الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غسان كنفاني ما زال حاضراً في قلوبنا وعقولنا بعد 50 عاما على استشهاده .......

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2022 / 7 / 8
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



على الرغم من استشهاد رفيقنا غسان عن عمر لم يتجاوز الستة والثلاثين ومشوار طويل ومرير مع المرض، فقد ترك لرفاقه وأبناء شعبه وأمته العربية عموماً والفقراء والكادحين خصوصاً، أضعاف ما تستوعبه تلك السنين القليلة، عبر مشاعل مضيئة ما زالت تغوص في معانيها مشاعر المناضلين، وعقول وأقلام المثقفين الذين كتبوا آلاف الصفحات عن زخم إنتاج شهيدنا المثقف العضوي المناضل والروائي المبدع والكاتب السياسي والإعلامي والفنان غسان كنفاني الذي استطاع ان يصنع معجزته الفريدة، وترك لنا تاريخاً حافلاً بالإبداع والشموخ والتحريض على التغيير والثورة، يعتز به ويسير على هداه كل رفاقه في الجب....هة الشع.....بية الموزعين على مساحة الوطن في الأرض المحتلة 48، كما في مدن وقرى ومخيمات الضفة وقطاع غزة، كما في الشتات والمنافي في كل أرجاء هذا الكوكب ، يناضلون اليوم على أمل استعادة دورهم الطليعي كما كان في حياة غسان ، دون القفز عن المتغيرات التي اصابت القضية والمنطقة منذ استشهاده إلى اليوم .
- فمنذ اقتلاعه من أرضه عام 1948، ظل غسان¨ –كما يقول د. صالح أبو إصبع- يمتلك ما هو أكثر من الذاكرة، لقد كبر غسان اللاجئ الفلسطيني ليكبر معه الوطن وقضية الوطن، ولم يستطع أن يتجاوز ذلك الحلم والهاجس الدائم، فأسهم بإبداعه في صنع حياة الفلسطينيين من حوله، وخاصة رفاقه في حركة القوميين العرب والج.....بهة الشع......بية، لتكون حياة محكومة بالاشتباك الدائم مع العدو الصهيوني ومع واقع المعاناة والفقر والتشرد ، ومع الأنظمة العربية التي قهرت وما زالت تقهر الفلسطيني وتحوله إلى مجرد رقم أو بطاقة تموين أو موظف نفطي يكدس الأموال أو مطارداً للشرطة والمخبرين، هذا هو غسان الذي لم يكن مبدعاً أو روائياً فحسب بل كان مناضلاً وكاتباً سياسياً ملتزماً بأهداف ورسالة الحزب والجب.....هة واستشهد في سبيلها.
- الهدف (المجلة) كانت، الى جانب الإبداع الشخصي، هي من جعل من كنفاني هدفاً للاغتيال، لقد جمع رفيقنا غسان بين عمق المبدع، وجموح الثائر ، وعمق المفكر القومي التقدمي، وحنكة السياسي المناضل، لهذا مجتمعاً كان لا بد من اغتياله.
- ربما نسأل أنفسنا ، ترى لماذا لا زال يُكتَب حتى اليوم عن غسان كنفاني وكأنه اغتيل أمس او كان أدبه كتب قبل لحظة، والجواب بسيط ، غسان كنفاني مبدع متعدد الأوجه والدلالات والأفكار وعمق الرؤية، مع كل مرة تقرؤه تكتشف جديداً، كلما رأيته اكتشفت في وجهه ملامح جديدة، المؤسف اننا نستطيع الزعم بان العدو اكتشف مواهب الرجل قبل ان يكتشفها كثير من الفلسطينيين والعرب، فحسم أمره في حين لا زال البعض في الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية غير منتبه إلى ذلك الكائن السري الساكن بين حروف كنفاني.
- غسان والحكيم وأبو علي مصطفى وابو ماهر اليماني ووديع حداد وآخرين مثلهم.. انحصر همهم الأساسي في القضية الوطنية والنضال من أجل التحرير، وفي النضال من اجل تخليص فقراء شعبنا وكادحيه من معاناتهم دون أي قطيعة فقراء وكادحي الجماهير الشعبية في كافة بلدان الوطن العربي.
- ففي البلدان المتخلفة والتابعة ، وخاصة التي لم تتبلور فيها الطبقات ، فإن للمثقف وظيفته الرئيسية في رأينا تقوم على إسهامه في تطوير واستنهاض أو توليد الأحزاب السياسية الطليعية التي تناضل من أجل تغيير الواقع المهزوم وتجاوزه صوب أهدافها الوطنية والقومية المعبرة عن طموحات شعوبها.
- ولكن كيف يفسر هذا الكلام سلوك غالبية المثقفين الذين يؤثرون السير مع السلطة الحاكمة ؟ تأتي الإجابة عبر إقرارنا بوجود –واستمرار- الأزمة الشمولية الراهنة (السياسية- الاجتماعية- الاقتصادية والثقافية)، ذلك ان تشخيص أزمة الثقافة الفلسطينية ( دون عزلها مطلقاً عن إطار الثقافة العربية) لا يعدو أن يكون توصيفاً أو تحديداً لوجه من وجوه تلك الأزمة، وهو وجه لم يكن طوال التاريخ الحديث والمعاصر قادراً على تفعيل أدواته الثقافية أو المعرفية، تفعيلاً رائدا أو رئيساً في السياق النهضوي العام... فالفجوة تزداد اتساعا بين المثقف والواقع، بحيث يتبدى أن المثقف في واد، والواقع في واد آخر، إن هذه الصورة القاتمة دفعت الكاتب الفلسطيني "إحسان عباس" إلى التأكيد على أن غياب المثقف في أدب غسان كنفاني، يعود إلى اطمئنان غسان إلى قدرته على تصوير هذا العالم الواقعي الذي يعج بالكادحين البؤساء، بحيث جعله يشيح النظر عن عالم المثقفين أو النظر إليه في ريبة.
- والسؤال هنا لماذا اتخذ المثقف الشهيد غسان هذا المنحى؟ وهل يعود موقفه هذا إلى الممارسة الذاتية النخبوية للمثقف وغربته عن الواقع؟ أم إلى دور النظام أو المؤسسة الحاكمة (العربية أو الفلسطينية) التي صاغت مثقفاً لا تراه لأنها لا تريد أن ترى دوره الثقافي –السياسي المستقل- كما يقول فيصل دراج بحق، فالثقافة الناتجة عن السيطرة والخضوع لا يمكن أن تكون ثقافة جماهيرية ولا تنتج سوى مزيداً من أشكال الثقافة المأزومة، كما هو الحال في الثقافة التوفيقية أو التلفيقية التي تحتل في هذه المرحلة الهابطة، مساحة واسعة من إطار الثقافة العربية بسبب رئيسي يعود إلى جهود أولئك "المثقفين" المحترفين في إطار مؤسسة السلطة والحكم، او في إطار المنظمات غير الحكومية، وبالتالي فان أهم سمات أزمة ثقافتنا الحالية تكمن في تبرير الوضع القائم وإضفاء الشرعية على الممارسات السالبة - في النظام العربي والسلطة الفلسطينية- عبر أولئك المحترفين الذين لا هم لهم سوى قبض ثمن التكيف او التواطؤ عبر شعارات ديماغوجية قد ينخدع بها البعض في لحظة معينة ، لكنها لن تمتلك مقومات الثبات والديمومة ، إذ سرعان ما ستكشف حركة الواقع زيفها وغياب مصداقيتها .
- إن مهمة المثقف هي ممارسة النقد الجذري لما هو كائن التزاماً بما ينبغي ان يكون عبر وظيفته النقدية بالمعنى الموضوعي، وهي تتناقض كلياً مع وظيفة التبرير، هنا يتداخل عضويا مفهوم المثقف مع مفهوم الطليعة بالمعنى المعرفي والسياسي التي ترى الالتزام تجسيداً لرؤيتها.
- ولعل ذلك ما دفع "جرامشي" إلى التأكيد على دور "المثقف المتمرد" ، أو المثقف العضوي الملتزم ، فالمثقف بالمعنى الحقيقي هو الذي لا يرتضي بالأفكار السائدة أو المألوفة، هذا هو المبدأ الذي جسده غسان حتى لحظة استشهاده.
- فالثقافة بالمعنى الحقيقي، هي الثقافة النابعة من المثقفين الذين لا يرتضون بالأفكار المألوفة، وبأفكار الأنظمة التابعة التطبيعية الخاضعة والمستبدة.
- لذلك كله ، ينبغي على رفاق غسان في أوساط اليسار الماركسي في فلسطين والوطن العربي ، التمييز بين من يمارسون الفكر من أجل تغيير الواقع والثورة عليه، وبين من يمارسون تحطيم الفكر والوعي حفاظاً على مصالحهم وتبريراً للنظام أو السلطة او الواقع البائس الذي يحتضنهم.
- ولعل الواقع العربي، المصنوع من خيبات كثيرة ونجاح قليل، هو الذي يُقنع المؤرخ، حتى لو كان نزيهاً، بإضافة شيء تحريضي إلى التاريخ، على خلاف ذلك ، فان المثقف الملتزم (كاتب أو روائي أو فنان ) يرى الحاضر عارياً لكي يشتق رؤية المستقبل من معرفة الحاضر.
- فما قيمة الثقافة التي لا تتعاطى وتتفاعل مع الهموم الوطنية والطبقية للجماهير الشعبية، وما قيمة المثقف الذي لا ينخرط في العملية التغييرية؟ فجبهة الثقافة هي الجبهة الأخيرة في الواقع العربي المهزوم حسب المثقف التقدمي السوري الراحل "سعد الله ونوس" .
- والسؤال؟ كيف تتحول امة عريقة كأمتنا إلى نعاج تنتظر الذبح... أليس هذا ما آلت إليه هذه الأمة من وجهة نظر مثقف الانظمة الكومبرادورية وقوى اليمين أو السياسات الواقعية؟ إن رفضنا في أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في مغرب ومشرق الوطن العربي لهذا الاستنتاج، لا يعني إغفال هذا الواقع المهزوم، بل يعني التمسك – وبوعي عميق- بمبادئنا ودور أحزابنا الطليعي في هذه المرحلة تأسيساً للمستقبل، شرط أن نعمل بعزيمة وثبات على الخروج من حالة الأزمة التي تعيشها مجمل فصائل وأحزاب اليسار اليوم صوب النهوض الذي يتطلع إليه كل رفاقنا، فبالرغم من التجربة الطويلة والغنية، وما جسدته تلك الأحزاب والفصائل من تضحيات غالية ونهج ثوري مميز، إلا أنها تعرضت للعديد من الاهتزازات الداخلية التي لا يتسع المجال هنا للاستفاضة بها، ولكن أهم هذه الاهتزازات هو حالة التراجع الفكري والسياسي والتنظيمي الذي تشهده معظم أحزاب وفصائل اليسار في بلادنا في المرحلة الراهنة.
- ولذلك نحن مع غسان – كما يصف فيصل دراج- لن يكون الكفاح الفلسطيني مجدياً، إلا إذا كان كفاح مواطنين حررت إرادتهم وعقولهم، ولن يكون القائد الوطني جديراً باسمه إلا إذا كان واجبه التحريض على هذه الإرادة وخلق أشكال سياسية بلا مراتب وبلا رعية وأعيان أو محاسيب أو شلل داخل الحزب ، إذ أن استمرار هذا الوضع لن ينتج سوى قيادة عاجزة وغير متجانسة ستدفع بالحزب إلى مزيد من التفكك والخراب .
- في دراسته الرائدة عن ثورة 1936 لا يخلص فقط الى ان 92% من المشاركين فيها كانوا من الفلاحين وفقراء المدن، بل يخلص اولا الى بلادة وعجز وغثاثة القيادة السياسية المسيطرة، وقد تفصح دراسته عن حقيقة قيادة مضت، لكنها تفصح وتفضح .اولا معنى ومآل : "الشكل التقليدي للقيادة السياسية"، مهما كان الفكر الذي تقول به، والذي يحول المقاتلين او المجاهدين، او الشعب الى رعية يوجهها ويشرف عليها "الأفندية أو الأعيان" أو تيار الهبوط السياسي من رموز الفساد في هذه المرحلة وذلك في تقسيم استبدادي للعمل السياسي، يفصل بين القائد والمقاد.
- "اعرف عدوك" كان هذا شعار غسان، وهو يكتب رواية "عائد الى حيفا" ودراسته الرائدة عن "الادب الصهيوني" وهذا الشعار ينطوي لزوماً، على شعار سقراط الشهير "اعرف نفسك" يبدأ الشعاران من المعرفة، التي لا تظل معرفة الا اذا بقيت سيرورة مفتوحة، حالها حال الكفاح الفلسطيني في الاطار القومي الذي يستوجب العمل على تغييره وتجاوزه من خلال مواصلة وتفعيل النضال التحرري والديمقراطي بمنظور الطبقي الماركسي على طريق تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بافاقها الإشتراكية؛ وبدون ذلك حسب رفيقنا القائد الشهيد غسان فان الحديث عن النضال الفلسطيني متفرداً ضد العدو الاسرائيلي هو نوع من الوهم ؛ ذلك أن الصراع هو صراع عربي صهيوني بالدرجة الأولى يكون الفلسطيني في طليعته.
- غسان المواطن ، لا يتقن المواربة ولا يحبذ المواراة، فهو واضح كمثل اولئك الواقفين في طوابير استلام مئونة الاعاشة، يستلمون حصصهم ثم يشتمون من قام بتوزيعها!!! يقاتلون ويقتلون، فلا يشعرون بانهم قدموا شيئاً ، غسان ايضا يقول ذلك بطريقته ، فهو لا يستثني قيادة الثورة الفلسطينية من ذلك ، بل لا يستثني الشعب والمجتمع نفسه أيضاً حينما يصرخ "لماذا لم تدقوا جدار الخزان" انه يعتبر نفسه هنا كفلسطيني متأخراً باحتجاجه ، ليصل الى قمة السخط بتحميل بعض الادانة للضحية نفسها التي لم يكن احتجاجها عالياً في البداية.
- في هذا السياق لطالما تحول التساؤل الصارخ من اعداد غفيرة من المثقفين "لماذا لم تدقوا جدران الخزان"إلى سؤال رمزي ووجودي في الادبيات السياسية والفكرية والعربية، وحمل دلالات كثيرة لم تنفك عن تحليل ابعاد تلك الصرخة بالسؤال: ترى هل كانت ستتغير المعادلة لو قرعوا جدران الخزان؟! ، الحقيقة ان طلائع الشعب الفلسطيني دقت جدران الخزان، لكن العرب العاربة أصحاب المصالح الطبقية الخاضعين بلا حدود للشروط الإمبريالية كانوا غارقين في سبات تخلفهم
وعجزهم، وذهب البعض الاخر الى القول: انهم لن يستفيقوا حتى ولو أصمَّت أصوات القرع اذانهم.
- ماذا سيفعل الفلسطينيون عموماً ورفاق غسان خصوصاً في ذكراه اليوم في غزة التي باتت اليوم – ولأول مرة في تاريخها- تعيش حالة تختلط فيها الآمال الكبيرة مع اليأس الكبير، بعد ما شاهدت تفكك المشروع الوطني في أشلاء ضحايا أبنائها ودمائهم التي سالت هدراً في أزقتها وحواريها ومخيماتها ، لكن غزة ستعود من جديد لترفع راية وحدة الشعب ووحدة الأرض وراية النضال الوطني والديمقراطي، وراية الهوية الوطنية والوحدة الوطنية وراية المشروع الوطني من اجل الحرية والعودة والدولة المستقلة وعاصمتها القدس، لكن هذه الحقائق التي تجسدها غزة بكل مدنها ومخيماتها وقراها، لا تعمي بصائرنا وعقولنا عما يعيشه أبناء شعبنا في قطاع غزة الذين يسألون بصمت حزين ، مسكون بالأمل ، ما الفرق بين الزمن الفلسطيني اليوم وذاك، الذي نما فيه غسان؟ وعن ماذا سيكتب غسان لو عاش إلى هذا اليوم، الذي أضاف إلى مآسي الفلسطينيين القديمة مآسي وكوارث جديدة أشد خطراً من نكبة 1948، تتمثل في الانقسام الكارثي الذي مضى عليه خمسة عشر عاما أدت إلى تفكيك القضية والمجتمع ولم تفلح اتفاقات الوفاق الوطني واتفاقية للقاهرة 2011و2017في تحقيق المصالحة ودفن الانقسام ، واستمر الصراع على السلطة والمصالح ، الذي قد يعزز فصل ما تبقى من الوطن وتفكيكه بين مساحة لا مستقبل لها في قطاع غزة ومساحة في الضفة يمكن ان يتقاسمها العدو الإسرائيلي مع النظام الأردني... _ لا شك ان استشهاد الرفيق القائد غسان، أراحه من رؤية هذا المشهد... لكنه لو ظل بيننا فلن يفقد الأمل... ونحن معه في كافة فصائل وأحزاب اليسار وفي أوساط جماهيرنا الشعبية الفقيرة لن نفقد الأمل واثقين من ان المبادئ والاهداف التحررية الوطنية والقومية التقدمية هي التي تشكل وحدها جسر الخلاص من كل رموز الهبوط والتبعية والخضوع والاستسلام في بلادنا. وسنظل اوفياء لرسالة غسان ومبادئه المحمولة بكل الآمال الكبرى والتضحيات الجسام .
- ذلك إن تحرير فلسطين عمل ينجزه بشر احرار ؛ ولنتذكر ان حركات التحرر في العالم، لم تكن مرفوضة، استعماريا، الا بسبب مشاريعها الحداثية التقدمية الثورية التي تحلم بحقوق المواطنة قبل ان تتحدث عن الوطن: إضافة الى ذلك فان الصهيونية، أنشأت مشروعها الاستعماري متوسلة العلم والتقنية ودولة القانون والديمقراطية لليهود بالطبع .
- وبداهة فان غسان لم يكن مشغولاً بفكرة "الضمان" او الجائزة او الثواب العادل، وذلك لامر واضح محدد ولا خفاء فيه، على الانسان ان يخلق انسانيته الفاعلة المطلوبة أخلاقياً، كما لو كان الانسان الحقيقي مساوياً لمثال بعيد عليه ان يصيره، لن يكون الدفاع عن فلسطين والحال هذه، واجباً وطنياً مجردا ، ولا استشهاداً من اجل عاقبة حميدة، بل وجهاً عادياً من وجوه الانسان الحقيقي، الذي يرفض كل ما يثلم شرف الانسان ويحط من قيمته .
- ماذا لو كان غسان كنفاني لا يزال على قيد الحياة، - كما يسأل فيصل دراج- "يعتكز عصا عادية ويحدق في خيبة غير عادية"، ماذا لو عاد الى غزة والقى كلمة في جمع قليل لا يعرف اعماله ولا يعترف بها حتى لو عرفها؟
- قارئ غسان الفلسطيني - كما يستطرد دراج- انحسرت مساحته، منذ ان انحسر الافق السياسي الذي يذهب الى "يوتوبيا الأدب" تلك المدينة الفاضلة التي تتقدم في العمر ولا تشيخ.
- في ذكرى ميلاده او موته، أصدرت الناقدة "ماجدة حمود" قبل أكثر من عشر سنوات كتابا عنوانه "جماليات الشخصية لدى غسان كنفاني". مبرهنة ان الهامش المضيء لا يغيب حتى لو كان المركز الأسود سيداً، فالفلسطيني – الفقير والمضطهد خصوصاً- لديه ما تبقى له ... الأرض، الزمن، مواجهة العدو، كما يقول غسان في روايته "ما تبقى لكم" وكأنه يستشرف حالنا اليوم في مرحلة الانحطاط المحكومة بأنظمة الكومبرادور.
- لم يكن كنفاني سوى حلقة من الموت الفلسطيني الكثير الذي غطى تاريخ المنطقة منذ بدء الغزوة الصهيونية واكتسابها شرعية دولية مع وعد بلفور الى نكبة 48 الى هزيمة 67 الى اوسلو الى الصراع بين القطبين (فتح وحماس وغياب المشروع الوطني او الدولة وغياب الافق السياسي معاً) غير ان الموت الفلسطيني بدأ يتخذ شكلاً اخر غَيَّر مسيرة النضال والمعاناة الطويلة التي صارت مكوناً للهوية ولم تعد بحثاً عنها.
- الشعب الفلسطيني هو اليوم امام امتحان نهاية مرحلة كاملة من تاريخه، أي انه امام امتحان بداية جديدة، كما يقول الياس خوري، لكن البداية "هذه المرة لن تكون في فراغ، فلقد سال دم كثير وحبر كثير، ومن مزيج الدم والحبر ولدت حكاية رسمت صورة وتشكلت هوية" ، هي الهوية الوطنية في وحدتها مع هويتها القومية العربية .. ذلك هو المستقبل ولا شيء سواه .
- البداية الجديدة ستبني على البداية الاولى التي صنعها جيل غسان كنفاني ، فالنص الفلسطيني( رغم كل مناخ الهزيمة والاستسلام والتطبيع الراهن ) صار اليوم ارضا ثانية تحمي الارض التي يدور حولها الصراع وتعطيها تاريخا وشخصية واحتمالات نمو ، حيث تسمح لنا قراءة ادب الرفيق الشهيد غسان كنفاني، بان نرسم ملامح الصراع الرمزي الذي خاضه غسان، لتقدم اطارا مرجعيا لسؤال كبير: من هو الفلسطيني؟
- لقد تشكل الجواب عن هذا السؤال في مستويين :
- المستوى الاول، هو الارتباط بالارض والانطلاق من هذا المعطى، لتاسيس علاقة بالمكان.
- المستوى الثاني: هو الرد على النفي بالتأكيد، أي الرد على النفي الاسرائيلي لوجود الشعب الفلسطيني، بالانطلاق من المنفى كمعطى لتاكيد الهوية.
- من أقواله : اذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية فالأجدر بنا تغيير المدافعين لا القضية.
- لن ارتد حتى ازرع في الارض جنتي او انتزع من السماء جنة او أموت او نموت معاً.
- ولان غسان كان يؤمن بان الانسان ليس في نهاية المطاف الا قضية فان غسان كان قضية باعتباره مثقف التحرر الوطني الحزبي المنضبط، والنقدى معاً، والذي قد يأخذ صفة المثقف العضوي والثوري والملتزم.
- الواقع ان غسان كان يعيش قريبا من قارئه، ولهذا حاول ان يكتب من وجهة نظر القارئ بعد ان يعقد معه حواراً يسعفه في اكتشاف الافراد والوقائع كما يقول الروائي السوري نبيل سليمان.
- من الصعب على الابجدية ان تحاصر غسان كنفاني بين حبر وكفن ابيض ؛ فهل للدمعة مكان بيننا في ذكرى استشهاده... ام انه سيتحول لقضية في حلوقنا كلما قرأنا له او سمعنا اسمه في زحمة الاسماء (الاموات والاحياء ).
- لا بد من تأمل مسيرتنا الوطنية من أجل التحرير... لنكتشف اننا نسينا او تناسينا في غمرة تفاؤلنا، التوقف امام او مع قضايا اساسية : ما هي طبيعة الكيان الصهيوني الذي سنحاربه؟ ما هي العلاقة بين الكفاح المسلح والعمل السياسي، وهل يتكاملان ويتفاعلان، ام ان لكل منهما قناة منعزلة عن الاخرى، ما علاقة الكفاح المسلح بالتسييس داخل المجتمع الفلسطيني نفسه، وما قيمة صراع الفلسطينيين مع العدو اذا كان معزولا عن محدده الأول والاخير كصراع عربي صهيوني.
- ولذلك لا بد من استعادة البعد القومي إلى م.ت.ف، ولن يتحقق هذا الهدف قبل اصلاح المنظمة؛ ولكن السؤال : اذا كانت منظمة التحرير جبهة وطنية واسعة، فما هي القواعد السياسية التي تحرر هذا الاطار الواسع من نتائج وآثار الاعتراف بدولة العدو ، ومن الخضوع للهبوط السياسي الفلسطيني الراهن المرتبط بأوهام أوسلو أو أوهام الامريكان ، و أخيرا ما هي القواعد التي تحرر م.ت.ف من الشكلانية وسطوة واستبداد التفرد و "المحاصصة" واحادية الرأي او التناقض التناحري؟
- المشوار ما زال طويلا وشاقا ،فبعد مرور 74 عاما على قيام دولة العدو الصهيوني ، لا يزال الفكر السياسي الفلسطيني للأسف في غير مكانه المطلوب.
- مرة أخرى يحتفل عدونا الاسرائيلي بقيام دولته، ومرة اخرى نستعيد نحن الفلسطينيون اطياف ذكريات ماضية، ولكن في وضع مؤسف عنوانه "تزايد الصدام بين قطبي الصراع" وانسداد الافق السياسي بالنسبة للدولة أو المشروع الوطني لا فرق ، والسؤال هو: ما هي تلك الغنيمة الهائلة التي يتنازع قطبي الصراع المتصادمين عليها؟ لا شيىء سوى مزيد من الانهيارات والهزائم .. فالصراع الانقسامي بين الفلسطيني والفلسطيني لن يحقق نصرا لاي منهما ، وانما هزيمة جديدة لمن يزعم انه انتصر ، يؤكد على هذا الاستنتاج الواقع الراهن الذي يعيشه ابناء شعبنا في الوطن والشتات .
- ولذلك الحديث عن دولة فلسطين 67 في ظروف الانحطاط الراهن نوع من الوهم ولا حل سوى بالدولة الواحدة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها ضمن استراتيجية صمود على المدى البعيد، فلسطينياً ، تستند إلى الديمقراطية وحرية المواطن بما يضمن لشعبنا سيرورة تطوره الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي ..الخ و استعادة م.ت.ف لمنطلقها الوطني الجامع لكل شعبنا. وعربياً أيضاً لاستعادة بناء المشروع النهضوي الديمقراطي التقدمي الوحدوي العربي، المناضل ضد الوجود الإمبريالي الامريكي الصهيوني وإزالته انطلاقا من ان الصراع هو عربي صهيوني بالدرجة الاولى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا