الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 74

ضياء الشكرجي

2022 / 7 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَاذكُرُوا اللهَ في أَيّامٍ مَّعدوداتٍ فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فَلا إِثمَ عَلَيهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثمَ عَلَيهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَموا أَنَّكُم إِلَيهِ تُحشَرونَ (203)
هذه الآية تكملة لأحكام الحج، مع التذكير الذي يتكرر في القرآن بأن الجميع سيرجعون إلى الله، أو سيحشرون إليه، فينال كل جزاءه، ثوابا أو عقابا، ومن هنا من أجل ضمان الثواب، على المؤمن، والمقصود المؤمن بالإسلام حصرا، فغيره كافر بالضرورة؛ على هذا المؤمن المسلم ألا يكتفي بالإيمان، ولا يكتفي بالالتزام الشكلي بالعبادات وبقية الواجبات والانتهاء عن المحرمات، بل يجب التحلي بالتقوى، أي استحضار رقابة الله له في كل شاردة وواردة، في كل فعل وترك، في كل حركة وسكون، في كل قيام وقعود، في كل رضا وغضب، في كل حب وبغض، في كل سلام وحرب. وهذا يعني طاعة متواصلة لله، ولا تكون الطاعة بالله، إلا بطاعة أحكام الإسلام، وبطاعة محمد.
مِنَ النّاسِ مَن يّعجِبُكُ قَولُه فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيُشهُدُ اللهَ عَلى ما في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ (205) وَإِذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهادُ (206)
إذا تناولنا هذه الآيات الثلاث بتجرد، كحالة عامة، وبقطع النظر عن قرب وبعد هذا النوع من الناس من الإسلام، وبقطع النظر عما عناه مؤلف القرآن، فهو توصيف دقيق لشريحة من الناس، تتمتع بقابلية تنميق الكلام، وتتقن فن القول المعسول، لكن المغموس بالسم، فتنال إعجاب الناس، أو على الأقل عديمي الخبرة، وبشكل خاص أولئك الذين يتمتعون بشيء من السذاجة، مما يجعلهم ينخدعون بسهولة بالكلام الجميل، فيا أيها الإنسان كن فطنا وواعيا، فهذا الذي «يّعجِبُكُ قَولُه»، ولا يكتفي بالكلام المعسول بل يؤكد مرة بعد أخرى صدقه، فإذا كان كلامه مع المؤمنين بالله، تراه يتكلم بلغة الإيمان «وَيُشهُدُ اللهَ عَلى ما في قَلبِهِ»، بينما هو في حقيقة الأمر «أَلَدُّ الخِصامِ»، حيث يضمر الشر للناس، من أجل تحقيق مآربه، فإنك تراه «إِذا تَوَلّى»، أي امتلك السلطة، «سَعى فِي الأَرضِ» مضطهدا أهلها، مضيقا على حرياتهم، مانعا الرأي المخالف له، تراه يسعى في البلاد «لِيُفسِدَ فيها» بكل ألوان الفساد والظلم، ويدمر اقتصاد البلد، ليزداد ثراءً، فإذا تطلبت مصلحته تراه يسعى لِـ «يُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ» «وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ». وإذا ما انتقد أو نصح بالإصلاح والكف عن ممارساته، هذا الذي تعبر عنه الآية بقول «وَإِذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ»، تراه عندها قد «أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ»، فينفي كل ما ينسب إليه من فساد وسرقة ثروة البلاد وتجويع الناس وعدم الاكتفاء بالإثراء الفاحش وغير المشروع. وكم نجد من المتدينين ومن الإسلاميين من يمارسون هذه الممارسات، ويواصلون خداع السذج من الناس بخطابهم الديني، أو الوطني، أو الإنساني، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك. التاريخ عرف الكثيرين من هؤلاء، وحاضرنا شهد الكثير منهم. أما من الذي عناهم مؤلف القرآن، فلا يعنينا الأمر هنا، فلعلهم كانوا فعلا من الأشرار الذين ينطبق عليهم هذا التوصيف، أو إنهم لا ذنب لهم إلا كونهم لم يؤمنوا به نبيا رسولا وبقرآنه كتابا منزلا من الله، ورأوا أنفسهم مضطرين لإخفاء عدم إيمانهم والتظاهر بالإيمان، أو كانوا من الذين تطبعوا على النفاق حتى من غير حاجة حقيقية إلى ذلك، لا ندري، المهم قد حكم القرآن على مثل هؤلاء أنْ «حَسبُهُ جَهَنَّمُ، وَلَبِئسَ المِهادُ» وبئس المعاد وبئس المستقر، حسب ما صَوَّرَ أو تَصَوَّرَ مؤسس الإسلام العذاب في الآخرة.
وَمِنَ النّاسِ مَن يَّشري نَفسَهُ ابتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤوفٌ بِالعِبادِ (207)
وفي مقابل ذلك الفريق آنفا، هناك فريق يشري، أي يبيع نفسه وحياته، ليشتري بها مرضاة الله، ولا تتحقق مرضاة الله حسب الإسلام إلا بمرضاة (رسول الله).
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادخُلوا فِي السِّلمِ كافَّةً وَلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُّبينٌ (208)
جميلة هذه الدعوة إلى السلم، إن قصد به السلام والصلح وتجنب القتال، وهذا ما ذهب إليه القليلون من المفسرين، فهو تفسير شاذ، وأغلب المفسرين فسروا السلم بالإسلام، وفريق فسره بالطاعة. وما يؤيد تفسير السلم بالإسلام أو بالطاعة، والنتيجة واحدة، هو قول «وَلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ» لأن اتباع خطوات الشيطان حسب فهم القرآن لا يكون إلا بعدم الالتزام بلوازم الإسلام وعدم الطاعة تمام الطاعة لأحكامه. لكن يمكن أن يكون أحد مصاديق اتباع خطوات الشيطان، اللجوء إلى القتال والحرب من غير مبرر، ومع هذا يبقى للقتال جوازا أو وجوبا الكثير من المبررات في القرآن والسنة. واختلفوا في تفسير «كافة»، منهم من قال هذا ما يجب على كافة المسلمين، ومنهم من ذهب إلى وجوب دخول المسلمين الإسلام وطاعة أحكامه ولوازمه كافة بلا استثناء شيء منه، صغير أو كبيرا، عبادة أو معاملة، شأنا فرديا أو اجتماعيا، اقتصاديا أو سياسيا، لأن الإسلام برنامج شامل لكل مناحي الحياة.
فَإِن زَلَلتُم مِّن بَعدِ ما جاءَتكُمُ البَيِّناتُ فَاعلَموا أَنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكيمٌ (209)
فإن زللتم عن طريق الإسلام من بعد ما بينه لكم القرآن وبينته لكم سنة نبيكم، ولم يأت جواب الشرط، بل اكتفي بتذكيرهم «أَنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكيمٌ» أي قوي وحكيم. ولا نعرف مناسبة ذكر هاتين الصفتين لله، العزة والحكمة.
هَل يَنظُرونَ إِلّا أَن يَّأتِيَهُمُ اللهُ في ظُلَلٍ مِّنَ الغَمامِ وَالمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَإِلَى اللهِ تُرجَعُ الأُمورُ (210)
لكن في هذه الآية يأتي الوعيد الموجه إلى من لم يدخل في السلم، بل زلّ واتبع خطوات الشيطان، ويكون الوعيد بتخويفهم بقيام الساعة، فهذه إحدى تصويرات أو تصوُّرات مؤلف القرآن عما يسمى بقيام الساعة، حيث «يَنظُرونَ إِلّا أَن يَّأتِيَهُمُ اللهُ»، ثم يصور لهم كيف يأتيهم الله، إنه يأتيهم «في ظُلَلٍ مِّنَ الغَمامِ»، «وَالمَلائِكَةُ» تأتي معه، «وَ[عندئذ يكون قد] قُضِيَ الأَمرُ»، فعندها «إِلَى اللهِ تُرجَعُ الأُمورُ»، ويصدر الحكم الإلهي، ثوابا ونعيما في الجنة، أو عقابا وعذابا في النار. فهل وقع مؤلف القرآن في التجسيم الذي كثيرا ما نجده في العهد القديم، من قبيل نزول الله ليقاتل إلى جانب بني إسرائيل، فعبّر بأن « يَّأتِيَهُمُ الله في ظُلَلٍ مِّنَ الغَمامِ»؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah