الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع الطغيان: المثقف الصرصور والمثقف العبرة

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 6 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من المسلمات التي ترسخت في ذهن الناس أن الظلم يتولد عنه ظالم ومظلوم، وبما أن الظلم هو نقيض العدل، فإن الظالم هو المعتدي والمظلوم هو المعتدى عليه. يحدث هذا في حالات بسيطة وواضحة، ولاسيما في مجتمعات الحق والقانون. لكن هناك حالات ولاسيما في مجتمعاتنا قد يلتبس عليك الأمر حتى يصعب أن تميز الظالم عن المظلوم. يزداد الأمر تعقيدا كلما تداخلت العلاقات والتبست الحدود بينها، يكون المظلوم والحالة هذه متواطئا ضد نفسه بعد أن وفّر الشروط للطرف الذي مارس عليه الظلم.
يتعاظم دور المظلوم في تقوية الظالم حتى ليمكن القول أن المظلوم هو ضحية نفسه أولا، من حيث أنه هو من بادر إلى ظلم نفسه ليفسح المجال بعد ذلك إلى من يتربص بضحاياه عن سبق إصرار وترصد. وإذا كان هذا حال الفرد فكيف يكون حال المجتمع؟

في مجال التدبير السياسي، وفي ضوء المقدمة أعلاه، هناك مجتمعات وشعوب لا تتوقف عن الشكوى وعن المطالبة بالتغيير. تشعر أنها شعوب مظلومة، دون أن تسأل نفسها عن أسباب الظلم الذي تعاني منه، ودون أن تعي أن لها مسؤولية عن وضعها المأساوي.
وفي هذه الحالة يختلط الحابل بالنابل، وغالبا ما يذهب الأبرياء ضحية هذا الوضع ويستفيد منه الجناة. توصف هذه المجتمعات بالبربرية، وتوصف سياستها بالطغيان. وكلما استشرى الفساد وعم الكساد كثر الدجالون والكذابون وتصدروا المشهد بوصفهم نخبة المجتمع (كتاب، صحفيون، أكاديميون، ووعاظ في المجال الديني والحقوقي).

كنت في المقالين السابقين، سلطت الضوء على (الطغيان والدكتاتوريا والاستبداد) كمفاهيم متمايزة، وليست مترادفة كما درج البعض على استخدامها (انظر كتاب "في الطغيان والاستبداد والديكتاتوريا" للباحثة دولة خضر خنافر، ومقالين على هذا المنبر "في معنى الاستبداد المستنير" و"المستبد المستنير والمثقف الفيلسوف"، الرابط أسفل المقال).
يرى مونتسكيو أن الاستبداد الشرقي يتحدد بالقوانين الدينية، والحال، فإن هذا الدين ذاته يستعمل لمساندة الحكم الاستبدادي وتوطيده، وكان مونتيسكيو كفيلسوف ليبيرالي يتهم الاستبداد بشكل خاص، بعدم احترام الحريات الفردية وحرية الملكية الخاصة. في نظره، الاستبداد الشرقي هو حكم الجهل: جهل الحاكم وجهل الشعب، وبسبب هذا الجهل العام تغيب الفضيلة. والمستبد الذي تصوره مونتيسكيو، لا يمكنه أن يكون مستنيرا، فهو نقيض المستبد المستنير الذي كان المثال الأعلى لمعظم فلاسفة عصر مونتيسكيو.
إن الاستبداد القانوني، في نظر الفيزيوقراطيين، هو نقيض منظومة مونتيسكيو الذي يرى أن الاستبداد هو المرادف للفساد والبؤس. فالاستبداد عندهم، هو ريجيم سياسي يخلو من البؤس والخوف بحكم أنه يرتكز على العقل. وفي هذا النوع من الاستبداد تكون الغلبة للأفكار المعقولة وليس للأهواء.
كلما كانت النخبة الحاكمة جاهلة وكان الشعب جاهلا غاب العقل وطغت الأهواء، وتحول المجتمع برمته إلى طغيان. وإذا شئنا الدقة، ولأن الطغيان هو نتاج جهل عام، فهذا يعني أن نخبة المجتمع جاهلة وتوزع "علومها" بسخاء على الحاكم وعلى الشعب، وبالتالي تسير بالدولة في طريق الضلال.
في هذه المجتمعات يكون من الصعب العثور على مثقف يتمتع بالكفاءة والحكمة والسيادة، سواء كان داخل الحكم أو خارجه. ستصادف صنفين من "المثقفين": "المثقف الصرصور" و"المثقف العبرة". الأول دوره موسمي كما هو حال الصرصور، يوكل له دور تنشيط الواجهة، فيبذل كل ما في وسعه لتلميع سمعة الحاكم والثناء على حكمته وفرادته وقدراته الخارقة، ويغدق على الشعب كل صفات العظمة، ولا يتوقف عن "الصرصرة" إلا إذا جاءه أمر بغلق فمه.

بينما تجد المثقف العبرة، يصر على أنه مثقف من طراز رفيع، وأنه يفني حياته في خدمة الوطن، وفي الوقت الذي يقدم نفسه لأتباعه بوصفه يحمل مفاتيح كل الأزمات، تجده يبكي ليل نهار بوصفه ضحية الحسد والتهميش. بين هذا المثقف وأتباعه علاقة عجيبة يتبادلان من خلالها مشاعر سطحية وبطولة زائفة، علاقة يغيب فيها النقد والمصارحة، كما تغيب فيها روح التضامن. هذا المثقف غالبا ما يعيش حياة البؤس، ويوفر لأعدائه كل أسباب الانتصار عليه دون أن يبذلوا أي جهد في إسقاطه، فهو بطبيعته يوفر عليهم هذه المهمة وهو من يتكفل بها ويقوم بها عن طيب خاطر وعلى أحسن وجه. وفي الوقت الذي يفرغ غضبه على الواقع السياسي يظل ينتظر من هذا الواقع أن يمنحه بعض الاعتراف والاعتبار، وفي النهاية يصبح عبرة لمن يعتبر بدل أن يصبح مثالا للاحتذاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في معنى الاستبداد المستنير
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=759342
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستبد المستنير والمثقف الفيلسوف
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=759858








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل