك كله ليحصل لولا وجود فقهاء الاستبداد والاستعباد الذين عملوا على نشر وتجذير تلك الثقافة لصالح أولئك المستبدين،أضيف إليها حديثا ثقافة الاستبداد الايدلوجي..،ومازلنا إلى الآن نلاحظ وجود فئة ليست بالقليلة من مثقفي الاستبداد والاستعباد تعمل جاهدا على تبريرها خدمة للأنظمة الاستبدادية الاستعبادية الحالية ومدافعة عنها والاستماتة في ذلك.فالفردية وسطوتها وصنميتها وتقديسها وقدسيتها مازالت هي المتحكمة والمسيطرة على الوعي الجمعي الاجتماعي عموما والنخبوي منه خصوصا لنا كأمة ,أم العمل الجمعي وثقافته فمازال بعيدا وغريبا واستثنائيا في وعينا ,فما بالك بسلوكنا والقبول به,...
فمازلنا ننظر إلى مصيرنا كأمة والخروج مما هي فيه..وعليه..من خلال إنتظار,, الزعيم,, المنقذ والمخلص ,مغيبيين دورنا كمجتمعات في ذلك, وما ظاهرة,,المهدي,, المنتظر و,,السفياني,, المنتظر و,, المستبد العادل,, إلا خير دليل على ذلك.....إلخ.
........
إننا إذا أردنا اقتلاع شجرة الاستبداد من واقعنا العربي ومن ثم بناء نهضة عربية جديدة,لا يمكن له بأن يكون مثمرا يعطي أكله إلا إذا كان نتيجة طبيعية وانعكاسا حقيقيا لاقتلاع كل أشجار الاستبداد الفردي الأسري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والجهوي والديني والمذهبي والعرقي والقائم على أساس النوع والايدلوجي....إلخ,ومترافقا مع ذلك..
بمعنى آخر :
لن يتم ذلك إلا إذا اقلتعنا تلك الشجرة الخبيثة ,شجرة الاستبداد, من وعينا بكل سماته وصفاته وخصائصه, وبكل صوره ومظاهره, ومن نفوسنا ووجداننا جميعا, وبالمقام الأول من وعي ونفوس ووجدان النخب...!! واستبدالها بشجرة الحرية والقبول بالآخر مهما كان شكله أو نوعه أو صورته أو صفته أو انتماءه...الخ
تلك الحرية التي يقول عنها المفكر النهضوي العربي/ عبدالرحمن الكواكبي في كتابه" طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " :
( لو اهديتم إلى السبيل لعلمتم أن الهرب من الموت موت! وطلب الموت حياة!! ولعرفتم أن الخوف من التعب تعب! والإقدام على التعب راحة!!
ولفطنتم إلى أن الحرية هي شجرة الخلد, وسقياها قطرات من الدم الأحمر المسفوح, والإسارة هي شجرة الزقوم,وسقياها أنهر من دم المخاليف والمخانيق.).
بدون ذلك نكون قد قعلنا شجرة خبيثة واستبدلناها بشجرة جديدة ربما تكون أخبث منها وأشد خطرا وأفظع كارثة, والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة ماضيا وحاضرا...
والأهم من كل ذلك, بل جوهره ومحركه الأساسي, لن يتم ذلك إلا شعرنا وأحسسنا, وعيا قبل سلوكا, بالحاجة الماسة والضرورية وفي أعلى قصوتها لتلك الحرية كونها ضرورة حياتيه وجدانيه..إلخ
فالحاجة هي وعي النقص بالشيء..كما يقول الفيلسوف الألماني هيجل
ف( الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية.) كما يقول الكواكبي في كتابه سالف الذكر
.......
تلك الشجرة..التي نمت وترعرعت واستفحل أمرها, ضاربة جذورها المتشعبة, في عمق أعماق الأعماق لوعينا, لم تكن وليدة الحاضر والصدفة, بل عبر ومنذ قرون طويلة من تاريخنا كمجتمعات عربية, ومع "سبق الاصرار والترصد" كما يقال
فلقد تمت زراعتها ورعايتها والإعتناء بها, ومازلت, من قبل تلك السلطات التسلطية ممثلة بسلاطينها المتسلطين على رقابنا قديما وحديثا( خلافة مزيفة متسلطة ودولا قومية ووطنية مزيفة متسلطة وخلفاء ورؤوساء وحكام مزيفين متسلطين), بمساندة ومساعدة ومعاونة ومشاركة فعلية فعالة من قبل بطانة تلك السلطات..وأولئك السلاطين ( فقهاء ووعاظ..قديما,مثقفون على حدة أو مع أولئك الفقهاء والوعاظ..حديثا)..إلخ حيث أنه ما كان لتلك الشجرة الخبيثة..أن تكون وتصير إلى ماهي فيه..وعليه.., قديما وحديثا, لولا استخدام تلك السلطات..إلخ في سبيل ذلك كل أنواع وأصناف واشكال وصور الوسائل والطرق والأساليب, وفي حدها الأقصى, مادية أو معنوية أو كليهما وفقا لما تتطلبه كل حالة على حدة,..إلخ
بحيث أن تلك الوسائل..كانت تتناسب مع كل مرحلة تاريخية من مراحل تاريخنا العربي وحتى اليوم , دينية كانت تلك الوسائل..أو غير دينية..أو مزيجا من تلك..وتلك..( التوظيف الديني البحت عموما في بداية تلك المراحل-هو الأخطر-ثم التوظيف الوطني والقومي والأممي-الايدلوجي-, أو مزيج من كل ذلك التوظيف, حديثا )..إلخ
كل ذلك التوظيف كان جوهره مصالح تلك العصبيات الضيقه والمقيته..ويخدمها
أما مصادر تغذية وسقيا تلك الشجرة الخبيثة..فكانت دمائنا وأرواحنا وجماجمنا وبؤسنا وشقانا..إلخ
بمعنى مختصر عموما :
آدميتنا وإنسانيتنا, كرامة وحرية..,..
......
#الخلاصة :
إن تلك الشجرة الخبيثة..ماكان لها بأن تكبر وتتشعب وتتجذر وتنمو وتستمر وتوصلنا إلى ما نحن فيه..وعليه..في حاضرنا لولا وجود القابلية لها في الوعي الجمعي الاجتماعي عموما ,ثقافة وسلوكا, والنخبوي منه خصوصا..وفي ظل عدم وجود تلك القوى التنويرية والحداثية التي تقف حجرة عثرة أمامها..إلخ
فثقافة الإستبداد والاستعباد والخنوع والذل والاستكانة والاستسلام -وعيا وسلوكا - التي ورثناها, حكام ومحكومون, عامة وخاصة, نحن تجاههم وهم تجاه أسيادهم من القوى الخارجية، هي التي أدت إلى أن يتعامل الحكام معنا وتتعامل تلك القوى الخارجية معهم كعبيد لهم/لها، يتعاملون معنا/معهم وفقا لذلك, دون أي اعتبار أو خوف منا/منهم ,وإذا ما حدث أن تمرد أحدنا/أحدهم عليهم عومل بالعصا..إلخ
ومن جانبنا حكاما ومحكومين فإن تلك الثقافة, جعلتنا جميعا -وعيا وسلوكا - نتعامل معهم كأسياد لنا وقدر محتوم علينا وننظر إليهم كمقدسات تتساوى مع قدسية الله بل تفوقها, لا يجوز لنا أن نقترب من تلك القدسية مهما صدر منها....إلخ
.........
يقول عبدالرحمن الكواكبي في كتابه, طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد, :
العوام هم قوة المستبد وقوته ,بهم عليهم يصول ويطول,يأسرهم فيتهللون لشوكته,ويغصب أموالهم فيحمدونه على ابقائه على حياتهم ,ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون لسياسته, وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريما,وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيما.
أما أفلاطون فيقول :
لو ان السماء أمطرت حرية لرأيت بعض العبيد يرفعون المظلات.
ويقول بوذا :
ان صعاليك البشر هم الذين لا يكفون عن الثرثرة بتوافه الحديث التي تمجد العبودية...
ويقول سقراط :
الخوووف يجعل الناس أكثر حذراً،وأكثر طاعة، وأكثر عبووووودية
ويبقى السؤال قائما :
هل فعلا نتوق إلى الحرية والتخلص منها, حاجة ضرورية وماسة, عبر الوعي بالنقص بها كما يقول هيجل?
أم أننا لم نصل بعد إلى ذلك بدرجة تستدعي ردة الفعل الايجابية تجاه الاستبداد, ومازلنا كما يقول الكواكبي وأفلاطون وسقراط وبوذا?








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس