الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة صحفية مع الله - الحلقة التاسعة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 6 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


٩

بقيت فترة ليس بالقصيرة محاولا التركيز على السؤال التالي، غيرأنني لم أجد هذا السؤال وذهني كان مشوشا بعض الشئ بالإضافة إلى إزدياد عدد زبائن المقهى وحديثهم الذي بدأ يعلو في بعض الأحيان رغم أن المقهى ما يزال هادئا نسبيا، وأخذت القلم وبدأت الكتابة مرة أخرى:
- هذه عينة مما يمكن أن يحدث في مجتمع يخلو من العقل، أن يستعين الإنسان بما لا يراه ضد كائن لا وجود له لكي يهرب من نفسه، مجرد فكرة محاورة الله تجعله يرتعش من الرعب ويقفز إلى السماء خوفا، فما مصدر هذا الرعب الميتافيزيقي؟
- إن ظاهرة الإيمان تبدو قريبة ومجاورة من تجربة الإنفعال عند البشر. فالإنسان كي يهرب من موقف صعب الإحتمال مثل جريمة قتل أو مشاهد تعذيب وتشويه جسد إنسان أو حيوان وأحيانا مجرد مشاهدة الدماء، يغيب الإنسان عن وعيه ويسقط في غيبوبة للحظات قد تطول أو تقصر حسب حساسية هذا الشخص وحسب عنف المشهد ودرجة وحشيته، أي أن الإنسان يقطع إتصاله بالأشياء ويلغي وجود العالم الخارجي لينقذ نفسه من إحتمال ما لا يحتمل. والمؤمن يتصرف بنفس الطريقة عندما يواجهه موقف لا يستطيع إحتماله، أي عندما نضع ما يؤمن به ومعتقداته ومقدساته أمام مجهر العقل للنظر إليها وتمعنها والبحث في أصولها وتحليلها، فإنه في هذه الحالة يقفل باب العقل بعنف ويسقط في غيبوبة عقلية، غيبوبة عقلية هذه المرة وليس غيبوبة الإدراك ويرفض رفضا قاطعا أن يستعمل عقله للتفكير، وهذا ما يجعل البعض منهم يذهب إلى درجة عظيمة ومرعبة من العنف، ليس لكي يثبتوا للآخرين حقيقة ما وإنما لكي يثبتوا لأنفسهم بأنهم على حق وأنهم لم يخطئوا الطريق وأن معتقداتهم هي الحقيقة التي لا يدخلها أي شك. أحيانا يبدو لهم وكأن الكلمات مسكونة بمخلوقات بالغة القوة أو بأشباح وعفاريت قادرة على سحقهم لمجرد سماعهم لهذه الكلمات، فيقفلون آذانهم ويتعوذون بالله من الشيطان الرجيم. الحقيقة أنهم يخافون من أن تسقط فجأة كل معتقداتهم وتنكسر إلى ألف قطعة وتحترق كل أصنامهم وتصبح رمادا. صاحبك هذا والذي ما يزال يردد تعويدته، مجرد التفكير بأن يكون الله متواجدا في قهوته وجودا يسمح له بالتحدث معه يخيفه إلى درجة الموت ويبعث في قلبه رعبا كونيا لا يستطيع فهم مصدره. رغم أنه يتقبل أن ما يقرأه في بعض الكتب هو كلام الله وان هذا الكلام قد نقله بعض البشر مثله من لحم ودم رغم أنه يضفي عليهم نوعا من القدسية المسطحة والمفتعلة وذلك لعلمه بأنهم كانوا بشرا عاديين يأكلون ويشربون وينكحون مثلهم مثل بقية البشر في عصرهم البعيد. في الحقيقة هؤلاء الناس لا يعرفون الله ولا يخافونه لأنهم لم يروه ولم يسمعوه في حياتهم، إنهم فقط يصدقون إشاعة قديمة تحولت مع مرور الوقت إلى حقيقة.
- هل معنى ذلك أنه يمكن فهم الدين أو الظاهرة الدينية بواسطة أداة التحليل السيكولوجي؟
- الدين هو ظاهرة إجتماعية لها مؤسساتها ومعابدها وبيروقراطيتها وكهانها مثلها مثل أي شركة أو مؤسسة خاصة أو حكومية ويمكن دراستها إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا وتاريخيا ولكن لا دخل للسيكولوجيا في هذا الأمر، أما الإيمان فهو ظاهرة فردية ولا تخص أحد غيره ولا يمكن معرفتها إلا ببعض الظواهر الخارجية والتي غالبا ما يصعب التحقق من صدقها. وهذه الظاهرة الفردية يمكن دراسة بعض جوانبها من الناحية النفسية، حيث أن الإيمان كظاهرة نفسية تقع كما سبق القول في نفس الحيز الوجودي الذي تتواجد فيه ظاهرة الإنفعال. فالإيمان إذا ظاهرة لا تتعلق بالدين فقط وإنما بكل ما يمكن أن يسمى بالمنظومات الفكرية عموما، فهناك مؤمنون بدون أديان وأديان بدون مؤمنين.
- في الحقيقة، لم يكن غرض هذا اللقاء تحليل المجتمع البشري سياسيا أو إجتماعيا ولا التحليل النفسي لأفراده، وإنما كان الهدف هو التوصل إلى تكوين فكرة واضحة عنك كإله يسيطر على الكون بأسره وذلك نظرا للتشوش الكبير والضباب الذي يغلفك ويلفك من جميع الجوانب منذ عدة قرون. التعرف عليك خارج الهياكل الأيديولوجية والدينية البالية والتعرف على ذاتك وطبيعتها وعلاقتك بالناس. ولذلك أوجه إليك هذا السؤال الذي قد يبدو غريبا ولكنه ضروري لنا جميعا أو على الأقل لأغلبية ساحقة من البشر، هل بالإمكان معرفة ما إذا كنت موجودا حقا أم أنك مجرد فكرة ابتدعها العقل البشري أو خياله لتساعدهم على تسيير الحياة وتنظيم عالمهم الروحي؟
- إن إجابتي على هذا السؤال لن يكون لها وليس لها أية أهمية. ذلك أن السؤال في حد ذاته يحتوي الإجابة على السؤال. إن إشكالية الوجود موضوع قديم وقد كرس له العديد من الفلاسفة كل حياتهم من أجل فك رموزه وطلاسمه وتبسيط الإشكالية إلى عناصرها الأولية، اليوم لا أحد من قراء صحيفتك ولا مدير تحريرها ذاته يستطيع أن يحدد بدقة ما يعنيه عندما يذكر "وجود الله". بالتأكيد لا أحد يدعي "الوجود" العيني أو المادي كوجود الشجرة أو الحجر أو أي شئ آخر من هذا القبيل وهو الوجود الحسي الذي لا خلاف عليه، رغم أنه لا يمكن الحديث عن "وجود" الشجرة أو الحجر فهذه "تكون" ولكن لا توجد، غير أن هذا موضوع آخر ولا مجال لذكره في مقالة صحفية. فهل هناك وجود من نوع آخر؟ في هذه الحالة يجب تحديد هذا النوع من الوجود ووصفه وتحليله. هناك الوجود الإنساني الوحيد الممكن والذي يتطلب التحول الفاعل المستمر والإختيار الدائم والمستمر ومن هنا تكون ماهية الإنسان لاحقة لوجوده، فالوجود ليس صفة تلصق بالموجود من الخارج. الفلاسفة منذ القدم قالوا بضرورة وجودي لأنني أتصف بالكمال المطلق، نظرا لأن الكمال حسب تعريفهم يتطلب الوجود. وهذا في حد ذاته خطأ منطقي لا يتقبله العقل. هناك تناقض واضح في الفكرة القائلة بإمكانية وجود كائن يستمد وجوده من نفسه لأنه في هذه الحالة نفترض وجود هذا الكائن قبل أن يوجد ويفترض أن ماهيته سابقة لوجوده. المهم أن الذي يجب الإشارة إليه ببساطة هو أن الوجود هو وجود في الزمان والمكان وهو يخص الإنسان وحده دون غيره من الأشياء والكائنات، وأنا كإله لا يمكنني أن أشارك الإنسان في الزمان ولا في المكان وكمالي المطلق يغنيني عن الوجود، كينونتي منزهة عن الوجود وعن الزمان والمكان وكذلك عن القوة والمعرفة والرحمة والغضب وبقية الصفات الإنسانية التي ألصقها بي البشر منذ بداية الأديان.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة