الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكارٌ بسيطةٌ غير ملزمة لأحد .(12)

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2022 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أذكر من خلال تجربتي المُتواضعة في حقل التعليم لمادة الفلسفة، كيف أنني كنتُ اتلقى دائماً - في نهاية المنهاج لكل عام دراسي- ، عشرات بل مئات الاطراءات والثناءات من طلابي وطالباتي وأهليهم،
و رغم غبطتي بهم، وبتقديرهم لي ، وثناء تعبيراتهم السخية، إلا أنني مازلت أذكر - حينذاك - كيف كانت اكثر التعبيرات تأثيرا علي، تلك التي تقول لي بشكرِ شديد وحار :
"لك جزيل الشكر حقاً يا أستاذ ، لقد أحييتَ الفلسفة فينا، وصحّحت فهمنا عنها جذرياً.
ولكن رغم انني كنت أُسعد جداً بتلك العبارات الوجدانية والعفوية الصادقة، الا انني كنتُ في المُقابل، أشعر في غياهب أعماقي ، بالحزن الدفين والقلق المكين ..
أولاً : لإعتقادي العميق، في أن الإعجاب الشديد يقضم بيادر الشك في الفهم ، ويُمَكنُ سطوة العواطف المضللة في مفاعيل النفس، و يُغلق يإحكام بوابات السؤال، حول ما يعتقده الذهن يقيناً مبرماً.
وثانياً : خوفاً وتوجساً من ان يُغلق هذا الإعجاب الجارف والتقدير الوارف ، حدودَ الفهم ويقتل ذاك التقدير العارم، مخيال الدهشة والتصور لدى القائل ..
فتصبح أفهامهم - فيما بعد - مسلوبة بالزهو ، أو مُقادة لأحوال الشكر واللهو ، أي تابعة ومقلدة، لا مُبتكرة أو مُتشككة ، وبالتالي تحول دون إمتلاكهم الذهنية الناقدة، وبالتالي حرمان عاقليتهم من الفوز بنصيبهم من الروح المتمردة الواقدة، و الباحثة المُفنّدة أو الداحضة..
ولهذا كنتُ أرد عليهم مسرعاً و معبراً بالتعليق :
بل قولوا لي فقط :
لقد احييت ذواتنا الموؤدة منذ قرون، من خلال إيقاظ فهمنا نحو حقيقة وجوهر حياة الفلسفة، التي كنا غائبين عنها، رهبةً وقهراً وجهلاً وقسراً ..
بالطبع كنت أقول لهم هذا ،
لأن الفلسفة - في زعمي - هي سبيل وعي، و ترياق شافٍ للقلق، وماء طهور، يُحي كلَّ ذي فهم ميتٍ، غارق في محيطات الأجوبة الناجزة والمقدسة.
ثم لأني أوقن تماماً، بأن القيمة الكبرى في المعرفة ، يجب أن يُوليها المرءُ لنزاهةِ العقل أولاً ، وليس لهيابة الأفكار التي يعقلها، أو التي يكتسبها وحسب ..
أنا أقول هذا ، ربما لأنني بتُّ أعتقد بشدة ، أن الأفكار في آخر المطاف ستتغيّر وتموت، مهما كانت عظيمة و كسبت من أتباع أو بدتْ مُقدّسة،
بل وأظنها ستنطفئ حيناً ما ، بمجرّد أن يَطالها قانون الصيرورة في هذا الوجود اللانهائي، أو عندما تلامسها عتبات الأفكار الوليدة ، والتي سيأتي بها حال الواقع الجديد حتماً ، بإستمرار فياض لا ينقضي ولا ينقطع ..
ومن يدري لعل هذا الأمر بالتحديد ، ما يجعلني أرى في الواقع الموضوعي عبارة عن قبرٍ بارد أصم لانهائي وغامض ، لم و لن يُسمح لنا مطلقاً بأن نكون شواهده الدائمين ..
بل لربما أقصى ما يُمكِننُا القيامِ به ونحن نمخر عباب محيطاته الغامضة،
هو ادراك وجوده الحي فينا من خلال.. الفن والموسيقى.. وإحساس الجلال.. والفلسفة ..
.
- للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة