الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاء اليوم الموعود The Promised Day Has Come (1)

راندا شوقى الحمامصى

2022 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الآونة الأخيرة تكتسح وجه الأرض عاصفة لم يسبق لها مثيل في شدّتها ولا يمكن التكهّن عن مجراها، وهي خطيرة في آثارها المباشرة، مجيدة في نتائجها النهائية مجداً لا يمكن تصوّرة. ولا تزال قوّتها المطهّرة تتضخم على مرّ الأيام مهما خفيت واستدقّت على الأفهام، ولا تزال الإنسانية وهي متهالكة في قبضة قوتها المخربة، تصرعها شواهد غضبها المكتسح، فالإنسانية لا تستطيع أن تفطن إلى أصلها ولا أن تسبر غور دلالتها ولا أن تتفحص عاقبتها فطفقت وقد بلغت منها الحيرة والعذاب واليأس كل مبلغ والإرهاق يذهب بها كل مذهب، واليأس يبلغ بها كل مبلغ، ترقب ريح الله القوية العظيمة هذه، وهي تغزو أقصى مناطق الأرض وأجملها، صاكة أصولها صكاً، ملقية الاضطراب فيها إلقاءً، مصدعة أممها تصديعاً، مقوضة دعائم أوطان شعوبها مخربة مدنها، نافية ملوكها، هادمة حصونها، مقتلعة نظمها، معتمة نورها، هاصرة أرواح سكانها.

ولقد أعلن قلم حضرة بهاء الله ( المظهر الإلهي للعقيدة البهائية وحامل رسالتها للعالم أجمع-ومنذ أكثر من 180 عام) المتنبئ أن "أوان فناء العالم وأهله قد آن." وأكد تأكيداً خاصاً فقال: "سرعان ما يظهر الإنقلاب الأكبر."، "جاء اليوم الموعود يوم تدمدم عليكم المحن المرهقة من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم وهي تقول: “ذوقوا ما قدّمت أيديكم” “عما قريب ينفخ فيكم بأبواق نقمته ويحيط بكم رماد جهنم." وهو يقول مرة أخرى: "إذا تم الميقات يظهر بغتة ما يرتعد به فرائص العالم." "سوف تحترق المدن من ناره (أي التمدن) وينطق لسان العظمة الملك لله العزيز الحميد."

لا يدرك قوة مجريات هذا الإنقلاب العظيم إلا الذين آمنوا بدعوة بهاءالله والباب. فأتباعهما وحدهم هم الذين يعلمون حق العلم، من أين جاء هذا الانقلاب وإلى أي شيء يفضي آخر الأمر. وهم-وإن جهلوا مدى ما سوف يبلغه- يؤمنون إيماناً واضحاً بنوعه وعلّته ويدركون اتجاهه ويقرّون بضرورته، ويرقبون في ثقة عملياته الخفية ويبتهلون في حرارة أن تخف وطأته ويجاهدون في ذكاء أن يقللوا من شدّته وحدّته، ويلمحون ببصيرة صافية انتهاء الآمال والمخاوف التي لا بد له من أن يولّدها بالضرورة.

القضــــاء الإلهــــي

هذا القضاء الإلهي كما يراه أولئك الذين يعتبرون بهاء الله الصور الإلهي ومظهره الأعظم على الأرض إنما هو كارثة تأديبية وجزاء مقدس سامٍ. فهو قصاص من الله وعملية مطهّرة لكل الجنس البشري في وقت واحد، فنارُهُ تقتص من ضلال الجنس البشري وتربط عناصره المتنافرة في هيئة حيّة غير مقسّمة تشمل العالم بأسره وجامعة واحدة عامة شاملة.

في هذه السنوات الحاسمة التي تشير إلى انتهاء القرن الأول من الدور البهائي وافتتاح قرن جديد آخر في وقت واحد، يدعى الجنس البشري -كما حكم قاضيه ومخلصه- إلى أن يقدم حسابه عن أعماله الماضية ويتطهر ويتهيّأ لرسالته القادمة. فهو لا يستطيع أن يفرّ من مسؤوليات الماضي أو يتراجع عن مسؤوليات المستقبل لأن الله الساهر العادل المحب المدبر الحكيم لم يعد في هذه الدورة العظمى يسمح بخطايا الإنسانية الطالحة أن تمضي دون عقاب سواء ما نتج منها عن الإغفال أو عن الهدم؛ كما أنه لم يعد يميل إلى أن يترك أبناءه ومصائرهم، أو يحرمهم من تلك المرحلة الختامية السعيدة من مراحل تطورهم الطويل البطئ الشاق خلال العصور: تطورهم الذي هو حقهم الصريح ومصيرهم الصحيح.

وإليك من ناحية ذلك الوعيد الذي أنذر به بهاءالله نفسه قال: "أيها الناس! قوموا انتظاراً لأيام العدل الإلهي فإن الساعة قد أتت." وقال مرة أخرى: "يا أيها الناس قد ضربنا لكم موعداً فإن لم تتوجهوا إلى الله أخذكم بقهره وسلّط عليكم البلاء الشديد من كل الجهات." وقال أخيراً: "قل يا أهل الأرض اعلموا حق العلم أن بلاءً مباغتاً يتعقبكم وأن عقاباً عظيماً يسير في أعقابكم، فلا تحسبوا أن ما ارتكبتموه قد غاب عن نظري."

وإليك من ناحية أخرى التأكيد الشديد الذي قاله بهاءالله ناظراً إلى المستقبل اللامع الذي ينتظر الإنسانية الضاربة في عماية الظلام؛ قال: "ترى الأرض حاملة اليوم. وعما قريب تشاهد أثمارها اليانعة وأشجارها الباسقة وورودها المحبوبة ونعمها الجنية." وكتب زيادة على ذلك متنبئاً بعصر البشرية الذهبي فقال: "هذه المظالم تهيئه (أي العالم) لقدوم العدل الأعظم." والواقع أن هذا العدل الأعظم هو العدل الذي عليه وحده يمكن أن يستقر صرح السلام الأعظم ولا بد أن يستقر آخر الأمر؛ على حين يفتتح السلام الأعظم بدوره تلك المدنية العظمى، المدنية العالمية التي سوف تظل إلى الأبد مرتبطة بصاحب الاسم الأعظم.

لقد انقضى ما يقارب القرن منذ أشرق على العالم ظهور بهاءالله. ولقد أمهل الله الخلق قرناً كاملاً من الزمان لعلهم يؤمنون بمؤسّس هذا الظّهور ويعتنقون دينه ويعلنون عظمته ويقيمون نظمه البديع، كما أن حامل هذه الرسالة أعلن ما عهد الله به إليه إعلاناً لم يقم به أي مظهر إلهي سابق مصدراً مائة مجلد تكتنز أوامره الثمينة وأحكامه المكينة ومبادئه الفريدة ومناشدته الحارة وإنذاراته المتكررة ونبوءاته المذهلة ومناجاته الرفيعة وتفسيراته الخطيرة، وطفق ما يقرب من خمسين سنة يوجه في أشدّ الظروف أحزاناً إلى الأباطرة والملوك والأمراء والحكام وأولي الأمر والحكومات ورجال الدين والأمم في الشرق وفي الغرب؛ المسيحي منهم واليهودي والمسلم والزردشتي لئالئ علمه وحكمته الثمينة هذه –تلك التي كانت مكنونة في محيط بيانه الفائق. نعم لقد تخلى خليفة الله على الأرض عن الجاه والثروة ورضي بالسجن والنفي ولم يعبأ بالاستخفاف والسخرية، وعانى كثيرا من الإهانات البدنية والحرمان القاسي وارتضى لنفسه الإخراج من مكان إلى مكان ومن قطر إلى قطر حتى قدم آخر الأمر ابنه الشهيد فداء لخلاص العبـاد واتحاد من في البلاد.

كيف استجيب نداؤه

ربما حق لنا أن نسأل أنفسنا كيف كافأ العالم -وهو هدف هذه العناية الإلهية- ذلك الذي ضحّى بكلّ ما مَلَك من أجله؟ بأي لون من ألوان الترحيب رحبت به وأية استجابة استثارها فيه نداؤه؟ رحب بنور الدين الوليد ضجة لا قرين لها في تاريخ شيعة الإسلام في مسقط رأسه بين شعب عرف بجهله الفاضح وتعصبه الوحشي وقسوته البربرية وأحقاده المتأصلة وخضوع جموعه للسلطان المطلق الذي تتمته به نظام ديني راسخ الجذور وصرع الإضطهاد الذي أجج من الشجاعة ما فاق ما أثارته نيران سميث فيلد (Smithfield) بشهادة مؤلف عظيم لا يقل شأوأً عن أن يكون هو المرحوم اللورد كرزون كدلستون نفسه- أقول صرع بسرعة محزنة ما لا يقل عن عشرين ألفاً من معتنقيه الأبطال الذين أبوا أن يستبدلوا بدينهم الوليد زينة الحياة الفانية العابرة وأمان العيش فيها. كما أضيفت إلى الأوجاع البدنية التي فرضت على المظلومين تهم أخرى لا أساس لها من الصحة كالفدائية وتعاطي السحر والسيمياء والفوضوية والشعوذة الدينية وفساد الأخلاق والحزبية والإلحاد والإنتماء السياسي إلى الأحزاب- وهي تهم تدحضها جميعاً عقائد الدين نفسها أولاً ومسلك أتباعه ثانياً. نعم أضيفت هذه التهم ليتضخم بذلك عدد الذين كانوا يؤذون الدين عن جهالة أو عن ضغينة وإصرار.

... ويستعرض قلة اكتراث رجال الجاه ومقت رجال الدين وسخرية الشعب وازدراء معظم الملوك والحكام الذين خاطبهم، والتشويه الذي تعرضت له مبادئه وأحكامه. وما كل ذلك إلا شواهد على السلوك الذي سلكه نحوه جيل غارق في الرضا عن نفسه غافل عن ربه؛ ناس لما كشف له مظاهره من إنذار ونبوءة وتحذير وتأنيب.

ويصف بالتفصيل ما تعرض له حضرة الباب من اضطهاد وتعذيب ونفي إلى انتهاء ذلك بصلبه وإفراغ ما يزيد عن سبعمائة رصاصة في صدره الفتي أمام أنظار جمهور قاس يقارب العشرة ألاف نسمة.

كما يصف أيضا المظالم التي تعرض لها حضرة بهاءالله ابتداءً من حبسه في سجن سياه جال في غرفة موبوءة وأثر السلاسل التي تركتها على بدنه، ويستعرض الشدائد التي لحقت بحضرته ونفيه وعائلته إلى أن استقر الأمر به في عكاء مستعمرة القصاص وانتهى آخر الأمر بصعوده في السبعين أو يزيد مختتما بذلك أسراً لا مثيل لنطاقه ولا لمدته ولا لتعدد بلاياه وقسوتها في تاريخ الدورات السابقة.

معالم هذه الدراما المثيرة

إلى أمواج المحن الغالبة التي جرفت الباب وإلى المصائب المديدة التي انهمرت على بهاءالله وإلى الإنذارات التي صاح بها مبشر الظهور البهائي ومؤسسه يجب أن نضيف الآلام التي تحملها عبد البهاء ما لا يقل عن سبعين عاما ومناشداته ونصائحه التي أسداها في مغرب حياته حول الأخطار التي طفق يتزايد تهديدها للجنس البشري قاطبة. (The Promised Day Has Come توقيع حضرة شوقي أفندي 28 March 1941)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_


.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال




.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس


.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال




.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا