الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الحاديةَ عَشْرَةَ

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


١١

توقفت يدي عن الكتابة وانقطع خط الوعي فجأة وتناهت إلى سمعي بعض الأصوات الخافتة وبعض الظلال ورفعت رأسي عن الكراسة حيث رأيت بعض زبائن المقهى واقفين ليس بعيدا عني يتهامسون بقلق مع صاحب المقهى الجالس على كرسيه دون أن يبدو على وجهه أي تعبير، ولحظتها انفتح باب المقهى ودخل شرطيان الواحد وراء الآخر، نهض صاحب المقهى وحياهم بصوت خافت ورجع جالسا على كرسيه. أتجه الشرطيان نحوي يتبعهم بعض الزبائن من على مسافة، وقال أحدهم وهو يقف أمامي بأدب: أيها السيد .. رئيس المركز يطلب مقابلتك، أرجو أن تأتي معنا إلى مركز الشرطة إذا سمحت. كنت كمن استيقظ من النوم فجأة ولم أستطع سوى أن أتمتم: مركز الشرطة؟ مركز الشرطة لماذا؟ فقال الشرطي الآخر بهدوء مصطنع: لمجرد روتين إداري على ما أعتقد، الرئيس سيخبرك عن السبب بلا شك، نحن هنا فقط ننفذ الأوامر. يبدو أنه لا مجال للنقاش، وأقفل الشرطي الأول الكراسة التي كانت أمامي ووضعها تحت إبطه بكل بساطة وقال بصوت حازم لا مجال لعدم إطاعته : هيا هيا. لقد حدث الأمر بسرعة غريبة لم أستطع معها أن أفكر في مواجهة الموقف، رغم حركاتي الغير منظمة التي تشير إلى الكراسة مطالبا إعادتها لي، فنهضت وتبعتهم بصمت ودون أن تخطر في ذهني فكرة الرفض أو المقاومة. كان الزبائن قد التفوا حول صاحب المقهى في نقاش بدأ يعلو تدريجيا ورفعت يدي أحييهم وسرت وراء الشرطي الأول بينما كان الآخر يسير ورائي وكأنه يخاف أن أهرب. كان بعض المارة وأصحاب الدكاكين ينظرون إلي باستغراب وتشع في عيونهم تلك الرغبة الملحة التي لا يمكن كبتها في معرفة الأخبار التي لا تعنيهم ولا تخصهم، ماذا فعلت يا ترى في هذه الظهيرة المحرقة؟ ومن أنا ؟ وماذا أتيت أفعل في هذا المكان ؟ سرنا في الشوارع المتربة عدة دقائق، حتى وصلنا إلى المركز الذي لم يكن بعيدا وأدخلوني إلى حجرة صغيرة وطلبوا مني الإنتظار ثم أقفلوا الباب وراءهم، دون أن أجد الوقت أو الفرصة للإحتجاج. بقيت للحظات واقفا أنظر إلى الباب المغلق آملا أن يفتح من جديد، ثم أدرت نظري في أنحاء الزنزانة الصغيرة، جدران قديمة مقشرة الطلاء، الذي لا يمكن تحديد لونه ولم تكن هناك أية فتحة أو نافذة، الضوء الوحيد صادر من لمبة صفراء معلقة في وسط السقف بخيوط سوداء مغبرة، والجدران تبدو وكأنها تتأهب للحركة وللإنقضاض علي، وتقترب من بعضها البعض في بطء مشبوه لتحولني في النهاية إلى مكعب صغير كالنرد. الحجرة كانت عارية وخالية من أي أثات، فارغة، فجلست على الأرض وبدأت أفكر في ما يحدث وسألت الله عن كيفية الخروج من هذا المأزق. ليست لدي كراسة ولا أوراق للكتابة، غير أن الجواب كان واضحا وشفافا في وعيي.
- ليس هناك معنى خفي لما يحدث، أنت وحدك وليس غيرك المسؤول عن الأحداث التي تخصك. لقد حفرت قبرك بيديك كما يقولون. لماذا أخبرت هذا الرجل بما تكتبه؟ ماذا يفيدك ذلك؟ لماذا جعلت منه "بصاصا" للشرطة وقد كان يقوم بعمله بشرف وبساطة؟ لماذا أدخلته في قصتك وهو لم يطلب منك شيئا؟
- لم أكن أتوقع أن يذهب إلى الشرطة ليخبرهم عن حديث دار بيني وبينه في محل عمله، إنه لم يحترم حتى ما يسمى بسر المهنة، لقد كنت زبونا لديه.
- هذه مشكلتك، فأنت الذي أدخلته في قصتك وعليك أن تخرجه منها إذا كنت تعتقد أن هذا الأمر لا ضرورة له، فأنت الذي خلقت هذه الشخصية وعليك تدبير أمورك معه.
وحل صمت طويل وبقيت جالسا على الأرض واضعا رأسي بين يدي، وأحسست برغبة ملحة في سيجارة وفنجان من القهوة أو كأس من الماء أو البيرة أو الويسكي أو أي شئ سائل يمكن شرابه.
- الويسكي مضر بالصحة كما تعرف، بالإضافة إلى أنه يجب الإختيار بين الويسكي والقهوة.
- أنت تتكلم مثل طبيب، ألهذا حرمت عبادك من هذا المشروب، لأنه ضار بالصحة؟
ـ لن نعاود هذا الحوار القديم مرة ثانية، أنا لم أحرم ولم أحلل شيئا. كيف تريدني أن أحرم شيئا خلقه الإنسان ذاته قبل حتى أن يسمع بي أحد؟ أليس هو المسؤول عن أفعاله؟ أم تعتقد حقا أن الشيطان هو الذي اكتشف تحول السكر إلى كحول وهو الذي يخرج الويسكي من معامل النقطير؟ النشوة جزء من الحياة، هناك من يسكر بالهواء النقي في السهول والجبال البرية وهناك من يسكر بالحديث أمام الميكروفونات وعلى شاشات التلفزيون وهناك من يسكر برائحة الخروف المشوي وآخرون برائحة الدم، لكل مشروبه المفضل، والكل مسؤول عما يبتلعه، لكم مصارينكم ولي مصاريني كما يقول الشاعر، فقط لا يجب المبالغة، أو كما يقول شاعر آخر: إقلب كأسك قبل أن يقلبك.
- خرّف، خرّف
- ربما أنا أخرّف، ولكن أنت بدأت تجذف، أحذر فللجدران آذان ..
- أعرف ذلك، للجدران آذان وعيون ..
قلت ذلك وقد شعرت بالنعاس يدب في أوصالي من شدة الحرارة وشعرت بالرغبة في الإستلقاء على الأرضية الإسمنتية الباردة، لحظة سمعت خطوات ثقيلة في الممر، انفتح بعدها باب الحجرة وظهر شرطي على المدخل يبدو كأنه استيقظ لتوه من قيلولة طويلة وأشار لي بأن أتبعه.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي