الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاء اليوم الموعود The Promised Day Has Come (2)

راندا شوقى الحمامصى

2022 / 7 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عالم معرض عن الله

بعد دورة توشك على مائة عام ماذا تبصر العين، حينما يستعرض المرء المسرح الدولي ثم يرتد بصره إلى أوائل التاريخ البهائي؟ يرى عالما شنجت أعصابه بلايا الأنظمة المتطاحنة وشعوباً وأمماً جهدها شرك الأكاذيب المتراكمة فأخذت تزداد إعراضاً على إعراض عن مدبر مصائرها الأوحد، وترى ديناً لا يزال منبوذاً وإن طفق يتفجر من بين أطباق صدفته خارجاً من ظلمات قمع دام قرناً من الزمان ليرى أمامه شواهد نقمة الله وغضبه وقهره ثم ليقوم على أطلال مدنية خربة محطمة. ترى عالماً عديم الروح مفلس الأخلاق، متهالك السياسة، متشنج المجتمع مشلول الإقتصاد متلوياً داوياً متصدعاً تحت عصا الله المنتقم، وترى ديناً لم يستجب لندائه أحد ونبذت مطالبه وحصد أتباعه وانتقصت أهدافه وأغراضه وتجوهلت دعواته لحكام الأرض، وشرب مبشره كأس الشهادة وانصب على رأس مؤسسه سيل من البلايا التي لم يسمع بمثلها إنسان، وناء مثاله الأعلى تحت عبء أحزان تستغرق العمر الطويل وبلايا قاسية ترى عالَماً ضلّ طريقه وأخذ لهيب الدين المتألق يخبو فيه بسرعة والوطنية الطنانة والجنسية المجعجعة تسلب حقوق الله نفسه وامتيازاته والمادية البحتة التي هي النتاج المباشر للادينية، ترفع رأسها الظافر وتبرز ملامحها القبيحة - عالما أخزيت فيه شوكة السلطنة وخلع معظم الذين يحملون رموزها عن عروشهم. وهان فيه شأن النظم الدينية الإسلامية التي كانت قوية في يوم من الأيام والأنظمة المسيحية التي كانت لا تقل في قوتها عن نظائرها الإسلامية وتنخر سموم الأحقاد والضغائن والفساد المواضع الحيوية في مجتمعه المضطرب فعلاً أجسم الاضطراب وترى ديناً تجاهلوا مؤسساته -وهي النموذج والتاج الوهاج للعصر القادم وداسوها أحياناً واقتلعوا جذورها- كما سخروا من منهجه المزدهر وعطلوه وشلّوه بعض الشيء- واحتقروا نظمه البديع المشرق وتحدّوه وهو الملاذ الوحيد لحضارة يحتضنها الهلاك - كما اغتصبوا أول معابده وانتزعوا ملكيته وسلموا بيته (قبلة الأمم) إلى أعدائه الألداء منتهكين حرمته؛ بعد حكم ينافي العدالة كما شهدت بذلك أعظم محكمة في العالم.

ونحن في الحقيقة نعيش في عصر إن أردنا أن نقدره تقديراً صحيحاً –يجب أن نعدّه عصراً يشهد ظاهرة مزدوجة- يدل وجهها الأول على سكرات موت يعانيها نظام عقيم غافل عن ربه يرفض في عناد أن يوفق بين تعاليمه وبين المبادئ والمثل العليا التي أتى بها دين سماوي له من العمر مائة سنة- بالرغم مما أتى به من علامات وإنذارات-. أما الوجه الثاني لتلك الظاهرة –فيشير إلى الآلام التي تسبق ميلاد النظام الإلهي الذي ينمو نمواً غير ملحوظ في أحشاء هيكله الإداري جنين حضارة عالمية لا مثيل لها- أولهما- أخذ ينطوي ويتحطم تحت وطأة الجور والدمار- على حين يفتتح ثانيهما آفاق للعدل والوحدة والسلام والثقافة مما لم يشهد بمثله عصر من قبل –أولهما- استنزف قواه وأبدى بطلانه وعقمه وأضاع فرصته التي لا تعوض مسرعاً إلى هلاكه المحتوم- بينما أخذ ثانيهما يحطم أغلاله قوياً لا يقهر ويثبت بجدارة أنه الملجأ الوحيد الذي تستطيع فيه إنسانية منهوكة القوى مطهرة من أدرانها أن تبلغ غايتها- ولقد تنبّأ بهاءالله نفسه فقال: "سوف يطوى بساط الدنيا ويبسط بساط آخر."

أيها الأحباء الأعزاء! تقع مسؤولية المحن التي مُنِيَ بها دين بهاءالله وقوعاً شديداً لا مفر منه على أكتاف هؤلاء الذي دفعت أيديهم عنان السلطة المدنية والدينية. فملوك الأرض واقطاب العالم الدينيون يجب أن يتحملوا على السواء وقبل كل شيء عبء مثل هذه المسؤولية الجسيمة بذلك يشهد بهاءالله نفسه حين يقول: "يعلم الجميع أن كل الملوك معرضون وأن جميع الأديان مخالفة."

متلقّـــــو رسالتـــــــه

لا ينبغي لنا أن ننسى أن ملوك الأرض وأقطاب أديان العالم هم الذين اتخذهم حضرة الباب وحضرة بهاءالله فوق كل طوائف الناس - أهدافاً مباشرة للرسالة التي أعلناها. وكانوا هم الذين يتمتّعون دون منازع بسلطان زمنيّ ودينيّ مطلق على رعاياهم وأتباعهم، وكانوا هم الذين يتحملون المسؤولية العليا عن المظالم التي يرتكبها أتباعهم ممّن كان بيدهم توجيه مصائرهم. فلا عجب أن وجه مؤسس الدين البهائي ومن قبله مبشّره إلى حدّ أقل - إلى حكام الأرض وأقطابها الدينيين كل قوة رسالتيهما، وجعلاهم أهدافاً لبعض من أسمى ألواحهما ودعياهم في لهجة واضحة مُلحّة إلى أن يعيروا دعوتهما أسماعهم. ولا عجب أن نبّها إلى نفاسة الفرص السوانح التي كان في مقدور هؤلاء الحكام وأولئك الزعماء اقتناصها، وعناء تحذيرهم وإنذارهم، بجسامة التّبعات التي تقع على كواهلهم من جراء الإعراض عن رسالة الله ثم كلّفا نفسيهما حين أغفلوهما وأعرضوا عنهما -عناء التنبؤ بالنتائج الوخيمة التي يتمخّض عنها مثل هذا الإغفال والإعراض. ولا عجب أن نرى ملك الملوك وخليفة الله نفسه ينطق بهذه النبوءة العظيمة الجامعة حين نبذوه واحتقروا شأنه واضطهد قال: "رُفعت العزّة عن طائفتين الأمراء والعلماء."

أما الملوك والأباطرة الذين لم يرمزوا بذواتهم إلى جلال السلطان الأرضي فحسب بل وتمتع معظمهم فعلاً بسلطان لا يقبل التّحدي ولا المناقشة على جموع شعوبهم فإن صلتهم بدين بهاءالله تكوّن قصة من ألمع القصص في تاريخ عصر البطولة المجيد والعصر التكويني للدين. فتلك النداءات الإلهية التي اتّسع نطاقها بأن شملت هذا العدد الضخم من الرؤوس المتوجة في كلاً من أوروبا وآسيا؛ وتلك الخطة وهذه اللغة التي كتبت بها الرسالات والتي جعلتهم يتّصلون اتصالاً مباشراً بمنبع الوحي الإلهي. وطبيعة استجابتهم لمثل هذا الوقع الجبار، والنتائج التي تلت –والتي لا يزال في الإمكان مشاهدتها إلى يومنا هذا- هي أبرز ملامح موضوع لا أستطيع أن أقربه إلا قرباً غير كاف: موضوع سوف يعالجه المؤرخون البهائيون في المستقبل معالجة كاملة لائقة.

إمبراطور الفرنسيين نابليون الثالث أقوى ملوك أوروبا في عصره، والبابا بيوس التاسع أكبر رأس في أعلى كنيسة في العالم المسيحي والقابض على صولجان السلطة الزمنية والروحية؛ واسكندر الثاني جبار الإمبراطورية الروسية المترامية الأطراف والملكة فكتوريا الشهيرة التي كان سلطانها يمتد على أعظم اتحاد سياسي شهده العالم، وولهلم الأول قاهر نابليون الثالث وملك بروسيا والذي أعلن نفسه آنذاك عاهلاً على ألمانيا الموحدة، وفرانسيس جوزيف الإمبراطور الملكي الأوتقراطي على رأس مملكة النمسا وهنغاريا ووارث الدولة الرومانية المقدسة الذائعة الصيت؛ والسلطان الطاغية عبدالعزيز مظهر القوة المركزة في السلطنة والخلافة، وناصر الدين شاه الخبيث حاكم إيران المستبد وأقوى أقطاب شيعة الإسلام –بل نستطيع القول فنقول أن معظم مظاهر القوة والسلطان البارزين في عهد بهاءالله أصبحوا واحداً تلو الآخر محطاً لانتباهه الخاص وألزموا أن يتحملوا – على درجات متفاوتة عبء القوة التي أبلغتها اليهم نداءاته وإنذاراته، على أنه لا ينبغي أن يغرب عن البال أن بهاءالله لم يقصد إبلاغ رسالته على نفر قليل من الملوك مهما أوتوا من قوة السلطان وبسطة الملك؛ بل أن قلمه قد خاطب كل ملوك الأرض جماعة وناشدهم وحذّرهم حين كان نجم ظهوره يعلو إلى السمت وحين كان سجيناً تحت رحمة عدوه الملكي وعلى مقربة من بلاطه. ففي لوحٍ خالدٍ يعرف بسورة الملوك يخاطب السلطان نفسه ووزراءه وملوك العالم المسيحي وسفير الفرنسيين وسفير العجم لدى الباب العالي وزعماء الإسلام في الآستانة وحكماء المدينة وأهلها وشعب إيران وفلاسفة الأرض كلاً على حدة ويعنفهم ويوجه كلماته إلى معشر ملوك الشرق والغرب على هذا النحو...
The Promised)
Day Has Come توقيع حضرة شوقي أفندي 28 March 1941)

في الجزء القادم "الألواح إلى الملوك".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي