الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شياطين الله.......3

ياسر المندلاوي

2006 / 9 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إختلاف البشر في الشيطان، تجاوز حقيقته الراهنة، إلى أصله وفصيله، أي حقيقته قبل أن يكون شيطانا. والملاحظ في هذا الشأن إن الإختلاف لا ينحصر بين دين وآخر، وإنما يتعداه إلى أتباع الدين الواحد أيضا. وهنا سنتجاوز أولئك الذين ينكرون كائنية إبليس كشخص حقيقي - وهو ما يذهب إليه اللاهوت المسيحي الليرالي - بإعتبار إن الذي لا وجود له حقيقة لا أصل له بأي حال من الأحوال ولا جدوى من مناقشة أصل ما ليس له أصل. ولكننا بالمفابل نحاول الإقتراب من الرؤية التي تتحكم في تصورات أولئك الذين يؤمنون بوجود إبليس ومعه ذريته من الشياطين. وأول ما يواجهنا في هذا الشأن تطابق الرؤية بين الديانات التوحيدية لصفات إبليس قبل إبلاسه. فهو : كامل في طرقه من يوم خلق حتى وجد فيه إثم.(حزقيال 28:11-19)، أي أنه خلق كاملا وتعمد الإنحراف والتمرد، كما في التفسير المسيحي المستوحاة من سفري يوحنا ويعقوب. ومثله في الأدبيات الإسلامية التي تشير بوضوح إلى أن الله خلق إبليس مختارا طاهرا وكان من العباد قبل أن ينزل عن مرتبته السامية ليصبح شيطانا رجيما. وبإختصار، هناك توافق فيما كان عليه إبليس قبل أن يكون شيطانا من جهة الصفات التي كان عليها، أي من جهة تعبده وصلاحه ومكانته لدى الله وشدة طاعته، بل وجماله المكافيء لجمال ملك صور الذي( يوصف شعريا بأنه كامل الجمال){برج المراقبة أوكتوبر 2002}، غير أن هذا التوافق يتبدد عندما ننتقل إلى تحديد هوية إبليس فيما إذا كان من الملائكة أم من الجن، فهو، حسب المصادر المسيحية، من الملائكة، وحسب المصادر الإسلامية، ولاسيما القرآن، من الجن. وقبل أن نفصل في مديات الخلاف بين القولين، يكون مفيدا الإشارة بأن الجن كل من إجتن فلم ير، وقيل إن إبليس يسمى بالجنان لأنه كان خازنا من خزان الجنة وكان يدعى الحارث أو عزازيل.
إن الذين يقولون بأن إبليس كان من الملائكة يستندون في قولهم إما على ما ورد في الكتاب المقدس عن المخلوقات الروحانية التي صنعها الله قبل وقت طويل من خلق البشر(أيوب4،7:38)، وتدعى ملائكة(عب 13،14:1). أو على ما ورد في القرآن كقوله تعالى في سورة البقرة آية 34 (وإذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى وإستكبر وكان من الكافرين)، وكذلك ما ورد في سورة الأعراف آية 11 (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة إسجدو لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) ، وسورة الإسراء آية 61 ( وإذ قلنا للملائكة إسجدوا فسجدوا إلا إبليس قال ءأسجد لمن خلقت طينا). وقد كانت هذه الآيات مدعاة الإستنتاج بأن الله إستثنى إبليس من جميع الملائكة الذين أمرهم بالسجود ( فدل بإستثنائه إياه منهم على إنه منهم) لأخباره جل ثناؤه ( أنه قد أمر إبليس فيمن أمره من الملائكة بالسجود لآدم) { الطبري }. ويذكر بأن الفريق الإسلامي الذي يذهب إلى القول بملائكية إبليس قبل إبلاسه لا يذهب إلى إنكار إنه كان من الجن، وذلك لصريح قوله تعالى ( وإذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه). فهذا الفريق يقول بملائكية الجن أنفسهم، ولما كان إبليس من الجن فهو في معنى الملائكة. أما الذين ينكرون ملائكية إبليس فإنهم يبنون قناعاتهم على ما ورد في القرآن بأن إبليس كان من الجن كما في الآية أعلاه. وأيضا على إخبار الله عما خلق منه الجن (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) { سورة الحجر آية 26} في مقابل عما خلق منه الملائكة ألا وهو النور، إعتمادا على حديث روته عائشة وذكره مسلم في صحيحه، علما بأن الله قد ترك إخبارنا عما خلق منه ملائكته كما يقول الطبري في تفسيره. وأخيرا بني إعتقاد هذا الفريق على القول بأن الملائكة ليست لها حرية الإختيار بين الطاعة والمعصية، فليس لها سوى الطاعة، على خلاف الجن والإنسان.
إن الفكر الديني في هذه المسألة تحديدا، يفصح عن تعارضاته بين إرادتين هما إرادة واحدة، إرادة الله وإرادة الإنسان. فمن جهة إنصب جهد الله على أنسنة كل ما يمكنه أن يشكل تهديدا لوحدانيته المطلقة، ومن جهة أخرى سعى الإنسان إلى تأليه ذاته بوسائط تنتمي إلى مرحلة حلول الترضية بين الله الواحد الأحد والآلهة المتعددة التي سلمت بحرمانها من عالم الألوهية، دون أن تفقد الأمل بولوج هذا العالم مرة أخرى، مقابل تمتعها بمرتبة سامية هي دون مرتبة الله وفوق مرتبة البشر، فكانت الملائكة والجن منهم أو بمعيتهم، عنوان هذه المرحلة. ولهذا كلما أمعن الله في تأكيد إنتماء وسائطه الروحانية للإنسان، كلما أمعن الإنسان في رفع مرتبتها فوق البشر أملا في الإرتقاء معها إلى حيث يتأمل. والخطوة الأولى للإنسان نحو تحقيق ذاته بكيفية الإرتقاء إلى مراتب الإلوهية كانت مع الحارث أو العزازيل حسب المصادر الإسلامية أو لوسيفر حسب المصادر المسيحية ، الذي سبق له أن تمرد على الله وعصى أمره فأبلسه الله شر إبلاس. وقصة إبليس مع آدم وحواء معروفة ولا حاجة لنا بسردها، ولكن الذي بعنينا في هذا المقام هي تلك الجزئية التي تشير إلى أن إبليس أغواهما كي يأكلا من الشجرة التي نهاهم الله عنها بإدعاء مفاده بأنهما يصيران كالله يعرفان الخير والشر (تكوين 3)، أو كما الملائكة كما في قوله تعالى ( وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) { الأعراف آية 20}. إذن، وسوسة الشيطان لآدم وحواء كي يأكلا من الشجرة هي ذاتها رغبة الإنسان في إقتحام عالم الإلوهية، وهذا يفسر سهولة إنقيادهما لتلك الوسوسة والشروع في الأكل من ثمار الشجرة دون أدنى إكتراث لتهديدات اللة. لذا نحن نذهب إلى القول بأن الإنسان في شخص آدم وحواء، سعى لتحقيق ما يصبو إليه، ولم تكن تلك وسوسة الشيطان إلا بمعنى تضادها مع إرادة الله في الإلوهية المطلقة. وبهذا المعنى نقول بإقتران الشيطان بالإنسان، فهو لا وجود له خارج الإنسان، أو كما يقول محمد (ص): إن الشيطان يجري من إبن آدم مجرى الدم (القرطبي). وبكلمة، إن أصل الشيطان هو الإنسان، من نور كان أو من نار، ملك هو أو جان، لا يعدو أن يكون غير الذي يعد شرا في الإنسان..... يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah