الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام على كلام شكلوفسكي من خلال مقاله -الفن بوصفه تقنية-

حمزة لمغاري
كاتب

(Hamza Lamrhari)

2022 / 7 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نتناول في هذه الورقة البحثية، قراءةً نقدية لمقال فيكتور شكلوفسكي الموسوم بالفن بوصفه تقنية، منطلقين من الإشكال الجوهري التالي: كيف استطاع فيكتور شكلوفسكي الدفاع عن مصطلح التغريب باعتباره مصطلحا مركزيا لدى الشكلانيين الروس؟ إن هذا الإشكال الجوهري يؤدي بنا إلى طرح فرضية تؤطر مجريات البحث مفادها: أن هناك علاقة تتآلف بين مصطلح التغريب والشكل، علاقةٌ من شأنها أن تجعل من التغريب خصيصة أدبية مميزة للظاهرة الأدبية مما سواها.
تقتضي سيرورة تتبع الكيفية التي استطاع بها شكلوفسكي الدفاع عن مصطلح التغريب الانطلاق بالأول من الطرح الذي فنده، الذي يتمثل في فكرة بوتبنيا القائلة: "إن الفن تفكير في الصور" (١)، بحيث إن الفن جامع شامل لمجموعة من الأشكال الأدبية التي يأتي في طليعتها الشعر، هكذا يكون الشعر هو الآخر تفكيرا في الصور المجازية.
إن اعتبار الفن غاية في ذاته من حيث كونه تفكيرا في صور مجازية، يحتم النظر إلى الظاهرة الأدبية كونها معرفة يجب الوصول إليها من خلال الدراسات النقدية المواكبة لها، ذلك أن هذه الدراسات تنطلق من خلفيات إيديولوجية منظمة تسعى من خلالها إلى تمرير رسائلها الهادفة، بحيث يصير الأدب أرضا لا مالك لها على حد تعبير فيسيلوفسكي (٢)، إن هذا ما يُستشف من قول بوتبنيا الذي يؤكد: "أن الشعر، وكذا النثر، هما أولا وقبل كل شيء، طريقة خاصة للتفكير والمعرفة" (٣)، فبغض النظر عن التمييز الذي أغفله بوتبنيا والذي أشار إليه شكلوفسكي المتمثل في عدم التمييز بين لغة الشعر ولغة النثر، فإننا نستدرك أن ربط بوتبنيا للفن بالمعرفة من شأنه أن يُزيح عن الفن المتعة الجمالية التي تتحصل انطلاقا من إدراكه، بل وفي صعوبة إدراكه، ذلك أن الوصول إلى حقيقة الفن سيؤدي حتما إلى موت الفن، في حين أن الفن يحيا بالسيرورة التي تتوسط مجمل العمليات الحسية التي يقوم بها الفرد لإدراك الفن وليس معرفته، ههنا يمكن أن نستحضر مصطلح التغريب الذي يضطلع دوره في تصعيد رتابة الإدراك والإطالة في السيرورات الحسية الرهينة بتذوق الفن بصفة عامة والظاهرة الأدبية بصفة خاصة.
إن الصورة نسيج رمزي تتعدد بتعدد اللغة التي استُخدمت فيها، حيث التمايز حاصل بين لغة الشعر ولغة النثر، ذلك أن الصورة المجازية لا تنحصر فقط على مستوى الاستعمال الشعري للغة، إنما تتعدى ذلك على مستوى الاستعمال النثري للغة في سياق التواصل اليومي، بالتالي لا يمكن اعتبار الصورة المجازية الخاصية التي ينفرد بها الشعر عن النثر، لأن الصورة المجازية تضم مظهرا فكريا يتمثل في إعمال آلية الإدراك للوصول إلى المعرفة، ومظهرا آخر شعريا يتمثل في الأساليب البلاغية التي تعزز آلية الإدراك الذاتي ومن تمة تعزيز الانطباع دون حصول المتعة الفنية.
إن جمالية الصورة المجازية لا تكمن في مظهرها الشعري الذي يعزز الانطباع، إنما في مظهرها الفكري الذي يُطيل الإدراك ويعزز التفكير ويصعب البحث، ذلك أن التعود على الأشياء والإحساس بها مرة تلو الأخرى يُكرس آلية الإدراك الذاتي لها على أنها عاداتٌ يسهُل معرفتها.
وفق هذا المنظور "يوجد الفن لعل الإنسان يسترد إحساس الحياة، يوجد ليجعل الإنسان يحس بالأشياء" (٤)، بحيث يصير الفن وسيلة تقنية تتوسل التغريب لحجب كل ما هو مألوف حتى ننقل الإدراك العادي إلى إدراك يتحصل لأول وهلة، فههنا تكمن وظيفة الفن في استرداد الإحساس واستشعار النصوص الأدبية بطول الإدراك، ففي طيلة سيرورة التعرف إحساسٌ بجمالية النص الأدبي المتَضمِّن لتقنية الفن؛ ألا وهي التغريب.
إن غاية الفن كما يقول شكلوفسكي هي "أن ينقل الإحساس بالأشياء عندما تُدرك وليس عندما تُعرف" (٥)، من خلال كسر رتابة التعود والنظر إلى الأشياء نظرة جديدة وغير مألوفة. إن التغريب هو حدوث مسافة بين الإدراك والتعرف، بحيث يصير الإدراك سيرورة فكرية يخوضها الفرد إلى حين بلوغه مرحلة التعرف والإحساس الذي يسبق أي تجربة مهما كانت، هكذا يتوسل الفنُّ التغريبَ لتصير الصورة وسيطا يُصعِّب إدراك المعنى حتى يُفهم برؤية جديدة، لأن الغاية من الصورة كما يقول شكلوفسكي هي "إحداث تعديل دلالي فذ" (٦)، فبواسطة تقنية التغريب التي تبطئ الإدراك الآلي يمكن أن يستقر البحث عن المعنى في الذهن ومن تمة حدوث وقع نفسي يعيد الإحساس بالحياة، وما الفن سوى وسيلة لإعادة بعثها.
ختاما، إن تبني شكلوفسكي لمصطلح التغريب يوحي ضمنيا بالدور الأساسي الموكول للشكل على حساب المضمون، بالتالي يصير التغريب واحدا من الخصيصات الأدبية التي تجعل من نص أدبي أدبيا بامتياز، فمهمة الناقد أو عالِم الأدب هو البحث عن هذه الخصيصة من حيث كونها مادة ملموسة يستشفها من المادة العينية العامة التي هي الأدب، هكذا يصير التغريب رائزا تقنيا ذي أبعاد فنية يُمايز بين الظواهر الأدبية كيفما كانت.

(١)- ك. م. نيوتن، نظرية الأدب في القرن العشرين، تر: عيسى علي العاكوب، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ط: 1، 1996، ص: 21.
(٢)- نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، تر: إبراهيم الخطيب، الناشر: الشركة المغربية للناشرين المتحدين ومؤسسة الأبحاث العربية، ط: 1، 1982، ص: 35.
(٣)- نقلا عن المرجع السابق، نظرية الأدب في القرن العشرين، ص:21.
(٤)- المرجع السابق، نظرية الأدب في القرن العشرين، ص:22.
(٥)- نفسه، ص: 22.
(٦)- نفسه، ص: 23.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار