الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض برهان الحركة والزمن لدى أرسطو

هيبت بافي حلبجة

2022 / 7 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعدما إنتقدناه في مفهوم المادة ، العلة المادية ، وإنتقدناه في مفهوم الصورة ، العلة الصورية ، من الأساس أن ننتقده في مفهومه عن الحركة ، وبرهان الحركة .
المقدمة الأولى : لكي ندرك حقيقة مفهومه عن الحركة ، من الضروري أن ندرك حقيقة فهمه لما سماها العلل الأربعة ، وهي علة المادة ، علة الصورة ، العلة الفاعلة ، العلة الغائية . وفي البداية لابد من أن نقدم تعريفه عن العلية أو العلة .
والعلة هي العلاقة البنيوية مابين شيئين ، هي العلاقة الوجودية التي بحسبها يعتمد الشيء الثاني في وجوده كلياٌ على الشيء اللأول ، فلولا الأول ماكان الثاني ، ومن الشروط الموضوعية أن يكون الأول منفصلاٌ عن الثاني ، لذلك فإن مفهوم العلة الداخلية مرفوضة لدى أرسطو ، فالعلة هي العلية مابين شيئين منفصلين في وجودهما ، ولايكفي موضوع الإنفصال بل لابد من يكون الثاني لاحقاٌ في وجوده عن الثاني ، أي حدوث المعلول وتبعيته للعلة حدوثاٌ ووجوداٌ .
وفيما يخص تلك العلل الأربعة فلا مندوحة من التالي : النقطة الأولى إن أرسطو يرى إن المادة أزلية وكذلك الزمن المرتبط بالحركة ، فهذه العناصر الأزلية الثلاثة ، المادة والزمن والحركة ، هي محور تصور أرسطو للكون . النقطة الثانية إن المادة هي علة كل الأشياء ، هي العلة التي بها تكون الأشياء أشياءاٌ ، فلولا المادة ماكانت . النقطة الثالثة إن العلة الصورية هي العلة الخاصة بكل شيء ، والتي بها يكون الشيء هو عين ذاته ، والتي بدونها يستحيل وجود هذا الشيء بعينه . النقطة الرابعة إن العلة الفاعلة هي العلة التي تتصرف في المادة ، العلة المادية ، لتصنع منها ومن خلالها ذلك الشيء وفقاٌ للعلة الصورية . النقطة الخامسة لابد من العلة الغائية لكي يكتمل وجود الأشياء من حيث منطقها ، أي منطق الهدف منها .
المقدمة الثانية : ويزعم أرسطو إن للحركة أنواع أربعة ، حركة الكون والفساد : فالكون هو تكون الأشياء والفساد هو تفسخ الأشياء فبهما تظهر أشياء إلى الوجود وتفنى أشياء ولو بصورة جزئية ، وهي حركة في مضمون الجوهر . وحرك الإستحالة أي تحول شيء إلى شيء جديد ، أي تحول من كيف إلى كيف جديد ، فالإستحالة مفردة قديمة تعني التحول بمفهوم اليوم وليس الإمتناع . وحركة النمو والنقصان وهي حركة في الكمية بعكس الحركة السابقة التي كانت في الكيف . والحركة الرابعة وهي حركة النقلة أي التنقل من إلى .
المقدمة الثالثة : وإلى جانب المقدمتين السابقتين ، ثمت المنطق الشكلي أو الصوري لأرسطو ، الذي حسبه إن الهو هو ، وهذا هو مبدأ الهوية ، فالشيء هو عين ذاته منذ المنذ إلى منذ المنذ . ويستنبط من هذا المبدأ ، مبدأين أثنين هما ، مبدأ عدم التناقض الذي صيغته هي : هو لايمكن أن يكون ليس هو ، ومبدأ الثالث المرفوع وهو الذي ينفي وجود أي إحتمال ثالث ممكن ، فالشيء هو هو ، وهو لايمكن أن يكون ليس هو . وهذا المنطق الشكلي يفضي بنا إلى الأمور الثلاثة التالية :
الأمر الأول إمتناع الحركة الداخلية من حيث إن تكون علة أو أن تفضي إلى ماهو غاية ، أي إن الحركة لدى أرسطو هي خارجية سواء في موضوع العلل الأربعة ، سواء في موضوع الأنواع الأربعة للحركة .
الأمر الثاني إن العلة الصورة ليست مرتبطة بنيوياٌ كما يفهم عادة بالذات الداخلية ، أي إن الشيء هو ذاك الشيء في ذاته الداخلية ، لإنما أصبحت العلة الصورية مرتبطة فقط بالذات الخارجية ، بالشكل الخارجي ، بالرؤية البصرية .
الأمر الثالث إن العلة الفاعلة هي العلة التي تفسر البيان الفلسفي لأرسطو من خلال مفهوم إنها العلة مابين شيئين منفصلين ، الأول هو علة الثاني سواء في الوجود أو في الحركة .
المقدمة الرابعة : أما في موضوع الحركة وبالتناقض مع بعض أطروحاته ، يؤكد أرسطو إن الإله لايعقل إلا ذاته ، ولايعقل ما هو أدنى من ذاته ، فهو لايعقل الحركة ولا الزمن لذلك :
من زاوية يؤكد إن الحركة والزمن ليس لهما أول ، فهما أزليتان ، ولو كان الأمر على خلاف ذلك لأقتضى ذلك حدوث سبب راجح يحدث الحركة والزمن ، وهذا يتعارض مع دلالات الذات الإلهية . وإذا كانت الحركة والزمن أزليتان فماهي العلاقة الموضوعية مابينها ومابين الإله في مسألة القدم : إن الإله يسبقهما في الفكر وليس في الواقع والحدوث كما تسبق المقدمة النتيجة .
ومن زاوية إن الإله لايدفع العالم إلى الحركة دفعاٌ ، كما إنه لايخلقها ، إنما العالم هو الذي يتحرى شوقاٌ إلى الحركة من خلال جوهر الإله ، كما يتحرى العاشق إلى المعشوق عشقاٌ ، أي إن الإله ليس علة الحركة كما هي العلاقة مابين العلة والمعلول ، كما هي العلاقة مابين الخالق والمخلوق . ففي حالة العلة والمعلول وفي حالة الخالق والمخلوق ، فإن العلة تسبق المعلول ، والخالق يسبق المخلوق ، وهذا ما يتعارض مع أزلية الحركة من حيث المبدأ .
ومن زاوية ولكي ينسجم أرسطو مع إطروحاته ومن حيث الشكل لا المضمون ، فإنه بفترض فرضية حسبها إن الإله قد وضع الأجرام والأفلاك السماوية في مسار دائري كي لايكون للحركة أول ولا آخر ولكي تبدو ذات ديمومة مستمرة ، وثبت الأرض في وسط الكون وجعل الشمس تتحرك حسب هذه الحركة الدائرية حولها بصورة أبدية .
المقدمة الخامسة : وأما في موضوع برهان الحركة والزمن ، وفي الأصل ، ينطلق أرسطو من فكرة إن الزمن أزلي بالمطلق ، فلا زمن قبل الزمن ، ولا زمن بعد الزمن ، ولا أنة قبل الأنة ، ولا أنة بعد الأنة ، فالزمن غير محدث ولاحادث ، وبما إن الحركة ، في تأصيلها ، مقياس للزمن ، ولاتنفصم عنه بنيوياٌ فهي أزلية مثله .
والحركة الأزلية هي في حقيقتها ، إضافة إلى كونها مقياس للزمن ، هي حركة الأشياء ، حركة دائرية لا أول لها ولا آخر ، حركة يمتنع فيها أن تكون علة نفسها لإنها ، وحسب أرسطو ، حركة معلول في ذاته ، وهكذا يتحول مفهوم الحركة إلى معلول في الأشياء ، أي إلى شيء متحرك .
والشيء متحرك يلزم وجود محرك ، ولابد من محرك لهذا المحرك ، ولابد من محرك آخر يحرك هذا الأخير ، وهكذا ، فلامناص من ثلاثة فرضيات ، إما تسلسل لا نهائي للمحركات ، وإما تسلسل في الدور ، وإما بطلان التسلسل والدور معاٌ لنحصل على محرك هو أساس كل ماهو متحرك .
ففي الفرضية الأولى ، من المستحيل أن نحصل على المحرك الأول لإننا نحصل فقط على المتحركات ، وهذا لايحل أس مبنى الحركة .
وفي الفرضية الثانية ، من المستحيل أن نحصل على المحرك الحقيقي ، فالأول يعتمد على الثاني ، والثاني يعتمد على الأول وهكذا دواليك ، وهكذا نكون إزاء فرضية باطلة غير منطقية .
وفي الفرضية الثالثة وببطلان التسلسل والدور ننتهي إلى المحرك الأول الذي هو الإله . وهنا يفترض أرسطو إن المحرك الأول محركان ، المحرك الأول هو السماء الأولى والذي هو متحرك ويقابل من حيث التماثل إله أفلاطون لإن إله أفلاطون هو إله متحرك ، والمحرك الثاني هو الإله ، هو إله أرسطو ، الإله الذي لايتحرك .
المقدمة السادسة : ثمت جانب آخر يتعلق بالمقدمة السابقة وهو مفهوم الحركة والصيرورة ، والمتعلق بدوره بمفهوم الوجود بالفعل والوجود بالقوة ، إذ يقسم أرسطو الموجودات والوجود إلى : وجود بالفعل وهو الوجود الأزلي المتحقق منذ المنذ ، أي الوجود خارج الصيرورة ، أي الوجود الذي لايتحرك من حيث المبدأ والأساس ، وهو وجود الإله .
وإلى وجود بالقوة وهو الوجود الذي تسعى الصيرورة أن تكتمل في كينونته من خلال الحركة ، فالنبتة هي وجود بالفعل من حيث هي نبتة ، وهي وجود بالقوة من حيث هي ستصبح شجرة ، المولود هو وجود بالفعل من حيث هو طفل مولود ، وهو وجود بالقوة من حيث هو رجل مثلاٌ . والجدير بمعرفته إن المحرك الذي لايتحرك ، إله أرسطو ، هو الذي يمنح الحركة في الصيرورة لهذا الشيء المتحرك .
نكتفي بهذا القدر ، ونعترض بالآتي :
أولاٌ : ثمت كذبتان فلسفيتان إبتدعتهما الفلسفة اليونانية وإعتمدتهما الفلسفة الإسلامية :
الكذبة الأولى تتعلق بموضوع إن الإله يسبق ماهو قديم في الفكر كما تسبق المقدمة النتيجة ، وكإن الفكر شيء وجودي مستقل خاص به ، يجوب في الآفاق بحده وحدوده وخواصه ولاعلاقة له بالإنسان أو بالإله ، أي هو مثل الشمس والقمر والشجر . ثم من ناحية ثانية لا أدري كيف تسبق المقدمة النتيجة ، وهل توجد نتيجة بحكم الضرورة مرهونة بالمقدمة ، وكإن النتيجة معلول لعلة هي المقدمة ، وهل الإله هو المقدمة ، والزمن والحركة هما النتيجة . ومن ناحية ثالثة فإن من يسبق الآخر يسبقه بحكم التعريف وبحكم الضرورة في الإنطولوجيا ، في الوجوديا ، وإلا لكنا ، على الأقل ، إزاء أشياء لاعلاقة لها ببعضها لإنها كلها أزلية قديمة ، والأزلي والقديم مستقل تماماٌ ، في وجوده ، في خواصه ، في كينونته ، في كائنيته ، عن أي شيء آخر ، أزلي كان أم ليس .
الكذبة الثانية تتعلق بموضوع إن الإله أو أي شيء آخر أزلي قديم ، وكإن هؤلاء يدركون ماهو أزلي قديم ، وفي الأصل هم يسعون لتفادي إشكالات بشرية تتراهن على الفرضية المخالفة لما هو أزلي قديم ، وفي الحقيقة إن وجود الشيء ، كائناٌ من كان ، لاينبغي أن يفرض علينا التساؤل التالي : هل هو أزلي قديم أم ماذا . أضف إلى ذلك لو سايرنا أرسطو وغيره من فلاسفة الإسلام في نفس طابع تفكيرهم ، لقلنا لهم لو كان الشيء أزلي أبدي ، لو إن الحركة أزلية أبدية ، لو إن الزمن أزلي أبدي ، لو وجد إله أزلي أبدي ، ما كنا الآن في هذه الأنة ، وكان لدينا هذا الحاضر ولا المستقبل ، بل حتى الماضي ، فالأزلي القديم يصادر الأنة في الآن ويصادر الحضور الوجودي الإنطولوجي في الحاضر والمستقبل وحتى الماضي ، ويلغي تماماٌ مفهوم الماقبل والمابعد حتى في الحضور الوجودي الإنطولوجي .
ثانياٌ : أما فيما يخص مفهوم الحركة والزمن ، فنحن إزاء فرضيتين لا ثالثة لهما ، الفرضية الأولى إن الحركة ، مثل الزمن ، مجردة مطلقة مستقلة غير مرهونة في وجودها لأي كائن ، فالحركة هي الحركة كما إن الزمن هو الزمن ، أي إن الحركة موجودة ليس لإن الأشياء تتحرك ، وكذلك الزمن موجود ليس إن حركة الأشياء تدل على ذلك . الفرضية الثانية إن الحركة ليست موجودة في ذاتها ، في كائنيتها ، إنما هي الأشياء التي تتحرك ، والزمن ليس موجوداٌ في ذاته ، في كائنيته ، إنما هي الأشياء التي تتزمن . وضمن هذه الفرضية نحن أمام إحتمالين ، الأول أن تكون الحركة باطنية داخلية تعبر عن كينونة الأشياء ، عن العلة الصورية لها في حدود إن هذه العلة تحدد هويتها . والثاني أن تكون الحركة خارجية دفعية .
في الفرضية الأولى تكون الحركة هي مصدر وجودها ، وليست الأشياء ، ونفس الشيء ينطبق على الزمن . وفي الفرضية الثانية وضمن الإحتمال الأول تكون الأشياء هي مصدر الحركة والزمن . وفي الفرضية الثانية ضمن الإحتمال الثاني يكون مصدر الحركة مستقل عن الحركة وعن الأشياء ، أي إن مصدر الحركة هو العلة الفاعلة .
وفي الأصل إذا صدقت الفرضية الأولى ، أي أن تكون الحركة مجردة في ذاتها وكذلك الزمن ، فإن الإله سيكون مشمول بهما ، أي سيكون الإله متحركاٌ وخاضعاٌ للزمن ، وهذا ما يرفضه أرسطو .
وإذا صدق الإحتمال الأول في الفرضية الثانية ، أي ان تكون الحركة هي حركة الأشياء ، حركة الأشياء التي تتحرك ، وحركة الأشياء التي تتزمن ، فإن العلاقة تغدو مابين هذا الإله ونلك الأشياء وليس مابين الإله والحركة والزمن ، بمعنى إن برهان أرسطو يتحول إلى وجود تلك الأشياء قبل وجود الحركة والزمن فيها .
وإذا صدق الإحتمال الثاني في الفرضية الثانية ، أي إن تكون الحركة خارجية دفعية ، وأن يأتيها الزمن من الخارج ، فهنا تبرز ثلاثة إشكاليات :
الإشكالية الأولى إن الحركة بهذا الشكل هي حركة في النقلة والتنقل وليس حركة في الكون والفساد ، وليس حركة في الكم ، وليس حركة في الكيف .
الإشكالية الثانية إن الحركة بهذا الشكل تفرض نوعاٌ من العلاقة مابين العلة والمعلول لإن هذا الشيء وقبل حصوله على الحركة كان فاقداٌ لها . وأرسطو يرفض أن يمنحه الحركة من خلال إلهه إلا من خلال وضعه في المسار الدائري .
الإشكالية الثالثة لو فرضنا جدلاٌ إن الإشياء كلها تدور في مسار دائري ، وإن الإله قد وضعها في تلك المسارات ، لكن إستمرارية الحركة وإستمراريتها في تلك المسارات ليست نتيجة وضعها فيها فقط ، إنما لابد من نظام عام يتحكم في كل تلك المسارات ، ومن الواضح إن أرسطو كان يجهل موضوع الجاذبية فبدى له وكإن الإله هو الذي يتحكم في حركتها .
ثالثاٌ : لو كانت الحركة قديمة كما يدعي أرسطو فيلزم من ذلك ألا تكون مرهونة إلا لذاتها ، وهذا يتعارض مع جملة إطروحات أخرى :
التعارض الأول : يدعي أرسطو إن الحركة في الأشياء هي في إتجاه الإله ،هي مثل حركة إشتياق العاشق لمعشوقته ، فلولا المعشوقة ماكانت الحركة ، وهذا يلزم إن لولا الإله ما كانت الحركة ، فكيف يمكن لها ، إذاٌ ، أن تكون قديمة .
التعارض الثاني : هل الأشياء هي التي في الحركة ، أم إن الحركة هي في الأشياء ، أي هل الحركة ، لإنها حركة ، تحرك الأشياء ، أم إن الأشياء ، لإنها أشياء وفق طبيعتها البنيوية ، تتحرك وتخلق حركتها الداخلية الباطنية كما تخلق حركتها في الخارج . فإذا كانت الحركة قديمة فإن الأشياء لابد أن تكون محلها ، أي محل الحركة ، أي إن الحركة تحل في الأشياء حلولاٌ ، وهذا يصادر مضمون العلة الصورية لدى أرسطو التي ، من زاويتها ، تحدد ذاتية الشيء وتحدد حركته في الباطن وفي الخارج .
التعارض الثالث : لو كانت الحركة قديمة وهي تحل في الأشياء حلولاٌ ، فكيف يتسنى لنا ولأرسطو أن نستنتج من مفهوم المتحرك مفهوم المحرك غير الحركة ، أي كيف أدرك أرسطو إن الإله وهو المحرك المقصود طالما إن الحركة هي التي تحرك المتحرك .
رابعاٌ : في علاقة المتحرك بالمحرك ، يزعم أرسطو إن الحركة موجودة ، وإن الأشياء تتحرك ، فلابد من محرك ، ومن محرك يحرك هذا المحرك ، إلى أن نبلغ محركاٌ لايتحرك . إن هذا الأساس في برهان الحركة والزمن متناقض مع أصليته وأصالته الإطروحية ، لإن المتحرك الثاني لايمكن له أن يحرك المتحرك الأول تعريفاٌ وحسب منطوق أرسطو نفسه ، وكذلك لايمكن للمتحرك الثالث أن يحرك المتحرك الثاني ، فالمحرك الوحيد ، والوحيد فقط ، والذي هو إله أرسطو هو الذي من المفروض أن يحرك كل المتحركات لذلك :
من زاوية : فما ذهب إليه أرسطو من مفهوم التسلسل وفي مفهوم الدور ليس إلا أمراٌ نظرياٌ بحتاٌ ولايتمتع بأية مصداقية في المنطق أو في حيثيات الإستنتاج .
ومن زاوية : قد يعترض البعض ، وهذا يبان جزئياٌ من أصل التحليل المنطقي ، إن أرسطو إنما عالج الموضوع لكي تتضح الفكرة ويبلغ المقصود وهو الدلالة على وجود إله للكون من خلال مفهومي الحركة والزمن ، إلا إن هذه الأمر غير دقيق وغير صائب ، لسبب بسيط هو إن إرسطو قد إعتمد فعلاٌ على إن المتحرك الثاني يحرك المتحرك الأول ، وإن المتحرك العاشر يحرك المتحرك التاسع ، لذلك تهرب من تلك الدلالة عند الإله حينما نفى عنه مفهوم الحركة وجعله محركاٌ غير متحرك على الإطلاق ، ولم يدرك إنه قد وقع في مصيدتين أثنتين :
المصيدة الأولى إن الإله ، وطالما هو ليس متحركاٌ ، لايملك الحركة كخاصية فيه ، أي لايتمتع بأي مدلول حتى نسميه بالمحرك ، لإنه يحرك الآخرين دون أن يتحرك ، وهذه إشكالية عظمى .
المصيدة الثانية في الفعل الأصلي إن الإله لايحرك الأشياء حسب المفهوم النظري لأرسطو ، إنما هي الأشياء التي تتجه نحوه كما يتجه العاشق نحو المعشوقة وهذا يشكل ثلاثة تناقضات :
التنقض الأول : كيف تسنى للأشياء ان تتجه وتتحرك نحو كائن جامد ثابت غير متحرك .
التناقض الثاني : إن الإله ينبغي أن يكون مركزاٌ للعالم ، أي في المركز المسافي له ، وإن العالم أو الكون أو الأشياء لاعلاقة لها بهذا الإله في وجودها ، وطالما هي مستقلة ومنفصله عنه ، فلماذا لاتكون هي مصدر حركتها الخاصة سيما ولايوجد أي سبب موضوعي كي تتلقى أساس حركتها من جهة هي لاتتحرك بالأساس .
التناقض الثالث : حسب أرسطو إن الإله قديم وإن الحركة قديمة وإن الزمن قديم ، والقدم يفرض شرطه الوجودي على العلاقة فيما بين تلك الجهات ، ذلك الشرط الذي يمنع أن يتبع أحد الأشياء لأشيء آخر مهما كانت العلاقة ومهما كان موضوعها .
خامساٌ : إن القول ، فقط مجرد القول ، إن المتحرك يحتاج إلى محرك يحركه هو مصادرة على أسباب المنطق الأرسطوي ، ومصادرة على أسس النظرية ، ومصادرة على إطروحاته الفكرية ، وذلك لسبب بسيط وهو إن الأشياء ، أي شيء كان ، سواء في المسنوى التزامني أم في مستوى التفارقي ، كانت في شيء من منذ ، ثابتة ، ثابتة لاحركة ، وبما إن إله أرسطو هو نفسه محرك لايتحرك ، كان الوجود ، كل الوجود ثابت غير متحرك ، أي إن اللاحركة قد سبقت الحركة في الوجود وفي الفعل ، وهذا مايقضي على كل مقدمات أرسطو .
سادساٌ : وفي الأصل ، وحسب المنطق البشري ، لاحركة لاشيء ، ولاشيء لاحركة ، وهكذا نكون إزاء أمرين . الأول إن الشيء في حركته هو من الأشياء وليس واحداٌ من الأشياء ، وهذا هو مصدر نقضنا لمبدأ الهوية لدى أرسطو ، لإننا نستخدم مفهوم الواحد من الأشياء على صعيد التعامل البشري ، ولكي نتفاهم نحن البشر ، ثم هذا يشكل النواة الأصلية في نقضنا لمفهوم العلة الصورية لديه ، تلك العلة التي ، على الصعيد الكوني ، وفي حال وجودها ، ليست إلا مدلولاٌ تابعاٌ بالضرورة للعلاقة مابين الأشياء والوجود من خلال الحركة . والثاني إن الشيء ، وحسب مفهوم الأمر الأول ، لايتلقى حركته من الخارج ، أو من العلة الفاعلة إلا على صعيد القضايا الفيزيائية ، أو التأثير الفيزيائي ، ومن السخافة الإعتقاد بعكس ذلك .
سابعاٌ : وفي الأصل ، وحسب المنطق البشري ، لاحركة لاوجود ، ولاوجود لاحركة ، لإن الثبات في الفعل هو لاشيء على المستوى الإنطولوجي ، واللاشيء هو لاشيء يمكننا تعقله ، وليس اللاشيء هو شيء لايمكننا تعقله ، وهذا هو مربط الفكرة في تحطيم موضوع برهان الحركة والزمان لدى ارسطو ، كما كان تحطيم أساس فكرة أينشتاين ، إن الشيء الوحيد في الكون هو سرعة الضوء ، 300000 كم في الثانية ، وفي الرؤية الميكروسكوبية لاشيء ثابت في حده ، وهو أساس نقضنا لفكرة أرسطو ، ولاشيء ثابت في حدوده وهو أساس نقضنا لفكرة أينشتاين .
ثامناٌ : وفي الأصل ، وحسب المنطق البشري ، وبخصوص فكرة الإله ، فإن تحرك الإله تناقض ، وإن لم يتحرك تناقض . وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة والعشرين بعد المائة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا