الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن السماء وفلسفة الكون

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٥ - السماء هي البداية

وكل هذه البحوث والتساؤلات كانت معروفة منذ زمن بعيد في الحضارات الشرقية، بالذات في بلاد ما بين النهرين والحضارة المصرية، حيث كانت هذه العلوم الجغرافية والرياضية ومعرفة السماء والنجوم والحسابات الفلكية في غاية التقدم والإزدهار. الفلسفة الأيونية كانت في الحقيقة جسرا بين الفكر الشرقي واليوناني وأول من قام بنشر هذه العلوم في بلاد اليونان. يمكن القول إذا بأن الفكر الفلسفي قام في البداية، كمحاولة نظرية لإقامة هندسة جديدة للعالم من شأنها أن تعيد تنظيمه وترتيبه وفقا لرؤية جديدة حسب القوانين العقلية والمنطقية، بعد أن بالغ الفكر الأسطوري والشعري في التفسيرات الغريبة والخيالية. وقد ساعد على هذا النمو الفكري وهذه الصحوة العقلية العديد من العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية التي أدت إلى مجموعة من التطورات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ساهمت في تهيئة المناخ المناسب لظهور الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد. فقد عرف المجتمع الإغريقي تطورا اقتصاديا هاما، تمثل في التحول إلى النشاط التجاري والصناعي بدل الاعتماد على النشاط الرعوي والفلاحي. وقد رافق هذا ظهور العملة النقدية في المعاملات التجارية والعقارية وغيرها التي ساعدت على تطور الفكر التجريدي مقارنة بالمقايضة التي ترتكز على تبادل السلع المادية الحقيقية. وفي هذا القرن أيضا تم الانتقال من حكم النبلاء، أي الأوليغارشية أو حكم الأقلية، إلى الحكم "الديمقراطي" - رغم نسبية هذه الديموقراطية التي لا تطبق إلا على المواطن اليوناني الحر ولا تشمل النساء ولا العبيد والأرقاء ولا الأجانب - الذي تجسد في نظام "الدولة المدينة" التي عرفت مناخا سياسيا وفكريا سادت فيه حرية التعبير والجدل والحوار، الذي كان يتم أساسا في الساحة العامة - agora - في قلب المدينة. وقد أزدهرت أيضا العلوم الدقيقة كالرياضيات وعلم الفلك، لاسيما أن الفلاسفة الأوائل كانوا علماء أمثال طاليس وفيتاغوراس. وهكذا تم التحول تدريجيا في الفكر اليوناني من الميثوس mythos إلى اللوغوس logos ؛ أي من التفكير القائم على الأسطورة والخيال والسرد الشعري والملحمي إلى التفكير القائم على العقل والمنطق والمقارنة والإستقراء. فضلا عن انتشار الكتابة الأبجدية التي حلت محل الحكايات الشفوية، وإشاعة الثقافة بين عموم الناس؛ وهي كلها عوامل ساعدت على نمو فكر فلسفي قائم على الحوار والاستدلال والبرهنة والنقد. هكذا انتقلنا مع الخطاب الفلسفي من الكاووس والميثوس إلى الكوسموس واللوغوس. حيث بدأت الإرهاصات الأولى في البحث عن العلة الحقيقية للكون أو المبدأ الأساسي الذي أرجعوه إلى أصل مادي، وهو الماء والهواء والبخار. وكان البحث والإستقصاء خارجيا وكونيا متجها إلى السماء ومكوناتها بحثا عن أصل الوجود بما هو موجود، ولم يهتم بالإنسان إلا في فترات لاحقة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر